لا أحد ينكر تأثير الصورة في إبراز المعاني وسرعة إيصالها للمتلقين إليها، سيما وإن كانت في سياق حدث هام وجلل وعفوية، فهي للمتلقي موضع اهتمامه وتلتقط ناظريه فورًا، وتكّون لديه حسّا تفاعليًّا مع الحدث نفسه، وهو الأمر الذي حدث مع الوكيل رقيب بالبحرية السعودية أمل العوفي، فكواليس صورتها التي تصدرت العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها حاملة رضيعة على متن سفينة إجلاء سعودية من السودان، مما جعل كثير من الخبراء الإعلاميين يذهبون في رأيهم بأن الصورة ذاتها حققت للسعودية دعمًا إيجابيًّا لأنها تعبر بشكل تلقائي عن إنسانية المواطن السعودي وعن دور المرأة المتنامي في المملكة.
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، قال في كلمة وجهها لمصور الصورة نزار معتوق: “صورة واحدة تغني عن آلاف المواضيع والمقالات وتقارير وسائل الإعلام، أنت خدمت صورة بلدك”، في حين قال المصور: “كل إعلامي ومصور سعودي، عين لتوثيق مسيرة هذا البلد، في العطاء والإنسانية”.
وبحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية، فقد شملت عمليات الإجلاء المبرمجة عبر البحر عشرات المواطنين السعوديين وإجلاء آلاف الأشخاص ممن ينتمون لـ(80) جنسية أخرى.
ما يهمنا ونحن نتابع أصداء تلك الصورة المؤثرة أن نؤكد بأن المملكة العربية السعودية ومع تراكم الخبرات الدبلوماسية لديها في حل النزاعات والوساطات وعمليات الإجلاء في الكوارث والأزمات، قد استطاعت أن تُسخر أداوتها في ممارسة القوة الناعمة من كوادر بشرية هائلة ومنجزات حضارية ومواكبة عصرية لمتغيرات العالم، وأن تبرهن للعالم ومن خلال ما حدث في السودان ويحدث في غير السودان بأنها تتعامل مع كل حدث على أنها دولة فاعلة وقوية، رسالتها سامية، وللإنسان كرامته مهما كان جنسه،أو ديانته،أو جنسيته أو عرقه.
كما أن المملكة العربية السعودية، هي رائدة العمل الإغاثي والإنساني العابر للحدود من منطلق وبواعث الشريعة الإسلامية السمحة التي انطلقت للعالم كله من هذه الأرض المباركة (السعودية)، والإمكانات الهائلة التي سخرتها قيادة وحكومة المملكة لنجدة الشعوب المنكوبة والنهج الدبلوماسي الوازن الذي تبنته بعيدًا عن الحروب والمنازعات.
إن من ينظر للمسار الدبلوماسي السعودي في العهد المعاصر يجد بأنه لا يحيد عن الصدارة في الساحات السياسية الإقليمية والدولية، وذلك من خلال المشاركة والانخراط في التحالفات الدولية الكبيرة اقتصاديًّا وسياسيًّا وإنسانيًّا، كما أنها تهب للوساطة الدبلوماسية بين الأطراف المتنازعة، وهو ما حدث مع الفرقاء في السودان، ومن قبل مع الفرقاء في اليمن وسوريا ولبنان، وغيرها من الدول التي تشهد صراعات داخلية عميقة، إذ تأمل السعودية من وراء الوساطة حماية السلم والأمن الدوليين، وعدم استفحال ظواهر اللاجئين والجرائم العابرة للحدود، فعين السعودية دائمًا على السلام وليس دونه.
وقد جاءت رؤية (2030م) محفزة على صناعة صورة تفاعلية تجوب العالم وتنقل عن السعوديين حرصهم الشديد على تنفيذ رؤى قيادية طامحة لبلوغ معارج العلا، ففي المنتدى السعودي للإعلام في دورته الثانية، ومنتدى الرياض الدولي الإنساني الثالث، والتي احتضنت فعاليتهما مدينة الرياض، فقد أبدى العديد من الخبراء المشاركين بأن رؤية (2030م) أعطت دفعة قوية لإبراز مكامن القوة غير المرئية في المملكة، وأظهرتها للعالم خلال السنوات الماضية، مشيرين إلى أن تبني المملكة لقيم واضحة ومباشرة وفتح أبوابها للعالم كان تأكيدًا لقواعد السياسة السعودية الثابتة، والتي أسهمت بقوة في تعزيز الصورة الذهنية عن السعودية وتقليص الأخبار المعادية، الأمر الذي أدى إلى تعظيم صورة المملكة في العالم من خلال كفاءة رؤية (2030م).
وأكد محللون أن من أهم القطاعات التي كان لها دورًا كبيرًا في تعزيز النظرة الإيجابية عن المملكة في العالم هو الخطط الطموحة ومواجهة المستقبل وتمكين المرأة السعودية، وتعظيم دور جيل الشباب، فضلاً عن ظهور المواهب السعودية والمؤثرين في مواقع الإعلام الجديد، متوقعين استمرار اضطلاع “رؤية 2030م” وقصصها المتنوعة بدور محوري في التغطية المستقبليّة للمملكة.
وختامًا ما أود أن أؤكد عليه بأن الصور تثير مواطن التحفيز في مراكز العاطفة في دماغنا، وتؤثر فينا بطريقة عميقة وشديدة الإيجابية، وعليه لا بد من إدراك مدى فاعلية الصور في نقل الرسائل والأفكار بطريقة تسهل فهمها وتجعلها أكثر إقناعًا وإمتاعًا.
وهذه الغاية حققتها زاوية صورة المجندة السعودية، وقد أثرت بشكل إيجابي على العديد من متابعي مواقع التواصل بمختلف لغاتهم، وعززت قيم التراحم والتعاون والمحبة وصولاً إلى السلم والأمن الدوليين، كما عكست تلك الصورة جهود المملكة العربية السعودية ودورها الريادي والدائم في تقديم المساعدات الإنسانية لجميع الدول خلال الأزمات.
كما أن في النجاح الباهر الذي حققته تلك الصورة بعدسة المصور السعودي درس بليغ لكل القائمين على أجهزة الإعلام الوطنية في دولنا العربية والخليجية، إذ ربما إنتاجية بروح وطنية مخلصة، ومهارة إعلامي وطني مخلص تغني عن صرف الأموال الطائلة في تمويل حملات الإعلام الخارجية الإقناعية عن واقعنا ونظرتنا المستقبلية، وإصرارنا على مشاركة العالم أجواء السلام والانفتاح والتعايش مع كافة الحضارات والشعوب الإنسانية الثرية بتنوعها الثقافي والديني والاجتماعي.