أطفالنا بين ارتكاب فعل التنمر وضحاياه.. التوعية الإعلامية واجبة

د. وجدان فهد

أثارت قضية “التنمر” على طفلة إماراتية في برنامج تلفزيوني جدلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، مما حدا بمجلس الإمارات للإعلام أن يصدر بيانًا عاجلاً أكد عدم السماح بعرض أي محتوى يخالف معايير المحتوى الإعلامي المنصوص عليها في قانون تنظيم الإعلام أو القوانين الخاصة بحماية الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبعد تلك القضية برزت من جديد إلزامية مكافحة التنمر وحماية الأطفال من الأذى النفسي والجسدي،  فقد تبيّن ومن خلال وسم “مريم الشحي ألعاب النجوم” على منصة “أكس”، تويتر سابقًا، بأن غالبية الجماهير ترفض بشدة مثل هذه الممارسات وتطالب بحلول فعّالة لحماية الأطفال، كما يجب أن تكون “مريم” رمزًا للجرأة والقوة في مواجهة الصعوبات، فهي من الأطفال المبادرين الذين يشاركون بفاعلية في الأنشطة التطوعية والفعاليات الوطنية، على الرغم من التحديات الصحية التي تواجهها، إذ تعاني مرض السكري من النوع الأول، وتدهورت حالتها الصحية بعد قص زميلات لها في المدرسة مقاطع تظهر فيها وهي تتعرض للإهانات في برنامج ألعاب النجوم، ما تسبب في ارتفاع مستوى السكر في دمها لمعدلات خطرة.

ونزولاً عند ضغط الرأي العام الجماهيري الهائل، فقد نشرت مجموعة (أي تي بي) الإعلامية، الجهة المسؤولة عن نقل البرنامج الذي شهد حادثة التنمر على الطفلة، بيانًا توضيحيًّا تضمن اعتذارًا لمجتمع دولة الإمارات عن المادة الإعلامية التي تم تداولها، وتضمنت عبارات غير لائقة بحق الثقافة والهوية الوطنية.

و كخبراء في مجال الإعلام وبعد تلك الحادثة التي قرعت الجرس عاليًّا لخطورة التنمر على الأطفال ونفسياتهم في مقابل تشجيعهم على المشاركة والظهور الإعلامي بكل ثقة واعتزاز ، خصوصًا أن التنمر نفسه قد صدر من أطفال وأولياء أمورهم مشاركين في البرنامج المذكور، يهمنا أن نرصد أبعاد التنمر والحلول الممكنة للحد منه.

فالتنمر هو عدوان متكرر سواء بصورة لفظية أو نفسية أو جسدية يصدر من أفراد أو مجموعة أفراد ضد آخرين، أما التنمر الإلكتروني فبحسب تعريف منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” هو تنمر باستخدام التقنيات الرقمية، ويمكن أن يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات المراسلة ومنصات الألعاب والهواتف المحمولة، وهو سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز المستهدفين به أو تشويه سمعتهم.

ووقائع التنمر عديدة، لكن الظاهر منها قليل لضعف الوعي لدى الضحايا الذين لا يقومون بالإبلاغ عن الواقعة عند وقوعها، فيتسبب ذلك في ضياع حقهم، على الرغم من وجود تشريعات وقوانين تجرّم تلك الوقائع والأفعال، فعلى سبيل المثال القانون المصري شدّد العقوبة على الشخص المتورط في فعل التنمر إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه، أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان مسلمًّا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا لدى الجاني.

وعلى الرغم من أن التشريعات ضرورية للحد من الضرر النفسي للشخص المتنمر به، والتي تصل في بعض الأحيان إلى إصابته بأمراض نفسية، إلا أن التشريعات وحدها لا تكفي للقضاء على تلك الظاهرة، لذا يجب أن تكون هناك خطة تتعاون فيها جميع الجهات التربوية والثقافية لتحسين وعي المجتمع.

وتعد وسائل الإعلام المختلفة أداة هامة في تشكيل ثقافة الأفراد وتنمية قيمهم، بل إن تأثيرها يفوق تأثير البيت، وذلك لاعتبار العصر الذي نعيشه عصر الإعلام، فهو المحرك الأساسي للفكر لاستحواذه على الرأي العام من خلال ما ينشره من خصائص ومعلومات، فهو مرآة المجتمع ومؤشر لصنّاع القرار والعين الراصدة لقضايا المجتمع.

ففي دراسة أجرتها الباحثة رحمة عبد العاطي بعنوان: “تناول البرامج الحوارية لظاهرة التنمر وتأثيرها على المراهقين”، تم نشرها في المجلة العلمية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال عام 2020م، اتضح أن (72%) من المبحوثين أكدوا على أن البرامج الحوارية التي شاهدوها في التلفزيون أثرت على معدل التنمر لديهم، في حين أن (27.9%) أكدوا أن البرامج الحوارية التي شاهدوها في التلفزيون لم تؤثر على معدل التنمر لديهم.

وأفادت الباحثة أن الجانب النفسي يليه الاجتماعي ثم التربوي، هي الجوانب الأكثر تناولاً في البرامج الحوارية عند تناولها لظاهرة التنمر، كما أن البرامج الحوارية تهتم بتناول الإطار القانوني من خلال تقديم العقوبات والقوانين المنظمة لذلك، من أجل توعية المراهقين بالعقوبات الخاصة بظاهرة التنمر كمحاولة للتقليل من الظاهرة.

وإن كانت وسائل الإعلام قد تطرقت إلى العدائية والتنمر بصفته شكل من أشكال العدوان كما أسلفنا، فلا بد من معرفة أداء وسائل الإعلام والصحف الموجهة للطفل وإسهاماتها في معالجة تلك الظاهرة على اعتبار أن مرحلة الطفولة تمثل أهم مرحلة عمرية يمر بها الانسان في حياته، فصلاحه  يعني صلاح المجتمع، وهي اللبنة التي يقوم عليها الوجود البشري.

وفي الدراسة التي أجرتها الباحثة مروة أبو الحجاج مصطفى بعنوان: “دور صحافة الأطفال في معالجة العدائية”، وتم نشرها في المجلة العلمية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، عدد 9 يناير  2019م، كشفت نتائجها بأن الأسلوب القصصي الذي تبدع فيه مجلات الأطفال هو الأكثر نجاحًا في تعديل سلوك الطفل، وأن الصداقة وحب الخير من أكثر القيم المرغوب فيها، وأوصت الباحثة بضرورة تكليف ذوي الخبرة في مجال الطفولة بكتابة مواد تسهم في إغناء ثقافة الأطفال وتعزيز القيم الإيجابية فيهم.

وفيما يخص التنبؤ السلوكي لمرتكبي التنمر الإلكتروني الذي يشمل سلوكيات عدائية، حيث يستخدم فيها البريد الإلكتروني والهواتف الذكية لإرسال رسائل مزعجة أو انتحال شخصية الفرد وإهانة الآخرين وتهديدهم على الملأ ، فقد توصلت نتائج دراسة أجراها الباحث علي ثابت، عنوانها: “التنبؤ بسلوك مرتكبي التنمر الإلكتروني”، وتم نشرها في مجلة العلوم التربوية والنفسية، جامعة البحرين، العدد (4)، عام 2019م، إلى أن الذكور أكثر ارتكابًا للتنمر الإلكتروني، وأن يقظة الضمير والتفتح عاملان منبئان لسلوك مرتكبي التنمر.

وختامًا يمكننا الجزم أنه في ظل الانتشار الكبير لظاهرة التنمر بفعل التطور التكنولوجي وغياب الوعي بخطورة هذه السلوكيات خاصة على الأطفال، ينبغي الاستمرار في التوعية بخطرها وانعكاساتها السلبية على نفسية وشخصية الأفراد، بكافة الوسائل الممكنة خصوصًا توظيف مواقع التواصل الاجتماعي التي تعد أداة فعالة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد، فمن تلك المواقع تنطلق حملات التنمر، ومنها – أيضًا – يمكن المكافحة وتفعيل أثر الحملات التوعوية “لا للتنمر”.