لقاءات الخليج ترسم البدايات وتراكم الخبرات “كنت شاهدًا”

مجلس التعاون وهو في بداية عقده الخامس، ومنذ التأسيس في 25 مايو 1981م، لم يكن حدثـًا إقليميًّا عابرًا، ولم تكن قممه المتعاقبة لقاءات روتينية تخطف بصرك فيها عدسات المصورين، بل كانت تجمعًا يجمع ويؤثر ويقرر مستقبل الأجيال، ويرسم مكانة الخليج بين الأمم في زمن لا يعترف إلا بالمكانة والإمكانات ومواجهة التحديات.

القمم – أيضًا – لم تكن سياسية واقتصادية فقط، بل كانت ملتقى قادة ومنتدى عملي لبناء القدرات، وعرسًا إعلاميًّا كبيرًا، من خلال مشاركة قادة ونجوم الإعلام من الخليج والعالمين العربي والدولي، ليتحول الحدث إلى احتفالية إعلامية كبيرة ومبهرة، وورش مهنية وعملية حية لتبادل الخبرات والتجارب بين الأجيال والتأثير في مستقبلهم وأدائهم.

والقمم الخليجية وعلى مدى العقود الأربعة الماضية كانت ملتقى عصف، تلتقي فيها برواد الإعلام الكبار من الخليج والعرب وإعلام المهجر، وتتحاور معهم لتتعرف على مفاهيم جديدة في الإعلام، والأداء من خلال رؤية الحقائق ومقابلة الرموز وليس السماع عنهم والحوار معهم لا الحوار حولهم.

كانت بدايتي مع القمم الخليجية من خلال مشاركتي بقمة الكويت (نوفمبر عام 1984م)، التي حضرتها لأول مرة كإعلامي في بداية خطواته العملية، فكانت نقطة الانطلاق نحو أفق أوسع من التجربة ومعرفة العمل الخليجي عن قرب، معتمدًا على الجمع بين تحدي البدايات والانبهار بالمشاركة وسط نجوم الإعلام الخليجيين والعرب.

تخيل أن تكون بدايتك خليجيًّا في (قمة الكويت) ضمن وفد إعلامي يرأسه الإعلامي والقيادي المحفز للشباب محمد حيدر مشيخ، وتعد رسالتك الإعلامية التلفزيونية اليومية ليقرأها المذيع والرمز الإعلامي الكبير غالب كامل صاحب البراعة في الإلقاء والأداء والحوار وهيبة الشخصية والعمل بدقة وحرص وتواضع، ثم يخرج عملك المخرج الكبير وصاحب الروح الجميلة المخرج الكبير ناصر الصقيه.

ومن جديد يزورني الحظ الجميل مرة أخرى لأشارك في تغطية قمة (أبو ظبي 1986م)، لتتعزز التجربة بالعمل مع نماذج أخرى محفزة، نعم كنت محظوظًا وأنا أعد رسالتنا التلفزيونية الإعلامية اليومية ليتوجها بصوته الرائع وصورته البهية وأدائه المبهر، الرمز الإعلامي والمذيع الكبير ماجد الشبل، لتترسخ عندي قناعة دائمة أن “الإعلامي الرصين لا يشيخ”، وأن الثقافة رصيد تراكمي وسلاح مؤثر وأساسي للمذيع خصوصًا وللإعلامي عمومًا.

بعد هذه البدايات التي رسمت الهوية وأكدت أن قمم الخليج صانعة لطريق النجاح، استمرت رحلتي مع العمل الخليجي برفقة عمالقة وإعلاميين ورموز أثروا في مسيرتي اللاحقة، وما أجمل أن تشق طريقك بين الكبار عملاً وتعاملاً لتتعلم وتتعلم وتتعلم.

كانت القمم الخليجية بصدق ملتقى للحوارات الإعلامية الواسعة وبناء العلاقات، وتبادل الخبرات بروح واحدة امتزج فيها عمق التجارب مع طموح الشباب والإيمان بتعاقب الأجيال.

ردهات مقر الوفود الإعلامية وقاعات المراكز الصحفية كانت تعج بقامات وثقافات متنوعة وحوارات ثرية يشارك فيها وزراء الإعلام ورؤساء تحرير الخليج الصحف الخليجية، فترى فيها وتلتقي وتناقش طارق المؤيد، ومحمد السنعوسي، وتركي السديري، وخالد المالك، وهاشم عبده هاشم، ومحمد الوعيل، وخليل الفزيع، وعثمان العمير، وعبد الرحمن الراشد، وماجد الشطي، وفوزي خميس، وعرفان نظام الدين وعلي الجابري، وفيصل المرزوق، ومحمد الصقر، وغيرهم الكثير.

تذهب إلى وحدات المونتاج ومركز التبادلات والأقمار الصناعية، فترى رموز فنية مثل محمود حناوي، ونبيل بوهزاع، وأحمد زويد، وعبد الله المبيريك وغيرهم، لتتشكل معها قواعد معرفية جديدة وكبيرة.

القمم الخليجية كانت تجربة حية ومؤثرة في أجيال عديدة من إعلاميين الخليج تلفزيونيًّا وإذاعيًّا وصحفيًّا، ومن هنا نؤكد أن مجلس التعاون ليس فقط عملاً سياسيًّا أو تعاونـًا اقتصاديًّا أو عسكريًّا أو صحيًّا أو تعليميًّا، بل هو أشمل من ذلك مستندًا على أبعاد الدم والعرق والدين والمكان والزمان والأسرة المترابطة، مجلس التعاون أسسه الآباء ليستمر ويبقى ويتطور، وجامعة تعلم فيها وتخرج منها كثير من القيادات والإعلاميين.

أمواج الخليج تنشد بتباهي جميل:

“خليجي وأفتخر إني خليجي”.

وأخيرًا ودائمًا “احمدوا ربكم على نعمة الخليج”.