(الميتافيرس) مزيج من الواقع الافتراضي والمعزز والحياة الطبيعية
مع نهاية شهر يونيو هذا العام، أبلغ مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، موظفيه عن مبادرة جديدة طموحة تتجاوز فيها الشركة مشروعها الحالي المرتكز على مجموعة من التطبيقات الاجتماعية المتصلة وبعض الأجهزة لدعمها بدلاً من ذلك، حيث قال: “سوف تسعى فيسبوك جَاهِدَة لبناء مجموعة مترابطة من التجارب مباشرة من الخيال العلمي – عالم يُعرف باسم (ميتافيرس Metaverse) أو “الكون الماورائي”.
وتحت عنوان زوكربيرغ يراهن على ميتافيرس في مستقبل فيسبوك نقل موقع (ذا فيرج The Verge) رؤيته حول الأمر، حيث خاطب الموظفين، قائلاً: “إن الميتافيرس الذي شكلت فيسبوك فريقًا لتطويره، يمثل جزءًا كبيرًا جدًّا من الفصل التالي لصناعة التكنولوجيا، وإن أقسام الشركة التي تركز على المنتجات الخاصة بالمجتمعات والمبدعين والتجارة والواقع الافتراضي ستعمل بشكل متزايد على تحقيق هذه الرؤية”.
كما قال: “إن الميتافيرس سيوفر فرصة هائلة للمبدعين والفنانين الفرديين، للأفراد الذين يرغبون في العمل وامتلاك منازل بعيدة عن المراكز الحضرية اليوم، وللأشخاص الذين يعيشون في أماكن تكون فيها فرص التعليم أو الترفيه محدودة”.
وكتب على حسابه الشخصي في فيسبوك “لتحقيق رؤيتنا للميتافيرس، نحتاج إلى بناء النسيج الرابط بين مختلف المساحات الرقمية بغية تجاوز القيود المادية وإتاحة التنقل بينها بسهولة التنقل بين الغرف في المنزل”، فالشاشات والصور المجسمة وخوذات الواقع الافتراضي ونظارات الواقع المعزز يُفترض أن تتيح تدريجيًا “تحركات” من الأكوان الافتراضية إلى الأماكن الفعلية، فالميزة الرئيسية للميتافيرس ستتمثل في الشعور بالوجود الفعلي مع الناس.
سيتولى مهمة تطوير وتشغيل الميتافيرس قسم الواقع الافتراضي والواقع المعزز “فيسبوك رياليتي لابس” الذي يديره أندرو بوسوورث، وهو الوحدة المسؤولة راهنًا عن (خوذات أوكولوس Oculus) المستخدمة خصوصًا لأغراض ترفيهية في الواقع الافتراضي حتى الآن، وقد استعانت فيسبوك بخبراء يعملون في تطبيق إنستغرام وفي قسم ألعاب الفيديو “فيسبوك غيمينغ” وفي “أوكولوس”.
وتصف وكالة الصحافة الفرنسية الميتافيرس عمليًّا كما يلي: “تخيلوا عالمًا رقميًّا يمكنكم أن تعيشوا فيه حياة موازية من دون مغادرة المنزل: أهلاً بكم في الـميتافيرس التي تعدها فيسبوك وشركات ألعاب الفيديو والإنترنت الأخرى العملاقة، القفزة الكبيرة التالية في تطور الشبكة العنكبوتية. فمن الرقص مع الأصدقاء على صيغة أفاتار، إلى تسلق قمة إيفرست من خلال خوذة الواقع الافتراضي، مرورًا بعقد اجتماعات مع الزملاء في مكاتب أعيد تهيئتها رقميًّا، تفتح ميتافيرس آفاقًا من شأنها دفع حدود العالم المادي لتقريب العالمين الواقعي والافتراضي من بعضهما إلى درجة الاندماج”.
لقد تم تطوير هذا المفهوم عام 1992م، من جانب (نيل ستيفنسون Neal Stephenson) في رواية الخيال العلمي (سنو كراش Snow Crash)، إلى أن أصبح مصطلح ميتافيرس في الأشهر الأخيرة إحدى أكثر الكلمات شعبية في عالم التكنولوجيا وألعاب الفيديو، وهو يشير إلى الاندماج بين الواقع المادي والمُعزز والواقع الافتراضي في مساحة مشتركة عبر الإنترنت.
وفي يناير 2020م، حدد مقال بقلم ماثيو بول Matthew Ball الخصائص الرئيسية للميتافيرس، كما يلي:
-يجب أن تمتد هذه الخصائص بين العالمين المادي والافتراضي.
-يجب أن تحتوي على اقتصاد متكامل.
-قادرة على توفير إمكانية تشغيل متبادل.
-يجب أن يكون المستخدمون قادرين على نقل (الافتارات)، والبضائع الخاصة بهم من مكان في ميتافيرس إلى مكان آخر.
وفي ظل موجة العمل من المنزل الحالية، والتي تحدث بسبب فيروس (كوفيد – 19)، يمكن للموظفين أن يتواجدوا سويًا ويتواصلون مع بعضهم البعض، واعتمادًا على نفس الفكرة يمكن للأشخاص من جميع أنحاء العالم أن يجتمعوا بشكل افتراضي لحضور حفل غنائي ما، تمامًا كما لو كانوا هناك.
ففي نهاية أبريل 2020م، وفي أوج مراحل الإغلاق الأولى خلال جائحة
(كوفيد – 19)، بحسب الوكالة الفرنسية حققت خمس حفلات افتراضية ظهر فيها مغني الراب الأمريكي ترافيس سكوت على شكل أفاتار على لعبة فورتنايت، نجاحًا كبيرًا، وإثر هذا النجاح، أطلقت اللعبة مهرجانـًا سينمائيًّا، يُسمى “شورت نايت”، إضافة إلى “بارتي رويال” وهي حفلة افتراضية عملاقة يحييها منسقو أسطوانات معروفون.
وكانت بعض ألعاب الفيديو قد أنشأت “أكوانًا ما ورائية” محدودة الحجم للاعبيها، ومنها منصة “روبلوكس” التي تضم عددًا كبيرًا من الألعاب التي يبتكرها الصغار والمراهقون، ولعبة “فورتنايت” التي أشرنا إليها يبلغ عدد مستخدميها (350) مليونـًا.
وفيسبوك وشركات أخرى لا تعمل في هذا المكان بدافع الابتكار فقط، بل إن نجاح هذه الفكرة سيسمح للشركة بتحقيق مبيعات ضخمة، وذلك من خلال بيع الأجهزة والمستلزمات الضرورية لدخول الميتافيرس، وكذلك بيع السلع الافتراضية التي سيمكن استخدامها وأنت داخل هذا العالم.
يقول زوكربيرغ: “إن واحدة من أهداف فيسبوك هو بيع نظاراتها بأرخص سعر ممكن والتركيز على جني الأموال من خلال التجارة والإعلان داخل الميتافيرس، مضيفًا: لن يدور نموذج أعمالنا بشكل أساسي حول محاولة بيع الأجهزة بربح كبير أو أي شيء من هذا القبيل لأن مهمتنا تتمثل في خدمة أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لذلك نريد أن نجعل كل ما نقوم به في المتناول قدر الإمكان، وذلك حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من الأشخاص من الدخول فيه ومن ثم يضاعف حجم الاقتصاد الرقمي بداخله”.
وتدير فيسبوك قسم الواقع الافتراضي، وتعد نظارات الواقع الافتراضي من “أوكولوس” اليوم محدودة نسبيًّا فيما يمكنها القيام به، ولكن تأمل الشركة في تحسين التكنولوجيا بحيث تبدو النظارات أشبه بالنظارات الطبية بدلاً من الخوذات. ووفقًا لزوكربيرغ، سوف لن تعمل ميتافيرس إلا إذا كان بإمكان الجهاز تزويد المستخدم بإحساس حقيقي بوجوده في العالم الرقمي.