مؤسسات الإعلام الرقمي الجديدة “فوكس ميديا” من مدونة رياضية إلى شبكة واسعة في الفضاء العالمي

د. عباس مصطفى صادق
  • انبثقت “فوكس ميديا” من موقع “سبورت بلوغز” عام 2005م.
  • شهد عام 2011م انطلاقة “فوكس ميديا” الرقمية.
  • قدمت منصة فوكس الإخبارية مفهومًا جديدًا للخبر.

لزمن طويل ساد الإعلام الدولي أسماء إمبراطوريات معروفة، مثل: “تايم وارنر، وإكسل شبرنغر، وبرتلزمان، وديزني وغيرهم”، الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديدًا كليًّا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل: “فايس ميديا، وبزفيد، وإنسايد إديشن، وفوكس، وإم آي سي ميديا”، هؤلاء عمالقة جدد في الإعلام الدولي وبأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة.
نجحت شركة الإعلام الرقمي الأمريكية العملاقة “فوكس ميديا”
(Vox Media) في صنع نموذج إعلامي عملاق يربط الشباب من أنحاء العالم، من خلال قدراتها المتطورة في ابتكار المحتوى الإعلامي الجديد ونشره وتوزيعه عبر منصات الإنترنت، وهي تصف نفسها بأنها تعمل على صياغة مستقبل الصحافة والترفيه، وقد أظهر توسعها وتطور علامتها خلال السنوات القليلة الماضية كيفية بناء إمبراطورية رقمية حقيقية في المشهد الإعلامي المتصدع اليوم.
انطلقت “فوكس ميديا” من موقع المدونة الرياضية “سبورت بلوغز”
(Sports Blogs) عام 2005م، إلى الفضاء العالمي العريض بثماني علامات، هي: “فوكس Vox، وذا فيرج The Verge، وبوليغون Polygon، وإس بي نيشن SB Nation، وإيتر Eater، وراكد Racked، وكيرب Curb، وريكود Recode”، وهي تستخدم منصة نشر خاصة باسم (Chorus) تسهل إنشاء ومعالجة المحتوى وتوزيعه عبر مختلف منصات الوسائط المتعددة.

وتعتبر “سبورت بلوغز” بمثابة الشركة الأم لشبكة المدونات الرياضية “إس بي نيشن”، التي أسسها الخبير السياسي “جيروم أرمسترونغ”، والكاتب الصحفي “تايلر بليزينسكي”، و”ماركوس موليتساس” مؤسس منتديات ومدونات ديلي كوس
(Daily Kos) التي تركز على الحزب الديموقراطي والسياسة الليبرالية الأمريكية.
كان الموقع قد تطور من مدونة رياضية متخصصة يشرف عليها “بليزينسكي” هي (Athletics Nation) التي توفر مجالاً للكتابة والتعليق حول فريق البيسبول المعروف في الدوري الأمريكي “أوكولاند أثليتيك” (Oakland Athletics)، وذلك من منظور المعجبين، وقد أدت شعبية الموقع إلى اندماج عدد كبير من المدونات الرياضية الأخرى فيه، ثم تطور الأمر في عام 2008م، عندما عينت “إس بي نيشن” جيم بانكوف
(Jim Bankoff) المدير التنفيذي السابق لشركة “أمريكا أونلاين” (AOL) للمساعدة في نموها وبناء شبكة من المواقع الرياضية ذات التوجه المتخصص.

في عام 2011م، تمَّ تغيير اسم “سبورت بلوغز” إلى “فوكس ميديا”، وفي نفس العام عين بانكوف عددًا من الكتـّاب السابقين في مدونة (Engadget) المتخصصة في التكنولوجيا التابعة لشركة “أمريكا أونلاين” وعلى رأسهم رئيس التحرير السابق “جوشوا توبولسكي”، وذلك لإنشاء موقع ويب جديد موجه نحو عالم التكنولوجيا يعمل ضمن “إس بي نيشن” لتؤسس “فوكس ميديا” المولود الإعلامي الرقمي الجديد “ذا فيرج” في الأول من نوفمبر 2011م، جنبـًا إلى جنب مع إطلاق الشركة الأم الجديدة “فوكس ميديا”، لتصبح فيرج بمثابة الشبكة الإعلامية الرقمية الأولى للشركة الجديدة التي تركز على التكنولوجيا من خلال الأخبار والمواد التعريفية ومواد الفيديو والبودكاست، وهي تبث أسبوعيـًّا باسم (The Vergecast) فضلاً عن عرض مخصص لأجهزة الهواتف الذكية (Verge Mobile Show).

بالإضافة إلى ذلك قدمت المنصة برنامجـًا ناجحـًا هو “أون ذا فيرج” (On the Verge) كسلسلة ويب تلفزيونية أسبوعية ترفيهية لأخبار التكنولوجيا، تقوم على نسق برامج منتصف الليل الحوارية، ولكن يتم بثه عبر الإنترنت وليس على التلفزيون.
بعد ذا فيرج توالت المنتجات الجديدة لفوكس ميديا، ففي 2012م أطلقت موقع “بوليغون” المتخصص في ألعاب الفيديو، وفي 2013م تملكت الشركة شبكة “كيربد” التي تضم شبكة مدونات العقارات كيربد، ومدونة “إيتر” المتخصصة في الطبخ ومعها مدونة الأزياء “راكد”، وفي أبريل 2014م أطلقت الشركة منصة إخبارية باسم “فوكس” (Vox)، ثم استحوذت في مايو 2015م على موقع “ريكود” الشهير والخاص بصناعة التكنولوجيا وشركاتها، وفي 15 أبريل 2019م تملكت مجلة (Epic)، والتي ستصبح جزءًا من قسم جديد يسمى (Vox Media Studios).

وبالعودة إلى منصة فوكس الإخبارية، التي خرجت إلى الوجود على أيدي مؤسسيها: “ايزرا كلاين”، و”مليسا بيل”، و”ماثيو ايغليسياس”، حيث تقول: إن صحافييها يقدمون لجمهورهم كل ما يهمهم، ويعالجون القضايا الكبيرة والمعقدة والمهمة في السياسة والاقتصاد وثقافة البوب والطعام والعلوم، وذلك في كل مكان في الإنترنت، “فيسبوك” أو “يوتيوب” أو “انستغرام” وغيرهم، من خلال الفيديو والنص والصوت، فوق ذلك كله تهتم بشكل أساسي بالصحافة التفسيرية التي تساعد على فـَهم الأحداث، وتحليل الأسباب، وتعريف المسميات، وتضيف بـُعدًا معلوماتيـًّا أصبح ممكنـًا بفضل التكنولوجيا الجديدة.
وكما أشرنا، فقد أطلقت الشركة موقع “بوليغون” على الإنترنت لألعاب الفيديو في عام 2012م، حيث يهتم بنشر الأخبار والمراجعات والتعليقات المختلفة المتصلة بهذا العالم، وهو لا يركز على أخبار الألعاب ومـَن يتمتعون بممارستها فقط، بل -أيضـًا- على مـَن يبتكرون ويصنعون ويطورون هذه الألعاب من شركات وأفراد، ويستخدم الموقع نموذج “رعاية المحتوى المباشر” للإعلان عبر الإنترنت.
أما كيربد التي اشترتها “فوكس ميديا” في نوفمبر 2013م، فهي شبكة مدونات عقارية أمريكية تأسست عام 2010م، وكانت تغطي أخبار العقارات في نيويورك، ثم توسع نطاقها بسرعة لتشمل عدة مدن، مثل: “لوس أنجلوس، وسان فرانسيسكو” وغيرهما، وتنظم مسابقة سنوية لاختيار أفضل حي في كل مدينة، كما تقدم برامج بالفيديو والصوت، مثل برنامج (The Curbed Appeal)، وهو “بودكاست” يشمل كل ما يتعلق بالأماكن التي يعيش فيها الناس والأشياء التي يستخدمونها ويتعاملون معها بشكل يومي.

أما بالنسبة لمنصة “إيتر”، فقد تمَّ تكريسها بشكل كامل لنشر الأخبار والتعليقات الخاصة بصناعة المطاعم والطبخ، وهي تقدم النصائح والأفكار والأخبار الغذائية بالنص والفيديو والصوت في المنصات الرقمية المختلفة، وقد تمددت لتغطي ما يقرب من (20) مدينة في عام 2012م، ثم أصبح لديها (25) موقعًا محليـًّا في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في عام 2017م، إلى أن أطلقت أول موقع دولي لها في لندن، وقد تمَّ الاعتراف بمنصة “إيتر” أربع مرات من خلال جوائز مؤسسة “جيمس بيرد” (James Beard) التي تمنح تكريمـًا لاسم “عميد المطبخ الأمريكي”.
وفي موقع “راكد” الذي يركز كما أشرنا على موضوعات وأخبار التسوق، بخاصة الموضة والأناقة في لوس أنجلوس ونيويورك وميامي وسان فرانسيسكو، فقد تمَّ تحويله في سبتمبر 2018م من موقع مستقل إلى قسم جديد يعمل تحت فوكس الإخبارية هو (The Goods by Vox)، وهو يركز على العادات الاستهلاكية والإجابة عن تساؤلات مثل: لماذا نشتري ما نشتريه، كما يقدم القسم الجديد للعملاء المعلومات اللازمة ليكونوا مستهلكين أذكياء، فضلاً عن إيضاح الاتجاهات المختلفة في التكنولوجيا والتصميم والبيع بالتجزئة والأزياء والطعام والشراب والسفر وغير ذلك.

في مارس 2015م، أسست الشبكة قسمـًا جديدًا لتطوير وإنتاج برامج ومواد الفيديو، باسم “فوكس الترفيهية” (Vox Entertainment)، وهو ينشط في عرض إنتاجه في المنصات المختلفة في شبكة الإنترنت وغيرها، وتشمل منتجاته عروضًا مثل برنامج (American Style) الذي قدم على “سي إن إن”، وبرنامج (Explained) على “نتفليكس”، و(No Passport Required) الذي عرضته قناة (PBS) وغيرها من المنتجات التي تعرض في “يوتيوب”.
وتهتم فوكس ميديا بسلاسل الوسائط المتعددة الصوتية أو مدونات البودكاست في مجالات مختلفة، وقد خصصت لذلك منصة (Vox Media Podcast Network) للصحافة الصوتية، وهي تقدم من خلالها مجموعة واسعة من الموضوعات من خلال أكثر من (100) برنامج نشط من إنتاج الجهاز التحريري وخارجه لهذه المنصة، تشمل الاقتصاد والتكنولوجيا والأخبار والسياسة والرياضة والمطبخ وغيرها.

أما في مجال الإعلان والترويج، فقد أطلقت الشبكة في أبريل 2016م بالتعاون مع “إن بي سي يونيفيرسال” (NBCU universal) منصة “كونسيرت” (Concert) كشبكة إعلانية تهدف للوصول إلى أكثر من مائتي مليون شخص في أماكن مختلفة للاستفادة من خصائصها الرقمية والذكية، وقد وصفتها فوكس بأنها المكان الذي يأتي إليه أصحاب العلامات التجارية، للتفاعل مع جمهور حقيقي.
فضلاً عن ذلك فإن لدى “فوكس ميديا” قسمـًا للإبداع الإعلاني، هو “فوكس كريتف” (Vox Creative) المتخصص في بناء قصص التسويق للعلامات التجارية وتصميم وعرض الإعلانات التجارية، بخاصة من خلال ذراعه الذي أطلقه في أكتوبر 2017م باسم (The Explainer Studio) لتطوير معالجات إبداعية إعلانية للعلامات التجارية المختلفة للتكنولوجيا والرياضة والترفيه وغيرها.

أخيرًا فإن النجاح أظهرته الأرقام بشكل واضح، ففي عام 2016م وضعتها مجلة “أي إن سي” الامريكية (Inc) المتخصصة في مجال الأعمال شركة العام، مشيرة إلى أنها حققت إيرادات تقارب (100) مليون دولار في عام 2015م، وكانت تجذب (170) مليون مستخدم جديد و(800) مليون مشاهدة محتوى شهريـًّا، وفي عام 2017م حصلت على لقب إحدى أكثر شركات وسائل الإعلام إبداعـًا في العالم، كما صنفت ضمن (50) أفضل مكان للعمل في العاصمة الأمريكية واشنطن.