لزمن طويل ساد الإعلام الدولي أسماء امبراطوريات معروفة، مثل: «تايم وارنر، واكسل شبرنغر، وبرتلزمان، وديزني وغيرهم»، الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديدًا كليًا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل: «فايس ميديا، ووبزفيد إنسايد إديشن، وفوكس وإم إي سي ميديا»، هم عمالقة جدد في الإعلام الدولي وبأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة.
«فايس ميديا» (Vice Media) هي شركة كندية للإعلام الرقمي والبث، نشأت من مجلة «فايس» التي يوجد مقرها في مونتريال الكندية، وقد شارك في تأسيسها كل من: «سوروش الفي، وشين سميث، وغيفن ماكلين» الذي غادرها في عام 2008م، وكان اسم المجلة في الأصل (Voice of Montreal in) تأسست في عام 1994م، بدعم حكومي، وفي عام 1996م غير مؤسسوها اسمها إلى «فايس»، ثم انتقلت إلى نيويورك مع مالك جديد، إلى أن قام مؤسسوها باستعادتها في عام 2001م، ونقلوا مكتبها إلى بروكلين، ثم سرعان ما توسعت المجلة على الصعيد الدولي لتتمدد عبر القارات الخمس.
تنتشر «فايس ميديا» بشكل أساسي وسط الأجيال الشابة وتنشر موادها المختلفة في وسائل الإعلام الرقمية بخاصة عبر الإنترنت، وتركز على والوثائقيات والتقارير الاستقصائية المعمقة، فضلاً عن نشرات الأخبار، كما تملك الشركة استديو لإنتاج الأفلام، وعلامة تسجيل تجارية.
وتتنوع أعمال «فايس ميديا» عمومًا بين المنصات الإعلامية الرقمية والمحمولة والتلفزيونية وصناعة الأفلام مع التركيز على محتوى الأخبار والثقافة عمومًا، كما تُعد منتجًا رائدًا لمحتوى الفيديو الحائز على الجوائز، مما يجعلها تصل إلى الشباب عبر مختلف منصاتها الإعلامية المتاحة ضمن شبكة عالمية متنامية.
فضلاً عن ذلك، تركز «فايس» على مسلسلات الويب (Web series)، التي ظهرت لأول مرة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وأصبحت أكثر بروزًا في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وهي تتطور بشكل واسع ويحصل بعضها على شهرة كبيرة، ومنها: «هاوس أوف كاردس» (House of Cards) و»أريستد ديفلوبمنت» (Arrested Development) و»هيلموك غروف» (Hemlock Grove)، وقد عرضت جميعها من خلال «نتفليكس».
فيما يخص النشاط الإخباري تبث «فايس ميديا» برنامجين إخباريين، أحدهما «أخبار فايس» (Vice News) الذي ينشط على قناة «فايس ميديا» في موقع «يوتيوب»، أما الثاني فهو باسم (Vice News Tonight) الذي يتم تقديمه من خلال تلفزيون «إتش بي» أو (HBO)، وقد بادرت به «فايس ميديا» لأول مرة في 10 أكتوبر 2016م، كعرض مسائي للأخبار العالمية والتكنولوجيا والبيئة والاقتصاد وغيرها من الاهتمامات العامة.
تركز «فايس نيوز» على تغطية الأحداث التي قد لا تكون مغطاة بواسطة مصادر الأخبار الأخرى، وتقوم بتحديث المحتوى الإخباري يوميًا، وتنشر مقالات وتقارير متنوعة في القضايا المختلفة، وتبث مقاطع فيديو على موقعها عبر شبكة الإنترنت وقناتها في «يوتيوب».
فضلاً عن ذلك، تبث «إتش بي» منذ 5 أبريل 2013م، سلسلة «فايس الوثائقية» التي أسسها «شين سميث» وينتجها «بيل ماهر»، مع الصحافي المعروف في «سي إن إن» فريد زكريا كمستشار، وهذه السلسلة التي تعرض على تلفزيون «إتش بي» تغطي مواضيع متنوعة ومثيرة للجدل من أنحاء العالم المختلفة وتستخدم أسلوبًا مبتكرًا في صناعة الأفلام الوثائقية، وقد حصلت في عام 2014م على واحدة من جوائز «إيمي» الأمريكية (Emmy Award) التي تُمنح للمسلسلات والبرامج التلفزيونية المختلفة.
في عام 2006م، وبناءً على نصيحة المخرج المبدع «سبايك جونز»، بدأت «فايس ميديا» بالتوسع في مجال الفيديو الرقمي، فقامت بإطلاق خدمة جديدة باسم تلفزيون «في بي إس» (VBS.tv) كمشروع مشترك مع شبكة «إم تي في» (MTV Networks)، وقد اكتسبت هذه الخدمة الرقمية شعبية واسعة وقاعدة معجبين عريضة بعروض، مثل: (Vice Guide To Travel) و(Toxic).
بعد ذلك بعام، بدأت «فايس ميديا» في التوسع بقوة في تشغيل الفيديو الرقمي، وإطلاق قنوات جديدة، مثل: قناة (Motherboard) المتخصصة في مجال التكنولوجيا، وقناة (Noisey) التي تركز على الموسيقى، فضلاً عن مشروع المبدعين (The Creators Project)، وهو موقع للفنون والتكنولوجيا تأسست بالشراكة مع شركة «إنتل» العملاقة في مجال تقنيات وشرائح الكمبيوتر، ثم أُلحقت هذه القنوات بمجموعة آخرى لاحقة، مثل: (Thump) المتخصصة في ثقافة الموسيقى الإلكترونية، و(Munchies) القناة المتخصصة في الطعام، وقناة الرياضة (Vice Sports) فضلاً عن قناة الأخبار التي أشرنا إليها.
عملت «فايس ميديا» كذلك على تطوير منظومتها التلفزيونية، فأسست «فايس لاند» (Viceland) وهي شبكة كيبل لقنوات تلفزيونية تتميز بالبرامج الوثائقية الموجهة إلى جيل الألفية، وعلى الرغم من هذا التوجه إلا أن هذه الخدمة تم إيقافها في مارس 2018م، بسبب انخفاض نسبة المشاهدة.
وتعمل «فايس ميديا» على تطوير أفلامها الوثائقية وغيرها، من خلال شركتها «أفلام فايس» (Vice Films)، حيث وجد عدد من إنتاجها اهتمامًا من قبل المهرجانات السينمائية الأمريكية والدولية الكبرى، فقد حصل «كاتر هوديرن» (Cutter Hodierne) على جائزة أفضل مخرج في مهرجان «صاندانس» السينمائي عام 2014م، عن فيلم «صيد بدون شباك»، كما حصل فيلم الخيال العلمي «الدفعة السيئة»، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان البندقية السينمائي لعام 2016م.
تسعى «فايس ميديا» بشكل مستمر للاستحواذ على شركات الإعلام، كما ترتبط بعلاقات شراكة مع شركات إقليمية من أجل توسيع عملياتها العالمية، وهي تعمل على الانتشار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقامت بتوقيع شراكة في عام 2017م مع «مجموعة موبي» الإعلامية (Moby Group) حتى تؤسس حضورها في المنطقة العربية.
وتعتبر «فايس ميديا» توسعها نحو منطقتنا العربية الخطوة الأحدث ضمن إطار جهودها المستمرة للنمو العالمي، والتي تتواصل مع إطلاقها شبكات «فايس لاند» وغيرها من الشراكات الآخرى متعددة المنصات مع العديد من الشركات العالمية الرائدة في مجال الخدمات الإعلامية الرقمية وعبر الهواتف المحمولة حول العالم.
وتقول «فايس»: «إن هذا التوسع المنطلق من دبي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يأتي في الوقت الأمثل بالتزامن مع توجه العلامات التجارية وشركات الإعلام والحكومات في العالم العربي للتواصل بشكل أفضل مع الشباب العربي المتمرس باستخدام التكنولوجيا»، فقد كشف تقرير «نظرة على الإعلام العربي» في عام 2016م، أن سوق الإعلام الرقمي العربي تنمو بمعدل (17%) سنويًا، وأن الأفراد من دون سن (24) يشكلون قرابة (50%) من سكان المنطقة.
وتنشط «فايس» في المنطقة العربية، من خلال الاسم (VICE Arabia)، وعدد من القنوات، منها: «أخبار فايس عربية الصباحية» التي تنشر في موقع القناة (vice.com./ar) مع التقارير الاستقصائية والوثائقيات والآراء واستطلاعات الرأي، وهي تعمل على توسيع عملياتها في جميع أنحاء المنطقة، وهي توفر مزيجًا من برامج الفيديو المنتجة محليًا ودوليًا، فضلاً عن المحتوى التحريري والاجتماعي الذي يستهدف الشباب من سكان المنطقة.
وبالعودة إلى وثائقياتها، تعتبر تجربة «فايس» في كوريا الشمالية واحدة من أهم التجارب التي مر بها منتجوها, فعندما وصل مراسلها ريان دوفي إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ في مارس من عام 2013م، لم يتم استقباله هو وطاقمه بحرارة بل بفتور واضح، فهذه البلاد لا تحب الكاميرات الغريبة، يقول دوفي: «كنا في الحافلة من المطار إلى الفندق، وجلس أحد المراقبين بجواري ومعي منتج فايس، وقال لنا: أعرف من أنتم، أنا لا أحبكم، ولا أحب شركتكم»، مع ذلك ومع كل الصعوبات التي واجهت الفريق خرجت «فايس» بواحد من أهم الوثائقيات عن هذا البلد.
تجربة آخرى هامة خاضتها «فايس» في معاقل كارتيلات المخدرات، ولعدة سنوات ظلت ترسل مراسليها للتحدث مع خبراء السياسة، والتجار، والمتعاطين، والمصنعين، وكل شخص آخر لديه علاقة بهذا العالم السري الذي تتداخل فيه السياسة مع الاقتصاد والمخابرات، المراسلون لم يكتفوا بالشهادات التي يسهل الحصول عليها، بل جازفوا بالوصول إلى أماكن خطرة للغاية وعايشوا الحياة كما هي في أفغانستان وكولومبيا في المزارع والمصانع الخفية التي يتم فيها تصنيع وتعبئة السموم البيضاء، هذه هي الصحافة الجديدة.