في أوقات الأزمات والحروب كثيرًا ما تلتصق تهمة الكذب بالإعلام، وقد بدأ ذلك منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا ما جعل الخبراء يبحثون عن دور الإعلام في الأزمات، لأن دوره في الأوقات العادية يقتصر على مهمات واضحة ومحددة، منها: التثقيف والتوعية والتوجيه، لكن مجرد حدوث أزمة، فإن الإعلام يقع في المحظور ما بين التزامه بالمعايير الأخلاقية والمهنية التي تتطلب حرفية من وسائل الإعلام والقائمين عليها، وما بين تنفيذ الأجندات والأولويات لمالكي وسائله والقائمين على الاتصال.
ولرئيس الحكومة البريطانية «ونستون تشريشل» مقولة مبهرة، وهي: «إن الحقيقة في وقت الحرب ثمينة جدًّا لدرجة أن يتطلب حمايتها بحرس شخصي من الأكاذيب».
لكن الحقيقة لديها مقاييس عند مـَن يملكها، ويعتقد ما يجب أن يوّجه إلى الناس على أنه حقيقة، وبالتالي هو يعمل على بتر أجزاء من الحقيقة لإيصالها إلى الناس كما يريد، ومتى ما بُتر جزء من الحقيقة فهذا يؤثر في مصداقية القائم بالاتصال.
وأهم أدوات الحروب الإعلامية، هي «الأخبار الزائفة»، حيث إن استخدام الأخبار الكاذبة بنيّة معينة من أجل تحقيق هدف محدد قديم العهد في الاجتماع السياسي للبشرية، ومن المهم التوقف عند النيـّة والغاية خلف الأخبار الكاذبة، ذلك أنه في بعض الحالات ما يبدو أخبار كاذبة قد يكون في الواقع «سخرية إخبارية»، وهذا النوع من السخرية يلجأ إلى المبالغة ويُدخل عناصر غير واقعية، وهدفه التسلية أو إيصال رسالة ما، وليس الخداع.
وهناك المضمون التدجيلي، ويعني اختلاق مصادر كاذبة أو انتحال صفة مصادر حقيقية.
ومن أنماط الأخبار الزائفة تلك التي تتعمد الربط الخاطئ بين مضمونها والعنوان الذي يتصدرها، فلا تكون هناك علاقة بينهما أبدًا.
وتنشر المعلومات المضللة الخادعة من خلال الصحافة الورقية التقليدية ووسائل الإعلام الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، بقصد التضليل وإلحاق الضرر بجهة ما أو شخص ما وتحقيق مكاسب معينة.
ولإبعاد الشك عن الأخبار الكاذبة يلجأ صانعوها إلى ظاهرة «غسل الأخبار» وهي ظاهرة تشبه ظاهرة «غسل الأموال» التي تكون قائمة على أموال غير مشروعة المصدر ومحرمة، مثل: أموال السرقة والمخدرات والفدية، التي يتم تدويرها من خلال الاستثمار في مشاريع تجارية وعقارات كي تودع بعد ذلك في المصارف بصورة مشروعة.
من هنا فإن ظاهرة «غسل الأخبار» تقوم أولاً على صناعة أخبار زائفة يتم نشرها في وسائل إعلامية محدودة الانتشار وتدويرها بينها، إلى أن تتلقفها الوسائل الإعلامية الرسمية من خلال عملية إعادة النشر والنقل فتصبح معتمدة.
ويلجا صانعو الأخبار الكاذبة إلى هذا الأسلوب لإبعاد الشبهة عن المسائلة في حالة التحقيق معهم عن مدى صحة المعلومات والمصادر.
وعملية «غسل الأخبار» تستدعي تكوين خلايا عمل كبيرة يعهد إليها بتدوير الأخبار الزائفة، وهذه الخلايا تتكون من عدة أشخاص يمتلكون حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، غايتهم تضليل الرأي العام.
وهذا ما يفسر ملاحظة القارئ لأخبار تذاع وتنشر على الوسائل الإعلامية الرسمية تبدأ بعبارة «تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تويتر …».
ومما يفاقم من ظاهرة الأخبار الزائفة الاعتماد على شهود عيان وهميين، يبنى عليهم جلّ الخبر إن لم يكن كله، على الرغم من أن الشهود يجب أن يكونوا جزءًا من الخبر فقط.
ولهذا نجد الإعلاميين يعارضون الاعتماد المكثف على الشهود، مشددين على ضرورة الفصل بين المراسلين والمندوبين الصحفيين، وبين الشهود، لأنهم يختلفون على مستوى المهنية والحرفية في نقل الحدث وسرد تفاصيله من موقعه.
وشيء آخر لا يقل أهمية في موضوع الأخبار الزائفة، هي تلك المصادر التي يطلق عليها مجازًا «مصادر الشبح»، إذ يشمل هذا المفهوم كل خبر خال من اسم مصدر صريح سواءً كان فردًا أو مؤسسة، ونقل أية معلومة من دون إرجاعها إلى مصدر صريح الاسم، وتندرج تحت ذلك إشارات من قبيل «مصدر موثوق» أو عبارات تقوم على البناء المجهول للفعل، مثل: «عُلِم أن»؛ لكن المصادر المجهولة كثيرًا ما تكون المفتاح الوحيد للكشف عن قصة كبيرة يقف خلفها الفساد، لا يفطن إليها سوى الصحفيين الأكفاء مهنيـًّا وأخلاقيـًّا.
وإزاء تلك الظواهر الدخيلة على الإعلام الحر النزيه لا بد من تكثيف الوعي الإعلامي، واستخدام مهارة التفكير الناقد، وتدريب المتلقي على مهارة حـُسن الاختيار للمضامين الإعلامية والتفاعل والمشاركة في صياغة المحتويات الإعلامية الهادفة بما هو متاح أمامه اليوم من وسائل تكنولوجية واسعة الانتشار والتأثير.