بهدف المساهمة في توفير بيئة إعلامية واعية، دعت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام في المملكة العربية السعودية إلى الابلاغ عن المحتوى المخالف بعد أن تزايدت المحتويات الشخصية التي تخص التنمر على الاخرين أو الاستهزاء بهم، ونشر معلومات مضللة أو غير صحيحة، وإظهار خصوصيات الأسرة وخلافاتها، وتصوير الأطفال أو العمالة كمحتوى يومي بأي شكل من الأشكال سواء بطريقة إيجابية أو سلبية وكذلك كل محتوى يتضمن لغة مبتذلة أو تباهي بالأموال أو السيارات أو الممتلكات الشخصية أو العمالة أو التباهي بالنسب والقبلية أو المناطقية أو عكس صورة سلبية عن القيم الأجتماعية أو الوطنية أو إثارة التنابز بالألقاب أو القبلية أو العنصرية أو الطائفية، واعتبار ذلك سلوكاً يسيء للذوق العام ويتعارض مع قيم المجتمع.
لاشك أنها خطوة هامة جداً وقفزات تنظيمية نحو حوار هادئ مدعم بالحقائق وتحمل مسئولية المخرجات في فضاء منفلت هدفه الانتشار وتحقيق الأرباح، ولتذهب كل المبادئ في مسارات الرياح!!!
المساحات او الغرف الصوتية او البثوث في وسائل التواصل الاجتماعي كانت مساحة رحبة للنقاش ولكنها لم تكن فضاء للحوار الطبيعي والتواصل البشري وتلاقح الافكار وفق معرفات ومحددات انسانية، بل كانت مساحات لفرض آراء وتوجهات تتجاوز معنى الكلمات البسيطة وتتعدى الخصوصيات والحقوق الشخصية .. وفي سبيل المال شدو الحبال !!
كانت أغلب المساحات وليس كلها عبارة عن فرد عضلات كلامية وإسهاب لساني دون حقائق، ومسرحاً للسب والشتم والتحقير والتعصب، ومجالاً سهلاً للإنقياد نحو أمور مخالفة للدين والعرف والتقاليد، ونشر الافكار الشاذة والهدامة.
الأدهى والأمرّ أن المساحات تعج بالمعرفات الرمزية والوهمية؛ مما يسمح بدخول أطراف وأعداء للأوطان والمجتمعات وقيم الأسرة من خلال إذكاء الخلافات والمنازعات والتشكيك في الذمم والقيم والاعراض والمعايير الانسانية.
الجدل دون نتيجة هو الهدف الأول لهذه الأطراف ليستمر التثبيط وعرقلة القفزات الوطنية والاجتماعية.
هذه المساحات تمكن أي شخص من الانضمام للمساحة والمشاركة فيها دون محددات عمرية أو علمية، ويغلبها كثرة المجادلات وفتح المساحات التي ترد على بعضها البعض، والشاهد على ذلك مايجري من مساحات رياضية يحكمها تشجيع الالوان والتعصب حتى لو كان على حساب الواقع والتاريخ والانسان.
اذا كان الحوار هو احد فنون الاتصال الانساني المباشر وفهم الآخر فإن المساحات والبثوث حولته الى ساحة (لصراع الديكة) نحو الشهرة والأنتشار والمال، وحرمت كثير من الناس من الأصوات الحكيمة والهادفة، وقلّت المساحات التي يشارك فيها الرواد والمثقفون والأدباء وذوي الاختصاص والقدرات الوطنية.
مع هذا التقدم التقني الهائل وسهولة التواصل سنصل الى مراحل برمجة العقول وكتابه الأفكار قبل الكلام حتى ولو قال سقراط :(تكلم حتى أراك) وجداله مع دويستوفيسكي عندما قال: “إياك أن تظن أنك عرفتني لمجرد أني تحدثت أليك”.
وإذا كان القول المأثور يؤكد “أجملوا في الخطاب تسمعوا أجمل الجواب”، فقد صادق عليه الشاعر عندما تغنى:
إن اللئيم بقبح القول تعرفه
وبالحوار طباع الناس تُكتشفُ
فن التخاطب ذوق ليس يدركه
الا كريم بحسن الخُلق يتصفُ