صحافة البيانات لها جذور منذ عام 1950م، وقد عرفت بما يسمى بـ: “كتابة التقارير بمساعدة الحاسوب (CAR)” ثم تطور العمل الصحفي ليواكب تطورات العصر، مما أسهم في ظهور ما نطلق عليه الآن مصطلح “صحافة البيانات”.
وفي العالم العربي تحديدًا ظهرت صحافة البيانات في عام 2016م، على يد الصحفي المصري “عمرو العراقي” وهو مؤسس أول موقع متخصص في صحافة البيانات، وناشر لأكثر من (300) قصة صحفية مدفوعة بالبيانات، وقد كانت صحافة البيانات تظهر بشكل متكرر في المؤتمرات وفي الصحف الأكاديمية بدءًا من النصف الثاني من عام 2010م.
ويُعدُّ موقع “إنفوتايمز” لمؤسسه عمرو العراقي الأشهر في منطقة الشرق الأوسط، حيث ينشر أكثر من (300) رسم بياني غرافيكي و(29) رسم تفاعلي و(25) فيديو في (16) اختصاصـًا معرفيـًّا من مجالات الحياة العامة والعلوم، ويُعدُّ موقع “إنفوتايمز” وكالة حديثة في مصر لتصميم البيانات وعرضها في صورة بصرية تقوم على فلسفة واحدة وهي أن البيانات خُلقت للنشر.
وتتمثل مهام موقع “إنفوتايمز” في الوقت الراهن في تحسين مهارات الصحفيين العرب، ورفع وعي الصحافة العربية بأهمية صحافة البيانات، وكيف يمكن للصحفيين استخدام مجموعات البيانات وجداول البيانات، وقد أطلق هذا الموقع المتخصص في صحافة البيانات قسمـًا خاصـًّا يتيح من خلاله لمصممي وصحفيي البيانات أن ينشروا موضوعاتهم، إن كانت بصيغة تصاميم الإنفوجرافيك، أو ملفات وخرائط تفاعلية.
وفي الخليج تعتبر صحيفة “أبعاد” الإلكترونية (www.abaadnews.com) الأولى في استخدام صحافة البيانات والذكاء الاصطناعي، إذ بدأت مشوارها في 26 مايو 2019م، بحيث تستخدم تحليل البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى الصحيفة.
في كثير من الأحيان يتمُّ استخدام مصطلح البيانات والمعلومات بالتبادل كمترادفين على الرغم من اختلاف معنى كل منهما، فالبيانات هي المادة الخام لأي عمل صحفي وتأخذ عادة شكل أرقام أو معطيات أولية يمكن جمعها حول موضوع محدد وهي نادرًا ما تكون مفيدة بمفردها، أما المعلومات فتختلف كليـًا عن البيانات إذ هي نتاج عملية تحليل وهي المرحلة التي يصل إليها الصحفي بعد الاطلاع على البيانات وتنظيمها وتحليلها.
يقول “فيليب ماير” الأستاذ غير المتفرغ بجامعة “شابل هيل” بأمريكا عن صحافة البيانات: “إنها مهمة لتصفية تدفق البيانات، فعندما كانت المعلومات شحيحة كانت كل جهودنا مكرسة لصيد الخبر وجمعه، أما الآن ومع وفرة المعلومات أصبحت معالجة الخبر نفسه أمر أكثر أهمية، ويتمُّ معالجة الخبر على مستويين: الأول تحليل لإيجاد معنى ووضع هيكلة لسيل البيانات غير المتناهي، والثاني عرض الخبر للحصول على ما هو مهم وذو صلة بالمستهلك، تشبه صحافة المعلومات العلوم، فهي تكشف أساليب عملها وتعرض استنتاجاتها بطريقة يمكن التحقق منها عن طريق تكرار الأساليب نفسها”.
وقد تم عقد مؤتمرين عربيين تحت عنوان: “من أجل صحافة بيانات متعمقة”، في مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2018م، و”صحافة البيانات في غرف الأخبار العربية عام 2019م” بمقر الجامعة البريطانية في القاهرة.
وتُعدُّ صحيفة “الجارديان” البريطانية التي أطلقت في 2009م، ما أسمته “مدونة البيانات” أول مؤسسة إخبارية كبرى تبنت هذا المفهوم، ومع ذلك يحيط الغموض اسم أول من استخدمه، علمـًا أنه استخدم على نطاق واسع منذ كشف موقع “ويكيليكس” عن الوثائق الأمريكية المتعلقة بحرب أفغانستان.
خارطة عمل صحافي البيانات
تتسم خطوات العمل الصحفي لإعداد قصة صحفية مدفوعة بالبيانات سلسلة متتابعة من الخطوات المترابطة بدءًا من اختيار الفكرة ثم تصميمها حتى نشرها للقراء، وتحتاج كل مرحلة إلى مهارات محددة من الصحفي، منها:
1-اختيار الفكرة، وتحديد الرسالة الرئيسة، فجلسات العصف الذهني مع فريق العمل تساعد في تحديد الأفكار الجيدة، وتحديد الجمهور المستهدف، فكلما تمكنت من تحديد القارئ المستهدف كلما تمكنت من تحديد حجم البيانات وطبيعتها.
2- جمع البيانات وتحليلها، كلما كانت الفكرة أكثر تحديدًا والجمهور المستهدف أدق تفصيلاً كلما ساعد ذلك في عملية البحث عن البيانات وتحليلها من خلال البحث عن الترابط والعلاقات بين البيانات لجعلها أكثر تشويقـًا، كما أن ترتيب سياق القصة الصحفية بتسلسل يُسهم في إيصال الرسالة المحددة.
3-تصميم البيانات، رسم الهيكل الأساسي من خلال جمع البيانات ذات الصلة ووضع هيكل لعرضها باستخدام الأسهم وتحديد الاتجاهات وتوضيح علاقة بعضها البعض، وانتقاء الألوان يساعد في تسليط الضوء على النقاط المهمة، والخطوط – أيضـًا – في تصنيف المعلومات لأجزاء سهلة القراءة، مع الحذر من كثرة استخدامها لتجنب إرباك القارئ، واخيرًا الرموز أو العناصر البصرية لابد من اختيارها بعناية، فمن المهم أن تكون الرموز واضحة وتتناسب مع ثقافة الجمهور المستهدف.
4-مرحلة النشر؛ وهي المرحلة الأخيرة من القصة الصحفية، فالعنصر التشويقي مهم في العنوان أو مقدمة القصة الصحفية، لأنها تكشف للقارئ مدى أهميتها، وتوقيت النشر عنصر مهم لجذب القارئ فكلما ارتبطت القصة بالأحداث الجارية كلما ارتفعت نسبة مشاهدتها.
وهناك جدل كبير أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مصادر موثوقة من عدمه، لكنها بطبيعة الحال هي مساحة يمكنك من خلالها الاطلاع على آراء الناس، لكن لا تعتمد على أرقام تمَّ تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن تعود لأصلها، مهما كان منصب الشخص الذي نشر المعلومة، فالدور الذي يمكن أن تؤديه مواقع التواصل الاجتماعي يسهل عليك الالتقاء بأشخاص لديهم الاهتمام بالمجال نفسه الذي تكتب عنه، أو أشخاص لديهم اطلاع على مستجدات كثيرة قد تطلب التواصل معهم وتستفيد من خبرتهم، وبعضهم قد يكون أكاديمي لديه أبحاثه الخاصة التي قد تفيدك.
صحافة البيانات .. مـَن يعلق الجرس؟
عمرو العراقي: لابد للصحفيين من مطالبة مؤسساتهم باستخدام صحافة البيانات
عمرو العراقي صحافي مصري عمل على نشر أكثر من (300) قصة صحفية مدعومة بالبيانات، وفي عام 2012م، انطلق للعمل الحر وأسس أول موقع متخصص في صحافة البيانات في العالم العربي (Infotimes)، عمل العراقي لأكثر من عشر سنوات في غرف الأخبار الكبرى في موقع (MBC) وموقع (yahoo)، كما أسهم في تدريب عدد من الصحفيين على تصميم البيانات بالتعاون مع (BBC Media Action) وشبكة (Internews Europe). . !
وبادئ ذي بدء سألنا عمرو العراقي .. كل هذا الشغف توجته بمؤتمر دولي يقام سنويــًّا في القاهرة تمَّ إلى الآن إقامة دورتين منه، ما مدى استفادة الصحفيين من هذه اللقاءات السنوية؟
أجاب: المؤتمر العربي لصحافة البيانات في دورتيه الأولى والثانية، والذي نظمناه بشكل متتابع حيث أقيم المؤتمر الأول في مارس عام 2018م، وتبعه المؤتمر الثاني في مارس عام 2019م، ما نطمح إليه في الدورة الثالثة من المؤتمر المزمع انعقاده في مارس 2020م، هو أن يضم المؤتمر مجموعة من المتخصصين بحجم أكبر من العالم العربي، ونسعى أن يكون هناك عامل تأثير للمؤتمر.
لقد عُقد المؤتمر في دورتين سابقتين، وكان الهدف منهما إيجاد حالة من الوعي بأهمية صحافة البيانات، لذا فإن خطتنا ورؤيتنا للمؤتمر القادم أن نصنع تأثيرًا أكبر يتخطى إطار الوعي ويصل بنا إلى مرحلة الإنتاج والتنفيذ، وأيضـًا يسعى المؤتمر القادم إلى عقد جلسات عملية وحوارية، وإعطاء مساحة للتطبيق، وإنتاج قصص صحافية مدفوعة بالبيانات في العالم العربي، كما نأمل أن ينضم إلينا شركاء من المنطقة العربية سواء كانوا غرف أخبار أو مؤسسات شريكة تقدم خدمات لها علاقة بالتعامل مع البيانات أو إنتاج أدوات تسهل عملية تحليل البيانات ومعالجتها للصحفيين والباحثين.
هناك نقطة جدلية أخرى نتطلع إلى تعرّف رأيك حولها، وهي وجود تشابه بين صحافة البيانات والصحافة الاستقصائية.
في رأيي لا يوجد فرق بين أنواع الصحافة، أنا من الأشخاص الذين يميلون إلى أن تكون هناك مصطلحات كثيرة منشقة من الصحافة، مثل: “صحافة الموبايل، صحافة الفيديو، صحافة البيانات، صحافة الإنسان، والصحافة الاستقصائية”، في النهاية أنا أنظر إلى أن العمل الصحفي هو عمل صحفي مهما كانت الآلية والوسيلة التي يتمُّ من خلالها نشر هذا العمل.
ثم أن الصحافة مهمتها العثور على القصة ثم سردها للجمهور، وليس هناك اختلاف بين صحافة البيانات والصحافة الاستقصائية، كلاهما يتّبعان نفس المنهجية بوضع فرضية للتحقق منها، لكن ما يجعل صحافة البيانات مختلفة قليلاً أو نسبيـًّا هو أن المصدر الأساس للقصة الصحفية هو البيانات، والصحفي الاستقصائي يتبع منهجية بالبحث للوصول إلى أدلة تثبت فرضيته، وأيضـًا صحفي البيانات يتبع منهجية تقوم على البحث، لكن كلاهما يتبع مصدرين مختلفين الصحفي الاستقصائي يعتمد على العنصر البشري أكثر من صحفي البيانات الذي يتعامل مع الجداول والأرقام، وهناك دمج كبير بينهما بخاصة أن كل القصص العالمية الاستقصائية التي تمـَّت خلال الأعوام الثلاث الماضية قائمة على البيانات (وثائق بنما) وغيرها من التسريبات أو القصص الصحافية الاستقصائية التي كانت مبنية في الأساس على حجم ضخم من البيانات.