-هكذا أوقف الفيروس المستجد بث قناة خليجية على الهواء.. وأنهى المسيرة الإعلامية لمذيعة أمريكية.
-رسام كاريكاتير وثق يوميات إصابته بإبداعات من قلب الحجر.
-سرّ الرقم (19) مع منظمة إعلامية دولية.
في زمن (كورونا) تغير كثير من المفاهيم، وظلت الصحافة هي مهنة المتاعب، ولكن هذه المرة كان عليها أن تواجه المخاوف أيضًا، فالصحفي الذي ينقل أخبار الجائحة من الخطوط الأمامية يواجه كذلك تحدي حماية نفسه وعائلته والتكيف مع الإجراءات الاحترازية من دون التأثير في سرعة وصوله للمعلومة ومصداقية نقله للخبر، فضلاً عن كون الصحفي جزءًا من المجتمع الذي يتحرك بحذر في حياته اليومية؛ خشية الوقوع في خطأ قد يكلفه انتقال عدوى الفيروس المستجد.
الأرقام قد تكذب!
(127) إعلاميًّا في (31) دولة هم ضحايا فيروس كورونا المستجد منذ ظهور الوباء وحتى مطلع شهر يونيو 2020م، (62) منهم توفوا في شهر مايو فقط (بمعدل اثنين في اليوم) وفقًا للإحصائية التي أعلنتها منظمة (شارة الصحافة) بالاعتماد على بيانات نقابات الصحفيين والمراسلين حول العالم، وتمَّ نشرها عبر عدد كبير من وكالات الأنباء المحلية والعالمية والمواقع الإخبارية، وقد ربط “بليز ليمبن” الأمين العام للمنظمة كثيرًا من هذه الإصابات بعدم توافر التدابير الوقائية اللازمة للصحفيين في أماكن عملهم، وكذلك في الخطوط الأمامية لتغطية أخبار الجائحة وتوعية الناس بكيفية مواجهتها.
بعد أسبوعين فقط من نشر الإحصائية، وفي منتصف شهر يونيه، رفعت المنظمة، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، عدد الضحايا إلى (146) إعلاميًّا، ورجحت أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر من ذلك بكثير، وهو افتراض على درجة عالية من الواقعية إذا نظرنا إلى أن عدد الإصابات الحالي في العالم – وقت كتابة هذه
الأسطر – قد تجاوز (9) ملايين شخص، فيما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن توقعات بارتفاع وتيرة العدوى بشكل واضح خلال الفترة المقبلة، من دون أن يلمس العالم أي حقائق حول اكتشاف اللقاح الذي يعوّل عليه تغيير واقع هذه الأزمة غير المسبوقة.
من العالم.. للعالم العربي
كان الإعلاميون جزءًا من مشهد التلقي التدريجي لهذا الحدث، من خلال تجربة نوعية يتعاملون فيها مع الفيروس الذي يوصف بالعدو غير المرئي، ولعل الجميع يتذكر بروز اسم الممثل الأمريكي “توم هانكس” الذي كان من أول الأسماء الشهيرة التي أصيبت بالفيروس مع بداية ظهوره، غير أن الأخبار العالمية مع مطلع شهر أبريل جاءت لتعلن عن مصابي كورونا من الإعلاميين، حين أعلنت شبكة (CNN) الأمريكية عن وفاة مذيعتها المخضرمة “ماريا ميركادر” بمضاعفات الفيروس الذي أصاب كذلك زميلها “كريس كومو”، وزميلتها المراسلة “بروك بالدوين”، ليلحق بهما زميلهما المذيع الإنجليزي الساخر “ريتشارد كويست”.
في العالم العربي، ومع استمرار الجائحة في تسجيل أرقام متصاعدة خلال شهري مايو ويونيو، وهي الفترة التي بدأ فيها الحديث عن “موجة ثانية” وعن “أن الفيروس بدأ يصبح أكثر ضراوة”، أصبحت الدائرة تضيق أكثر لتشمل أشخاصًا أقرب، وبدأ الإعلاميون يلاحظون ذلك من خلال الأخبار التي يأتي بها “التايم لاين” الخاص بهم في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يضم عادة شريحة واسعة من زملاء المهنة وأصدقائهم ومعارفهم، فضلاً عن الشخصيات الشهيرة فيها بالطبع، حيث يتكرر الخبر إما عن إعلان إصابة إعلامي أو أحد من أفراد عائلته، لتتولى الدعوات والمشاعر الصادقة والأمنيات الصادقة بالشفاء، من الزملاء والجمهور ككل.
“علي فقندش”، الصحفي الأشهر في تاريخ المجال الفني في السعودية، كان أحد المصابين بالفيروس، ووجد تعاطفًا كبيرًا في الساحة الإعلامية الخليجية والعربية، فيما تعافى الإعلامي الكويتي فهد السلامة من فيروس كورونا المستجد بعد أن أدت إصابته إلى إغلاق مؤقت لبث قناة (سكوب) لأسباب احترازية، في سابقة قد تكون الوحيدة في العالم، أما رسام الكاريكاتير السعودي عبد الله صايل، فقد كانت له تجربة لافتة حيث وثق يوميات إصابته بكورونا عبر عدة رسومات ساخرة تعزز من السلوكات الصحية في مواجهة الوباء، ونشرها في حسابه على “تويتر” خلال وجوده في المستشفى.
وكان شهر يونيو الأصعب على الإعلاميين المصريين، حيث سجل عدة إصابات متزامنة لعدة مذيعين ومقدمي برامج، منهم حسام حداد من قناة “الحياة”، ودينا حويدق من قناة (CBC)، وكريم رمزي من قناة “أون تايم سبورت”، ومآثر المرصفي المذيعة في “راديو مصر”، وإلهام النمر من التلفزيون المصري، بينما لا تزال الفنانة الشهيرة رجاء الجداوي تحت الرعاية الطبية المشددة بعد إصابتها بالفيروس.
في الوقت ذاته، كان الإعلاميون يلهجون بدعوات الرحمة لزملائهم الراحلين بسبب كورونا، فقد كانت المذيعة المغربية ليلى طرازيم أول إعلامية عربية تتوفى على إثر الإصابة بالفيروس، فيما فقدت مصر عددًا من المذيعين والصحفيين منهم رشا حلمي، ومحمد الدالي، ومحمد صيام، وأيمن عبد الحميد، ومحمود رياض، ومحيي الدين السيد، وفقد العراق الإعلامي علي وحيد العبودي، ونعى الجزائريون الصحفي محمد بغدادي.
هكذا واجه الإعلاميون الوباء
لعل من المناسب في هذا السياق أن نشير إلى الروح المعنوية العالية التي ظهر بها كثير من الإعلاميين وهم يعلنون الخبر في عبارات يملؤها الإيمان والثقة في الله تعالى، ولا ينقصها التأكيد والتشديد على الالتزام بالإجراءات الاحترازية، كالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، فضلاً عن الروح المرحة أحيانـًا كما هو الحال مع المذيعة المصرية آية عبد الرحمن، التي وعدت الجمهور بالعودة لتحكي تجربتها مع الفيروس الذي أطلقت عليه اسم (كورونا باشا)، في حين لم تغب النصيحة المهنية أحيانـًا والمتمثلة في الدعوة إلى التعامل بمسؤولية مع أخبار الجائحة والحصول عليها من جهات موثوقة، فالفيروس يمتلك طبيعة عملية لا يمكن المخاطرة بمواجهتها عبر الاختفاء خلف شائعة، فهو لا يهتم بالأشخاص الذين تصدّقهم بقدر اهتمامه بالأشخاص الذين تصافحهم.
وبما أن الحديث عن الشائعات، فمن المناسب كذلك أن نتذكر “تريش ريغان”، وهي المذيعة في قناة “فوكس بيزنس”، فالفيروس الذي تسبب في إيقاف بث قناة فضائية على الهواء، تسبب كذلك في إنهاء المسيرة المهنية لهذه الإعلامية الأمريكية التي ظلت تشكك في وجاهة المخاوف المقترنة بوباء كورونا المستجد واعتبرته مجرد “عملية احتيال”، الأمر الذي كلفها مواجهة قرار شبكة فوكس، لتغادر “ريغان” الشاشة من دون أن تكون مصابة بالفيروس أو مخالطة لمصاب، وإنما بسبب إيقاف برنامجها الذي كان يعرض في وقت الذروة، وهي الميزة التي لم تجعله أكثر أولوية من صحة المشاهدين، ولا أكثر أهمية من مصداقية المنبر الإعلامي الذي يبث من خلاله.
تعددت الأسباب.. والحماية واحدة
لم يكن فيروس كورونا المستجد، أو أي فيروس آخر، حاضرًا في ذهن مـَن عملوا على صياغة النص التأسيسي لمنظمة (شارة الصحافة) في نهاية عام 2007م، التي كان الهدف الحقيقي من إنشائها توفير الحماية للصحفيين من تعرضهم للاعتداء في مناطق النزاع المسلح، والتأكد من حصولهم على حرية العمل الصحفي، وبينما ظلت المنظمة تؤكد على الدول أهمية تطبيق المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فقد وجدت نفسها خلال هذا العام تواجه الخطر غير المتوقع، القادم من (كوفيد 19).
كانت المنظمة قد اقترحت أن يرتدي الإعلاميون في كل العالم شارة خاصة، تتضمن كتابة خمسة أحرف سوداء على خلفية برتقالية وفسفورية، بما يضمن حمايتهم من أي استهداف محتمل، غير أن أهمية هذا الاقتراح تراجعت في مقابل كمامة أيا كان لونها يستخدمها صحفي عليه أن يترك مسافة آمنة من الآخرين، على العكس تمامًا مما اعتاده على مدى سنوات من الاقتراب اللصيق من الأحداث وصناعها، واضعًا في اعتباره أن مواقفه ولونه وعرقه لن يكون لها علاقة بتعرضه للخطر هذه المرة، وأن الخوف من تضييق الحرية سيستبدل بالخوف من الحجر الصحي.
تنشغل المنظمة اليوم بعمل مختلف نسبيًّا عن ذلك الذي قامت لأجله، وإن استمر هدفها في سلامة موظفي مهنة المتاعب حول العالم، بعد أن حرمتها أحداث هذا العام من الفرح بانخفاض عدد الصحفيين القتلى في الحروب، حيث لم يتجاوز (31) صحفيًّا حتى شهر يونيو2020م، مقارنة بأرقامها التي تشير إلى مقتل (75) صحفيًّا في عام 2019م، و(117) صحفيًّا في عام 2018م، و(99) صحفيًّا في عام 2017م، فحرب كورونا في الغالب تسببت بأعداد أكبر من الضحايا، من دون إطلاق رصاصة واحدة.