“مسبار الأمل” يدخل مدار المريخ والتاريخ

هيثم السيد – الرياض

خط التواصل مستمر بين “الخوانيج” و”اوليمبوس مونس”

-احتفال اليوبيل الذهبي للإمارات يواكب المرحلة الأهم من مهمة اكتشاف (جار الأرض).

-أقمار الكوكب الأحمر تظهر في سماء دبي.. وحبره البركاني يختم جوازات القادمين إليها.

واصلت مهمة الإمارات العربية المتحدة باكتشاف المريخ نجاحاتها، حيث كان تاريخ التاسع من فبراير 2021م لحظة فارقة في المشروع الذي امتد عمره لأكثر من (7) سنوات، وذلك بوصول “مسبار الأمل” إلى مدار المريخ وفقـًا لما هو مخطط له ليمثل ذلك احتفالية نوعية بمرور خمسين عامًا على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت أول دولة عربية تنفذ مهمة فضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر، في خطوة نالت تقديرًا إقليميًّا وعالميًّا كبيرين.

مسيرة النصف مليار

ملايين المشاهدين ومستخدمو وسائل التواصل تلقوا الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء خلال ثاني أسابيع فبراير، فمن بين أخبار جائحة كورونا المستجد والحديث عن اكتشاف تحورات جديدة للفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي، كان المسبار الإماراتي قد وصل الغلاف الجوي للمريخ في انطلاقة مستمرة منذ سبعة أشهر قطع خلالها قرابة نصف مليار كيلو متر (494) مليون كلم وفقـًا لرويترز، ليبدأ في إرسال أول صوره عالية الدقة عن بُعد آلاف الكيلومترات فقط عن سطح الكوكب الأحمر، وهي الصور التي تواصل إرسالها فيما بعد، ليتواصل معها التأكد من سير المهمة على النحو الأمثل.

المسبار .. مصورًا ومراسلاً صحفيًّا

“اسكريوس”و”بافينوس” و”ارسيا” هي أسماء ثلاث قمم شهيرة لبراكين قريبة من خط الاستواء، ولكن الحديث هذه المرة ليس عن الخط المعروف في الأرض وإنما عن نظيره على المريخ، معلومات كهذه بدأت تظهر بشكل متزايد في عناوين الأخبار الإماراتية بخاصة التوازي مع مواصلة المسبار اقترابه من الكوكب الأحمر، مستكملاً القيام كذلك بدور المصور أو المراسل الصحفي، لكن بصفات استثنائية، مستخدمًا تقنيات متقدمة تعتمد على الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء في تغطية الحدث عبر التقاط صور ملونة من المريخ تتحول فورًا لأخبار تضع المهتمين والعلماء معًا، على أقرب نقطة ممكنة من المعلومة والمشاهدة.

المستحيل.. قد لا يبقى مستحيلاً

“الحياة ليست أمرًا مستحيلاً في المريخ”.. هذا هو الافتراض الذي تُسهم المهمة الإماراتية في تعزيزه من خلال قيامها بترسيخ دلائل حديثة على بناء علمي تراكمي قامت به المراكز الفضائية العالمية خلال السنوات الماضية، فالكوكب الرابع في المجموعة الشمسية، هو جار الأرض الفضائي الذي لم يكن أقرب منها خلال الخمسين ألف عام الماضية كما هو الآن، وفقـًا لموقع ناسا بالعربي، هذا القرب يشمل كذلك ملاحظة التشابه في كثير من الخصائص بين الكوكبين، ويعوّل العلماء على “مسبار الأمل” في تحقيق نتائج مهمة، خصوصًا من حيث دراسة الغلاف الجوي للكوكب، وكذلك كشف أي تسربات لغاز الأكسجين والهيدروجين، بالإضافة إلى أبحاث أخرى.

في فلك الفضاء الإعلامي

عودة إلى الأرض، واصلت الرحلة المريخية تحقيق أصداء واسعة على مستوى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبدا واضحًا أن ما يشهده “الفضاء الإعلامي” من تطور وتنوع غير مسبوقين اليوم كان خبرًا جيدًا في حدِّ ذاته بالنسبة لكل مـَن يرغب في مواكبة وتخليد هذه اللحظات التاريخية، فضلاً عن استثمارها في تنمية ثقافته العامة في مجال اكتشاف الفضاء، وهي إلى جانب هذا كله ظلـّت المبعث المتجدد للأمل الذي تسمى به المسبار، والمستلهم من نجاح الكفاءات الخليجية الإماراتية بتحقيق إنجاز بهذا الحجم.

المسبار في المدار

على موقع “تويتر”، تفاعل المستخدمون بشكل كبير مع تغريدات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهي تواكب لحظة بلحظة رحلة “مسبار الأمل”، بخاصة في مراحلها الحاسمة، فقد ظلَّ نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس الوزراء وحاكم دبي، يركز على حقائق الأرقام وعلى المعاني التي اقترنت بهذا المشروع بما مثله من رمزية القدرة على التحدي، حيث ثمن في تغريدة له عمل (200) مهندس ومهندسة إماراتية على مدى (5) ملايين ساعة، ووصف دخول المدار بالتحدي الأكبر، مشيرًا إلى أن (50%) من المحاولات هي التي نجحت فيه، قبل أن يعلق على ذلك “حتى إن لم ندخل المدار، لقد دخلنا التاريخ، هذه أبعد نقطة في الكون يصل إليها العرب عبر تاريخهم”، ما حدث بعد ساعات من التغريدة.. كان لحظة الاحتفال الكبرى للإمارات والعرب.. دخل المسبار في المدار، وفي التاريخ معًا.

على قمة بركان “مؤنس”

في أول صورة التقطتها عدسة “مسبار الأمل” ووصلت إلى مركز التحكم الواقع في مركز محمد بن راشد بمنطقة الخوانيج في دبي، والتي ظهر فيها بركان “أوليمبوس مونس” أو (اوليمبوس مؤنس) كما ورد اسمه في وسائل إعلام عربية، وكانت تلك مصادفة “مؤنسة” في حدِّ ذاتها، هذا البركان يُعدُّ أكبر بركان على كوكب المريخ وأكبر بركان في المجموعة الشمسية، وقد التقطت الصورة على ارتفاع حوالي (25) ألف كيلومتر فوق سطح المريخ، وأظهرت القطب الشمالي للكوكب الأحمر، فيما كان البركان الكبير في وسط الصورة مع بزوغ ضوء الشمس.

 

“فخور بكم يا عيالي”

تداولت الأخبار فيما بعد تصريح رئيس دولة الإمارات العربي المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، “أبناء الإمارات حولوا الحلم إلى واقع، وحققوا طموحات أجيال من العرب، ظل يراودها أمل وضع قدم راسخة في سباق الفضاء، الذي ظلَّ حكرًا على عدد محدود من الدول”.

“فخور بكم يا عيالي” عبارة أبوية لامست قلوب الإماراتيين، وقد غرد بها الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الذي حرص على الوجود لتهنئة فريق العمل بهذا الإنجاز برفقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث نشر بهذه المناسبة تغريدة تضمنت قوله “نفخر اليوم بما وصلنا إليه عبر مسيرة انطلقت من الصحراء لتعانق الفضاء في زمن قياسي.. وطن يزهو بقادة آمنوا فيه بالإنسان فصنعوا بذلك كفاءات وطنية وصلت بنا إلى المريخ في مشهد رائع”.

دوران متصل.. ومتابعة متواصلة

ومع بداية دوران المسبار حول المريخ بواقع دورة واحدة كل (55) ساعة، وفقـًا لما نشره تقرير في صحيفة الإمارات اليوم، كانت الأرض تتداول الصور التي يأتي بها، فيما تفاعل مستخدمو المواقع بآلاف التغريدات والمتابعات الإخبارية، بخاصة خلال الفترة التي تلت وصول المسبار إلى مدار المريخ، والتي أعاد فيها الإعلام الذاكرة إلى لحظات انطلاق المسبار في يوليو الماضي، بساعات متواصلة من التغطيات المباشرة، كما واصل الإعلام المقروء مواكبة الحدث بمزيد من المعلومات التفصيلية التي تتعلق بهذه المرحلة بالغة الأهمية من رحلة “مسبار الأمل”.

الكوكب الأحمر واليوبيل الذهبي معًا

كان الواصلون إلى مطار دبي في هذه الفترة يحصلون على ختم داخل جوازاتهم كُتب عليه (لقد وصلت إلى الإمارات، والإمارات تصل إلى المريخ)، وقد استخدم في كتابته حبر خاص باللون الأحمر المشتق من صخور البازلت البركانية الموجودة في إمارة الشارقة، والتي تشبه إلى حد كبير سطح المريخ، وكان هذا تعبيرًا احتفائيًّا مستحقـًا لضيوف الدولة الخليجية العربية التي سيسجل لها التاريخ أنها قد تلقت في العام 2021م، التهاني بمناسبة نجاح مهمتها الفضائية، وبمناسبة يوبيلها الذهبي في الوقت نفسه.

ثالثة ثابتة من محاولة أولى

ولدت فكرة “مسبار الأمل” في اجتماع لحكومة دولة الإمارات عام 2014م، قبل أن تتبلور إلى خطة إستراتيجية ومشروع علمي عملاق، واليوم وبعد أن سجلت الإمارات اسمها كخامس دولة في العالم تصل إلى مدار المريخ، وثالث دولة في العالم تصل إلى مدار الكوكب الأحمر من المحاولة الأولى، يواصل المسبار التقاط الصور بينما يسير بسرعة تصل إلى (120) ألف كلم في الساعة، خلال رحلته التي ستستمر “سنة مريخية” واحدة وهي ما يعادل عامين أرضيين تقريبًا.

المتنبي في (ناسا)

واكب الإماراتيون مهمة المسبار بأجواء احتفالية مبدعة، فأضيئت المعالم الشهيرة كبرج خليفة وبرج العرب باللون الأحمر ليلاً، كما اكتست صورة “مسبار الأمل” عددًا من الحسابات الإماراتية الرسمية والشخصية على مواقع التواصل، فيما عرضت صورتا قمري المريخ “فوبوس” و”ديموس” في سماء دبي، ليرى سكانها ما يراه المسبار، والذين لم تمنعهم التدابير الاحترازية التي تحدُّ من التجمعات من التعبير عن فرحتهم وفخرهم عبر الوسائط الإعلامية المختلفة بالإنجاز الذي اختارت وكالة “ناسا” الأمريكية أن تهنئ الإمارات عليه بطريقة لافتة حين كتبت باللغة العربية بيت المتنبي الشهير:

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ

فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ “