(ساوند كلاود) .. صنعت نموذجًا جديدًا لنشر الموسيقى والغناء

د. عباس مصطفى صادق

منصات الإعلام والترفيه الرقمي الجديدة

لزمن طويل سادت الإعلام الدولي أسماء إمبراطوريات معروفة، مثل: “تايم وارنر، وإكسل شبرنغر وبرتلزمان، وديزني، وغيرهم”.

الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديد كليَّا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل: “نيتفليكس، فايس ميديا، وبزفيد، وفوكس، وإم أي سي ميديا، وأمازون برايم فيديو، وهولو وإم أي سي، ودرودج ريبورت، وبارامونت بلس، وهوتستار، وتلفزيون آبل، وسبوتيفاي وساوند كلاود، هم عمالقة جدد في الإعلام والترفيه الدولي، بأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة، بعضهم حقق نجاحًا منقطع النظير وبعضهم تعرض للفشل.

ماهية ساوند كلاود

(ساوند كلاود Sound Cloud) هي تطبيق في منصة على شبكة الإنترنت لتوزيع الصوتيات ومشاركة الموسيقى، يمكّن مستخدميه من تحميل المواد الصوتية وترويج الأعمال الموسيقية والغنائية، وقد نما وتطور ليصبح واحدًا من أكبر خدمات بث الموسيقى في العالم، ووفق إحصاءات أجريت في نوفمبر 2021م، للمنصة أكثر من (76) مليون مستخدم نشط شهريًا، مع أكثر من (175) مليون مستخدم عالمي تصل إليهم خدمات المنصة.

تأسست الخدمة في أغسطس 2007م بمدينة برلين بواسطة مصمم الصوت السويدي ألكسندر ليونج، وخبير الموسيقي الإلكترونية السويدي إريك والفورس، وقد تم إطلاق الموقع الخاص بها في أكتوبر 2008م، وكان القصد منه في الأصل السماح للموسيقيين بالتعاون معًا من خلال تسهيل مشاركة ومناقشة التسجيلات، ولكن تم تحويله لاحقًا إلى أداة لنشر وتوزيع الموسيقى.

ووفقًا لمجلة “وايرد” الأمريكية، بعد وقت قصير من إنشائها، بدأت المنصة الجديدة في تحدي هيمنة موقع (ماي سبيس My Space) كمنصة مهمة للموسيقيين لنشر موسيقاهم، والبحث عن الملفات الموسيقية الجديدة والأكثر تنزيلاً، فالتطبيق يتيح تجميع المسارات وقوائم التشغيل، فضلاً عن استكشاف وسائط البودكاست، والمواد الصوتية المختلفة.

خدمة يديرها المعجبون

هذه المنصة تطورت من منصة بث تقليدية عبر الإنترنت إلى شركة توفر موارد التسويق الترويجية لمستخدميها، وهي تقدم عضويات مجانية وأخرى مدفوعة على النظام الأساسي، وهي متاحة في الهواتف الذكية وأجهزة سطح المكتب وكونسولات الألعاب مثل إكس بوكس وغيره.

ويعود الفضل لساوند كلاود بأنها أول خدمة بث صوتي تتبنى وتنفذ نموذج دفع يديره المعجبون يطلق عليه (Fan-powered Royalties)، وقد أثرت المنصة على صناعة الموسيقى من خلال نجاح العديد من الفنانين الذين استخدموا هذه الخدمة لإطلاق بدايات نشاطهم الفني أو تطويره.

فضلاً عن ذلك وفي ديسمبر 2012م، قدمت ساوند كلاود ميزة تسمى إعادة النشر (Repost)، وهي على غرار إعادة تغريدات موقع تويتر، وقد تم تصميم عمليات إعادة النشر لمساعدة الموسيقى الجديدة على الانتشار السريع (Viral).

لكن منذ البداية، أساء الفنانون استخدام الميزة من خلال إعادة نشر مقطوعاتهم الخاصة باستمرار، ودفعها إلى أعلى خيارات متابعيهم، بل وأبرمت مجموعات من الفنانين اتفاقيات لإعادة نشر أغاني بعضهم البعض، وفي النهاية تم اكتشاف مدونة موسيقية شهيرة تبيع نظم تتضمن إعادة نشر مدفوعة.

اشتكى المعجبون والفنانون على حد سواء بصوت عالٍ من هذه المشكلة، لكن ساوند كلاود، التي كانت منشغلة في محاربة تهديد وجودي من شركات التسجيلات الرئيسية، لم تعالج إساءة الاستخدام هذه لثلاث سنوات تقريبًا.

المنصة والحقوق وبقاء الكيان

في يناير 2014م، أعلنت المنصة عن دخولها في مفاوضات الترخيص مع شركات الموسيقى الكبرى لمعالجة مسألة المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر غير المصرح بها، والتي تظهر بانتظام على المنصة، وجاء هذا الإعلان في أعقاب جولة من التمويل، ووفقًا لمصادر إعلامية، عمدت إلى المفاوضات في محاولة لتجنب المشكلات المماثلة التي واجهتها غوغل، والتي اضطرت وقتها للتعامل مع عدد كبير من إشعارات الحذف على يوتيوب.

في يونيو 2016م، انتشر خبر عن إفلاس المنصة، ولكن القائمون عليها طمأنوا المستخدمين حول العالم بأن التطبيق سيستمر في العمل، ونشرت على حسابها الرسمي في تويتر تغريدة قالت فيها “إن جميع المقاطع الصوتية ستبقى، وكذلك نحن سنبقى”.

وكان خبر إفلاس الشركة قد انتشر بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعدما أكدت وكالات إخبارية كبيرة الخبر، حيث ذكرت “بي بي سي” أن الشركة تشهد اضطرابًا ماليًّا، وذلك بعد فصل الشركة (40%) من موظفيها، وأعلنت أن السيولة المالية لديها تكفي فقط حتى نهاية سبتمبر من نفس العام.

ردًا على ذلك ظلت ساوند كلاود تنشط للاستمرار أطول فترة مُمكنة خصوصًا بعد حصولها قبل فترة على تمويل بقيمة (70) مليون دولار أمريكي، كما أن قرار إغلاق مكتبيها وتسريح الموظفين جاء أملا في الاستمرار بأقل المصاريف المُمكنة، وهو ما جعل احتمالية إغلاقها أمرا مُستبعدًا.

الاستمرارية وحصد الجوائز

التطور الجاد للمنصة جعلها محط الأنظار عالميًّا، ففازت بجائزة (شرويدرزSchroders Innovation Award) لعام 2011م،  وفي عام 2012 تم اختيارها كأفضل شركة ناشئة دولية في حفل توزيع جوائز (Tech Crunch Crunchiest) التكنولوجية، وفي عام 2015م فازت – أيضًا – بجائزتين من جوائز (Webby)، هما جائزة (Webby) وجائزة (People Choice Award) لأفضل تطبيق لبث الصوت.

كما أشرنا جاءت المنصة بثقافة جديدة، فقد أدخلت ولأول مرة صناعة بث الموسيقى كطريقة جديدة للفنانين لمشاركة موسيقاهم والترويج لها، حيث يمكن للفنانين والمستخدمين بإنشاء المواد الموسيقية والغنائية وإصدارها بدون ملصق تسجيل أو موزع، والمستخدمون هم مستمعون وفنانون على حد سواء، يتشاركون المنصة، مما يخلق مساحة تركز على مجتمعهم.  

كذلك أتاحت الميزات التي تمكّن المستخدمين من التعليق على الأغاني وإبداء الإعجاب بها ومشاركتها للمنصة للعمل كموقع وسائط اجتماعية بدلاً من خدمة بث، وقد انتقل العديد من الفنانين منها إلى مراكز صناعة الموسيقى الضخمة بسبب زيادة شعبيتهم التي حصلوا عليها من المنصة، إلى درجة أنه في عام 2018م، بدأت جائزة غرامي الموسيقية في التعرف على الفنانين وموسيقاهم من المتواجدين على ساوند كلاود.

التطوير والبحث التميز

في سياق تطوير الخدمات، كشفت الشركة في 29 مارس 2016م عن خدمة بث موسيقى قائمة على الاشتراك باسم (Sound Cloud Go)؛ وهي توفر تجربة خالية من الإعلانات، وتشغيل في وضع عدم الاتصال.

وقتها صرح “إريك والفورس” المؤسس المشارك أن هذا الوضع سيساعد على تمييز ساوند كلاود غو، عن خدمات بث الموسيقى الأخرى مثل سبوتفاي وآبل ميوزك، حيث يمكن تقنيًا توفير مكتبة ضخمة من الأغاني مقارنة بالخدمات المنافسة، مع درجة أعلى من التنوع في محتواها.

في 28 فبراير 2017م، غيرت ساوند كلاود غو اسمها إلى ساوند كلاود غو بلس لتقدم مسارات موسيقية مختلطة، كما باتت المنصة توفر خدمات متميزة للموسيقيين باسم ساوند كلاود غو برو، وهي تتيح للمستخدمين تحميل ما يصل إلى ست ساعات من الصوت وغيرها من ميزات.

وخلال مراحل تطورها تلقت المنصة الدعم من العديد من المستثمرين ومنصات الوسائط الأخرى مثل تويتر، وفي الربع الثالث من عام 2020م، سجلت مكاسب الإيرادات وخسائر تشغيل منخفضة بشكل كبير، وفي مارس 2014م، أعلنت تويتر أنها ستشترك معها في تطوير أول تطبيق موسيقي متكامل لها، مع ذلك لم يتقدم المشروع أبدًا لأن ساوند كلاود لم تكن جاهزة.

وفي مايو 2015م، تداولت بعض الأنباء أن تويتر كان يفكر في الاستحواذ عليها مقابل ما يقرب من (2) مليار دولار أمريكي، ومع ذلك فقد تم استبعاد احتمال الاستحواذ من قبل وسائل الإعلام.