نسخة جديدة ناجحة .. قافلة سوق عكاظ في طريقها إلى العالمية

الرياض – خاص

تزامنت مع انطلاق موسم الطائف السياحي
خالد الفيصل: نريد أن يستعيد سوق عكاظ مكانته الحضارية بحلة جديدة تواكب العصر الحاضر والمستقبل.

في نسخته الثالثة عشرة، والمتزامنة مع انطلاقة موسم الطائف للمرة الأولى، أكد مهرجان سوق عكاظ أنه يسير بخطوات ثابتة نحو التحول إلى كرنفال ثقافي يشار إليه بالبنان على مستوى العالم، وذلك بالنظر إلى ما حققه المهرجان على مدى السنوات القليلة الماضية من تنوع في المحتوى الذي يبدع عامـًا بعد عام في اختزال رحلة عمرها يزيد على (1500) عام.

مساء الثلاثاء 20 أغسطس 2019م، وبعد أيام متسارعة من الاستعداد، كانت الطائف جاهزة لموعد افتتاح سوق عكاظ الذي أقيم برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ‒ حفظه الله ‒ وبحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرّمة، الأمير خالد الفيصل، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، الأستاذ أحمد الخطيب، وعدد من المسؤولين والمثقفين من داخل المملكة وخارجها.

وقد شهد المهرجان هذا العام أكثر من (30) فعالية فنية وثقافية وفلكلورية ومسرحية، كما شاركت في نسخته لهذا العام (11) دولة عربية، من بينها أربع دول خليجية هي: “دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وسلطنة عـُمان ودولة الكويت”.

ملتقى العرب الأول .. واستعادة المكانة الحضارية
وقد أكد الأمير خالد الفيصل أن سوق عكاظ شهد تطورًا في السنوات الماضية، وسيشهد تطورًا مطردًا في المستقبل، متوقعـًا أن يكون سوق عكاظ ملتقى العرب الأول في جميع المجالات؛ سواء الفكرية أو الثقافية أو الاقتصادية، وأضاف “نريد أن نراه يستعيد مكانته الحضارية، لكن بحلة جديدة، وفي تصور جديد يواكب الحاضر والمستقبل”.

فعاليات مستحدثة تجدد حلة السوق العريق
على مدى أسبوع، كانت أصالة السوق التاريخية تكشف عن كثير من المفاجآت التي لم تتوقف عند الندوات الثقافية والأدبية، والأمسيات الشعرية، بل امتدت لمزيد من الأنشطة التي تقام للمرة الأولى، حيث استحدثت هذه النسخة استخدام تقنية التصوير التجسيمي (الهولو جرام) لاستحضار بعض الشخصيات التاريخية، كما شهدت إقامة فعالية “خيمة ساحة اللغة والثقافة” التي احتضنت معرضين: الأول للقافية، والثاني للقلم.

 جولة الزوار في هذه الخيمة كانت أشبه بدخول آلة الزمن، حيث المرور بحياة شعراء المعلقات وقصائدهم الشعرية عبر معرض المعلقات الشعرية والخط العربي، إلى جانب استعراض تاريخ كتابة المصحف الشريف منذ أن خُط بالأيدي، إضافةً إلى إقامة متجر لبيع الكتب واللوحات التي تُمثل الخط العربي، ومشاهدة الأفلام الوثائقية، قبل أن يستمتع الزوار في نهاية جولتهم بمشاهدة شاشة عرض بانورامية لكامل الخيمة.

 كما تمَّ تطوير ساحة الفنون التي تضمّ أعمالاً لأبرز الفنانين في مجالات شتى، كالنّحت والرّسم، لتشمل فعالية “ساحة فتيان عكاظ” وهي مساحة للأطفال لتجربة الأدوار التاريخية وتعلـّم فني الخطابة والإلقاء.

الأسواق التاريخية .. التسوق على طريقة القوافل
لم يتوقف جديد هذا العام عند هذا الحد فقد تّمَّ إنشاء منطقة “الأسواق التاريخية” في مراحل بناء استغرقت (35) يومـًا على مساحة (41) ألف متر مربع، وشارك فيها أكثر من (250) شخصـًا، حيث احتوت الأسواق على المنتجات التاريخية التي كانت تُباع في سوق عكاظ، كالأواني الفخارية، والصناعات اليدوية، والأزياء التاريخية، وقد تمَّ تجسيد الطريق إلى السوق في ممر يسمّى “ممر القوافل”، ويتيح للزوار تعرّف الصعوبات التي قد يتعرض لها التجار خلال مسيرهم.

كما توسط الأسواق التاريخية ما يُعرف بـ”سوق الوراقين”، الذي يضم في جنباته (9) دكاكين تُمثل المهنة التي عُرفت بمهنة الوراقة في الجزيرة العربية منذ قرون تمَّ فيها عرض عدد من المخطوطات النادرة.

فيروز تلتقي بعنترة بن شداد في الطائف
فضلاً عن متعة الفكر والبصر، لم تغب متعة السمع، حيث استحدث المهرجان ساحات مفتوحة للموسيقى تسمح للزوار  بتعرّف أبرز الأدوات الموسيقية المستخدمة في العصور القديمة، غير أن إحدى أكثر اللحظات تشويقـًا تمثلت في التقاء الفنانة المعروفة فيروز بعنترة بن شداد في جناح لبنان، حيث صدحت بالأغنية التي جمعتهما “لو كان قلبي معي” التي تعدُّ عملاً فنيـًّا خالدًا، في حين كان عشاق الطرب على موعد مع “ليالي عكاظ” الغنائية لأبرز الفنانين في الخليج والعالم العربي.

وكان حفل الافتتاح قد شهد أوبريت “عرب 501” الذي جمع أصوات كل من: فنان العرب محمد عبده والفنانة كارول سماحة والفنان كاظم الساهر، وذلك في عمل فني تجسدت فيه لوحات تراثية سافرت بالجمهور إلى أجواء نشأة هذا السوق العريق وما تبع تلك المرحلة من تحولات حضارية، كما شهد الحفل كذلك تكريم محمد إبراهيم يعقوب بلقب “شاعر عكاظ”، وتقديم عرضة “دق الطبل” من كلمات الأمير خالد الفيصل وأداء الدكتور فهد مطر.

أطروحات متنوعة على المنبر العكاظي
 مزج المهرجان هذا العام ما بين التنوع والأصالة في اختيار الجلسات وبات واضحـًا أنه قد تحول إلى منبر إعلاميّ ومقصد ثقافيّ للمهتمين الذين وجدوا جدولاً ثريـًّا يتضمن ندوات عن فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري، والرواية العربية الجديدة، وطاهر زمخشري “الشاعر والإنسان”، فضلاً عن موضوعات ثقافية واقتصادية واجتماعية وفنية عامة مثل ريادة الأعمال، واللغة العربية في آسيا الوسطى، والنصّ الرقمي، والدراما السعودية تجارب وشهادات، واقتصاديات الفنون، والعمل التطوعي.

فيلم تاريخيّ على الهواء مباشرة
في الوهلة الأولى ستعتقد أنك تشاهد فيلمـًا تاريخيـًّا يتم تمثيله أمامك على الهواء مباشرة، لكنك بعد دقائق من ذلك ستجد نفسك قد أصبحت جزءًا فعليـًّا في الزمن الذي يتحدث عنه الفيلم، وهذا ليس سوى جزء من الانطباع الحسـّي الذي ينتج عن مشاهدة عروض “فرسان الوطن” في جادة عكاظ، والتي شارك فيها أكثر من (2000) ممثل محترف على مدى أسبوع.

قدمت هذه التجربة مشاهد واقعية للحضارة العربية قديمـًا، جُسدت خلالها كافة صور السلم والحرب والتجارة، حيث يجوب الفرسان والجَمّالة بأزيائهم التراثية وتعاطيهم مع شؤون الحياة اليومية، كما تتجول الخيول في الأنحاء وتقام المسرحيات والمبارزات الحية بطابع احترافي شائق حاز على إعجاب الزوار وتفاعلهم مع إعادة إنتاج التاريخ عبر نقل صورة متكاملة تُرسخ القيمة التراثية والتاريخية لحضارة العرب.

الدبلوماسيون في عكاظ “سفير الحضارة العربية
ستون سفيرًا معتمدًا لدى المملكة العربية السعودية كانوا في زيارة مع أسرهم إلى سوق عكاظ، حيث مثلت لهم هذه التجربة فرصة لتعرّف حضارة العرب وتاريخهم من خلال هذا السوق الذي يعدُّ أكثر تجلياتها حضورًا في ذهن أبناء الجزيرة العربية.

هذه الزيارة استحضرت دور سوق عكاظ الذي يعدُّ اليوم بمثابة السفير للحضارة العربية، في حين ظلَّ على مدى التاريخ بمثابة الملتقى الذي تتعزز فيه علاقات الأمم وتتواصل الحضارات، وهو الهدف ذاته الذي يعمل عليه السفراء في العصر الحديث.

وكان لهذه الزيارة دور كبير في تعريف الدبلوماسيين بالإرث الحضاري والإنساني للمملكة العربية السعودية، وعلى ما تزخر به من طاقات كبيرة ونوافذ ثقافية عميقة متنوعة، وقد أبدى الوفد الدبلوماسي إعجابه بالفعاليات والمناشط الثقافية والسياحية في سوق عكاظ التاريخي التي تعكس مدى الاهتمام الحكومي بهذه الجوانب.

الجاحظ يبدع في ترفيه الأطفال
لن ينسى زوار سوق عكاظ الذين ذهبوا برفقة أبنائهم تجربة زيارة “جناح الجاحظ” الذي يضم مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي تستعرض سيرة وحياة أحد أهم وأشهر العلماء والأدباء العرب.

 وقد كان الجناح محل اهتمام الأطفال الذين جذبتهم الزوايا المبتكرة والعروض الإبداعية، وخاصة مسرح وسينما الطفل، والمشاهدة عبر النظارات ثلاثية الأبعاد، بما فيها من تجربة ممتعة وثرية لتعرّف أدب وقصص أحد أشهر المؤلفين في التاريخ، في حين بدا للأهالي أن الجاحظ شخصيـًّا قد تولى ترفيه أبنائهم في هذه الزيارة.

قدم الجناح العلوم والمعارف في قالب ترفيهي، تضمن مشهدًا تمثيليـًّا يحكي بعض تفاصيل حياة الجاحظ، وتستعرض سينما الأطفال لحظات مهمة في حياة العالم وهو يقوم بالتدوين والكتابة، مع عرض لمساهماته في مجال الأدب والسياسة والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة وغيرها.

من سوق عكاظ .. دعوة إعلامية لحماية القيم
كان الجانب الإعلامي أحد المحاور التي ناقشها ضيوف السوق في هذا العام، حيث أقيمت ندوة بعنوان: “القيم الإعلامية في عصر الإعلام الجديد”، تحدث فيها كل من المتحدث باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن العقيد الركن تركي المالكي، والدكتور فهد الشليمي، والدكتور عبد الرحمن العبد القادر، والإعلامي سلطان القحطاني، وأدارها الدكتور شاكر الذيابي.

الدكتور العبد القادر دعا خلال هذه الندوة إلى قيام الباحثين بدور أكبر في مواكبة تسارع عصر الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال دراسات ونظريات أكثر قدرة وعمقـًا في تحليل هذا التحول الإعلامي واستجلاء أثره، مشيرًا إلى أن هذه الوسائل باتت المصدر الأول للخبر ولتشكيل الرأي العام.

بدوره أكد العقيد الركن تركي المالكي، من خلال تجربته في مجال الإعلام العسكري، أن حالات الحروب تعدُّ بيئة مناسبة لانتشار الشائعات بالنظر إلى شح المصادر، وأوضح أن هذا الواقع يزيد من مسؤولية الإعلام نحو كسب ثقة المتلقي عبر تقديم رسائل تطلعه على صغير الأمور وكبيرها، وتتمتع بالمصداقية العالية.

من ناحيته، وجه الدكتور فهد الشليمي انتقادًا مباشرًا لوسائل الإعلام التحريضية التي تعتمد على معلومات مشبوهة وغير مدققة في تغييب العقول وتضليل المتلقي، وقال إن هذا يتطلب من الجهات الإعلامية الرسمية سرعة التوضيح بالأخبار الصحيحة، كما يتطلب من المتلقي أن يبحث بنفسه ليتأكد من صحة خبر من عدمها.

بدوره، حمّل الإعلامي سلطان القحطاني بعض محتوى الإعلام الجديد المسؤولية  عمـّا وصفه بالهجوم على القيم، مشيرًا إلى أن غياب معايير النشر أسهم كثيرًا في تقديم منتج لا يليق بقيم المجتمع، وتصعب مواجهته في ظل السيل العارم مما يتم طرحه، وقال القحطاني إن مهنة الإعلام نفسها لم تسلم من تبعات هذه الظاهرة.