مراكز الطليعة في المؤشرات العالمية تؤكد نجاح الاستراتيجيات الخليجية
قطعت دول الخليج أغلب المسافة على طريق اليوبيل الذهبي تحت مظلة مجلسها الذي بلغ أشده ليزداد شباباً، وسطرت العديد من منجزات الخليجيين في سجلات التاريخ لتمثل في الوقت نفسه دوافع متحفزة لانطلاقات أكثر عنفواناً خلال العقد الخامس، من أجل جعله عقداً فريداً بمزيد من الطموحات المتحققة، لاسيما بعد أن أصبح وجود الدول الخليجية في مراكز متقدمة لكثير من المؤشرات العالمية ذات الصلة بتنمية الإنسان والتقدم الحضاري وتوفر البيئة الملائمة للحياة الكريمة.
هذا المشوار الممتد ما بين 1981م -2021م، حفل ويحفل وسيحفل بالكثير من الأحداث التي ظل الخليجيون يصنعون منها عوامل قوة، وسيواصلون هذا النهج في إطار وحدة أهدافهم المشتركة واتساق توجهاتهم الراهنة والمستقبلية، فمتغيرات العالم وتحولاته تعيد إلى الأذهان ضرورات توحيد الصف، والتحديات الدولية تجدد أهمية أن يعزز الخليجيون تكتلهم ليكتسب قيمته يوماً بعد يوم كمركز عالي الموثوقية للاستقرار والازدهار في ظروف عالمية بالغة التعقيد.
وفي هذا السياق، يمكن لنظرة سريعة أن تمنح المواطن الخليجي الطمأنينة تجاه استشراف الغد المشرق، فالدول الست تمضي قدماً باتجاه تعميق روابطها ومصالحها وتوحيد عدد كبير من تشريعاتها، الأمر الذي سيضمن تعزيز البيئة الاستثمارية وحسن توظيف الطاقات البشرية والإمكانات المادية والبيئية والجغرافية، وهو ما سينعكس بتقدم غير مسبوق من حيث الإنتاجية والتنافسية في منطقة تعد اليوم مركزاً مالياً إقليمياً، ومنصة لوجستية عالمية، بجانب اجتذابها لقطاعات الأعمال والعلامات والمشاريع التجارية في سوق هو الأسرع نمواً على مختلف الأصعدة.
إلى جانب ذلك، ومع ما يشهده العالم من خطوات متسارعة باتجاه اقتصاد المعرفة، والاستعداد لمرحلة ما بعد الاعتماد على الموارد التقليدية، أقرت دول مجلس التعاون برامج ورؤى استراتيجية تؤسس لإحداث نقلات نوعية حقيقية يتحقق معها التنوع الاقتصادي وإثراء الموارد واستدامة التطور واستحداث قطاعات تصب مخرجاتها في خدمة الأجيال المقبلة، تلتقي أهداف هذه الرؤى معاً، وان اختلفت آلياتها التنفيذية أو تواريخها النهائية، لكنها جميعاً تجعلنا نحصل على صورة مبدئية لما سيكون عليه الحال في مجلس التعاون بإذن الله عندما يحتفل بدخول عامه الخمسين.
مسبار وأمل
في دولة الإمارات العربية المتحدة، احتفلت الدولة في العام 2021 بالذكرى الخمسين لتأسيسها مدشنة هذه المناسبة بمبادرة مسبار الأمل لاستكشاف المريخ، فضلاً عن اعتماد منظومة من الخطط المستقبلية للفترة ما بين 2021-2030 من أبرزها الرؤية الاقتصادية لإمارة أبو ظبي 2030 والاستراتيجية الصناعية لإمارة دبي 2030، وذلك من خلال استراتيجيات محددة الأهداف تشمل مختلف إمارات الدولة وتغطي مجالات عدة منها الطاقة النظيفة والمدن الذكية والاستثمار والأمن المائي والغذائي والابتكار والنقل والتقنيات الحديثة وغيرها، فيما يشهد هذا العام 2021 استضافة الحدث الاقتصادي الأضخم عالمياً اكسبو 2020 في إمارة دبي والذي سيمثل مرحلة مهمة في الحراك الاقتصادي والتنموي والتوسع الحضاري للإمارة، كما تتجه الخطط الإماراتية كذلك إلى الهبوط على سطح القمر في العام 2024 من خلال المستكشف الذي أطلق عليه اسم (راشد)، وقد جاءت هذه التطلعات لتتوج نهجاً مؤسسياً ظل الإماراتيون يقدمونه بشكل ملهم ومشرف عالمياً، وبشغف مستمر نحو الأسبقية المستحقة.
نحو منافسة عالمية
من جانبها، تسعى مملكة البحرين من خلال رؤيتها الاقتصادية 2030 التي تم إطلاقها في العام 2008 إلى تحويل الاقتصاد البحريني من الريادة الإقليمية إلى المنافسة العالمية من خلال ملامح واضحة للتطوير والنمو الاقتصادي الذي يرافقه بناء حياة أفضل لسكان المملكة وتطوير رأس المال البشري والتوسع في البنى التحتية المحفزة للنمو واستقطاب الاستثمارات العالمية، وقد ارتكزت الرؤية على ثلاثة مبادئ رئيسة هي الاستدامة والعدالة والتنافسية، فيما تتمثل أحد أبرز ركائز هذه الرؤية في النهوض بدور القطاع الخاص ليلعب دوراً أكبر يجعله المحرك التنموي الرئيسي في حين سيصبح دور القطاع الحكومي هو المنظم والشريك لعملية التنمية الشاملة، وتتميز الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 بارتباطها الوثيق بجميع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة مع تطبيق مراجعة متواصلة لآليات تنفيذ برامجها في الإصلاح الاقتصادي وخططها لمواجهة مختلف التحديات، كما تضع الرؤية في اعتبارها تعزيز الموارد البشرية البحرينية بالخبرات العالمية، وحماية التراث الثقافي والبيئة.
ريادة وقيادة
أما في المملكة العربية السعودية، فقد باتت رؤية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واحدة من أبرز المعالم المبشرة لمستقبل المملكة بما لها من ثقل على المنطقة والعالم ككل، رؤية أكملت في هذا العام 2021 خمسة أعوام على إطلاقها وقد أنجزت تحولات جذرية تاريخية في الاقتصاد السعودي، بجانب ما رافقها من تحديث شامل على مستوى الأنظمة والتشريعات والإعلان عن استراتيجية وطنية صناعية هي الأضخم في تاريخ المملكة باستثمارات تقدر بأربعة تريليون ريال خلال السنوات العشر المقبلة، بالإضافة إلى الإعلان عن مشروعات ضخمة مثل “نيوم” و”القدية” و”البحر الأحمر” و”ذا لاين” و”أمالا” و”السودة”، بجانب استراتيجية تهدف لجعل الرياض ضمن أكبر (10) مدن اقتصادية في العالم، لقد أصبحت رؤية السعودية 2030 بمثابة البوصلة التنموية لمستقبل الاقتصاد السعودي، الأكبر في المنطقة، بما يرسم واقعاً جديداً كلياً من حيث السياحة والاستثمار والنقل والتقنية وجودة الحياة، رؤية بثلاث محاور أساسية هي “وطن طموح “،”مجتمع حيوي”،” اقتصاد مزدهر”، انطلقت من قلب الخليج العربي في الرياض، بهمة سعودية نحو قمم عالمية.
قدرات وطموحات
سلطنة عمان وضعت هي الأخرى خطتها الواعدة 2040، وهي خارطة الطريق التي اعتمدتها السلطنة لتحقيق التوازن الاقتصادي بعيداً عن النفط والغاز الطبيعي اللذين كانا أساس نموها الاقتصادي خلال السنوات الماضية، حيث تهدف هذه الرؤية إلى النهوض بإسهام القطاع غير النفطي إلى نسبة 93% من الناتج الإجمالي وذلك بالتركيز على خمسة قطاعات أساسية هي السياحة واللوجستيات وصيد الأسماك والتعدين والتصنيع، وقد وضعت السلطنة لهذه الرؤية ثلاثة محاور هي الإنسان والمجتمع، الاقتصاد والتنمية، الحوكمة والأداء المؤسسي، كما أعلنت عن عدة أولويات وطنية في هذا الصدد، تشمل التعليم والبحث العلمي وتطوير القدرات المحلية وبناء المعرفة وتحقيق مستويات ريادية في مجالات الصحة والثقافة والتجارة والرفاه المجتمعي والتنويع الاقتصادي والاستدامة المالية وحسن استخدام الموارد الطبيعية.
تطور واستدامة
في جانب آخر، فإن الحدث العالمي الضخم باستضافة دولة قطر لكأس العالم 2022 يمثل ملمحاً واحداً، من الحاضر الزاهر والمستقبل الواعد لهذه الدولة الخليجية التي شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، وقد شمل ذلك مشاريع البنية التحتية وقطاعات الصناعة والطاقة والمال والأعمال، وتمثل رؤية قطر الوطنية 2030 الموجه الأساسي لهذه الخطوات الواثقة من خلال رسالة تنص على “تحويل قطر إلى مجتمع متقدم قادر على تحقيق التنمية المستدامة” اعتماداً على أربع ركائز هي النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، والتنمية البشرية، والتنمية البيئية، ومن شأن هذه الرؤية أن تقود جهود الدولة في الإدارة الفعالة للاقتصاد الوطني بما في ذلك التأسيس لاقتصاد قائم على المعرفة ومع التركيز على الكفاءات الوطنية وتوسيع نطاق إسهامها في شتى أوجه سوق العمل، في حين تعنى التنمية الاجتماعية بتعزيز القيم الثقافية والإنسانية والأسرية وتهدف التنمية البشرية إلى رفع مستويات الصحة والتعليم وفرص العمل، وتهتم التنمية البيئية بتحييد التلوث وتعزيز النمو الحضري المستدام.
كويت جديدة
أما دولة الكويت، فهي تؤسس اليوم لتحقيق رؤيتها المستقبلية الطموحة 2035 والتي اختارت لها عنوان “كويت جديدة” وقد تم إطلاقها في العام 2017 إبان عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، مرتكزة على خمسة توجهات هي: مشاركة المواطن واحترام القانون، حكومة فاعلة، اقتصاد مزدهر ومستدام، دولة مزدهرة، مكانة عالمية متميزة، كما تعنى هذه الرؤية ضمن أولوياتها ببناء رأس مال بشري إبداعي، وتحسين الأداء الحكومي، والارتقاء بمعايير الرعاية الصحية والبنية التحتية وجودة المعيشة وتسهيل الإجراءات الإدارية للاستثمار وريادة الأعمال والتوسع في مجال الإسكان، وفي حين تعوّل الرؤية على مقومات مؤثرة تملكها الدولة مثل الموقع الجغرافي والبنية التشريعية والنظام القضائي، فهي كذلك تعنى بتعزيز السياسات الخارجية المتزنة لدولة الكويت ومكانتها الدبلوماسية وإسهاماتها في مجالات العمل الخيري والتبادل الثقافي والتجاري.
وللأرقام كلمة
تجدر الإشارة إلى أن المساحة الإجمالية لدول الخليج العربي تبلغ 2.4 مليون كم2، يسكنها 57.4 مليون نسمة، وفقاً لما نشره مركز الإحصاء الخليجي بمناسبة قمة العلا، والذي أشار إلى خطة تستهدف تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس في عام 2025، كما ذكر أن حصة دول التعاون من إنتاج النفط ما نسبته 22.8% عالمياً، فيما تبلغ حصتها عالمياً من احتياطي النفط الخام 31.5%، وهي الأولى عالمياً في الحصتين، وتبلغ حصتها من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي 20.6% بالترتيب الثاني عالمياً.
وقد أشار المركز كذلك إلى أن إجمالي الصادرات السلعية البينية غير النفطية قد وصل إلى 32 مليار دولار أمريكي، فيما بلغ إجمالي الصادرات البينية النفطية 18.6 مليار دولار أمريكي، في حين وصل إجمالي رؤوس الأموال للشركات المساهمة المسموح تداول أسهمها لمواطني دول مجلس التعاون 376 مليار دولار، ومثلت إسهامات الأنشطة غير النفطية 71% من الناتج المحلي الإجمالي ، و17% من إجمالي الصادرات السلعية و37% من إجمالي الإيرادات الحكومية لدول مجلس التعاون الخليجي.