بينما تتجدد أسئلة الطاقة وتصبح أكثر إلحاحـًا مع تحديات النمو العالمي، تتضافر جهود قيادات الدول المنتجة للنفط من أجل الحفاظ على استقرار السوق وتوازن الإنتاج لضمان تطور مستدام يلبي احتياجات المستفيدين في مختلف أنحاء العالم، من هنا جاءت أهمية انعقاد مؤتمر الطاقة العالمي الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي خلال الفترة من 9 ‒ 12 سبتمبر 2019م، والذي يُعدُّ الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.
قرارات تهم العالم أجمع
أكثر من (70) وزيرًا و(500) رئيس تنفيذي، و(250) متحدثــًا و(15) ألف ممثل لشركات عالمية في شتى المجالات، شاركوا في المؤتمر الذي أقيم تحت شعار “الطاقة من أجل الازدهار” ووصف بأنه أكبر تجمع دولي لمواجهة التحديات ورسم ملامح مستقبل صناعة الطاقة في العالم. ويمثل اختيار الإمارات لاستضافة النسخة الرابعة والعشرين من المؤتمر تأكيدًا على مكانة الدول الخليجية في صناعة القرار العالمي حول الطاقة، ودورها القيادي في تحفيز المشهد الاقتصادي في زمن التحولات.
منصة واثقة لمواجهة التحديات
بمشاركة أكثر من (300) عارض من الشركات العالمية في القطاعين العام والخاص، وأكثر من (150) دولة في المعرض المصاحب الذي امتد على مساحة (35) ألف متر مربع، وعلى مدى أربعة أيام متواصلة، طرح عديد من المحاور خلال (80) جلسة تنوع محتواها ليشمل موضوعات كريادة الأعمال والابتكار والمهارات القيادية، كما حرص المؤتمر على دعم المبادرات الجريئة لمواجهة تحديات الطاقة الرئيسة في المستقبل، وتشجيع تقنيات الجيل الخامس من الاتصالات لتحقيق الاستدامة، وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف لتوفير طاقة أفضل وأرخص.
أول مشاركة لوزير الطاقة السعودي الجديد
كان المؤتمر أول حدث يحضره صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز بعد تعيينه وزيرًا للطاقة في المملكة العربية السعودية، حيث تحدث في اليوم الأول مؤكدًا على أن ركائز السياسة السعودية النفطية لن تتغير، وشدد على أهمية قطاع الطاقة ضمن “رؤية السعودية 2030م”، وعلى التزام المملكة بالعمل مع المنتجين الآخرين داخل “أوبك” وخارجها، لاستقرار الأسواق العالمية للبترول وتوازنها، كما عبر عن أمله في أن يكون النصف الثاني من العام أفضل، من حيث إنتاج النفط، مقارنة مع النصف الأول.
الإمارات .. عمل دؤوب لتنويع المصادر
استضافت أبو ظبي هذا المؤتمر في ظل تطبيق “إستراتيجية الإمارات للطاقة 2050م” والتي تعكس رؤية البلاد للنمو المستدام وتنويع مصادر الطاقة، لتوليد مزيد من مصادر الطاقة النظيفة الخالية من الانبعاثات الكربونية لتشكل (50%) من إجمالي الطاقة المنتجة وطنيـًّا، وذلك من خلال تنفيذ خطة طويلة الأمد هي الأولى من نوعها في المنطقة، بالإضافة إلى الاستثمار المستمر في وضع مبادرات مبتكرة تركز على كفاءة استخدام الطاقة، وتشهد مشاريع الطاقة المتجددة في الإمارات تزايدًا في الاستثمارات، وبصورة كبيرة، منذ عام 2016م.
جناح مجلس التعاون .. جهد متصل لازدهار متواصل
حققت دول مجلس التعاون الكثير من خطوات التنسيق الطموحة لتوحيد الرؤى الاقتصادية فيما بينها، بما في ذلك مجال الطاقة وما يشكله من أهمية قصوى لدول المجلس، وقد كان الجناح الذي شاركت فيه الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المعرض المصاحب لمؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين فرصة لتعرّف هذه الجهود المطردة من أجل مستقبل يحقق مسيرة الازدهار.
احتوى جناح الأمانة العامة لمجلس التعاون في المعرض على عرض مقدم من عدد من قطاعات الأمانة وهيئات ومنظمات مجلس التعاون المتخصصة، التي تعنى بمجالات الطاقة واستدامتها، بهدف إبراز الجهود والمنجزات التكاملية الاقتصادية التي حققها مجلس التعاون في هذا المجال الحيوي المهم؛ تحقيقـًا لأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ذات العلاقة بالطاقة.
كما عرض الجناح من خلال الشاشات التفاعلية ذات التقنية العالية جوانب عن الخطط والمشاريع المهمة التي تنفذها القطاعات خدمة لمسيرة التنمية المستدامة في دول المجلس في مجال الطاقة والطاقة المتجددة والنظيفة، إلى جانب ما تبذله دول مجلس التعاون من جهود كبيرة لتعزيز علاقاتها وتعاونها في مجال الطاقة مع مختلف الدول والتكتلات الاقتصادية لضمان استدامة نمو الاقتصاد العالمي وازدهاره.
وألقت الأمانة العامة من خلال مشاركتها الضوء على الخطط والإستراتيجيات الإعلامية التي تنفذها دول المجلس من خلال المنظومة التعاونية حفظـًا لإمدادات الطاقة واستدامتها، ولترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءتها، بما يكفل تحقيق استدامة نمو الاقتصاد العالمي.
عقول متنوعة التجارب .. تفكر معـًا
لم يقتصر حضور المؤتمر على خبراء النفط والطاقة بل كان قادة الأعمال الشباب من الإمارات والخليج والعالم في مقدمة المتحدثين والمشاركين بالإضافة إلى شخصيات بارزة في مجال الصناعة والتجارة العالمية، حيث كان الجميع متفقـًا على دور الابتكار في بناء قطاعات ريادية جديدة من شأنها تعزيز فرص العالم في التعامل مع متغيراته المتسارعة والتغلب على تحدياته الراهنة والمستقبلية.
التقنية في خدمة الاستدامة
كفاءة الموارد والطاقة تعدُّ جزءًا من الأهداف التي يمكن تحقيقها بتوظيف التقنيات الحديثة في عصر المعرفة والاتصالات، هذا ما أكدته جلسات المؤتمر التي دعت إلى تسخير الجيل الجديد من تقنيات الهاتف المحمول بهدف تعزيز الاستدامة في قطاع الطاقة، بما يشمل كذلك تحسين التواصل بين الأفراد والشركات والكيانات، وما يتضمن ذلك من زيادة الوصول إلى المعلومات واستخدام الإنترنت بما يخدم هذه التوجهات.
شركات ناشئة بأهداف كبيرة
هذا المبدأ تمَّ تأكيده عمليـًّا في جلسة بعنوان: “الشركات الناشئة لتحويل الطاقة: قوة الإرادة والتحدي” حيث ذهبت نقاشاتها نحو توقع تحديات الطاقة التي سيواجهها العالم في السنوات القادمة وتحديد أيها أكثر إلحاحـًا، كما استعرضت الجلسة نماذج الأعمال والتقنيات والأفكار الجديدة التي ستكون في طليعة عمليات التحول المتواصل في قطاع الطاقة.
اقتصاد المعرفة والواقع الجديد
كان المؤتمر فرصة لالتقاء عدد من المتحدثين الذين أكدوا على قيمة اقتصاد المعرفة وتأثير الأفكار الجديدة في تحويل دفة التجارة العالمية والذين يعرفون ما الذي يعنيه الاهتمام باللاعبين الجدد في مجال الطاقة في وقت يستشرف فيه الجميع في السنوات القليلة المقبلة واقعـًا نوعيـًا لا يمكن التعامل معه بالطرق التقليدية التي استمرت لعقود مضت.
كلمة السر: إن لم تبادر .. تغادر
مجموعة من قادة الشركات العالمية المتخصصة في مجال الطاقة أكدوا على أن المبادرة بالأفكار الجريئة والشجاعة لم يعدّْ ترفـًا، لكنه المفتاح الوحيد لبقاء الشركات في المستقبل، ولا يتعلق هذا بمجال دون غيره، كما دعوا إلى التعاون الذي يحقق الفائدة للجميع من خلال دمج سنوات من الخبرات والمعرفة في مجال صناعة الطاقة واستدامتها.
ماذا ستقرر بشأن مستقبل طاقة العالم؟
ماذا لو كنت أنت الشخص المسؤول عن اتخاذ القرار بشأن مستقبل الطاقة في العالم؟!.. يبدو السؤال كبيرًا، لكنه بات ممكنـًا، ووجدت عشرات الإجابات في مؤتمر الطاقة العالمي الرابع والعشرين حيث تفاعل الزوار بشكل كبير مع جلسة بعنوان: “كن رئيسـًا تنفيذيـًّا لهذا اليوم” والتي عرضت عدة تحديات يومية يواجهها كبار التنفيذيين العالميين المعنيين بتقديم حلول جديدة لقضايا الاستثمار واختبار التقنيات المؤثرة في الطاقة المستقبلية، فضلاً عن مسؤولية اتباع الممارسات الصديقة للبيئة.
الواقع الرقمي يوحد قطاعات الطاقة
العالم لم يعدّْ مجرد قرية صغيرة بل بات أسرة واحدة تحمل الأهداف نفسها، هذا ما جسدته جلسة المؤتمر التي أقيمت بعنوان: “الأسرع والأرخص والأفضل: التعاون بين القطاعات لنجاح تحول الطاقة”، حيث تطرقت إلى التطورات العالمية والإقليمية الناشئة في قطاع الطاقة وفرص التعاون الجديدة بين الشركات والبلدان والكيانات المختلفة، وكيف ألغت التقنيات الرقمية الحدود التقليدية التي كانت تفصل بين قطاعات الطاقة، كما ناقشت الجلسة عوامل توسع هذه القطاعات وتطويرها.
مؤتمر مؤثر في توقيت استثنائي
بعد أربعة أيام حافلة، أشاد الجميع بما حققه المؤتمر في سبيل المضي بخطوات بالغة الأهمية نحو إعادة تشكيل مستقبل قطاع الطاقة، حيث فتح الآفاق لنقاشات مستمرة بشأن عدة موضوعات، منها: التوجهات الرئيسة في الصناعة، والحاجة إلى تطوير عمليات الإنتاج، وإدارة الكفاءات وتحسينها، واستثمار رأس المال الضخم في القطاع واستخدام الذكاء الاصطناعي، ومصادر الطاقة المتجددة والمواد الهيدروكربونية.
وفي حين سلطت جلسات المؤتمر الضوء على المخاوف ذات الصلة بالتأثيرات الجيوسياسية والتوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى في العالم، فقد أكد المؤتمر أن المنتجين من “أوبك” وخارجها ملتزمون باتخاذ أفضل التدابير لتحقيق التوازن في سوق النفط.
وقد وصفت هذه الدورة من المؤتمر بأنها النسخة الأكبر منذ تاريخ انطلاقه في عام 1942م، حيث وفر منصة لقادة العالم وصناع القرار في مجال الطاقة؛ لاستكشاف مستقبل المجال وفرص الابتكار التي تُسهم في إيجاد حلول ومصادر جديدة، ووضع خارطة طريق للأجيال القادمة.
المؤتمر في كلمات
وزير الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة سهيل المزروعي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“لقد شهد مؤتمر الطاقة العالمي نجاحـًا هائلاً، وكانت النقاشات العامة بين وزراء الحكومات قد أدت إلى نتائج ممتازة، واتفقنا على أننا جميعـًا ملتزمون بخفض الانبعاثات التي ننتجها، والتأكد من أننا جميعـًا قادرون على العمل معـًا للمساعدة في تقدم الصناعة بأكملها”.
رئيس مجلس الطاقة العالمي يونج هون دايفيد كيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“يعمل مجلس الطاقة العالمي بشكل مستمر على إشراك قادة الرأي وصناع القرار في جميع القطاعات من جميع أنحاء العالم، لمواجهة التحديات المتمثلة في وضع نظام مبتكر للطاقة يتسم بالشمول”.
الأمين العام والرئيس التنفيذي لمجلس الطاقة العالمي الدكتور كريستوف فراي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“لدينا ازدياد في الطلب على النفط نتيجة التوترات الجيوسياسية حيث يؤدي النفط دورًا كبيرًا في الطاقة، وأي تحول يتطلب تغييرات كبيرة”.
وزير الطاقة في دولة روسيا الاتحادية السيد/ ألكساندر نوفاك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“أودُّ أن أوجه الدعوة لجميع المشاركين معنا هنا للحضور إلى روسيا، باعتبارها فرصة مثالية لمتابعة الإنجازات التي شهدها مؤتمر الطاقة العالمي في أبوظبي”.