تقرير معهد رويترز للأخبار الرقمية 2025م
صدر تقرير الأخبار الرقمية لعام 2025م (Digital News Report)، عن معهد رويترز للأخبار، وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي العميق، وتغيّر التحالفات الجيوسياسية، ناهيك عن الانهيار المناخي واستمرار الصراعات المدمرة حول العالم.
ويُعدّ التقرير الذي يصدر سنويًّا عن هذا المعهد التابع لجامعة أكسفورد البريطانية، مرجعًا لتحليل التحوّلات التي تطال وسائل الإعلام، واستند إلى استطلاعات رأي إلكترونية أجريت على ما يقرب من مئة ألف شخص في (48) دولة.
الواقع مختلف تمامًا
بحسب الإصدار الرابع عشر من التقرير الصادر في 17 يونيو 2025م، يُفترض أن تزدهر الصحافة التحليلية والقائمة على الأدلة، مع التراجع السريع للصحف، وازدهار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتزايد استخدام الإنترنت، لكن الواقع مختلف تمامًا، ففي معظم الدول، نجد أن وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية تُكافح للوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور، مع تراجع التفاعل، وانخفاض الثقة، وركود الاشتراكات الرقمية.
فالتحول المتسارع نحو استهلاك الأخبار والمعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو يُضعف تأثير “الصحافة المؤسسية” ويُعزز من قوة بيئة إعلامية بديلة مُجزأة تضم طيفًا واسعًا من مُنشئي البودكاست، ومُستخدمي يوتيوب، ومُستخدمي تيك توك، بالتالي تتزايد قُدرة الأصوات الشعبوية حول العالم على تجاوز الصحافة التقليدية لصالح وسائل الإعلام المُقربة، و”المؤثرين” وهم نادرًا ما يتناولون قضايا مُهمة، بل بالعكس كثير منهم ينشط في الإعلان الدعائي وينشر روايات مضللة.
يُسلّط استطلاع هذا العام الضوء – أيضًا – على التحديات الناشئة في شكل منصات الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة، ففي ظل دمج أكبر منصات التكنولوجيا لملخصات الذكاء الاصطناعي وغيرها من الميزات الإخبارية، يخشى الناشرون من أن يؤدي ذلك إلى زيادة انخفاض تدفق الزيارات إلى المواقع الإلكترونية والتطبيقات، مع ذلك يبدو – أيضًا – أنه في عالم يتزايد فيه المحتوى المُصنّع والمعلومات المُضلّلة، لا يزال هناك جمهورًا واسعًا يُقدّر الأسماء الإعلامية الموثوقة ذات السجل الحافل بالدقة، حتى لو لم يعد يستخدمها بنفس القدر الذي كانت عليه سابقًا.
في السياق يركز التقرير على الفوائد المحتملة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة لتخصيص المحتوى وجعله أكثر جاذبية للشباب، كما يتناول الوضع المتغير للبودكاست مع تداخل الخطوط مع برامج الحوار المرئية، ويستكشف آفاق فرض رسوم على المحتوى الصوتي.
شبكات التواصل والأخبار
أظهر التقرير أن مستخدمي منصات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي، خاصة الشباب منهم، يستعملونها كأدوات يستقون منها الأخبار، كما أظهرت إستراتيجيات المنصات الرقمية أن أهمية الفيديو كمصدر للأخبار تتزايد باستمرار، ففي جميع الأسواق، ارتفعت نسبة مشاهدة الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي من (52%) عام 2020م إلى (65%) عام 2025م، وكذلك نسبة مشاهدة أي فيديو من (67%) إلى (75%)، وفي بعض الدول يُفضل المزيد من الناس الآن مشاهدة الأخبار على قراءتها، مما يُشجع على التحول نحو صناع الأخبار الذين يعتمدون على شخصياتهم.
يُظهر التقرير – أيضًا – أهمية البث الإخباري عبر البودكاست في الوصول إلى جمهور أصغر سنًا وأكثر تعليمًا، وتُعدّ الولايات المتحدة الأمريكية من بين أعلى النسب، حيث يُصوَّر العديد منها ويُوزّع عبر منصات الفيديو، مثل: “يوتيوب” و”تيك توك”.
في المقابل لا تزال العديد من أسواق البودكاست في شمال أوروبا خاضعة لسيطرة هيئات البث العامة أو شركات الإعلام التقليدية الكبرى، وكانت أبطأ في تبني الإصدارات المرئية.
في السياق يُعد “تيك توك” أسرع شبكة تواصل اجتماعي وفيديو نموًا، حيث زاد بنسبة (4) نقاط مئوية إضافية في أسواق الأخبار، لكن في الوقت نفسه، يرى الناس في بعض البلدان أن هذه المنصة تُمثل أحد أكبر التهديدات فيما يتعلق بالمعلومات الكاذبة أو المضللة، إلى جانب فيسبوك، الذي لطالما كان مصدر قلق عام واسع النطاق.
ويؤكد المعدّ الرئيسي للتقرير “نيك نيومان” (Nic Newman) ، أن ازدهار النموذج المتمثل بعرض الأخبار ضمن مقطع فيديو مع تولّي شخصية مشهورة تقديمها، يمثّل “تحديًّا كبيرًا” لوسائل الإعلام التقليدية، ويوضح أن مقاطع الفيديو “تقدّم فوائد تجارية محدودة لوسائل الإعلام”، إذ أن استهلاك الأخبار يتم بشكل أساسي عبر المنصات بدل مواقعها الإلكترونية التي تشكل مصدر دخلها.
وبشكل عام، أعرب أكثر من نصف عينة البحث (58%) عن قلقهم بشأن قدرتهم على التمييز بين الصحيح والخاطئ فيما يتعلق بالأخبار على الإنترنت، وهي نسبة مماثلة للعام الماضي، ويُسجل القلق أعلى مستوياته في إفريقيا (73%) والولايات المتحدة الأمريكية (73%)، بينما يُسجل أدنى مستوياته في أوروبا الغربية (46%).
آراءً متباينة تجاه الذكاء الاصطناعي في الأخبار
في مقدمة التقرير، قالت مديرة معهد “رويترز” لدراسة الصحافة ميتالي موخيرجي (Mitali Mukherjee)، “تُستخدم روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمرة الأولى كمصدر للأخبار”، حيث يؤكد ذلك نيومان، فيقول: “إن روبوتات المحادثة والواجهات الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي تتزايد كمصدر للأخبار، حيث تُدمج محركات البحث والمنصات الأخرى الأخبار الآنية والعاجلة، لكن لا تزال هذه الأرقام ضئيلة نسبيًّا إجمالًا (7%) يستخدمون الأخبار أسبوعيًّا، لكنها أعلى بكثير لدى من هم دون سن الخامسة والعشرين (15%).
ومع سعي العديد من الناشرين إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين تخصيص محتوى الأخبار، نجد آراءً متباينة من الجمهور، إذ يخشى بعضهم من تفويت بعض الأخبار المهمة، وفي الوقت نفسه، هناك سعي لجعل الأخبار أكثر سهولةً وأهمية، بما في ذلك التلخيص (27%)، وترجمة الأخبار إلى لغات مختلفة (24%)، وتحسين توصيات الأخبار (21%)، واستخدام روبوتات الدردشة لطرح الأسئلة حول الأخبار (18%)، وعلى الرغم من هذا الاستخدام الناشئ، لا يزال المشاركون عموما “متشككين في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأخبار، ويفضّلون مواصلة البشر تأدية دورهم”، إذ يخشون أن تكون المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي “أقل شفافية” و”أقل جدارة بالثقة”.
وفق نيومان قد تُشكّل هذه البيانات مصدر طمأنينة للمؤسسات الإخبارية التي تأمل أن يزيد الذكاء الاصطناعي من قيمة الأخبار التي يُنتجها البشر، ولتحقيق ذلك، نجد أن المصادر الإخبارية الموثوقة، بما في ذلك المصادر الإخبارية للخدمة العامة في العديد من البلدان، لا تزال أكثر المصادر التي يلجأ إليها الناس للتحقق من صحة أو خطأ شيء ما على الإنترنت، إلى جانب المصادر الرسمية (الحكومية)، وينطبق هذا الوضع على مختلف الفئات العمرية، مع أن الشباب أكثر ميلًا، مقارنةً بالفئات الأكبر سنًا، لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحقق من المعلومات، بالإضافة إلى روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي.
في السياق ذاته، يُعد إجمالي عدد المشاركين الذين يقولون إنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي أسبوعيًّا للحصول على الأخبار “منخفضًا نسبيًّا” (7%)، بحسب التقرير؛ لكن هذه النسبة “أعلى” لدى الشباب، إذ تصل إلى (12%) لدى من تقل أعمارهم عن (35) عامًا و(15%) لدى من هم دون الخامسة والعشرين.
ومن بين هذه الأدوات، كان برنامج “تشات جي بي تي” الأكثر استخدامًا كمصدر للأخبار، متقدّمًا على “جيميناي” من شركة “غوغل” و”لاما” من “ميتا”، ويرى المشاركون في الاستطلاع أن هذه الأدوات مفيدة لتلقّي كل مستخدم الأخبار التي تهمّه وتتناسب مع متطلباته.
في خضم ذلك تُظهر المعطيات أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي ووسائل الإعلام ما زالت في الوقت الحالي علاقة تكاملية أكثر منها تنافسية، إذ يستخدم الصحافيون “تشات جي بي تي” وغيره من البرامج كمساعدة تقنية لتطوير أعمالهم أو تسريع إنجاز المهام مثل التدقيق اللغوي، دون أن تحل محل الصحافة الميدانية أو الخبر الموثوق؛ ولتحقيق عائدات، اختارت بعض وسائل الإعلام إبرام اتفاقيات مع الشركات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي، وفي المقابل رفعت أخرى دعاوى قضائية بسبب انتهاك هذه البرامج حقوق الطبع والنشر.
تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية
على نطاق أوسع من مسألة الذكاء الاصطناعي، يقدّم التقرير الاستنتاج العام نفسه الذي توصّل إليه في السنوات السابقة: “تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية (التلفزيون، الإذاعة، الصحف المطبوعة، مواقع الإنترنت،… إلخ) لصالح وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو”.
والجدير بالذكر أن معهد رويترز لدراسة الصحافة، هو خلية التفكير التابعة لجامعة أكسفورد، ويهتم بالأمور التي تؤثر على وسائل الإعلام الإخبارية في مختلف أرجاء العالم، وقد تم تأسيس المعهد في إدارة السياسات والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد في عام 2006م، من أجل تنفيذ الأبحاث العلمية والاحترافية المتعلقة بوسائل الإعلام الإخبارية وإدارة برنامج زمالة طومسون رويترز، فضلًا عن استضافة زملاء الأبحاث الأكاديميين.