عندما تتحول الأعمال الفنية الرقمية المعقدة والبسيطة إلى ثروات
يكسب فنانون مبالغ هائلة من الأموال من شأنها تغيير مجرى حياتهم بشكل كلي عن طريق بيع الرسوم والأعمال الفنية الرقمية من النوع الذي يطلق عليه الرموز غير القابلة للاستبدالNon-fungible token (NFT) .
ومؤخرًا سجل الفنان الأمريكي (بات مايك وينكلمان Mike Winkelmann) الملقب بـ(بيبل) رقمًا قياسيًّا عالميًّا عندما باع أحد أعماله في شكل رمز غير قابل للاستبدال بـ(69.3) مليون دولار أمريكي، والعمل وهو تجميع لرسوم ثابتة ومتحركة.
والرموز غير القابلة للاستبدال بحسب نشرة مجرة التابعة لمنصة “إم آي تي” تكنولوجي، هي نوع من الرموز المميزة التي تنطوي على استخدام سلسلة الكتل أو (البلوكشين Blockchain) لتشفيرها وربطها بأصل رقمي فريد، مثل الأعمال الفنية الرقمية أو الموسيقى أو مقاطع الفيديو، ولا يمكن إنتاج مثيل مطابق له وتشبه بذلك المقتنيات عالية القيمة.
على سبيل المثال، إذا قام منشئ المحتوى بعرض بيع قطعة فنية قائمة على الرموز غير القابلة للاستبدال، فإن المشتري سيدفع ثمنها لقاء رمز مميز يمثل الأصل، ويمكنه بعد ذلك إثبات أصالة العمل الفني وملكيته له بالاعتماد على “البلوك تشين”.
تتميز هذه الرموز عن غيرها من العملات المشفرة مثل: (بيتكوين Bitcoin) و(إيثريوم Ethereum) بأنها غير قابلة للاستبدال؛ ففي حين يمكن استبدال أي عملة بيتكوين بعملة أخرى بيتكوين، فإن الرموز غير القابلة للاستبدال تكون فريدة، ولا يمكن لرمز منها أن يمثل بديلاً مكافئًا لرمز آخر، ولذلك يتم التعامل معها باعتبارها مثل المقتنيات كلوحة فنية فريدة أو حجر كريم نادر، وهي تتضمن تفاصيل العمل الفني مثل هوية الفنان وتاريخ بيعه وهوية المشتري.
يعني هذا أنه بينما يمكن لأي شخص مشاهدة العمل عن طريق الإنترنت، لا يمكن لأحد أن يدعي ملكيته إلا مشتريه الشرعي، ويمكن إعادة بيع الرموز غير القابلة للاستبدال وتداولها ونقل ملكيتها إلى شخص آخر؛ ولكن الفنان يحتفظ بحقوق الملكية الفكرية للعمل الفني المرتبط بالرمز، وبإمكانه الحصول على عوائد كلما تم بيع الرمز، فضلاً عن ذلك تمتلك سلاسل الكتل المختلفة مثل: (Ethereum وFlow وTezos) معاييرها الخاصة لدعم هذه الرموز لتعمل على ضمان أن العنصر الرقمي المعروض فريد من نوعه.
وبالإضافة إلى عمل الفنان “بيبل” الذي أشرنا إليه، فقد بيع له عمل آخر بعنوان: “Crossroad”، يتكون من مقطع فيديو مدته (10) ثوانٍ يُظهر مشاة متحركين يمشون بجوار شخصية دونالد ترامب، وذلك مقابل (6.6) مليون دولار أمريكي في (Nifty Gateway)، وهو سوق للعملات المشفرة عبر الإنترنت للفن الرقمي.
كما تم بيع نموذج ثلاثي الأبعاد لمنزل باسم (Mars House)، تم إنشاؤه بواسطة الفنانة (Krista Kim) كقطعة من العقارات الرقمية في سوق الرموز غير القابلة للاستبدال بأكثر من نصف مليون دولار أمريكي، كما باع مغني الراب (جا رول Ja Rule) صورة رقمية لشعار شركة (Fyre Media) بمبلغ (122) ألف دولار أمريكي من خلال منصة (فليبكيك Flipkick)، وهي سوق للفن الرقمي.
وعدا عن القطع الفنية، يمكن استخدام رمز غير قابل للاستبدال في ألعاب الفيديو لتمثيل الأصول داخل اللعبة، مثل قطع الأرض الرقمية، والتي يتحكم فيها المستخدم بدلاً من مطور اللعبة الأصلي، حيث يسمح الرمز غير القابل للاستبدال بتداول الأصول في أسواق الطرف الثالث من دون إذن من مطور اللعبة، فقد سجلت شركة (Axie Infinity) بيعًا بقيمة (1.5) مليون دولار لعناوين الأرض الرقمية في فبراير 2021م.
لقد تم إنشاء أول رمز غير قابل للاستبدال في 3 مايو 2014م، بواسطة “كيفين ماكوي وانيل داش”، وأعلن عنه في مؤتمر “بنيو ميوزيوم” في نيويورك، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها وضع علامة بلوكشين غير قابلة للاستبدال مرتبطة بعمل فني فريد من نوعه، وقابلة للتداول عبر البيانات الوصفية على سلسلة من سلاسل الكتل.
وفي أكتوبر 2015م، تم إطلاق أول مشروع رمزي كامل غير قابل للاستبدال، باسم (إثيريا Etheria)، وتم عرضه في لندن، والطريف أنه لم يتم بيع معظم رموز إثيريا القابلة للشراء وللتداول البالغ عددها (457)، وظلت مهملة لمدة خمس سنوات، ثم تم بيع جميع الإصدارات في يوم واحد هو 13 مارس 2021م، بإجمالي (1.4) مليون دولار، وذلك خلال نوبة شراء عندما تجدد الاهتمام بالرموز غير القابلة للاستبدال.
الجدير بالذكر أنه في عام 2017م، بدأ “إثيروم” في اكتساب مكانة بارزة على منصات الرموز المميزة القائمة على البيتكوين، نظرًا لأنه يملك نظام لإنشاء الرموز وتخزينها في البلوكشين الخاص به، مما يلغي الحاجة إلى منصات تابعة لجهات خارجية.
في عام 2017م – أيضًا – أصدر الاستوديو الأمريكي (Larva Labs)، مشروع (Crypto Punks) لتداول الشخصيات الكرتونية الفريدة على “إثيروم”.
وفي أواخر عام 2017م، تم إطلاق مشروع آخر يسمى (Crypto Kitties) حيث يتبنى اللاعبون القطط الافتراضية ويتاجرون بها، وسرعان ما انتشر المشروع، حيث جمع استثمارًا بقيمة (12.5) مليون دولار، وبيعت بعض القطط بأكثر من مائة ألف دولار.
وفي عام 2019م، حصلت شركة (Nike) المشهورة على براءة اختراع لنظام يسمى (Crypto Kicks) يستخدم رمزًا غير قابل للاستبدال للتحقق من صحة الأحذية الرياضية وإعطاء نسخة افتراضية من الحذاء للعميل.
وفي أوائل عام 2020م، قام المعمل الذي طور مشروع القطط الافتراضية
(Dapper Labs)، بإصدار النسخة التجريبية من مشروع لبيع المقتنيات الرمزية لأبرز لاعبي اتحاد السلة الأمريكي، وقد حقق المشروع أكثر من (230) مليون دولار من إجمالي المبيعات اعتبارًا من 28 فبراير 2021م، وفي 22 مارس 2021م، باع جاك دورسي، مؤسس “تويتر” رمزًا غير قابل للاستبدال يمثل أول تغريدة له بأكثر من (2.5) مليون دولار.
وسط هذه الهوجة من الاهتمام خاصة من رجال الأعمال تقول تقارير صحفية بأن العديد من المستثمرين بدأ يرغب في دفع معدلات عالية للتأمين والترويج في رمز غير قابل للاستبدال، لأنهم يتوقعون أن يتملكوا أكبر عدد من المقتنيات وأكثرها ربحية في المستقبل، كما اقترح مستثمرون مثل “مارك كوبان” طرقًا جديدة للتعامل مع تكنولوجيا الرموز غير القابلة للاستبدال لتحقيق المزيد من الدخل من خلال ربطها بالتذاكر الرياضية وغيرها من مبيعات مرتبطة بالمناسبات التذكارية والشخصيات المؤثرة.
في العام الماضي 2020م، تزايد الاهتمام بالتعامل مع هذه الرموز وتضاعفت قيمتها السوقية ثلاث مرات، لتصل إلى أكثر من (250) مليون دولار، وقد أدى سوق المضاربة في الرموز غير القابلة للاستبدال إلى قيام المزيد من المستثمرين بالتداول بأحجام ومعدلات أكبر، ولكن بحلول منتصف أبريل 2021م هدأ جنون الشراء بشكل كبير، مما تسبب في انخفاض الأسعار بشكل كبير.