بعد أن ودع العالم عام 2021م وتركه خلفه، أضافت صناعة التكنولوجيا بضع كلمات جديدة إلى مفرداتنا، وخلال الأشهر القليلة الماضية، كانت (الميتافيرسMetaverse ) هي التي تصدرت عناوين الأخبار، والآن أصبح تعبير (الويب 3.0 ) أو الجيل الثالث من الـ(Web 3.0) هو الذي يتصدر، فقد جادل “إيلون ماسك وجاك دورسي” عن ذلك في نهايات العام، وأصبح التعبير علكة في الفم مع إنه ليس جديدًا وليس ناضجًا كذلك.
لقد بدأت الإنترنت كخدمة صماء “للقراءة فقط”، حيث يمكننا استهلاك المعلومات، وهو وضع استمر لفترة، وكانت تسمى وقتها بالويب الأول أو (Web 1.0) (الجيل الأول من الإنترنت)، وكانت الشبكة تتميز بالصلابة وتفتقر إلى روح الخيارات المتعددة والمرونة التي نراها الآن، ولم يكن الإنترنت ديناميكيًا، وكان الهدف من تلك المرحلة هو مجرد إيصال المعلومات وجعلها متاحة للعامة فقط.
وبين ليلة وضحاها أصبحنا حاليًا نستخدم (الويب 2.0)، الذي مكننا من التفاعل مع البيانات والمحتوى، ويرجع مصطلح (الويب 2.0) إلى (تيم أوريلي Tim O’Reilly)، عالم الكمبيوتر، ومؤسس “أوريلي ميديا”، والذي قال: “الويب 2.0 هو الاختراع الثوري في عالم الكمبيوتر، والذي لم يكن ليحدث سوى بفضل الاعتماد على الإنترنت كمنصة، بل ومحاولة فهم النجاح عليها”، ولعل من أشهر تطبيقات (Web 2.0) هي: “فيسبوك، وخرائط غوغل، وتويتر، ويوتيوب”، وغيرهم الكثير.
بمرور الوقت والمحاولات تطورت ذاكرة أجهزة المودم وتغيرت الواجهات المُملة بشكل كبير، ومهدت سرعات الإنترنت الأعلى الطريق للمحتوى التفاعلي، حيث لم يَعد الإنترنت مُقتصرًا على المشاهدة فقط، بل أصبح يَتسم بالمشاركة، وبناءً عليه ساعدت مشاركة المعلومات في ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وأعطى كل من “يوتيوب، وويكيبيديا، وفليكر”، ثم فيسبوك أصواتًا لمن لا يملكون منصاتهم الخاصة ووسيلة لتزدهر المجتمعات ذات التفكير المماثل.
هذا الوضع مكننا من التعامل مع قاعدة شبكية هائلة لإنشاء المحتوى عليها، ومع ذلك فإن المنصات الموجودة عليها مملوكة بشكل أساسي للشركات الخمس العملاقة أو من يطلق عليهم الـ(Big Five)، وتشمل (Alphabet وApple وAmazon وMeta وMicrosoft)، ويجب أن نعلم أن جميع المنصات التي نستخدمها اليوم ما هي إلا منصات مركزية تتحكم بها الشركات المذكورة وغيرها.
وعلى الرغم من أن المفهوم ما زال ضبابيًا ومثاليًا إلا أن عددًا من رواد الأعمال حول العالم قاموا بتصميم وبناء التقنيات والبروتوكولات التي من شأنها دعم (الويب 3.0)، (فالويب3.0 ) يحطم هذه المركزية التي يغتني فيها الكبار ولا يتركون للمستخدمين سوى الفتات، والجديد أن تكون فيها ملكية الإنترنت لا مركزية، باستخدام تقنية البلوكتشين، تمامًا مثل العملات المشفرة أو الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)، وتتضمن رؤية (الويب3.0 ) خوادم سحابية لا مركزية ستحتفظ بأصولك الرقمية بما في ذلك بياناتك الشخصية.
نحن أمام مصطلح يتم إطلاقه على الجيل الجديد من الإنترنت الذي سيقوم بإلغاء مفهوم الوساطة الرقمية، وإتاحة إنترنت حرة للجميع، فنحن نعتمد في تقنياتنا اليوم على خدمات وسيطة، مثل (غوغل، فيسبوك، تويتر)، التي تسيطر تقنيا على طريقة استخدامنا للإنترنت، فإن أردت مثلاً التعبير عن رأيك حول موضوع حساس، فمعظم المنصات ستحظر حسابك وتمنعك من التحدث عنه، فالإنترنت تحت سيطرتهم.
وتحت عنوان ما هو (الويب 3.0)؟ كتب فيصل الصويمل في موقع عالم التقنية إنه من الصعب إيجاد تعريف أو مقياس لتقييم (الويب 3.0)؛ لأننا ببساطة لا نجد تعريفًا واضحًا يميز (الويب 2.0) من الأساس، وكل ما لدينا من معلومات عنه هو اتفاق البعض على أن (الويب 2.0) هو شبكة تفاعلية لتيسير التعاون والتواصل الاجتماعي بين مستخدمي الإنترنت، وهذا بالطبع يختلف عن شبكة الإنترنت عند انطلاقها، والتي قد تم تسميتها بـ(الويب 1.0) الذي كان عبارة عن معلومات ثابتة يقرأها المستخدمون بدون تفاعل.
وبحسب هشام مدخنة في صحيفة الخليج الإماراتية، فإن (الويب 3.0) مصطلح شامل أشبه بالمظلة التي تجمع تحتها أفكارًا متباينة تشير إلى إنهاء دور الوسطاء الكبار عبر الإنترنت، في زمن لم يعد التنقل الإلكتروني فيه منوطًا بتسجيل الدخول إلى “فيسبوك” أو “تويتر”، أو “غوغل” فقط، وبالنسبة للتقنيين وخبراء التشفير، يظل (الويب 3.0) رؤية نظرية كبرى ممتدة لسنوات، في وقت هيمن فيه التحول نحو مستقبل البلوكتشين على المؤتمرات الافتراضية ومحادثات وسائل التواصل الاجتماعي في دوائر معينة حتى أجبرت هذه الرؤية شركات التكنولوجيا الكبرى على حشد فرق مخصصة للتعامل معها، وبدأت تكسب الزخم رويدًا رويدًا.
وبينما يعتقد مؤيدو هذه الرؤية الجديدة للإنترنت أن الدخول في هذه التكنولوجيا سيؤدي إلى اللامركزية التي ستعالج استغلال البيانات الذي تمارسه شركات الإنترنت ولا تراعي إلا بنسبة ضئيلة أمر الخصوصية الفردية.
وشكك الرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا” إيلون ماسك والمؤسس المشارك لتويتر “جاك دورسي” في (الويب 3.0)، حيث غرد ماسك مؤخرًا، “هل شاهد أحدًا (الويب 3.0)؟ لا يمكنني العثور عليه”.
أما دورسي فيرى أن الناس لن يمتلكوا الإنترنت، ولكن أصحاب رؤوس الأموال سيفعلون ذلك، وكتب دورسي على تويتر “أنت لا تملك (الويب 3.0) أصحاب رأس المال المغامر يمكنهم أن يفعلوا ذلك، لن يفلت من حوافزهم أبدًا. إنه في النهاية كيان مركزي بعلامة مختلفة. اعرف ما الذي تدخل فيه”.
ونشرت البوابة العربية للتقنية عبر موقعها تفصل في مزايا (الويب 3.0)، حيث أوضحت أنه لا توجد نقطة مركزية للتحكم: سيتم إزالة الطرف الثالث من المعادلة، حيث تقدم تقنيات بلوكتشين (blockchains) مثل إيثريوم (Ethereum) أي منصة ذات ثقة أكبر وقواعد غير قابلة للكسر، حيث يتم تشفير البيانات بشكل كامل.
وبالنسبة لملكية البيانات، سيستعيد المستخدمون التحكم الكامل في البيانات ويحظون بأمان التشفير، يمكن بعد ذلك مشاركة المعلومات على أساس كل حالة على حدة وعلى أساس إذن يُمنح من مالك البيانات، في الوقت الحاضر تمتلك الشركات الكبيرة مثل “أمازون، وفيسبوك” خوادم تقوم بتخزين المعلومات حول التفضيلات الغذائية، الدخل، الاهتمامات، تفاصيل بطاقة الائتمان والمزيد، ولا يقتصر الأمر على تحسين خدماتهم فقط، حيث يدفع المسوقون والمعلنون المليارات سنويًا مقابل الحصول على هذه البيانات، وسيحدث انخفاض هائل في عمليات الاختراقات وخروقات البيانات: نظرًا لأن البيانات ستكون لا مركزية وموزعة، سيحتاج القراصنة إلى إيقاف الشبكة بالكامل.
وبالعودة إلى الصويمل فإن (الويب 3.0) عالم افتراضي بشكل حقيقي، وهي فكرة بعيدة المنال، ولكن البعض توقع بأن شعبية العوالم الافتراضية والألعاب عبر الإنترنت قد تزيد على نطاق واسع إلى أن تقوم الشبكة العالمية بأكملها على العالم الافتراضي.
وقد عمدت شركة (Kinset) مؤخرًا إلى إنشاء مركز للتسوق، حيث يمكن للمستخدمين السير في المتاجر المختلفة والاطلاع على الرفوف المليئة بالمنتجات، وكذلك دخلت شركات التسويق في حجز مساحات إعلانية في متاجر وشوارع افتراضية، ولكن فكرة تطور الشبكة بأكملها لتصبح عالمًا واحدًا للتسوق الافتراضي ولاستكشاف الناس وللتفاعل معهم؛ تعتبر أمرًا لا يُصدق بالمعنى التقني، وهناك أكثر من مجرد عقبات تقنية للوصول إلى هذه الفكرة، حيث قد يصعب على الجميع الدخول إلى هذا العالم لأنه يحتاج إلى برامج رسومية ثلاثية الأبعاد، ويحتاج إلى تكاليف أكثر في نفس الوقت، وقد يكون محصورًا على شركات كبيرة لأنه سيمثل نفقات إضافية محتملة ستشكل عبئًا أكثر من اللازم على الشركات الصغرى ومواقع الإنترنت، وهناك العديد من العقبات تقف في سبيل الوصول إلى هذا الويب الافتراضي.
أخيرًا يهدف (الويب 3.0) بشكل أساسي إلى التخلص من مفهوم “الإنترنت القيادية”، ليصبح بإمكانك استخدام إنترنت حرة غير متحكم فيها، وتلخيصًا يشرح التعبير مفهوم الجيل الجديد من الإنترنت والتقنيات الرقمية والتكنولوجية، وأبسط مثال لذلك إلغاء مفهوم الشراء باستخدام (PayPal) و(Visa/Master) مقابل الشراء باستخدام العملات المشفرة (كمثال مبسط).