كثيرًا ما نسمع عبارة “الإنزال خلف خطوط العدو” تتردد في الحروب والمواجهات العسكرية، ولا شك أن هذا “التكتيك” العسكري هو أسلوب قتالي يهدف إلى فك الحصار أو قطع خطوط الإمداد تنفذه فرق خاصة ومدربة هدفها الرئيس هو تعطيل التقدم والاستطلاع العام وجمع المعلومات، وهز المعنويات في ساحة المعركة.
وعادة ما نسمع أن ذلك الأمر هو مهمة انتحارية للتأثير في موازين ومسارات الصراع على الواقع وميدان الحرب على الرغم من أنها مهمة حربية لا تحسم القتال بشكل كبير، ولكنها تؤثر فيه، بل وقد تؤدي إلى ما يعرف بالنيران الصديقة لطرف واحد بالحرب والتشويش على اتجاهات التوصيب.
لست بعسكري ولست مهتمًا بالحروب وتفاصيلها، لأنها تؤكد لي دائمًا أن الإنسان هو “معمر الأرض، ولكنه مدمرها – أيضًا –” من منظور إعلامي أرى أن الحروب أثرت كثيرًا في المشهد الإعلامي وتطوراته المتلاحقة.
الروابط بين ساحات الحروب والإعلام مستمرة، فلم يعد مفهوم خلف خطوط العدو قائمًا بشكل كامل، فخلال حرب تحرير دولة الكويت عرف العالم ولأول مرة النقل المباشر على شاشات التلفزيون للقصف الجوي والإنزال والانتشار على الأرض.. ولكن هذا المفهوم تغير بشكل جذري إلى المتابعة الحية للحروب، فخلال القصف الصاروخي المتبادل بين إيران وإسرائيل الأخير بدد الإعلام جزءً مهمًا من المفاهيم العسكرية القائمة على عنصر المفاجئة، فقد تابعنا انطلاق الصواريخ والمسيرات وعرفنا بدقة مدة ومكان وصولها، وكشفت الكاميرات سماء المدن ومعالمها وشوارعها، لنشاهد بالعين المجردة عدد الصواريخ والأسلحة المضادة لها، وكم سقط من صاروخ على الأرض وتواصلت الصور الحية لمتابعة الآثار الناجمة عنها بالصوت والصورة.
نستطيع القول: إن خطوط العدو لم تعد خلفية، بل أمامية من كل الاتجاهات، وتعدى الأمر إلى أن المتلقي أصبح يتابع ما يجري بلا وعي لمآسي الحروب ولا ينقصه إلا “الفشار” بين يديه حتى يستمتع بالفيلم!!!
المتلقي الذي يتابع أفلام “الأكشن”، والطفل الذي يتابع مغامرات أفلام “الصور المتحركة” كلهم نتاج تراكم مشاهداتهم وليس تجاربهم التي ينفذها عنهم الآخرون من تجار السلاح والأزمات والعنتريات والشعارات.
الإعلام أحد أسرار استمراريته وجماهيريته هي الصراعات والأزمات، أما المتلقي فقد مد رجليه ويديه وقال: “أنا على (الكنبة)”!!! متمدد وأصابعي على الجوال أو الريموت.. وأتفرج!!!
الحياة تتطور وتتغير.. والمشهد يتواصل ويتكرر.
الإنسان يضحك أحيانًا، ولكنه يبكي دومًا على “بلاويه”؛ لأنه يصنع ما يرفه عنه.. ولكنه يبدع فيما يفنيه!!!