الواقع الافتراضي هو في واقع الأمر عبارة عن بيئة بصرية تجسيمية للواقع العادي أو الخيالي، وهذه البيئة تعتمد في الغالب على المحاكاة المولدة بوساطة الكمبيوتر، ومعظم تطبيقات الواقع الافتراضي هي إما تجارب بصرية على شاشة الكمبيوتر في المقام الأول، أو من خلال العروض التجسيمية (Stereoscopic displays)، لكن بعض نظم المحاكاة تتضمن معلومات حسية إضافية، مثل الصوت وغيره.
وتحمل بعض الأنظمة المتقدمة معلومات إضافية تسمح للمستخدم بالتفاعل مع بيئة اصطناعية تشبه الواقع الحقيقي بدرجة عالية جدًّا، ويتم ذلك باستعمال أدوات خاصة تساعده على بناء هذه البيئة، وفي هذه الحالة يتيح الواقع الافتراضي ما يطلق عليه التشبيه الافتراضي أو المُحاكاة الافتراضية (Virtual simulation)، وهو ما يعني صُنع برامج تستطيع أن تُقلّد إلكترونيًّا ما يمارسه البشر من أفعال وسلوكات وخبرات، وبصورة تُقارب ما يجري على أرض الواقع، مثل تلك التي تُستخدم في التدريب على الطيران، أو الملاحة البحرية، وغيره.
وعند بناء أي بيئة اصطناعية، فإن تطبيقات الواقع الافتراضي تعمل بنفس الطريقة وتشترك في نفس الخصائص، لكن بدرجات مختلفة حسب نوع هذه البيئة والغرض منها، مثل القدرة على السماح للشخص بعرض صور ثلاثية الأبعاد، أو الاستغراق في عوالم هذه الصور بأن يكون جزءًا من بيئتها، وهي صور أو أشكال يمكن أن تتحرك وتغير اتجاهها، بينما يتحرك الشخص هنا وهناك داخل نفس البيئة.
ويرتبط الواقع الافتراضي لدى كثير من الناس بتلك النظارات التي باتت معروفة كأدوات مستحدثة تدخل مستخدميها في العوالم الخيالية، لكن هناك نموذج آخر يتم فيه صناعة بيئة افتراضية كاملة هو الواقع المسقط (Projected Reality).
هنا تتشكل بيئة خيالية يمكن استكشافها من خلال كهف البيئة الافتراضية الآلية (cave Automatic virtual environment)، المعروف اختصارًا بـ(الكهف CAVE)، والاسم يعود ‒ أيضًا ‒ إلى فكرة رمز كهف جمهورية أفلاطون الذي لا يرى فيه الإنسان الأشياء الحقيقية، بل يرى ظلالها المتحركة، ويظنها حقائق ماثلة.
ظهر أول نموذج للكهف الافتراضي في عام 1992م، عندما قامت مجموعة من المتخصصين في مختبر التصور الإلكتروني (Electronic Visualization Laboratory) بجامعة الينوي الأمريكية في شيكاغو بابتكار هذا الكهف الافتراضي، وفي عام 1995م، قدمت مجموعة متخصصة في سياتل الأمريكية عرضًا جماهيريًّا بالواقع المسقط (Projected) على شاشة في كهف افتراضي، وكان اسم ذلك العرض مسرح البيئة الافتراضية (Virtual Environment Theater)، وقد تولى إنتاجه رجلا أعمال هما (شيت داغيت Chet Dagit) و(بوب جاكوبسون Bob Jacobson)، وبرعاية شركة “نت سكيب” للاتصالات، وقد ظهر الكهف في شكله الافتراضي متصلاً بالإنترنت مقدمًا ولأول مرة تطبيقات العالم الافتراضي عبر الشبكة الدولية.
هذا الكهف عبارة عن مسرح فيديو مرئي يقع داخل غرفة متعددة الأبعاد تمثل بيئة افتراضية تتمتع بالفيديو والصوت عاليا الدقة، وتتكون جدرانها من شاشات الإسقاط الضوئي الخلفي (Rear-projection screens) يعمل كمجال لبيئة استغراقية يمكن لعدد من الأشخاص يرتدون نظارات مُجَسِّمة التجول داخلها، أو بمعنى أدق داخل هذا الكهف، وفيه يتم تشغيل نظام تعقب خاص لحركات الرأس يقوم بضبط العرض المجسم حسب موضع المشاهد، وذلك بشكل مستمر، وكلما يتحرك المستخدم الذي يرتدي نظارات استشعارية داخل حدود العرض، يتم عرض المنظور الصحيح في الوقت الحقيقي لتحقيق تجربة استغراقية تمامًا.
وفي داخل الكهف ‒ أيضًا ‒ يتم توجيه أجهزة العرض الضوئي إلى ما بين ثلاثة إلى ستة من الجدران بالإضافة إلى أرضية الغرفة في غرفة مكعبة الشكل، حيث يتم إسقاط المشاهد على السقف والجدران والأرضية بشكل محيطي يوفر غمرًا كاملاً، ليمثل شكلاً من أشكال الواقع الافتراضي، ويساعد على ذلك أن جدران الكهف تتكون عادة من شاشات الإسقاط الخلفي، أو شاشات العرض المسطحة التي أصبحت أكثر شيوعًا.
ولإيجاد حالة من الإيحاء التـّام بالواقع الافتراضي داخل الكهف، يتم تتبع تحركات المستخدم بأجهزة الاستشعار المتصلة بنظارات ثلاثية الأبعاد، كما يتم ضبط أبعاد الفيديو باستمرار للحفاظ على منظور الرؤية، فضلاً عن الحفاظ على مستويات الصوت، وذلك بحسب قرب أو بـُعد الشخص أو حسب مصدر الصوت، وتساعد النظارات على الرؤية المجسمة داخل الكهف، حيث يمكن للشخص أن يرى الأشياء وهي تبدو عائمة في الهواء، كما يمكنه التجول حولها ولمسها والتلاعب بها.
مهمة هذا الكهف هو تجسيد حالة استغراق واسع ومتغير، لكنه في سياق فـَهم تطبيقات الواقع الافتراضي، يعني ببساطة أن المستخدم يشعر وكأنه جزء من الكون المحاكى أو المصطنع.
وكما يمكن أن تكون البيئة الرقمية الاستغراقية نموذجًا مماثلاً للواقع، فإنها يمكن ‒ أيضًا ‒ أن تكون واجهة مستخدم مجردة أو خيالية تمامًا، طالما كان المستخدم مستغرقــًا داخل هذه البيئة، ويتحقق نجاح الاستغراق التـّام في البيئة الرقمية على العديد من العوامل من خلال تفاعلية المستخدم مع محيطه الخيالي وشعوره بالاندماج الكامل في العالم ثلاثي الأبعاد وإحساسه التـّام بالصوت المجسم.
ومن أهم الشروط لإيجاد الشعور بحالة الاستغراق الكامل، التمكن من بناء حالة الإحساس بالواقع الافتراضي، بحيث تعمل الحواس الخمس “البصر، والصوت، واللمس، والرائحة، والتذوق” على تصور البيئة الافتراضية بشكل متكامل، وذلك في وقت يمكن فيه لتكنولوجيا الاستغراق أن تخدع هذه الحواس، من خلال:
-عرض بانورامي بصري ثلاثي الأبعاد، عن طريق حاسة البصر.
-عرض صوتي محيطي، عن طريق حاسة السمع.
-ردود الفعل الملموسة، عن طريق حاسة اللمس.
-محاكاة الرائحة، عن طريق حاسة الشـّم.
-محاكاة الذوق، عن طريق الإحساس بالتذوق.
وبمجرد أن تصل الحواس المختلفة إلى اعتقاد كاف بأن البيئة الرقمية هي واقع حقيقي مادي، يكون المستخدم حينئذ قادرًا على التفاعل مع البيئة بطريقة طبيعية وبديهية، حيث تختلف حالات الإحساس بالاستغراق حسب طبيعة المجال والبيئة، ففي الكهف الافتراضي مثلاً، يرى الشخص جسده الحقيقي و”الأفاتارات” فقط، وذلك من خلال الظلال والانعكاسات الضوئية للكائنات الافتراضية الظاهرة في بيئة الكهف، على الرغم من أن الذين يتابعون المشهد على الإنترنت وغيرها يمكنهم ‒ أيضًا ‒ رؤية “الأفتار” مباشرة.
أما من خلال نظام نظارة الواقع الافتراضي، فإن الشخص يرى صورة “أفتاره” وتكون الرؤية من خلال وجهة نظر الشخص الأول، وتتطابق تحركات الجسد الافتراضية مع التحركات التي تتم على الجسد الحقيقي للشخص، وذلك اعتمادًا على آلية تتبع الجسد.
ولا يقتصر استخدام كهف الواقع الافتراضي على قضاء الوقت في متابعة العروض الخيالية، بل هو موجود في العديد من الجامعات والمؤسسات العلمية، كما تستخدمه الشركات الهندسية في عمليات التطوير المستمرة لمنتجاتها، حيث يتم بناء نماذج من أجزاء الآليات واختبارها ضمن عمليات المحاكاة السابقة للتصنيع ومن ثم تطويرها تبعًا لذلك قبل إنفاق أية أموال على إنتاجها في شكلها النهائي، وهذا الوضع يمنح المهندسين فكرة أفضل عن كيفية تصرف جزء ما في المنتج بالكامل.
كذلك تستخدم شركات التطوير العقاري والمكاتب الهندسية كهوف خاصة في عمليات تصميم المباني وفي التخطيط العمراني، كما تستخدم في بعض الصناعات العسكرية المعقدة بخاصة صناعة الطيران، فقد تمَّ اختبار عملية التدريب على هبوط بطائرة (F-16) من خلال كهف افترضي مخصص لذلك.
وتمثل صناعة الترفيه واحدة من المجالات المهمة التي تتجلى فيها مظاهر بيئة الواقع الافتراضي في الألعاب والعوالم الافتراضية بخاصة، لكن هناك مجالات أخرى شبيهة وهي تندرج تحت ما يطلق عليه الفئة التعليمية والترفيهية (Edutainment)، مثل: “المتاحف الافتراضية، والمعارض التفاعلية، والمسارح والعروض التفاعلية والمتنزهات الافتراضية”.
تمكن هذه البيئات أفراد الجمهور من التعامل مع المعروضات بطرق كانت غير متاحة، أو غير معروفة في السابق، كما يحقق استخدام الواقع الافتراضي في المتاحف، والمعارض التفاعلية، وفي صالات العرض تجربة استغراقية ثلاثية الأبعاد بما يسمح للزوار والطلاب بالتعامل مع المكونات الافتراضية وكأنهم يعايشونها.