لا شك في أن الشعبوية كانت موجودة منذ القدم، ولكن استخدامها كمفهوم ومصطلح بدأ في أواخر القرن التاسع عشر بهدف تعزيز الديموقراطية في أمريكا ودعم الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، قبل أن يتطور المفهوم كأداة من أدوات الليبرالية.
ومن المؤكد أن الخطاب الشعبوي يستغل الناس العاديين من أجل الوصول إلى الشهرة والهيمنة تحت ذريعة حماية المصالح، كما أن الشعبوية تستخدم للهجوم والتلاعب باهتمامات الناس لغايات محددة.
كل هذه التعريفات والأنماط يعكسها الإعلام ويستغلها الساسة و”عابرو سبيل المشهد الإعلامي”؛ بحثــًا عن النفوذ والشهرة والاهتمام والمال ولفت الانتباه.
في الإعلام بكافة أنواعه هناك نماذج تستخدم الشعبوية للبروز والشهرة والثروة، حتى لو كان ذلك على حساب الحقائق والأحداث والمبادئ.
ومن المؤكد – أيضًا – أن الإعلام الرقمي وسّع من دائرة هذه النماذج لأهداف تسويقية لا تهتم بالمحددات والمعايير؛ لأن الهدف المرسوم هو الشهرة والأضواء ومن بعدها (الطوفان)!!.
مـَنْ يتابع الإعلام يعرف أن هناك أسماء تتسلق على أي شأن؛ لأنها لا يهتم بالتخصص أو المعرفة أو معايير المهنة وأخلاقياتها، ولهذا ترى كثير من هؤلاء يقلب هواه وفقًا للطلب أو المرحلة أو (وين ما مال الهواء مالي)، فاليوم هو إعلامي سياسي وغدًا رياضي ثم اقتصادي ثم خبير فضاء ومحلل طقس وصولاً إلى أن يكون إعلاميًّا مؤثرًا في الشأن العام.
هذا التنقل الزائف والعجيب يوصله إلى تنوع الشرائح وازدياد المتابعة، والأخطر أن يكون تأثير مثل هذه النماذج سلبيًّا في الحقائق والتاريخ والجغرافيا.
“ويكيبيديا” وعاء إعلامي متسع لكل معرفة، لكن الوصول للحقائق الثابتة أصبح سهلاً مثل سهولة تغييرها.
إن التخصص يعزز المعرفة وينميها ويجددها، أما إذا كان الهدف هو دغدغة المشاعر وزيادة الأرصدة وارتفاع عدد المتابعين فهذا شأن آخر يضمن استمرار ولادة نماذج “ويكيبيديا الشهيرة”.
المشكلة الكبرى أن غالبية الباحثين عن الشهرة والشعبوية هم الأكثر تبديلاً للمواقف وتبريرًا للأخطاء وتسويقـًا للخطايا، وكأنهم يمتثلون قول إبليس كما ورد في القرآن الكريم { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }(سورة الحشر، آية 16)، ولهذا كان إبليس أكثر الشعبويين وعوداً وغروراً وشهرة ونزغًا للقلوب وتغييرًا ورفضًًا للحقِّ والعلم والثوابت.
“جوبلز” وزير الدعاية الألماني الشهير، صاحب مقولة “إكذب إكذب حتى يصدقك الناس”، لو كان حيًا لخجل من الكذب والافتراء والتهافت على الأضواء؛ على الرغم من أن “جوبلز” ومبدلي الحقائق وجوه متعددة لخطوات الشيطان.
المؤكد أن يقول الشعبوي مجازًا: “كلّ الطرق تؤدي إلى الشهرة”، وإذا ضاقت الدروب فما أوسع فسحه (الروغان)؛ لأن رأس مالها اعتذار عن محطات التشويه والدجل قبل الوصول إلى رحاب الشهرة والمال.. وتستمر الحياة!!!