تقرير “رويترز” للأخبار الرقمية لعام 2020م (COVID – 19) يمنح الثقة من جديد لوسائل الإعلام التقليدية

د. عباس مصطفى صادق

يأتي تقرير الأخبار الرقمية السنوي لعام 2020م (The  Digital News Report)، الصادر عن معهد “رويترز” لدراسة الصحافة وجامعة أكسفورد، وسط جائحة صحية عالمية لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، ولم تتكشف آثارها النهائية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد، وقد عززت خطورة هذه الأزمة الحاجة إلى صحافة موثوقة ودقيقة يمكن أن تثقف السكان وتعلمهم، لكنها كشفت لنا ‒ أيضًا ‒ مدى انفتاحنا على المؤامرات والتضليل.
التقرير الذي نشره في الثاني والعشرين من مايو هذا العام “نيك نيومان”، الباحث المشارك بمعهد “رويترز” لدراسة الصحافة، يرى أنه بينما لم يعد الصحفيون يتحكمون في الوصول إلى المعلومات، فإن الاعتماد الأكبر بات على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى التي تمنح الأفراد فرص الوصول إلى مجموعة أوسع من المصادر والحقائق البديلة، والتي يتعارض بعضها مع النصائح الرسمية، أو تقدم المعلومات المضللة أو ببساطة الخاطئة.
تقرير هذا العام، يستند إلى بيانات من (6) قارات و(40) سوقًا، وهو يسلط الضوء على القضايا الرئيسية التي تواجه صناعة الأخبار في حالة من عدم اليقين بسبب الجائحة، وقد تمَّ جمع كثير من المعلومات في هذا التقرير قبل أن يصيب الفيروس العديد من البلدان الواردة فيه، وهو يعكس إلى حد كبير جانبًا من الاتجاهات الجارية وقتها.
لذا، فقد تمَّ في أبريل 2020م، إعادة الأجزاء الرئيسية من الاستطلاع في ست دول هي: “المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، إسبانيا، كوريا الجنوبية، والأرجنتين”، وذلك لـِفـَهم ما تغير فيها، حيث تؤكد الردود على الأسئلة بيانات جديدة تظهر زيادة في استهلاك المصادر التقليدية للأخبار، خاصة التلفزيون وبعض مصادر الأخبار على الإنترنت.
التقرير يؤكد أن الصحافة تظل مهمة ومطلوبة، ولكن إحدى المشكلات التي تواجه الناشرين هي أن هذا الاهتمام الإضافي ينتج دخلاً أقل، حيث بدا المعلنون يواجهون ركودًا حتميًّا، ويسجلون انخفاضات في الإيرادات، وفي ظلِّ هذا الوضع، من المحتمل أن نشهد مزيدًا من الاندفاع نحو الاشتراك الرقمي ونماذج الدفع الأخرى للقراء، والتي أظهرت جاذبية كبيرة في السنوات القليلة الماضية.
هذا الوضع  يجعل من المهم جدًّا فـَهم كيفية تطور نماذج الدفع المختلفة في أسواق أخرى، مثل: “الولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج، والمملكة المتحدة”، حيث أجري مزيدًا من البحوث المتعمقة حول الدفع مقابل الحصول على الأخبار في هذا العام تحديدًا.
وفي حين أنه من المحتمل أن تؤثر أزمة جائحة كورونا بشكل كبير في الاحتمالات قصيرة المدى للعديد من الناشرين، فإن النتائج تقدم رؤى طويلة المدى لجزء مهم من مستقبل صناعة الأخبار، فقد وقف معهد رويترز ‒ أيضًا ‒ عند الآثار المترتبة على المجتمع في حال اختفت المعلومات عالية الجودة مع توقف نظام الاشتراك غير المدفوع، وهي معضلة أصبحت أكثر واقعية خلال هذه الجائحة.
وبالنظر إلى المستقبل، يدرك الناشرون بشكل متزايد أن البقاء على المدى الطويل من المحتمل أن ينطوي على تواصل أقوى وأعمق مع الجماهير عبر الإنترنت، وهذا هو السبب في دراسة الأهمية المتزايدة للبريد الإلكتروني والبودكاست، والرسائل التي يتمُّ توزيعها بأعداد كبيرة لضمان زيادة الولاء.

ملخص لبعض النتائج المهمة في دراسة هذا العام 2020م
لقد أدت أزمة فيروس كورونا إلى زيادة كبيرة في استهلاك الأخبار من وسائل الإعلام الرئيسية في جميع البلدان التي أجرى فيها المعهد مسوحات قبل انتشار الجائحة وبعدها، وقد شهدت الأخبار التلفزيونية ومصادر الإنترنت ارتفاعًا كبيرًا، كما حدد مزيد من الناس التلفزيون كمصدر رئيسي للأخبار، مما يوفر هدنة مؤقتة للتدهور المطرد، وانخفض استهلاك الصحف المطبوعة لتوقف التوزيع بسبب الإغلاق وحظر التجوال، وهو أمر يعجل بعملية التحول إلى المستقبل الرقمي بالكامل.
وفي الوقت نفسه، ازداد استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية والشبكات الاجتماعية بشكل كبير في معظم البلدان، وقد شهد “واتساب” نموًا كبير  مع زيادة بنحو عشر نقاط مئوية في بعض البلدان، في حين استخدم أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع  المجموعات المفتوحة أو المغلقة عبر الإنترنت للتواصل أو مشاركة المعلومات.
وبحسب الدراسة فإنه اعتبارًا من أبريل 2020م ظهر أن الثقة في التغطية الإعلامية لـ(كوفيد 19) كانت عالية نسبيًّا في جميع البلدان، وكان معدل الثقة في وسائل الإعلام أكثر من ضعف مستوى الشبكات الاجتماعية أو منصات الفيديو أو خدمات المراسلة عندما يتعلق الأمر بالأخبار المتعلقة بالجائحة.

فيروس كورونا يذكر الناس بقيمة الإعلام التقليدي
على مدى السنوات التسع الماضية، أظهرت بيانات معهد رويترز أن الأخبار عبر الإنترنت تجاوزت التلفزيون كمصدر للأخبار في العديد من البلدان التي يغطيها الاستطلاع، في الوقت نفسه، واصلت الصحف المطبوعة الانخفاض بينما استقر وضع وسائل التواصل الاجتماعي بعد ارتفاع كبير.
لقد غيرت جائحة كورونا هذه الصورة بشكل ملحوظ، فالأخبار التلفزيونية  شهدت ارتفاعًا في جميع الدول الست، حيث أُجري الاستطلاع في كل من يناير وأبريل 2020م، فإذا أخذنا ألمانيا كمثال فقد تحول العديد من الأشخاص إلى مصادر موثوقة للأخبار، بما في ذلك وسائل الإعلام العامة.
لقد ارتفع معدل استهلاك الأخبار التلفزيونية الأسبوعية بمتوسط ​​خمس نقاط مئوية في جميع الدول الست، ولكن تجدر الإشارة ‒ أيضًا ‒ إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت ‒ أيضًا ‒ مرتفعة بشكل كبير، حيث استخدم مزيد من الأشخاص هذه الشبكات للحصول على الأخبار، بالإضافة إلى التلفزيون ومواقع الإنترنت، وعلى النقيض من ذلك، أثرت عمليات الإغلاق وحظر التجول في وصول الصحف والمجلات المطبوعة إلى الناس وأدت إلى انخفاض بمقدار ست نقاط في إسبانيا على سبيل المثال.
ويكون التغيير في التفضيلات الأساسية أكثر وضوحًا عند الطلب من الناس اختيار مصدر الأخبار الرئيسي، حيث تُظهر المملكة المتحدة تغيرًا بنسبة (20) نقطة مئوية في التفضيل من الإنترنت إلى التلفزيون بين نهاية يناير وبداية أبريل، والأرجنتين تسجل (19) نقطة، مع تغير في المتوسط ​​في الدول الست بمقدار (12) نقطة.
ففي المملكة المتحدة، كان خطاب رئيس الوزراء “بوريس جونسون”، الذي طلب فيه من البريطانيين البقاء في المنزل، أحد أكثر موضوعات البثِّ المباشر مشاهدة في تاريخ التلفزيون البريطاني، حيث تمَّ  رصد (27) مليون متابع (باستثناء البثّ المباشر عبر مواقع الويب والتطبيقات الإخبارية).
وقد ارتفع معدل المشاهدة الليلية لنشرات “بي بي سي” التلفزيونية بنسبة (30%) تقريبًا في مارس، بينما أفاد اتحاد البثّ الأوروبي (EBU) عن زيادة المشاهدة اليومية في الدول الأوربية بنسبة (14%) في المراحل المبكرة للجائحة.
كذلك لوحظ الارتفاع في متابعة التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي من قبل جميع الفئات العمرية، حيث أظهر الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن (35) عامًا زيادة أكبر نسبيًّا في متابعة التلفزيون، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الأخبار.
وبالنسبة لمن هم  تحت سن (35) عامًا في المملكة المتحدة، فقد أظهروا زيادة في مشاهدة الأخبار التلفزيونية بنسبة (23) نقطة مئوية مقارنة بشهر يناير، على الرغم من أن تفضيلهم الأساسي للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ظل قائمًا، وفي ذات الوقت ثبت أن الأعمار الأكبر سنـًّا تقرأ عددًا أقل من الصحف، بينما تشاهد مزيدًا من الأخبار التلفزيونية.
وعلى النقيض من تجربة المملكة المتحدة، كانت تجربة التلفزيون في الولايات المتحدة الأمريكية مختلفة تمامًا، حيث غطت (CNN) و(Fox News) المؤتمرات الصحفية للرئيس “ترامب” بطرق مختلفة، بينما امتنعت بعض المحطات عن البثِّ المباشر، والذي  غالبًا ما يتحدث فيه الرئيس الأمريكي معارضًا النصائح الطبية والعلمية، ولكن بشكل عام نرى في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعًا قليلاً في استهلاك الأخبار التلفزيونية.
وتشير البيانات ‒ أيضًا ‒ إلى زيادات كبيرة في عدد الزيارات لمواقع الأخبار في  الإنترنت، وقد سجل موقع  هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أكبر أسبوع له للزوار من المملكة المتحدة على الإطلاق، مع وجود أكثر من (70) مليون متصفح جديد مع دخول الحظر حيز التنفيذ.
 فضلاً عن ذلك، أظهرت مواقع وسائل الإعلام التجارية زيادة كبيرة في حركة الزيارات على الإنترنت، وأنتجت العديد من النماذج والأشكال المبتكرة في صحافة البيانات والأشكال المرئية الأخرى في الإنترنت، وذلك بغرض المساعدة في توضيح أبعاد الجائحة، حيث قدمت مواقع الويب والتطبيقات أدلة عملية للتعامل مع التباعد الاجتماعي والبقاء في أمان.
وبشكل عام، وجد استطلاع أُجري في أبريل 2020م أن وسائل الإعلام الإخبارية قامت بعمل جيد في مساعدة الناس العاديين على فـَهم مدى الأزمة، وذلك بنسبة (60%)، وكذلك توضيح ما يمكن أن يفعله الأشخاص بأنفسهم للتخفيف من آثار الجائحة بنسبة (65%).
ومع أن بعض وسائل الإعلام كانت في الماضي موضع اتهام بقصصها المثيرة، لكن في ظل هذه الظروف،  فإن ثلث المستطلعين يعتقدون أن وسائل الإعلام قد بالغت في رسم خطورة الوضع، على الرغم من أن القلق كان أعلى في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بنسبة (38%)، والأرجنتين بنسبة (41%)، ومن بين هؤلاء من لا يثق في وسائل الإعلام في الأصل.
وفيما يتعلق بالثقة في الحصول على معلومات حول فيروس كورونا، فإن المؤسسات الإخبارية ظلـَّت تحقق نتائج جيدة نسبيًّا، فهي تأتي خلف الأطباء والمنظمات الصحية بالنسبة للمعلومات، ولكنها تتقدم على السياسيين والأفراد من الناس العاديين.

ففي السنوات الأخيرة، عمد بعض السياسيين الشعبويين على تقويض وسائل الإعلام، ولكن هذه الجائحة جاءت بمثابة تذكير بأنه حتى وسائل الإعلام الضعيفة يمكنها أن تؤدي دورًا حاسمًا في إعلام الناس وتشكيل الرأي العام.
الدراسة كشفت أنه في ذروة عمليات الإغلاق والحظر، كانت الثقة في المؤسسات الإخبارية حول (كوفيد 19)، تصل إلى أكثر من ضعف تلك الخاصة بالوسائط الاجتماعية ومواقع الفيديو وتطبيقات المراسلة، حيث يرى حوالي أربعة أشخاص من كل عشرة أن معلومات الأخيرة غير جديرة بالثقة.
ومن المثير للاهتمام بشكل خاص أن متوسط ​​مستويات الثقة في الحكومات والمؤسسات الإخبارية متطابقة تقريبًا، وربما يعكس ذلك الطريقة التي ركزت بها العديد من المؤسسات الإعلامية في المراحل المبكرة من هذه الجائحة على تكثيف الرسائل الحكومية حول الصحة والتباعد الاجتماعي.

وسائل التواصل الاجتماعي والأزمة
في حين يشعر الناس بالقلق من وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، فإن الاستخدام المرتفع لها قد يشير إلى أن العديد من الأشخاص واثقون من قدرتهم على اكتشاف المعلومات الخاطئة، أو أنهم يقبلون على هذه المنصات لأسباب أخرى، مثل البقاء على تواصل مع العائلة أو الأصدقاء، ولأجل الدعم المتبادل.
وقد كشفت الدراسة التي تمَّ إجراؤها في أبريل أنه في البلدان الست التي شملها الاستطلاع، استخدم ما يقرب من ربع المستطلعين (24%) “الواتساب” للحصول على الأخبار حول (كوفيد 19) أو مناقشتها أو مشاركتها، وذلك بزيادة سبع نقاط في المتوسط ​​عن استطلاع يناير الذي ركز على الاستخدامات المختلفة للأخبار.
وقد ظهر ‒ أيضًا ‒ أنه قد انضم حوالي الخمس (18%) إلى مجموعة دعم أو حوار مع أشخاص لا يعرفونهم على “فيسبوك” أو “واتساب”، خصيصًا للتحدث حول (كوفيد 19)، وشارك النصف في مجموعات خاصة مع الزملاء أو الأصدقاء أو العائلة، وواحد من بين كل عشرة استخدم منصات دردشة الفيديو، مثل: (Zoom) و(Houseparty) و(Google Hangouts).
في الوقت نفسه، أصبح “انستغرام” و”سناب شات”، رائجين لدى المجموعات الأصغر سنـًّا للوصول إلى الأخبار حول (كوفيد 19)، هنا يؤدي المشاهير والمؤثرون دورًا كبيرًا في هذه الشبكات، حيث يشارك بعضهم الموسيقى، ويقدمون دروسًا في التمارين الرياضية والتعليق على الأمور الصحية.
التقرير كشف أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد الناس على نشر المعلومات المكذوبة والمضللة، لكنها في نفس الوقت تقدم دعمًا لهم، خاصة في ظروف القلق والعزلة، وتوفر طريقة فعالة لتوصيل المعلومات الموثوقة، ومن المهم أن نذكر أن هذه الوسائل تُستخدم مع أنواع أخرى من مصادر المعلومات، ففي الدول الست التي شملها الاستطلاع في أبريل، وصل أكثر من أربعة من كل عشرة (43%) إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، بجانب مصادر وسائل الإعلام التقليدية، وذلك بشكل أسبوعي.
وقد أظهر تحليل أكثر تفصيلاً أنه في معظم البلدان كان أولئك الذين اعتمدوا على المؤسسات الإخبارية للحصول على معلومات حول فيروس كورونا أكثر دراية بالأزمة، في حين لم يكن هناك نمط ثابت بالنسبة للذين اعتمدوا على منصات مختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكونوا أكثر اطلاعًا، وعلى الرغم من بعض المخاوف من حدوث العكس، لم يتم تضليلهم.
وبحسب الدراسة، فقد تغيرت العادات المرتبطة بالتعامل مع وسائل الإعلام بشكل كبير خلال حالة الانغلاق بسبب الجائحة، فقد تحول كثير من الأشخاص إلى أخبار البثّ التلفزيوني المباشر وإلى مصادر الأخبار الموثوق بها عبر الإنترنت، ولكن عمليات الإغلاق عجلت ‒ أيضًا ‒ من استخدام الأدوات الرقمية الجديدة، حيث انضم العديد من الأشخاص إلى المجموعات عبر الإنترنت أو شاركوا في مؤتمرات الفيديو لأول مرة.
وفيما يتعلق بالثقة، فقد أدت وسائل الإعلام في المراحل الأولى من الجائحة دورًا داعمًا إلى حد كبير، وذلك عندما كانت الأرواح أكثر عرضة للخطر، لكن هذا الإجماع قد بدأ في التراجع مع استئناف الأنشطة العادية، وظهور الخلافات على السطح حول أفضل طريقة لإدارة الانتعاش والعودة إلى الحياة الطبيعية، لذلك تبدو أيّ “هالة ثقة” لوسائل الإعلام قصيرة الأجل.

قراءات أخيرة
لقد ذكّرتنا حالة الانغلاق بسبب (كوفيد 19) بقيمة وسائل الإعلام التي تجمعنا معًا، بالإضافة إلى قوة الشبكات الرقمية التي تربطنا بالأشخاص الذين نعرفهم ونحبهم شخصيًّا، وبالنسبة للعديد من أولئك المحظورين في بيوتهم، فإن التلفزيون يظلُّ نافذة لهم على العالم الأوسع، وقد وفرت بعض القنوات منصة للحكومات والسلطات الصحية للحديث عن الصحة وتقديم المعلومات الأخرى للمشاهدين.
وقد ظهرت ‒ أيضًا ‒ اتجاهات رقمية جديدة في هذه الأزمة التي من المحتمل أن تكون لها آثار طويلة المدى، فقد انضم كثيرون إلى “فيسبوك” أو مجموعات “واتساب” لأول مرة وانخرطوا في مجموعات محلية، كما استهلك الشباب مزيدًا من الأخبار من خلال خدمات، مثل: “انستغرام” “وسناب شات” و”تيك توك”.
فضلاً عن ذلك، فقد برزت مؤتمرات الفيديو كمنصات جديدة للتواصل الشخصي، وغيرت ‒ أيضًا ‒ وجه المؤتمرات الصحفية الحكومية، وقد تبنت وسائل الإعلام هذه التقنيات الجديدة، ليس للعمل عن بُعد فقط، ولكن ‒ أيضًا ‒ لإنتاج المحتوى وتوزيعه.
من المرجح أن يكون التأثير الأكبر للفيروس اقتصاديًّا، وستعمل وسائل الإعلام المحلية والوطنية على تقليص عدد الموظفين أو تقليص النشر، وستؤدي الأزمة إلى تراجع اقتصادي يضر بكل ناشر، خاصة أولئك الذين يعتمدون على الإعلانات، ومن المرجح أن تتسارع التغييرات الهيكلية الحالية إلى بيئة وسائط رقمية أكثر ترتبط باتجاهات الجمهور والإنفاق على الإعلانات وعائدات القراء.
بذلك ستصبح الأزمة في وسائل الإعلام المحلية أكثر حدة، مع مزيد من الطلبات للحصول على دعم من الحكومة وشركات التكنولوجيا، ويحدث هذا مع كل المشاكل التي تنطوي عليه، من حيث استقلالية وسائل الإعلام.
ويكشف التقرير أن المستخدمين الأصغر سنـًّا، خاصة جيل المراهقين، الذي يعدُّ الأقل ارتباطـًا بالعلامات التجارية الإخبارية والأكثر اعتمادًا على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تساعد عمليات التوزيع الأكثر فعالية للمواد الرقمية، مثل: “الفيديو” و”ملفات البودكاست” و”رسائل البريد الإلكتروني” في وصول هذه العلامات إلى هذه الفئة وغيرها، في وقت يواصل فيه معظم الناشرين النضال من أجل الانخراط بشكل أقوى مع الجيل القادم والمجموعات الأخرى التي يصعب الوصول إليها.
التقرير يكشف ‒ أيضًا ‒ أنه على نطاق واسع، لا يزال القلق بشأن المعلومات الخاطئة عاليًّا، لذلك  تستمر الثقة في الأخبار في التراجع في العديد من البلدان، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك بعض بوادر الأمل، حيث أظهرت أزمة كورونا بوضوح قيمة الأخبار الموثوقة ليس بالنسبة للجمهور فقط، ولكن ‒ أيضًا ‒ لواضعي السياسات وشركات التكنولوجيا وغيرهم ممّن يمكنهم العمل لدعم وسائل الإعلام الإخبارية المستقلة.
في ظلِّ هذا الوضع برز إبداع الصحفيين ‒ أيضًا ‒ خاصة في إيجاد طرق مرنة لإنتاج الأخبار في ظلِّ هذه الظروف بالغة الصعوبة، كما أصبحت عمليات التحقق من المعلومات (Fact-checking) أمرًا رئيسيًّا ضمن مهام غرف الأخبار، وهو ما يعزز محو الأمية الرقمية على نطاق أوسع، ويساعد على مواجهة كثير من نظريات المؤامرة التي تدور في وسائل التواصل الاجتماعي وأماكن أخرى.
أخيرًا سوف تكون الأشهر الـ( 12) المقبلة حاسمة في تشكيل مستقبل صناعة الأخبار، وسيتحول كثير من المؤسسات الإخبارية في هذه الفترة بشكل أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، خاصة فيما يتعلق بقيمة ونوعية منتجاتها، حتى لو أن النظرة الحالية للأمور تبدو غير واضحة.