شهدت العاصمة المصرية القاهرة، يوم 26 أكتوبر 2019م، فعاليات “منتدى مسك للإعلام”، الذي عُقد بها لأول مرة، ونظمه مركز المبادرات في مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية (مسك الخيرية) تحت شعار: “التحولات الذكية في صناعة الإعلام”، حيث سجل المنتدى حضور أكثر من (1500) مشارك من الصحفيين والإعلاميين ورواد الأعمال والشخصيات البارزة، فضلاً عن (29) متحدثـًا من (12) دولة في (8) جلسات ناقشت واقع ومستقبل المجال الإعلامي و(10) ورش عمل وعدد من العروض التي قدمتها جهات رائدة في هذا المجال.
مسؤولية المواكبة لإعلام متطور
ركزت نقاشات المنتدى على رفع مستوى الوعي لدى الشباب بالتطورات والحلول الإعلامية في خدمة الأفراد والمجتمعات، واستكشاف فرص العمل المتاحة أمام الشباب في كل مجالات الإعلام، وتسريع عمليات تزويدهم بالمهارات والتقنيات الإعلامية المتقدمة، والإسهام في تمكين المنطقة من تحقيق الريادة في صناعة المحتوى الإعلامي، بجانب استعراض أبرز قصص نجاح الإعلاميين وتجربتهم مع تحديات المهنة ومستجداتها.
وقد أكد منتدى “مسك للإعلام” في القاهرة على ضرورة الاستفادة من تقنيات التعلـّم العميق وتعلـّم الآلة، اللذان يعدان أحد فروع الذكاء الاصطناعي، من أجل تطوير صناعة الإعلام في المنطقة، داعيًًّا المؤسسات الإعلامية إلى الاستثمار في البيانات الضخمة، وتكييف ذلك في إيجاد حلول إعلامية تواكب الاحتياجات التنموية للمجتمعات العربية.
دور جديد لوزارات الإعلام
خلال الجلسة الأولى التي عُقدت تحت عنوان: “الإعلام أداة لإدارة العالم” دعا سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية، أسامة نقلي، إلى تعزيز وجود الإعلام الدبلوماسي أو الرسمي في الأحداث المهمة، مع الحرص على الوصول لوجدان الرأي العام في الوقت المناسب، لقطع الطريق أمام الطروحات الإعلامية التي تغطي الأحداث وفق أيديولوجيتها الخاصة، والتي قد يصعب التعامل مع تأثيراتها فيما بعد.
وحول دور وزارات الإعلام الرسمية في الدول العربية، اعتبر السفير نقلي أن الإعلام عبارة عن فكر ورؤية أكثر من كونه جهازًا إداريـًّا، والأساس هو تطوير الفكرة الإعلامية، مضيفـًا: إذا “عرفت وزارات الإعلام التعامل مع الواقع الجديد واستوعبت التطوير فلا أرى ضررًا من وجودها”، وأشاد نقلي بتجربة وزارة الإعلام السعودية، مشيرًا إلى أنها باتت تتحرك بحرية وفاعلية مع الأحداث، وهذا ما يتماشى مع المستجدات الدولية، بحسب وصفه.
الذهنية تصنع الفارق
بدوره، أشار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، إلى أن “الذهنية” تصنع الفارق في الإعلام والمنصات الاجتماعية، مؤكدًا أن امتلاك التأثير لدى صانع الرسالة الإعلامية ليس مرتبطـًا بالأدوات التي يستخدمها وإنما بالمصداقية والذهنية الصحيحة للتعامل مع الواقع، وبعدم المغامرة بتحليلات وأفكار لا يعرف مصادرها.
وقال زكي في هذا السياق: إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تلمس كل الموضوعات وليس لديها خطوط حمراء، وأصبح المواطنون في الدول العربية يعتبرون هذه المواقع منبرًا للتنفيس عن أفكارهم وقناعاتهم، مشيرًا إلى أن دور وزارات الإعلام أو الهيئات يرتكز على تصحيح المناخ العام لممارسة الإعلام وليس مجرد الرقابة.
التأثير: مصداقية وسرعة
من جهته قال وزير الدولة للإعلام بجمهورية مصر العربية، أسامة هيكل: إن وسائل الإعلام تعتمد على ركيزتين أساسيتين: الأولى القدرة على التأثير، والثانية السرعة في التوصيل، موضحـًا “الأولى مرتبطة بالمصداقية والموضوعية والمهنية، وهي مرتبطة بالثانية لأن عدم السرعة يجعلنا نجد أنفسنا أمام إعلام الأزمة، وإذا تأخرنا عن توصيل المعلومة فإن المواطن يبحث عن بديل وللأسف قد يكون البديل السيئ”.
وأضاف هيكل أن الإعلام بمفهومه التقليدي لم يعدُّ موجودًا مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ثورة الصحافة التي أحدثتها الإنترنت، مضيفـًا: “أصبح لدينا ثلاثة أنواع هي: صحافة المواطن، والصحافة الآلية، والصحافة الشات، وبات الخبر يقاس بالثواني ويصاغ آليـًّا، فيما انحصر دور الصحفي في التحليل والاستقصاء.
“هنا الرياض .. هنا القاهرة”
كان هذا عنوان إحدى جلسات منتدى “مسك للإعلام”، والتي سلطت الضوء على عراقة التواصل بين الإعلام المصري ونظيره السعودي، والتقارب الكبير بينهما منذ ستينيات القرن الماضي، خاصة في تجربة إذاعة جدة التي كان عدد من الإعلاميين المصريين جزءًا من تدريب الجيل الأول من مذيعيها.
وكيل وزارة الإعلام السعودية السابق لشؤون التلفزيون، الدكتور علي النجعي، تطرق إلى تأثير المسلسلات المصرية والمصريين ممن وضعوا بصمة في المجال الإعلامي في المملكة والوطن العربي، وأضاف النجعي أنه بعد الانفتاح في صناعة الإعلام أصبح للمملكة مدرسة خاصة بها وشكل إعلامي مختلف.
من جانبه أوضح مدير التحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط، علي عطا، أن الوكالة حريصة على أن يكون لها وجود في الرياض، في ظل التكامل الإعلامي بين البلدين ومواكبة تطورات الإعلام السريع، وشدد عطا على أن المهنية هي أهم سلاح لمواجهة القنوات والمنصات المغرضة، مشيرًا إلى أن السعودية ومصر حققتا نجاحـًا إعلاميـًّا واضحـًا في أمور ملموسة وغاية في الأهمية.
مفاهيم جديدة من إعلام الغد
تطرقت نقاشات منتدى “مسك للإعلام” إلى تعريفات ومفاهيم حديثة ومتجددة تعكس التغيرات التي طرأت على صناعة الإعلام، وفقـًا لأهم الممارسات الإعلامية العالمية في الوقت الراهن، ومن بينها: الاستثمار في البيانات الضخمة، والتركيز على الحلول، والإعلام الذكي، والأخبار البطيئة، وريادة أعمال الإعلام, وأظهرت نقاشات المشاركين في المنتدى أن “الاستثمار في البيانات الضخمة” يُعرّف بأنه طريقة بناء محتوى أو منتج إعلامي مبتكر وغير متوقع استنادًا على تحليل وقراءة البيانات الضخمة، كما يتمثل مفهوم “التركيز على الحلول” في عدم اكتفاء أي توجه إعلامي بعرض المشكلة فقط بل طرح الحلول لمعالجة الخلل، أما مفهوم “الإعلام الذكي” فيطلق على المحتوى الإعلامي الذي يوظف الذكاء الاصطناعي في عرض المادة، في حين يأتي مفهوم “الأخبار البطيئة” في الجهة المعاكسة لأسلوب نشر الأخبار العاجلة، ويستند على بناء المحتوى ببطء ليكون أكثر جودة وعمقـًا، يرتكز مفهوم “ريادة أعمال الإعلام” على تمكين الإعلاميين من قيادة مؤسسات إعلامية مستقلة، ودعمهم بأدوات إدارة الأعمال، للإسهام في إحداث أثر أكبر.
خطوة نحو عصر الإعلام الذكي
عكس الإقبال الواسع الذي حققته نسخة القاهرة من منتدى “مسك للإعلام” نجاحـًا كبيرًا في استقطاب المهتمين بمواكبة التحولات الإعلامية، في أحد أعرق الدول العربية في هذا المجال، كما أكد الدور السعودي في قيادة الحوارات بشأن مستقبل صناعة الإعلام، والسعي إلى صناعة جيل ومحتوى إعلامي يطوّع التقنية الحديثة في نهضة رقمية متميزة، يمتلك فيها الجيل الشاب كل الوعي والمهارات المتقدمة وصناعة الحلول المطلوبة في عصر الإعلام الذكي.
قراءة سريعة بين دفاتر ورش العمل في المنتدى
في عصر التعلـّم الذاتي والمهارات التطبيقية التي تزيد من قدرات الإعلامي على مواكبة التجدد المتسارع في مجاله، قدم منتدى “مسك للإعلام” في القاهرة، مادة معرفية وعملية قيمة استفاد منها الإعلاميون المشاركون، تمثلت في عدة ورش عمل ركزت بشكل خاص على مجالات الإعلام الرقمي، والاستفادة من مجال التقنية الإعلامية، وفي السطور التالية نتعرف على أبرز ما تمَّ طرحه من محاور خلال هذه الورش:
“صحافة الهواتف الذكية”
استعرضت الورشة أساليب صناعة المحتوى الإعلامي مكتوبـًا أو مسموعـًا أو مرئيـًا عبر الهواتف الذكية من خلال المعايير المهنية والأدوات، عبر فـَهم العلاقة التكاملية بين المهنية والتنافسية ضمن الفضاء الرقمي، مع التركيز على متطلبات إنتاج محتوى مهني تنافسي، ومنها: المرونة، الجودة، وفرة التطبيقات والمعدات، وتقليل التكاليف.
“الثورة الذكية والفن السابع”
تناولت التغييرات الضخمة التي طرأت على المشهد السينمائي، وانتقال السينما من دور العرض إلى المنازل عن طريق التطبيقات الذكية، مثل نتفليكس، مما أنتج مفهوم جديد لمشاهدة السينما في محاولات لجذب المشاهد من جديد.
“الرصد على منصات التواصل الاجتماعية.. استخدام البيانات لفـَهم المستخدم”
ركزت على أهمية مراقبة المحتوى على الإنترنت لغرض البحث، مع إدراك أن الحصول على محتوى سلمي يتطلب أساس بحثي سليم، فضلاً عن فـَهم وإدراك إمكانات الأدوات التي تستخدمها في عملية البحث، والمواقع التي يرغب الباحث في استخراج المعلومات منها، وكيف يمكن أن تقود هذه العملية لرصد اتجاهات القراء واهتمامات الرأي العام.
“قوة التأثير في التدوين الصوتي”
ناقشت التدوين الصوتي كأداة إعلامية وترويجية للعديد من السلع بين رواد عالم الإنترنت، والذي لم يعدّْ هذا دوره الوحيد، بل أن هناك العديد من الأدوار التي أصبح يقدمها لمتابعيه، من أهمها متابعة الأخبار اليومية والفعاليات العالمية.
“اقتصاديات وسائل الإعلام: الفرص والتحديات المستقبلية”
ركزت هذه الورشة على أبرز التحديات التي تواجه الإعلان في العالم العربي، ومنها: تفتيت القاعدة الجماهيرية، وغياب الأسعار المحددة سلفـًا، وغياب الدراسات، ومحدودية المحتوى الإعلامي الجاذب للمشاهدة الجماهيرية.
“إعلام الأزمات”
ورشة ركزت على أن التعامل الإعلامي مع الأزمة يجب أن يتم بصورة احترافية وبقواعد وأساليب تعتمد على المصداقية ونقل كافة المعلومات من قبل الإعلامي للمجتمع بصورة واضحة وصحيحة وبلغة مفهومة، وأن تكون هذه المعلومة خالية من أي مصالح أو أغراض لخدمة فئة بعينها.
“الإعلان الرقمي”
سلطت هذه الورشة الضوء على عالم الإعلان الرقمي دائم التغيير، ودور المعلنين في دعم صناعة الإعلام الجديد، وسـُبل بناء عناوين جذابة للقراء بدعم خوارزميات محركات البحث، إضافة إلى تناول كيفية جذب الملايين لمشاهدة المحتوى.