- القاسمي: يسعى مشروع الشارقة التنموي لترسيخ بنية اجتماعية ومؤسساتية توازن بين التطور المادي والفكري والوجداني
- الفيصل: دول مجلس التعاون الخليجي نجحت في الاندماج ضمن العولمة الاقتصادية والمالية وحققت الاستفادة الإيجابية منها
- الحجرف: التواصل الحكومي الفعال أحد متطلبات الأمن الوطني والاجتماعي أمام تحديات غير مسبوقة تواجهها المنطقة والعالم
الشارقة – إذاعة وتلفزيون الخليج
مع عودة الحياة إلى الأنشطة والمنتديات في مختلف المجالات، بعد فترة من التوقف بفعل جائحة كورونا المستجد، عادت دول مجلس التعاون لتجدد عهدها مع استضافة الملتقيات الكبرى في الإعلام والاتصال، حيث عقدت الأحد 26 سبتمبر فعاليات الدورة العاشرة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، والتي أقيمت برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في مركز إكسبو الشارقة.
المنتدى الذي أقيم تحت شعار “دروس الماضي، تطلعات المستقبل” تضمن مشاركة 79 شخصية من 11 دولة، منهم رؤساء دول سابقين ومسؤولين حكوميين وإعلاميين، بجانب عدد كبير من المتخصصين في الاتصال والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما حل كلٌ من الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية والدكتور نايف الحجرف أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، كضيوف شرف.
دروس لخدمة الإنسان
خلال كلمته الافتتاحية، أكد سمو الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس الشارقة للإعلام على أن بناء الإنسان قيمة نبيلة، لا تتحقق بتوفير الشروط المادية للعيش فحسب، وإنما بغرس الفكر وصقل العقل، مشيراً إلى أن إمارة الشارقة تبنت هذا المبدأ منذ الثمانينات، ومازالت تواصل مشروعاً تنموياً يضع الثقافة في موضع قيادته، ويسعى لترسيخ بنية اجتماعية ومؤسساتية تحقق التوازن بين التطور المادي والفكري والوجداني.
وأشاد سمو نائب حاكم الشارقة بتجربة انعقاد المنتدى على مدى عقد من الزمن وأثرها العلمي والعملي على تطوير منظومة العمل الحكومي، مؤكداً أن هذا الحدث بتجاربه وممارساته المتنوعة مازال يمثل فرصة للاستفادة من دروس الماضي والتطلع إلى المستقبل، وذلك بتجاوزه مجرد البحث في الخطاب الرسمي الموجه للجمهور، ليغوص في أصل العلاقات البشرية، حيث يسهم التواصل في توثيق العلاقات، وصون القيم والمبادئ، وفي النهوض الأمم.
إدارة التحولات لتحقيق العدالة
بدوره، تحدث الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز بكلمة تميزت بنظرته الاستراتيجية المعتادة لواقع الأحداث واستشراف المراحل المقبلة على ضوء الراهن، حيث أكد على أن العالم اليوم يتشابك في مصالحه وتداخل فضاءاته المختلفة، كنتيجة لحالة من العولمة الاقتصادية والمالية والإعلامية، مستشهداً بجائحة كورونا المستجد التي لم تميز بين البشر ولم تعترف بالحدود، وداعياً إلى توظيف هذه الوحدانية العالمية في تحقيق التقدم والتواصل المحكوم بما يحقق مصلحة الإنسان.
وفي معرض حديثه عن ضرورة تكيف الدول مع الأحداث بما يعزز فاعليتها في المنظومة الدولية وصونها لمصالح مواطنيها، أشاد الفيصل بنجاح دول مجلس التعاون الخليجي في الاندماج ضمن العولمة الاقتصادية والمالية والاستفادة منها إيجاباً، ودعا إلى اتخاذ سياسات فاعلة تساعد على التخطيط لمستقبل أفضل في مواجهة التحديات الاستراتيجية للعالم، موضحاً أن التحدي الأكبر اليوم يتمثل في إدارة التحولات الجارية حالياً من أجل إيجاد نظام دولي عادل يوفر بيئة استراتيجية للدول من أجل صون مصالحها الخاصة، في عالم يسوده الأمن والاستقرار.
وفي حين استقرأ الأمير تركي الفيصل ملامح حرب باردة جديدة على إثر التحالفات الدولية الجديدة التي ستنعكس آثارها على كل دول العالم، فقد شدد على ضرورة أن تتحد الجهود من أجل تفادي الوقوع في صراعات دولية قد تهدد ما أنجزته البشرية خلال العقود الماضية من إنجازات في كافة المجالات، بما فيها العولمة، كما أشار إلى أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية في العالم العربي بوصفها أمراً حيوياً لسلامة وأمن المجتمعات، محذراً من عواقب الاستقطاب الحاد للقوى السياسية والاجتماعية الجديدة التي أفرزتها التحولات السياسية الراهنة.
الإعلام والأمن الوطني
من جانبه، أكد معالي الدكتور نايف الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، على أن لـكل حـدث بـالمـاضـي نتيجة، ولـكل نتيجة أثـر، وهـذا الأثـر هـو الـذي سـيرسـم ملامح المستقبل، داعياً إلى تناول الأثر المتوقع من الأحداث التي يتناولها الإعلام وتحديد التطلعات المترتبة عليه، وكذلك إلى إيجاد تواصل فعال ومؤثر وموثوق يلبي ثلاثة متطلبات أساسية هي المصداقية والاستباقية، والمهنية والاحترافية، والتجديد والابتكار.
وتضمنت كلمة الدكتور الحجرف دعوته إلى أن يصبح التواصل الحكومي سباقاً ولا يترك مجالاً للأخبار المغلوطة أو غير الصحيحة في ضوء الفضاء المفتوح أمام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يوصل رسالته عـبر أهـداف واضـحة وضـمن فـريـق متكامل ومتمكن، مضيفاً أن المستقبل للشباب ومجتمعات اليوم تمر بمرحلة تحول تاريخية غير مسبوقة في عصر الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، والمتلقي في هذه المرحلة تواق لكل جديد.
وأشار معالي الأمين العام للمجلس إلى دور الإعلام الخاص في رفد التواصل الحكومي ومساندته في إيصال رسالته، من منطلق أن الأهداف الوطنية الكبرى هي مسؤولية الجميع، داعياً إلى إيجاد ميثاق يحكم الفضاء المفتوح وما يحتويه من أخبار ومعلومات بما يحول دون إساءة استغلاله من قبل المغرضين في بث الشائعات والتشكيك ونظريات المؤامرة، ومشدداً على أن التواصل الحكومي الفعال يمثل أحد متطلبات الأمن الوطني والاجتماعي للدول والمجتمعات في مواجهة تحديات كبيرة وغير مسبوقة تواجهها المنطقة والعالم حالياً.
بناء الثقة
من جانب آخر، أشاد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، بتأثير الاتصال الحكومي في نجاح الحكومات خلال جهودها لإدارة أزمة كورونا المستجد، وأكد أن إشراك الشعوب في معرفة حجم التحديات يعزز من الثقة لديهم بحكوماتهم، ويعيد تشكيل الخطاب السياسي على أساس من الواقعية، موضحاً أن قنوات الاتصال المفتوحة مع الجمهور تلعب دوراً كبيراً في بناء الثقة وأداء الرسائل التوعوية بشكل أكثر كفاءة.
حراك استثنائي
على مدى يومين متواصلين، استفاد قرابة (5700) زائر من (31) فعالية موزعة على (7) جلسات حوارية و(5) خطابات ملهمة و(7) ورش تدريبية و(12) منصة تفاعليّة، وقد ناقشت هذه الدورة من المنتدى، والتي وصفت بالاستثنائية، موضوعات عديدة تتعلق بمستقبل الاتصال الحكومي إقليمياً وعالمياً من حيث الأدوات والخبرات والتخصصات والمنهجيات المتوقعة، بما في ذلك توسيع التخصصات داخل إدارات الاتصال الحكومي لتشمل علماء النفس والاقتصاد السلوكي وتحليل البيانات، وكيفية الاستفادة من هذه الإمكانات وغيرها لتحقيق الفوائد المرجوة من مبدأ التواصل كضرورة إنسانية، واستثماره لتعزيز الاستراتيجيات الحكومية الفاعلة.
كما سلط المتحدثون الضوء على تعزيز جاهزية الحكومات والمؤسسات لمواكبة التحولات بما يحقق استقرار المجتمعات وجودة حياة الناس، وعلى كيفية التعامل مع الأزمات المحلية والدولية وماهية الخطاب المناسب لكل أزمة وجمهور، وتناولوا الدور الهام للاتصال الحكومي في الأوقات الاستثنائية، وارتباطه بدور صناعة المحتوى على المنصات الاجتماعية، بالإضافة إلى عدد من العناوين التي تطرح لأول مرة على المستوى الإقليمي، والتي أعرب المنظمون عن تطلعهم إلى أن تسهم في ترسيخ ملامح مرحلة جديدة من الاتصال الحكومي في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المنتدى الذي انطلق في العام 2012م قد نجح في بناء منظومة فكرية جديدة في مجال الاتصال الحكومي، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وذلك من خلال تشكيله تراكماً معرفياً وعملياً خلال دوراته السابقة تمثل في حضور (23273) زائر من مختلف دول العالم، إضافة إلى (303) متحدثين، وقد جاءت دورته العاشرة بعد أزمة صحية عالمية وضعت الاتصال الحكومي أمام مسؤوليات مهمة تتعلق ببناء منظومة فكرية جديدة تعزز أداء الأجهزة الحكومية ودورها الإعلامي تجاه المجتمع.