الرياض عاصمة “العشرين” في قمة العام “الاستثنائي”.. إدارة سعودية لإرادة عالمية باتجاه تعافي الصحة والاقتصاد

الرياض – هيثم السيد

-أكبر اقتصادات العالم توحّد جهودها لرسم “طريق ما بعد الجائحة” في أول دورة تشهد قمتين في عام واحد.

-أول مركز إعلامي “افتراضي” يخدم الصحفيين وينقل فعاليات الحدث لملايين المشاهدين حول العالم.

بدءًا من نهايات عام 2019م وحتى قبل أسابيع قليلة، قادت المملكة العربية السعودية جهود أكبر الاقتصادات العالمية لتتخطى البشرية مرحلة نوعية من التحديات في عام استثنائي، كانت جائحة كورونا المستجد (كوفيد – 19) عنوانه الأبرز، وذلك من خلال اجتماعات قمة العشرين التي اختتمت أعمالها باجتماع القمة خلال يومي 21و22 نوفمبر عام 2020م، حيث رأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود قمة قادة العالم، عبر اجتماع افتراضي تمَّ بثـّه من خلال الوسائط الإعلامية والمرئية المختلفة، بمشاركة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز،  ورؤساء وزعماء الدول الأعضاء، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ورئيس وزراء فرنسا إيمانويل ماكرون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الصين شي جين بينغ، وقادة المنظمات الدولية والإقليمية.

كلمة الملك.. طمأنة وتحفيز

في كلمته، لفت خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى أن هذا العام كان عامـًا استثنائيـًّا حيث شكلت جائحة كورونا المستجد صدمة غير مسبوقة طالت العالم أجمع خلال فترة وجيزة، مضيفـًا أن هذه الجائحة سببت للعالم خسائر اقتصادية واجتماعية، ومؤكدًا «شعوبنا واقتصاداتنا تعاني من هذه الصدمة، إلا أننا سنبذل قصارى جهدنا لنتجاوز هذه الأزمة من خلال التعاون الدولي».

وشدد الملك سلمان على أنه مع الاستبشار بالتقدم المحرز في إيجاد لقاحات وعلاجات وأدوات التشخيص لفيروس كورونا، إلا أنه لا بد من الاستمرار في دعم الاقتصاد العالمي، وإعادة فتح الاقتصاد وحدود الدول لتسهيل حركة التجارة والأفراد، بالإضافة إلى تقديم الدعم للدول النامية، للحفاظ على التقدم التنموي المحرز على مرِّ العقود الماضية، ومواصلة رعاية الفئات الأكثر احتياجـًا والدول المنخفضة الدخل، كما دعا خادم الحرمين الشريفين إلى العمل على تهيئة الظروف التي تتيح الوصول للقاحات بشكل عادلٍ وبتكلفة ميسورة لتوفيرها لجميع الشعوب، وكذلك العمل في الوقت ذاته للتأهب بشكلٍ أفضل للأوبئة المستقبلية.

كما جدد العاهل السعودي التأكيد على ما اتفق عليه قادة المجموعة في قمتهم غير العادية في مارس الماضي بحشد الموارد العاجلة ودعم الجهود العالمية للتصدي لهذه الجائحة، واتخاذ تدابير استثنائية لدعم الاقتصادات المحلية، مشيرًا إلى واجب الدول تجاه الارتقاء لمستوى التحدي خلال هذه القمة وطمأنة الشعوب وبعث الأمل فيهم من خلال إقرار السياسات لمواجهة هذه الأزمة، مضيفـًا «علينا في المستقبل القريب أن نعالج مواطن الضعف التي ظهرت في هذه الأزمة، مع العمل على حماية الأرواح وسـُبل العيش».

وأكد الملك سلمان أن التجارة محرك أساسي لتعافي الاقتصادات، وهو ما كان وراء إقرار “مبادرة الرياض” بشأن مستقبل منظمة التجارة العالمية، بهدف تحفيز النظام التجاري متعدد الأطراف وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، كما أشار إلى أن مجموعة العشرين هي المنتدى الأبرز للتعاون الدولي وللتصدي للأزمات العالمية، مؤكدًا ثقته بأن الجهود المشتركة خلال قمة الرياض سوف تؤدي إلى آثار مهمة وحاسمة وإقرار سياساتٍ اقتصادية واجتماعية من شأنها إعادة الاطمئنان والأمل لشعوب العالم.

ولي العهد السعودي.. “قوتنا في وحدتنا”

ظلَّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، برؤيته التنموية الطموحة يتابع عن قرب، على رأس الجهود التي بذلتها فرق العمل السعودية في إنجاح هذه القمة الاستثنائية، وخلال كلمته، في ختام أعمال القمة، أكد سموه أن رئاسة المملكة لمجموعة العشرين كرست جهودها لبناء عالم أقوى وأكثر متانة واستدامة، ويتوازى ذلك مع ما تشهده المملكة من تحول اقتصادي واجتماعي كبير، مسترشدين فيه برؤية المملكة 2030م.

وأوضح ولي العهد السعودي أن المجموعة شكلت رابطـًا جوهريـًّا بين الدول العشرين، وأكدت أهمية دورها في التعامل مع القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية، مضيفـًا: “في ظلِّ  تفشي فيروس كورونا (كوفيد – 19) وتبعاته المؤثرة صحيـًّا واقتصاديـًّا واجتماعيـًّا، كان تعاوننا أكثر أهمية من أي وقت مضى، وتعاملنا معـًا في هذا التحدي بجدية تستوجبها مسؤولية صون حياة الإنسان وحماية سـُبل العيش وتقليل الأضرار الناتجة عن هذه الجائحة ورفع الجاهزية لمواجهة الأزمات المستقبلية”.

وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن قيادة المجموعة في قمتين خلال رئاسة واحدة لمجموعة العشرين تُعدُّ سابقة هي الأولى منذ تأسيس المجموعة، كما سلط الضوء على المبادرة التي قدمتها السعودية خلال هذه القمة للإسهام في “الوصول إلى أدوات التصدي للجوائح”، عبر ثلاثة أهداف هي: تشجيع البحث والتطوير والتوزيع للأدوات التشخيصية والعلاجات واللقاحات لجميع الأمراض المعدية، وتشجيع وتسهيل التمويل الدولي للتأهب للجوائح العالمية، وتدريب المختصين في الأوبئة بجميع أنحاء العالم.

“قوتنا تكمن في وحدتنا” عبارة تضمنتها كلمة سمو ولي العهد السعودي التي أكدت كذلك “أن هذه الأزمات تذكرنا بإنسانيتنا وتستنهض فينا المبادرة والعطاء”، مشيرًا إلى أن تبعات الجائحة لم توقف العمل على محاور جدول أعمال رئاسة المملكة والمتمثلة في: تمكين الإنسان، وحماية كوكب الأرض، وتشكيل آفاق جديدة، وهي المحاور التي أكد الأمير محمد بن سلمان أنها أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى من أجل تجاوز الأزمات، وتحقيق تعافٍ شامل ومستدام، وتشكيل عالم أفضل للجميع.

رؤية سعودية وطموح عالمي

تتواكب الرؤية التنموية السعودية “2030م” مع تطلعات الازدهار العالمي، وكان هذا واضحـًا في الالتقاء عند كثير من التوجهات الإستراتيجية المشتركة التي انعكست على أوراق عمل اللقاءات والنقاشات العلمية المتواصلة عبر القارات، والتي رسمت خارطة تفاعلية افتراضية لنقاش الموضوعات ذات الصلة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، ودعم البنى التحتية والأسواق المحلية والتنمية المستدامة، وتعزيز دور القطاع الخاص وحركة التجارة والاستثمار، بجانب تحسين الآليات الاقتصادية ومكافحة الفساد وتمكين المرأة، وتأهيل الشباب وتهيئتهم لسوق العمل، وتوسيع نطاق التعليم والتدريب، وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل التقنية كعامل حاسم في التحولات المؤدية إلى تسريع النمو الاقتصادي وتنويع وسائله.

اغتنام الفرص للأرض وسكانها

مثّلت استضافة السعودية لمجموعة العشرين فرصة رائدة على مستوى الخليج والعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، معبرة عن مكانة المملكة على الصعيد الدولي، وقد حملت القمة شعار “اغتنام فرص القرن الواحد والعشرين للجميع” وتمحورت عناصرها الأساسية حول ثلاث نقاط، كان أولها “تمكين الإنسان” من خلال تهيئة الظروف التي تمكن الجميع، لا سيّما المرأة والشباب، من العيش الكريم والعمل والازدهار، أما المحور الثاني فكان “الحفاظ على كوكب الأرض” من خلال تعزيز الجهود الجماعية لحمايته، خصوصًا فيما يتعلق بالأمن الغذائي والمائي والمناخ والطاقة والبيئة، بالإضافة إلى المحور الثالث وهو “تشكيل آفاق جديدة” من خلال تبني إستراتيجيات جريئة وطويلة المدى لمشاركة منافع الابتكار والتقدم التقني.

كورونا.. المحور الطارئ والأهم

لم يكن العالم يعرف شيئًا عن تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) عندما بدأت الاجتماعات الأولى لأعمال هذه القمة، ولكن فيما بعد أصبح هذا المحور الطارئ هو المحور الأهم للقمة، وكانت هذه تجربة استثنائية في حد ذاتها، وأمام ضرورة المعالجات الآنية والإستراتيجية لهذه الأزمة، لم يؤثر هذا التغير الجذري في أعمال القمة، بل على العكس تمامـًا، فقد منحها بـُعدًا جديدًا من العمل والتعاون والتنسيق لمواجهة الجائحة، حيث سيطر هذا الموضوع على العناوين الرئيسة لمجموعة العشرين، مقترنـًا بتطلعات الشعوب إلى استعادة العافية الاقتصادية والحياة الطبيعية، وقد عمل ممثلو دول الاقتصادات الكبرى من خلال هذا المحور على مساعدة الدول الأكثر احتياجـًا لتخفيف آثار الجائحة، كما تمَّ وضع إستراتيجيات تصبُّ في تعزيز أنظمة الرعاية الصحية، والتأهب للأوبئة والتهديدات الناشئة على مجال الصحة.

 قطاع الأعمال ومسؤوليات التحول

قصة نجاح سعودية تجسدت من خلال تهيئة البيئة لمجتمع الأعمال وللمسؤولين والتنفيذيين، من أجل تشكيل الصورة النهائية لهذا الحدث العالمي على مدى عام كامل، وذلك عبر لقاءاتها التي أقيمت تحت عنوان: “التحول من أجل النمو الشامل” واستلهمت خبرات المشاركين عبر الحدود والقارات، وترجمت رؤاهم وأفكارهم في (25) توصية رئيسية و(69) مقترحـًا تمَّ اعتمادها جميعـًا في البيان الختامي.

 وقد تكونت هذه المجموعة من فرق عمل ضمت أكثر من (676) شخصـًا من أكثر من عشرين دولة وأكثر من (1200) مسؤول حكومي، ناقشوا عبر أكثر من (41) لقاءً افتراضيـًّا، و(26) اجتماعـًا، و(15) نقاشـًا حواريـًّا، أبرز أولويات العالم في مجالات التحول الرقمي، والنزاهة والامتثال، إضافة إلى مستقبل العمل والتعليم، والاستدامة، والطاقة، والمناخ، التمويل والبنية التحتية، والتجارة والاستثمار.

الابتكار، كان خيارًا إستراتيجيـًّا ركزت عليه مجموعة الأعمال في التعامل بمرونة مع التحديات التي واجهتها رئاسة هذا العام بما علقه عليها العالم من آمال عريضة، وقد قدمت المجموعة تقريرًا حول «الانطلاق السريع للاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الجائحة»، كما أصدرت بيانات مشتركة كثيرة مع منظمات عالمية تدعو إلى العمل التعاوني في مختلف المجالات، فضلاً عن إقامة فعاليتين افتراضيتين ركّزتا على معالجة تأثير الوباء والتعامل مع الموجة الثانية، وعقد شراكة مع غرف التجارة والمنظمات في دول العشرين لاستضافة سلسلة فعاليات تحت عنوان: «حوار مجموعة الأعمال السعودية الدولي».

بنك الأفكار الرصيد الأثمن

كانت مجموعة الفكر المعروفة اختصارًا بـ(T20) بمثابة بنك الأفكار لإيجاد الحلول للتحديات الراهنة والمستقبلية وتقديم التوصيات للقادة بشأنها، وهي واحدة من ثماني مجموعات تشكل هيكل إدارة قمة العشرين في عام 2020م التي ترأستها السعودية، وتتولى هذه المجموعة استنتاج السياسات العامة وتسهيل عملية التواصل والتفاعل بين مجموعة العشرين، اعتمادًا على البحث العلمي والتنسيق مع الهيئات والمراكز الفكرية من أجل تلمس أكثر القضايا إلحاحـًا وفق احتياجات كل مرحلة في مختلف أنحاء العالم.

وقد شارك مركزان بحثيان سعوديان، هما مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، في أعمال هذه المجموعة التي اشتملت على (11) حلقة افتراضية ناقشت عدة محاور منها: كيفية تطوير وتعزيز الإمدادات، والاستفادة من التكنولوجيا والرقمنة، وإيجاد حلول لقضايا الطاقة والتغير المناخي، والمرأة والشباب، والتكنولوجيا والابتكار، والتعددية، والتنمية الاقتصادية، والتمويل، والأمن الغذائي، وإمكانية الحصول على المياه، وآليات مواجهة المشكلات المعقدة.

واستهدفت المجموعة من خلال حلقات العمل التي عقدتها رسم أطر لمستقبل يسوده الازدهار الاقتصادي والاستدامة والشمول لدول العالم، وكانت أبرز توصياتها تتعلق بتعزيز الاقتصاد الدائري للكربون، وتعزيز التمكين والمساواة الاقتصادية للجنسين، وتعزيز التماسك الاجتماعي من خلال السياسات والبرامج المبتكرة، وتحسين قدرة مجموعة العشرين على تنفيذ ومراقبة خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، التي اعتمدتها الأمم المتحدة على الرغم من الأزمة، كما مثلت نقاشات مجموعة الفكر قاعدة معرفية تحتوي على كثير من الدروس المستفادة التي يمكن أن تقدمها المجموعة للدول التي ستتولى رئاسة مجموعة العشرين مستقبلاً.

ضمت مجموعة الفكر (11) فريق عمل، مثلت القوام الرئيس لهذه المجموعة المعنية بتقديم المشورة في مجال البحوث والسياسات التابعة لمجموعة العشرين (G20)، وقد استقبلت هذه المجموعة في هذا العام حوالي (146) موجزًا بحثيـًّا من أكثر من (600) باحث، وهي الأعلى في استقبال البحوث المشاركة، مقارنة بنظيراتها من مجموعات الفكر المشاركة في قمم العشرين السابقة، حيث بلغت الأبحاث في دورة الأرجنتين نحو (80) بحثـًا، فيما بلغت البحوث المقدمة في اليابان (104) أبحاث.

شباب العشرين.. رهان الحاضر

يومـًا بعد يوم يتبوأ الشباب مراكز أكثر تأثيرًا في قيادة مجتمعاتهم ودولهم، وتنشأ الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تخصص لاستثمار طاقاتهم، لهذا كانوا جزءًا أصيلاً في قمة العشرين، وذلك عبر مجموعتهم المعروفة اختصارًا بـ ( Y20) والتي أدارت نقاشات بالغة الأهمية سلطت الضوء على ضرورة مشاركة الشباب في عمليات إعادة تأهيل وتطوير القوى العاملة، ونادت بأهمية إصلاح الأطر التعليمية وبناء أرضية مناسبة؛ لتجويد الخدمات وتحسين مهارات الكفاءات الشابة، إضافة إلى أهمية تطوير ريادة الأعمال، وتعزيز تمثيل القادة الشباب لبلدانهم، واكتشاف قدراتهم في صُنع القرار.

وفي مجموعة من اللقاءات الواقعية والافتراضية، أدار الشباب من دول مجموعة العشرين وخارجها، حوارات معرفية مهمة، تمخضت عن مجموعة سياسات من ضمنها خارطة طريق 2025م، والتي تلخص ما يحتاجه الشباب لمستقبل أفضل وأكثر شمولاً،  وقد حرص أكثر من (60) شابـًا من الدول الأعضاء بمجموعة العشرين على تمثيل جمهور الشباب في العالم أجمع، في مناقشة ثلاثة محاور رئيسية تمثلت في: “الجاهزية للمستقبل” الذي يشمل الاستعداد لمواكبة تحديات المستقبل والتغلب عليها، و”تمكين الشباب” الذي يركز على تنمية المهارات القيادية وإعداد القيادات الشابة في ظل عالم متغير، و”المواطنة العالمية” لحلِّ مشكلات الشباب على نحوٍ فَعّال مع الأخذ في الحسبان الاختلافات الثقافية والتنوع المرجعي.

بعد العمل لما يقارب العام على وضع تصورات عملية حول القضايا الشبابية الأكثر إلحاحـًا، تمَّ تتويج هذه الحوارات بانعقاد قمة شباب العشرين التي تمّت إدارتها على مدى (3) أيام من العاصمة الرياض افتراضيـًّا، سلّمت مجموعة شباب العشرين خلاصة أعمالها إلى قادة مجموعة العشرين (G20)، بما تضمنته من الدعوة إلى ضمان حصول الشباب على وظائف في المستقبل، وعلى تحسين بيئات العمل، كما أكدت على ضرورة إيجاد منصة مبتكرة للتعاون الدولي في هذا المجال، وقد حصلت أعمال مجموعة شباب العشرين لهذا العام على إشادات واسعة، ووصفت بتحقيقها قفزة نوعية في السياسات الخاصة بالشباب.

قمة العشرين في أرقام

لا شك في أن الأرقام هي اللغة التي يتحدثها الجميع في القمة الاقتصادية الأكبر في العالم، وقد كانت هذه النسخة من قمة العشرين زاخرة بكثير من الإحصاءات والمعلومات التي مثلت معايير لقراءة الأحداث وطريقة لامتلاك صورة عن نوعية التحديات وجهود مواجهتها، ولعل من أهمها جائحة كورونا المستجد (كوفيد–19) وما ترتب عليه من كلفة ومسؤوليات، حيث تمَّ ضخ (11) تريليون دولار في الاقتصاد العالمي خلال رئاسة السعودية لمجموعة العشرين، كما تمَّ رصد (21) مليار دولار لسدِّ الفجوة التمويلية الصحية على الصعيد العالمي، و(14) مليار دولار لتعليق ديون الدول النامية ومنخفضة الدخل خلال عام 2020م، كما تمَّ توفير أكثر من (300) مليار دولار من خلال بنوك التنمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم هذه الدول.

تـُعدُّ قمة الرياض القمة الخامسة عشرة لمجموعة العشرين، التي تأسست في العام 1999م، وتضم اليوم (19) دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وتـُعدُّ السعودية الدولة العربية الوحيدة في المجموعة التي يمثل سكانها قرابة ثلثي عدد سكان العالم، كما تستحوذ دولها على قرابة (80%) من إجمالي التجارة الدولية، وقد شهد عام رئاسة السعودية قمة العشرين أكثر من (170) اجتماعًا على المستوى الوزاري وعلى مستوى مجموعات العمل ومجموعات التواصل، وَتـَمَّ الاتفاق على أكثر من (20) بيانـًا وزاريـًّا في إطار المجموعة، بينما أشرف أكثر من (300) مختص سعودي في المجال التقني على البنية الرقمية لاجتماع القمة التي انعقدت للمرة الأولى في تاريخها عبر الوسائط الافتراضية، وبأكبر عدد من الاجتماعات التي عقدت عبر برامج الشبكات المرئية.

مواكبة إعلامية بحجم الحدث

على الرغم من الجائحة التي منعت الحضور الفعلي لقيادات مجموعة العشرين وقيّدت تحركات الوسائل الإعلامية والصحفيين الذين اعتادوا تغطية هذه المؤتمرات والقمم، إلا أن هذا لم يمنع الإعلام من مواكبة هذا الحدث الكبير بموارد بشرية ومنظومات تقنية وفنية وفرت التغطية بمختلف أنماطها المرئية والمقروءة والمسموعة، كما لم يمنع ذلك اللجان المنظمة للقمة من تجهيز مركز إعلامي متخصص في العاصمة الرياض، ظل يعمل على مدار الساعة خلال الفترة من 15 – 22 نوفمبر، واستفاد من خدماته أكثر من (250) صحفيـًّا مثلوا عددًا من القنوات والصحف والمواقع الإخبارية العالمية.

وقد طبق المركز معايير الوقاية والتباعد الاجتماعي لضمان سلامة الصحفيين، في الوقت الذي لم تنته فيه الجائحة بشكل تام، وإن كانت حدتها قد تراجعت بشكل واضح في السعودية خلال أيام انعقاد القمة، وقد رافق وجود هذا المركز إقامة موقع إلكتروني يبثُّ  التغطية اليومية المباشرة لأعمال القمة ليصبح بذلك بمثابة المركز الإعلامي “الافتراضي” ما مكّن ملايين المتابعين من الإعلاميين وغيرهم من التعرف على مستجدات الاجتماع العالمي الأهم على مستوى الاقتصاد.

فضلاً عن ذلك، وفرت المملكة خدمة مجانية للأقمار الصناعية والألياف والتوزيع الرقمي للبثِّ المباشر لقمة قادة المجموعة، بجانب الاستوديوهات التليفزيونية وشاشات العرض ومراكز التحرير وخدمات التواصل وساعات البثِّ المباشر التي ارتكزت كلها على وسائل اتصالات وتقنية متطورة اعتمدت على شبكات الجيل الخامس، وعلى (11) موقعـًا مزودًا بأعلى التغطيات اللاسلكية المثالية لعقد الاجتماعات والحوارات الافتراضية، لمساعدة الإعلاميين على أداء عملهم الصحفي والإخباري في بيئة رقمية وفنية ولوجستية متميزة.

ولم يتوقف التنظيم السعودي عند توفير الحلول الذكية للإعلاميين وللمشاركين، بل شمل كذلك الإسهام الثقافي للتعريف بالثقافة السعودية ذات التراث الغني والتنوع الحضاري والازدهار الملموس، وقد أتاح ذلك لمرتادي المركز الإعلامي من الإعلاميين من جميع أنحاء العالم أن يتعرفوا على ماضي المملكة وحاضرها وما تطمح إليه مستقبلاً في ظل رؤية 2030م.