المعالجة الإعلامية الإذاعية والتلفزيونية العربيةلقضايا الإرهاب وأساليب تطويرها

مقدمة وإطار منهجي:

الإرهاب ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان والأعراق، ويتطلب محاربتها تضافر جهود المجتمع الدولي.

علاوة على ذلك، الحرب عليه ليست عسكرية فقط؛ لأنه ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه تتطلب مناهج متخصصة في مكافحة انتشاره، وهو تحد خطير يستهدف أمن واستقرار منطقتنا بينما يهدد أنظمتنا الأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 لذلك، يجب أن تأخذ الجهود المبذولة لإدانة التطرف والإرهاب في الاعتبار نهجًا متعدد الجوانب، من معالجة جذور التطرف إلى مكافحة التجنيد والتمويل، وتشجيع المشاركة النشطة للأفراد في المجتمع.

وفي جميع المحاولات المحلية والإقليمية والدولية التي سعت إلى وضع خطط وإستراتيجيات لمكافحة الإرهاب، كان “الإعلام” حاضرًا دائمًا كأحد أهم الوسائل التي يمكن – إذا ما أحسن استخدامها – أن تكون أدوات فعالة لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه.

ولطالما اتُهمت وسائل الإعلام بتوفير بيئة خصبة لإنتاج الإرهاب وتصنيعه، مع القيم والأفكار المتطرفة التي تنشرها وتروج لها.

كما أنها كثيرًا ما تكون منابر يخاطب – من خلالها – الإرهابيون كل شعوب العالم مدافعين عن وجهات نظرهم ومبررين أعمالهم الإرهابية وداعين لمزيد من الدعم والتأييد.

أهداف الدراسة:

تسعى هذه الدراسة إلى معرفة جملة من الأهداف، ومنها:

  • فهم طرق وأساليب المعالجة الإعلامية الإذاعية والتلفزيونية العربية  لقضايا الإرهاب.
  • فهم جوانب القوة والقصور من جانب آخر في تعامل الإعلام العربي مع قضايا الإرهاب.
  • تحليل مخرجات الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في هذا الجانب.
  • تقديم توصيات بناءً على مخرجات الدراسة تُسهم في تطوير الممارسات بما يتفق والتطورات في صناعة الإذاعة والتلفزيون.

منهج الدراسة :

يُعدّ هذا البحث من البحوث الوصفية التي تهدف إلى اكتشاف الوقائع ووصف الظواهر وصفًا دقيقًا وتحديد خصائصها تحديدًا كيفيًّا أو كميًّا.

وفي هذه الدراسة يتم الوصف كيفيًّا، حيث يتم جمع البيانات ومن ثم تحليلها وإنشاء صورة شاملة عن موضوع الدراسة بالإضافة إلى عمل تقرير واضح عنها.

الإعلام العربي وقضايا الإرهاب :

تؤدي وسائل الإعلام دورًا محوريًّا في تكوين الاتجاهات والميول وتؤثر على عملية اكتساب الجمهور للمعارف والمعلومات، خصوصًا وقت الأزمات، ومنها المرتبطة بقضايا الإرهاب، إذ تزداد درجة اعتماد الجمهور على هذه الوسائل في ظل حالات عدم الاستقرار والصراع وانتشار أحداث العنف والإرهاب، وذلك بهدف خلق معانٍ ثابتة للأحداث وإيجاد التفسيرات الملائمة لها نظرًا لما تتسم به حوادث الإرهاب من عنف ومفاجأة واضطراب للمعايير والقيم المستقرة في المجتمع([1]).

ولأن الإرهاب يكون عادة مرتبط بالإعلام، حيث أن العلاقة بين الطرفين في بعض الأحيان علاقة تكاملية، فإن التعرض لوسائل الإعلام قد يكون هدفًا أساسيًّا لمن ينفذون الإرهاب؛ لإظهار القضايا التي لولا ذلك ستتجاهلها وسائل الإعلام، بحسب قناعاتهم، ويعتبر البعض هذا تلاعبًا واستغلالاً لوسائل الإعلام، في ذلك تحدثت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر عن العلاقة الوثيقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام، واصفة الدعاية بأنها “أكسجين الإرهاب”([2]).

في الآونة الأخيرة، واجه الصحفيون والإعلاميون الآخرون تحديات كبيرة عند تغطيتهم للهجمات الإرهابية المتكررة، وهي تشكل الديناميكيات الجديدة للإرهاب والانتقال إلى بيئة وسائط رقمية واجتماعية متزايدة، مع انتشارها الواسع وسرعتها غير المسبوقة التي تنتشر بها المعلومات من خلال القنوات عبر الإنترنت، ليكون تحديًا خطيرًا للإبلاغ عن هذه القضية.

الصحفيون والجهات الإعلامية الأخرى من جانبها تتحمل مسؤولية توفير معلومات دقيقة وشاملة عن الأعمال الإرهابية والتهديدات المحتملة وتجنب التقارير الإعلامية المثيرة التي تؤدي إلى انتشار الرعب العام والخوف ومشاعر الفوضى، حيث يمكن أن تكون التغطية الإعلامية حاسمة في تحفيز النقاش المستنير في حالات الأزمات، كما يمكن للإعلاميين أيضًا تقديم إسهامات إيجابية في منع الإرهاب من خلال إظهار كيفية استجابة الدول الأعضاء والمنظمات الدولية لهذه التهديدات بشكل ملحوظ.

مع ذلك، وبنفس القدر من الأهمية في هذا السياق، يجب حماية حقوق الصحفيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام، بما في ذلك حقهم في الوصول إلى المعلومات من أجل المصلحة العامة والحق في عدم الكشف عن مصادرهم.

إن الهدف الأساسي للإرهابي الحصول على اعتراف واسع وقبول مجتمعي، وهذا ما تسهله العلاقة المشتركة بين وسائل الإعلام والإرهابي، حيث يقتنع بعض الخبراء بأن التغطية الإعلامية الدولية للإرهاب تميل إلى زيادة عمليات الإرهاب.

فالإرهابيون على الدعاية التي يتلقونها، فإن وسائل الإعلام تكتسب منهم عنصرها الأساسي في التقارير الإخبارية: حدث يستحق النشر، وغير متوقع، وعنيف، ينجذب الجمهور لسماعه ورؤيته وقراءته.

وينجح الإرهاب فقط لأن مجموعة من الأشخاص الذين يمارسون العنف مباشرة على عدد صغير نسبيًا من الناس يتلقون دعاية عالمية لمجموعة إرهابية ومطالبها وأيديولوجيتها، كما يتحقق نجاحه عندما لا يجد النظام الإعلامي القادر على التصدي له.

في صيغة أخرى يتخذ الإعلام مكانة مهمة في هذا العصر لأنه وسيلة لنشر فكرة الإرهاب وترويجه وفي ذات الوقت سلاح لمواجهة الإرهاب، وذلك لأن الإعلام وسيلة لتكوين الرأي العام واتجاهاته نحو حادثة معينة، ويؤثر بطريقة غير مباشرة على نجاح أو فشل سياسات وإستراتيجيات قررتها الحكومة في أية دولة من الدول لمواجهة الإرهاب. 

من هذه الناحية فإن الإعلام في الحقيقة له فرصة سانحة ومسؤولية كبيرة لتحديد نطاق نشرات أخباره عن الأعمال الإرهابية، وذلك عن طريق عرض الأخبار المستندة إلى الوعي الأخلاقي لمصلحة المجتمع.

معادلة صعبة ومحاذير:

لذلك لا شك أن هناك معادلة صعبة بين ضرورة نشر وسائل الإعلام الأخبار الخاصة بالأحداث الإرهابية وضحاياها ومن يقف وراءها، وبين نشر المعلومات والصور التي تترتب على نشرها مجموعة من المحاذير منها:

  • خدمة الجهات الإرهابية في التعريف بأعمالها.
  • ترويع الجمهور وخصوصًا الناشئة بنشر الصور الفظيعة.
  • الكسر التدريجي للحاجز النفسي في النفور من الأعمال الإرهابية بسبب تكرار عرض مشاهد الأعمال الإرهابية([3]).

أطر مؤسسة للتعامل الإعلامي مع الإرهاب:

في دراسة أصدرها اتحاد إذاعات الدول العربية، تناولت تأثير القنوات التلفزيونية الفضائية في التصدي للجريمة والإرهاب، خلصت هذه الدراسة إلى الوقوف على بعض الدلالات التي أفرزتها نتائج البحث المتعلقة بمتابعة القنوات الفضائية بشكل عام.

فعلى مستوى مصدر الخبر، جاءت القنوات الفضائية العربية في المرتبة الأولى، يليها «الإنترنت» ثم الصحف والمجلات العربية.

أما أقل المصادر فتمثّل في وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى.

وبرزت المصداقية ثم الجرأة في التناول والتغطية الفورية والسبق والانفراد ببعض الحقائق، من أهم أسباب الاعتماد على القنوات الفضائية العربية في استقاء المعلومات عن الإرهاب.

كما جاءت نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية والسياسية، ويليها البرامج الدينية والحوارية والدراما، في مقدمة الأشكال البرامجية والمواد المفضلة لدى العينة لتناول الإرهاب.

أما أقل الأشكال تفضيلاً فتمثلت في التنويهات عن الإرهاب([4]).

ووفق الإستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب الصادرة عن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، هناك أسبابٌ عدَّة تفرضُ وجود إستراتيجية إعلامية عربية مشتركة في مواجهة خطر الإرهاب، منها:

  • أن الإعلام العربي، بوصفه جزءًا رئيسًا في الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب، وردع المخاطر التي تهدِّد استقرار العالم، يتطلَّب وجودَ إستراتيجية إعلامية عربية تُسهم في تعزيز الأمن والسلام، ولا سيَّما مع تبني التنظيمات الإرهابية خُططًا إعلامية مُتطوِّرة، تساعدُ على الترويج لأفكارها، وكسب المتعاطفين والموالين، وتجنيد العناصر الجديدة.
  • ضرورةُ تسليط الضوء على جهود الدول الإسلامية والعربية في محاربة الإرهاب، وتجفيف منابع الفكر المتطرِّف، وتقديم الصورة الصحيحة للدِّين الإسلامي الحنيف التي ترفض العُنف، وتدعو للتسامح والسلام، مع التأكيد على أنَّ الإرهاب هو نتاج عقليَّات فاسدة، وقلوب قاسية([5]).

وتطرح الدكتورة إنجي أبو العزم، التي عملت رئيسًا لشعبة اللغة الإنجليزية بكلية الإعلام في جامعة بني سويف سابقًا، مقترحات لتعزيز دور الإعلام في التعامل مع الظواهر الإرهابية، تشمل ما يلي:

  • يتعين على وسائل الإعلام عند تناول العمليات الإرهابية، أن يتم تحديد السياسة الخاصة بتغطية تلك العمليات بحيث تراعي أخلاقيات العمل الإعلامي والدقة والمصداقية، وبالتالي يكون من الأفضل عدم نشر معلومات لم يتم التحقق منها، بدلاً من المخاطرة بالمصداقية من خلال التسرع في نشر أمور غير حقيقية.
  • عدم نشر صور وأسماء الإرهابيين المتسببين في التفجيرات والذين لقوا حتفهم، حتى لا يتم تمجيدهم بعد الوفاة، وذلك على غرار السياسة الخاصة بصحيفة “لوموند” الفرنسية والتي أوقفت نشر الصور وأسماء الإرهابيين.
  • عدم التعامل مع الأحداث الإرهابية على كونها قصة خبرية أو سبق إعلامي عادي، وضرورة تجنب منح الإرهابيين خدمات عبر مساعدتهم في ترويع المجتمع، فزيادة التغطية يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة.
  • من المهم تجنب الإفراط في التغطية المصورة للهجمات الإرهابية، من خلال تقليل المدد المخصصة لتغطيتها، وعدم إبرازها بشكل كبير، وذلك مع المحافظة على حق الجمهور في المعرفة.
  • ضرورة اهتمام الصحفيين والإعلاميين بتقديم إسهامات إيجابية في منع الإرهاب عن طريق عرض كيفية استجابة الدول المتضررة من العمليات الإرهابية لها، وما تتخذه من إجراءات في هذا الصدد([6]).

التلفزيون والتعامل مع قضايا الإرهاب:

يُعد موضوع العنف في الإعلام المرئي من أكثر الموضوعات التي حركت بحوث وسائل الاتصال الجماهيري، واتسمت بالاتساع والتعقيد والجدل، وذهب البعض من هذه البحوث إلى أن تراكم هذا العدد الكبير من المعطيات والدراسات المتخصصة في هذا الموضوع يبرهن على صحة فرضية وجود علاقة سببية بين العنف في الإعلام المرئي والسلوك العدواني([7]).

ويمتلك التلفزيون، إمكانات مهمة يستطيع من خلالها التأثير على الجمهور المتلقي، خصوصًا في ظل ازدحام خريطة البث التلفزيوني بكم هائل من القنوات الفضائية التي تتنوع برامجها من حيث الشكل والمضمون، ومع ما تعرضه بعض القنوات الفضائية للأفراد والجماعات المروّجة للإرهاب، إذ أن عددًا من هذه الفضائيات توقع المُشاهد في شرك نفسي وعقلي لا يقدر معه على الفصل أو التمييز بين الواقع والوهم أو بين الحقيقة والخيال، أو الخير والشر، بين الممكن وغير الممكن.

وفي ظل وجود التباين في التغطية الإعلامية بين وسائل الإعلام المختلفة لقضايا الإرهاب، فإن للوسيلة المرئية ميزة تكاد تنفرد بها عن وسائل الإعلام الأخرى المقروءة والمسموعة، إذ يقدم التلفزيون تغطية إخبارية للأحداث في أوقات الأزمات بطريقة آنية وفورية بالصوت والصورة ومن موقع الأحداث عبر تقنية البث المباشر وبمختلف الجوانب من خلال التحليل والتفسير([8]).

وقد أصبح التلفزيون في أحيان كثيرة عاملاً مساعدًا في صنع الأحداث وفي أحيان كثيرة مشاركًا فيها، والجمهور المتلقي قد لا يصغي إلى أية وسيلة إعلامية أخرى إذا كان ما تقوله مخالفًا لما تقوله الصورة التلفزيونية؛ إضافة إلى أن الإفراط في التغطية الإعلامية يجعل الحدث مهمًا وحقيقة قائمة، وما دام ما يُقدم ويُعرض هو الحقيقة في نظر الجمهور المتلقي أو الأقرب إليها، فإنه ليس على المتلقين، خصوصًا إذا كانوا أميين أو أنصاف متعلمين، إلا أن يصدقوا ما ينقله التلفزيون من صور بسيناريو مُحكم ومضمون معقول تستطيع أن تجمع آراء هؤلاء المتلقين حول المشكلة أو القضية([9]).

وانطلاقًا من فرضية أن التلفزيون يمارس تأثيرًا هامًا على تشكيل وتحديد موقف الجمهور وسلوكه، فإن من هذه المواقف والسلوكيات ما يتعلق بالتحريض على أعمال العنف، أو على تقليد ما تمت مشاهدته على شاشة التلفزيون؛ هذا التقليد الذي يعني في علم النفس التربوي اكتساب السلوك والتصرف من خلال تقليد نموذج مثالي، إنساني أو غير إنساني، يعجب به المتلقي وخصوصًا الطفل فيسير على منواله([10]).

فضلاً عن ذلك فإن اقتطاع التلفزيون مساحة زمنية من فترات بثه، لكي يعرض الإرهابيين، وما يقومون به، وتوفيره التغطية الإعلامية اللازمة لهم، إنما يحمله قدرًا من المسؤولية لوجود عرض قابل للتقليد للإرهاب، خاصة بين الشباب، ومن ذلك أيضًا، قيام التلفزيون بعرض حوادث اختطاف الطائرات، ومحاصرة السفارات، والتي “شكلت أدلة على مساعدة التلفزيون في نشر أنماط من النشاط الإرهابي، كما أن التغطية الشاملة وغير المتوازنة في الطرح لأي حدث إرهابي، إنما يشجع على تكوين جماعات إرهابية جديدة، تحاول من جهتها أيضًا الاستفادة من التغطية المجانية التي يقوم بها التلفزيون للنشاطات الإرهابية، لكي تكون هذه الجماعات في واجهة الأحداث اليومية، الأمر الذي يغري جماعات أخرى أو أفرادًا آخرين، للقيام بأعمال عنف إرهابية أكثر جرأة، طلبًا للشهرة بعد الحصول على تغطية إعلامية مجانية”([11]).

تحليل برامج تلفزيونية ناقشت موضوع الإرهاب:

في هذا الجزء نحلل نماذج للبرامج التلفزيونية التي ناقشت قضايا الإرهاب من خلال برنامجين، لمعرفة المعالجة الإعلامية للموضوع من خلال فهم طريقة الإعداد، وننتهج في ذلك النظر إلى ما يلي في الجدول المخصص للتحليل.

أولاً: برنامج صناعة الموت

صناعة الموت برنامج اسبوعي مدته (30) دقيقة من إنتاج قناة العربية، ويتعاطى منذ البدء في بثه، في سبتمبر 2006م، مع موضوع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة وقضايا التطرف الفكري بشكل عام، حيث يتناول البرنامج هذه الحركات وأفكارها بالرصد والتحليل.

في دراستنا اطلعنا على عدد من الحلقات بدون ترتيب، حتى يمكننا تقديم مراجعة وتحليل يقربان الصورة لهوية البرنامج وسماته الأساسية.

طبيعة البرنامجتحقيق تلفزيوني مطول مدعم بالوثائق
مكونات البرنامجمقدمة تختلف من حلقة لأخرى حسب الموضوع، ثم نقاش وتقارير فيديو وصور. هذه المكونات ليست ثابتة وإنما تختلف من حلقة لأخرى
ضيوف البرنامجمختصون في الاستوديو (أحيانًا يكون الضيف خارج الاستوديو)/بعض وجوه وقادة التنظيمات الإرهابية
طريقة التقديمنقاش مدعوم بوثائق/زيارات ميدانية ولقاءات مع أقرباء وقريبين من قادة التنظيمات الإرهابية.
الجمهور المستهدفكبار/الجمهور العام، ومن ينتمون للجماعات الإرهابية أو يتعاطفون معهم.

من التحليل السريع لهذا البرنامج، نلاحظ ما يلي:

  • شكّل اسم البرنامج عنصرًا هامًا في توضيح طبيعته وتوجيه رسالته نحو التفسير الدائم لمبدأ الحياة الإيجابية القائمة على صناعة ما يفيد البشرية، مقابل صناعة الموت المرتبطة بالتطرف ورفض الآخر وإقصائه وإنهاء حياته، فالغايات التي انطلقت منها فكرة “صناعة الموت” هي صنع الحياة، والسلام، وعمارة الأرض، والأمل في مستقبل أفضل.
  • بعكس التناول الإخباري والمتابعات السريعة التي تعتبر غير كافية، حيث لا مكان ولا فرصة لمناقشة ذلك بشكل عميق: لماذا يحدث؟، وما الفكر الذي يقف وراءه؟، ومن أين انطلق؟.. يغوص البرنامج في ذهنية أصحاب الأفكار المتطرفة، ويستمع إليهم، أو إلى أناس تعاملوا معهم، وعاشوا بينهم، كما يحقق في الظروف ويرجع للخبراء.
  • موضوع البرنامج ركّز على كشف الوجه عن التنظيمات والحركات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وداعش والاخوان المسلمين، وكشف مدى نفوذها وتغلغلها وسط مجتمعات مختلفة، وكيف استطاعت عبر صناعة الموت أن تبث وتزرع الموت في كل مكان طالته ايديها.
  • نجح البرنامج في اللقاء بالعديد من قيادات التنظيمات، مثل أبو بكر باعشير، الأب الروحي للجماعة المتطرفة في إندونيسيا، وعبد الله أنس، أمير المقاتلين العرب في أفغانستان إبان حقبة الجهاد ضد السوفييت، وعبد الرحمن القيسي، المتحدث الإعلامي باسم الجيش الإسلامي في العراق، وشحادة جوهر أمير التدريب لتنظيم القاعدة في العراق.
  • مع ذلك اثبت هذا البرنامج ان علاقته بالإرهاب ليست تكاملية، فهو لا يبسط لرموزه وقادته وغيرهم منصة لنشر رسائلهم وإبقائهم في الواجهة الإعلامية مع من يناصرونهم، بل عمد إلى تعريتهم وتعريف الناس ومنهم المتعاطفين معه بخطرهم الكبير.
  • يتناول البرنامج موضوعًا واحدًا مميزًا بعنوان محدد في الحلقة الواحدة، كل أسبوع لجزئية ما تندرج تحت ظاهرة صناعة الموت وأسبابها، وقد ظل هذا الوضع مدخلا  للحيوية لفترة مقدرة من رحلة البرنامج.
  • مع مرور الوقت أصبح هناك تكرار في الضيوف، خاصة أولئك المختصين في الجماعات الإرهابية.
  • هذا التكرار جاء معه بإشكالية أخرى تحسب على البرنامج وهي أن ضيوفه ذوي اتجاه واحد، وأي برنامج يركز على وجهة نظر واحدة ينتهي ليكون برنامجاً وعظيًّا، وربما تخفّ الرغبة في متابعته.
  • فضلا عن ذلك برزت إشكالية على درجة عالية من الأهمية من خلال تكرار بعض الوجوه التي يعلن عن أنها متخصصة في شئون الجماعات الإرهابية، وأحيانًا التنظيمات الإسلامية، هذه الإشكالية تتعلق بترسيخ تهمة تماهي فكرة الإرهاب مع الدين الإسلامي.
  • هذا الأمر يؤسس لفكرة يصعب محوها وتتناقض تمامًا مع التأكيدات الصارمة بعدم جواز ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة، وفقًا لما جاء في استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وما سعى إلى تأسيسه مجلس التعاون لدول الخليج العربية([12]).
  • لاحقًا خرج البرنامج ولو جزئيًا من عباءة الإرهاب المنسوب للدين الإسلامي، والذي ظل سمة له بشكل عام، ليعرض حركات اليمين المتطرف في أوروبا والنازيين الجدد بالحديث عن تجربة إحدى المنظمات الناشطة في هذا المجال.

ثانيًا: المواجهة مع النفس .. كيف تصنع إرهابيًّا

نراجع هنا حلقة باسم “كيف تصنع إرهابيًّا” عرضت في 16 أبريل 2022م،  ضمن برنامج “المواجهة مع النفس”، الذي تعرضه أسبوعيا قناة القاهرة والناس المصرية.

هذا البرنامج يناقش قضايا متنوعة تشمل كافة أمور الحياة مع ضيوف في الاستوديو.

في دراستنا اطلعنا بجانب هذه الحلقة، على عدد من الحلقات التي ناقشت موضوعات قريبة منها، حتى يمكننا تقديم مراجعة وتحليل يقربان الصورة لهوية البرنامج وسماته الأساسية.

طبيعة البرنامجعرض وثائقي معزز بحوارات مع عدد من الضيوف
مكونات البرنامجمقدمة وحوار حول موضوع مقسم إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة أقسام، تقل فيه التقارير
ضيوف البرنامجمختصين وأصحاب رأي ومسؤولين في الغالب خارج الاستوديو
طريقة التقديمحوار استوديو يدعم أحيانـًا بتقارير أو معينات بصرية
الجمهور المستهدفكبار/بتنوع الاهتمامات.

من التحليل السريع لهذا البرنامج، نلاحظ ما يلي:

  • هذا البرنامج هو عرض وثائقي يعتمد على سيناريو ونص معد مسبقاً معزز بحوارات مع عدد من الضيوف يتم إدراجها في النص المقروء من المذيع، وهذا النوع من البرامج يحتاج إلى عملية إعداد متعددة الأطراف، تتضمن باحثين ومكتب اتصال للضيوف وكاتب تعليق صوتي ومذيع قادر على إدارة حوار متعدد الأفكار والمداخل فضلا عن فريق تصوير خارجي.
  • في الحلقة المشار إليها تم استضافة عدد من الضيوف متعددي الأفكار منهم متخصصون في الشأن الديني من مدراس وتوجهات مختلفة وكتاب ليبراليون، ولكنهم كانوا جميعًا متفقين على خط البرنامج الباحث عن تأصيل فكرة صناعة الإرهاب المرتبطة بالفكر الديني المتطرف.
  • البرنامج يعتمد على الأقوال التي يسجلها ويقتطعها من اللقاءات المصورة مع الضيوف، وهي تكمل النص المكتوب، لتصل للغايات والأهداف التي يريد البرنامج الوصول إليها.
  • لم تستضف الحلقة ضيوفا من الطرف الآخر المتهم بصناعة الإرهاب،  بل كان كل المتحدثين منسجمين مع فكرة البرنامج الأساسية التي ترمي اللوم على المرجعية الدينية والظروف الثقافية والاجتماعية والسياسية التي نشأت فيها.
  • عدا بعض خلفيات الفيديو ذات البعد الديني، خلت الحلقة من أي معينات معلوماتية، مثل التقارير المعلوماتية او الظرفية أو “الفيديو وول” و”الفيديو غرافيك” وغير ذلك من أدوات تعزز من قوة الطرح.
  • الملاحظة المتكررة والمشتركة مع برنامج “صناعة الموت” أن هذا البرنامج يعيد نفس فكرة أن الإرهاب قضية أو ظاهرة منشؤها الدين ومرتبطة بالدين الإسلامي وهي فكرة ذات ضرر كبير ويصعب محوها.

الإذاعة والتعامل مع قضايا الإرهاب

يمكن للإذاعات القيام بدور هام في التوعية بخطورة التطرف والإرهاب، وذلك في حال اتباعها للممارسات والأسس المطلوبة، وفي المشهد وجود واسع للإذاعات الدينية التي تجد جمهوراً كبيراً من المستمعين.

نشير هنا إلى الميثاق التحريري للإذاعة التونسية في التعاطي مع الإرهاب، الذي أُقر في الرابع من  أكتوبر 2016م، وهو يتضمن القيم الصحفية والقواعد الحرفية ذات الصلة بالتناول الإعلامي الإذاعي لظاهرة الإرهاب، مثل تسمية الجماعات الإرهابية، والحديث عن ضحايا العمليات الإرهابية، واعتماد مصادر خبر موثوقة، وتأمين تغطيات ميدانية مهنية للعمليات الإرهابية وتداعياتها الأمنية والمجتمعية، إخباريا وبرامجيا([13]).

كما نشير إلى تولي الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات الإشراف على برامجِ إذاعة القرآن الكريم من أبوظبي، بالتعاون والتنسيق مع شركة أبوظبي للإعلام، لمراقبة موادها ومكتبتها الصوتية واستبعاد المواد التي تحمل فكر التشدد والتطرف، مع وجود لجنة لاختيار الموضوعات والمحاور التي تعزز قيم الاعتدال والوسطية في برامج الإذاعة([14]).

تحليل برامج إذاعية ناقشت موضوع الإرهاب

في هذا الجزء من الدراسة نحلل برنامجين إذاعيين ناقشا موضوعات الإرهاب والتطرف، كما يلي:

أولاً: برنامج تفكير لا تكفير

 برنامج “تفكير لا تكفير” الأسبوعي بإذاعة جدة، قدم حلقة بعنوان دورة حياة التطرف، وقد تم بثها في شهر أبريل 2019م، وقد خرجنا من هذه الحلقة بالآتي:

  • البرنامج يمتد لساعة إذاعية، تتخللها الفواصل لتكمل الستين دقيقة، ويستضيف شخصية واحدة دائمة تتناول موضوعاً محدداً في كل حلقة.
  • اسم البرنامج يوضح محتواه، فالاقتراب من التفكير وإعمال العقل يبعد الشخص من التطرف وتكفير الآخر، وهذه واحدة من أخطر الإشكاليات التي أبعدت المجتمعات المسلمة عن مسألة تقبل الآخر، حتى في الدين الواحد.
  • ينتهج البرنامج منهجاً اجتماعياً إنسانياً في مقاربته للموضوعات التي يناقشها، فالمتحدث الرئيس ليس رجل دين ولكنه كاتب يهتم بالوعي الإنساني.

ثانيًا: برنامج مجلس الشباب

“مجلس الشباب” برنامج إذاعي تبثه إذاعة البحرين من تقديم مجموعة من الشباب، وقد ظلت قضايا التطرف واحدة من أهم الموضوعات التي ناقشها باعتبارها مدخلاً رئيسًا للإرهاب الفكري وغيره.

  • ناقش هذا البرنامج في واحدة من حلقاته خلال نوفمبر 2022م، منابع التطرف وجذوره  وأسبابه والعوامل التي تقود إليه، وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة ومواجهتها.
  • وصلت الحلقة إلى أن الحديث عن ظاهرة التطرف في مجتمعاتنا لا تحدث بمعزل عن مجمل المناخ العام، والأوضاع الاجتماعية والسياسية السائدة.
  • كما وصلت إلى أنه لا يمكن الحديث عن التطرف في مجتمعاتنا بمعزل عن التطرق إلى دور الأسرة والقيم والمواقف التي تربي الأبناء عليها، والتعليم وما يلعبه من دور.
  • ناقشت الإعلام ودوره، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، وخصوصاً فيما يتعلق بجيل الشباب.
  • يعتمد البرنامج على الحوار داخل الاستوديو وعبر الهاتف مع مختصين ومسئولين توجه إليهم أسئلة البرنامج الرئيسية.
  • ما يميز هذا البرنامج أن إدارته تتم من قبل مجموعة شابة من الجنسين، ما منحه روحاً عصرية خفيفة وسريعة.

اقتراحات وتوصيات

من خلال تحليل ومراجعة البرامج المشار إليها، واطلاعنا على عدد كبير من الدراسات، ووقوفنا على جملة من الجوانب الهامة في صناعة الاعلام الاذاعي والتلفزيوني العربي،  نرى ضرورة وجود منهج إعلامي واضح للتعامل مع موضوع الإرهاب؛ للحساسية البالغة له، وفق ما يلي:

  • ضرورة وضع إستراتيجية إعلامية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرّف، تمثل خريطة طريق للإعلاميين من أجل التعامل مع هذه الآفة الخطيرة.
  • وجوب التزام وسائل الإعلام الموضوعية في تناولهـا للقضـايا والمشـكلات المختلفـة التي ترتبط بالإرهاب لبناء الثقة بمصداقيتها وضمان متابعتها، وبخاصة الإذاعات وقنوات التلفزيون.
  • تحديد مسؤولية وسائل الإعلام في تصحيح صورة الإسلام كونه دين السلام للعالمين كافَّة، وفضح الوجه الحقيقي للإرهاب.
  • التنسيق بين القنوات التلفزيونية العربية في إعداد برامج ذات جودة عالية لمواجهة الإرهاب.
  • يجب ألا تكون العلاقة بين الإعلام والإرهاب وأهله علاقة تكاملية وألّا يسمح للمتطرفين فكرياً باتخاذ وسائل الإعلام منابر لهم.
  • إعـداد بـرامج تدريبيـة نوعيـة لرفـع مسـتوى العـاملين فـي وسـائل الإعـلام خاصة في الإذاعة والتلفزيون في التعامـل مـع القضـايا التي ترتبط بالإرهاب ومسبباته.
  • العمل على تأهيل منتجي ومعدي ومذيعي البرامج للتعامل مع ظاهرة الإرهاب والتطرف وفق مهنية عالية.
  • وجوب الاتفاق على عمل كتيّب أشبه بدليل اليونسكو،  لكنه يعني بشكل خاص برؤيتنا كعرب ليخاطب جذور الأزمة كما نعيشها ونفهمها.

مراجع الدراسة


([1])   د. عادل عبد الرزاق مصطاف، دور التغطية الإعلامية للقنوات الفضائية العراقية في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو الإرهاب، جامعة بغداد – كلية الإعلام، وقائع المؤتمر العلمي الدولي الأول لكلية الدراسات الإنسانية، 19 – 20 أبريل 2016م.

([2]) “Speech to American Bar Association, Margaret Thatcher Foundation”, www.margaretthatcher.org, Retrieved October 5, 2015.

([3]) لالوسو مجيب، الإعلام الجديد في مواجهة تحديات الإرهاب الإلكتروني، مجلة الزهراء للدراسات العربية والإسلامية، Vol 17, No 1 (2020م)،

https://journal.uinjkt.ac.id/index.php/zahra/article/view/15452/0

([4])  صلاح الدين معاوي، الإعلام العربي في مواجهة الإرهاب، مجلة العربي، الكويت، العدد 685، 12-2015م، https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/19936

([5]) الإستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب، التحالف الاسلامي العسكري لمحاربة الارهاب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 24 فبراير، 2022م،

https://imctc.org/ar/eLibrary/Articles/Pages/article24022022.aspx

 ([6])د. إنجي أبو العزم، دور الإعلام في تغطية العمليات الإرهابية: خبرات ودروس مستفادة”، دورية بدائل، مركز الأهرام للدراسات السياسية واTستراتيجية، القاهرة، سبتمبر 2018م.

([7])  د. عادل عبد الرزاق مصطاف، مرجع سابق.

 ([8])د. عادل عبد الرزاق مصطاف، المرجع السابق.

([9]) حسن السوداني: أثر العرض البصري القائم على خصائص الصورة التعليمية التلفزيونية في عملية التعرف لدى طلبة كلية الفنون الجميلة: رسالة دكتوراه غير منشورة – جامعة بغداد، 1996، ص 11.

([10]) نزها الخوري، أثر التلفزيون في تربية المراهقين، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1997م، ص203.

([11]) حسن علوان، الإرهاب في الفضائيات العربية”، مجلة الأكاديمية العربية المفتوحة، الدانمرك، سبتمبر 2008م، ص: 114.

([12]) دراسة حول تشريعات مكافحة الإرهاب في دول الخليج العربية واليمن، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فيينا، 2009م،

https://www.unodc.org/documents/terrorism/Publications/Study_CT_Legislation_Gulf_Yemen/Arabic.pdf

([13]) الميثاق التحريري للإذاعة التونسية في التعاطي مع الإرهاب، الاذاعة التونسية، 4 أكتوبر 2016م، https://bit.ly/3V6mIXP

([14]) الإمارات: ضبطنا الخطاب الديني لمواجهة التطرف، صحيفة البيان الإماراتية، 5 ديسمبر 2014م،