في «الصحافة الروبوتية» (Robot journalism) أو «صحافة الروبو» (Robo journalism)، أو «الصحافة المؤتمتة» (Automated journalism) والمعروفة − أيضًا − باسم «الصحافة الخوارزمية» (Algorithmic journalism) تنتج الأخبار بوساطة برامج الذكاء الصناعي، بمعنى أن ذلك يتم تلقائيًّا بوساطة الآلات بدلاً من المراسلين البشريين، حيث تقوم هذه البرامج بتفسير البيانات وتنظيمها وعرضها بطرق يمكن قراءتها بوساطة الإنسان.
في العادة تتضمن عملية الأتمتة الصحفية خوارزمية تقوم بمسح كميات كبيرة من البيانات المتوافرة، وتختار من مجموعة متنوعة من تراكيب المقالات المبرمجة مسبقًا والنقاط الرئيسية للأوامر، ثم تقوم بإدراج التفاصيل، مثل: «الأسماء، والأماكن، والمبالغ، والتصنيفات، والإحصاءات وغيرها من معطيات»، كما يمكن
− أيضًا − تخصيص العرض الصوتي ليلائم صوتـًا أو نغمة أو أسلوبًا معينـًا للقراءة.
ويعمل عدد من شركات علوم البيانات والذكاء الصناعي، مثل:
(Automated Insights)، و( Narrative Science، وYseop) بتطوير هذه الخوارزميات وتقديمها إلى المؤسسات الإعلامية التي أصبح بعضها يعتمد إلى حدٍّ كبير على هذه التكنولوجيا في إنتاج التقارير والقصص الإخبارية.
في عام 2006م، أعلنت «طومسون رويترز» عن تحولها إلى التشغيل الآلي لإنتاج قصص إخبارية مالية على نظامها الإخباري عبر الإنترنت، ومنذ عام 2016م، برز عدد من المؤسسات الإعلامية العملاقة التي أدخلت تكنولوجيا الصحافة الروبوتية في عمليات الإنتاج وعلى رأسها وكالة «أسوشيتد برس» وصحف «لوس أنجلوس تايمز «، و»نيويورك تايمز»، و»واشنطن بوست»، و»هيئة الإذاعة البريطانية»، ومجلة «فوربس» وغيرها.
ومن النجاحات المثيرة في هذا المجال أن صحيفة «تشاينا دايلي» الصينية استخدمت روبوت أطلقت عليه اسم «شياو نان» (Xiao Nan)، وأنتجت به أول مقالة صحافية ليصبح أول صحافي روبوت رسميًّا في العالم يتمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليه، وهو قادر على كتابة مقالات صحافية بمعدل (300) رمز كتابي في ظرف ثانية واحدة فقط.
ووفقـًا للبروفسيور «لوان شياو جون»، الأستاذ بجامعة بكين الذي قاد فريق دراسة هذا الروبوت وتطويره، فإن «شياو» قادر على كتابة القصص القصيرة والتقارير الطويلة, وأنه بالمقارنة مع المراسلين البشريين، فإنه يمتلك القدرة على تحليل البيانات بشكل أقوى، فضلاً عن تفوقه عليهم في سرعة كتابة القصص الإخبارية.
وقد بدأت وكالة «الأسوشيتد برس» الأمريكية للأنباء في أتمتة صناعة المحتوى الأخباري في عام 2013م، بجمع المعلومات، وإنتاج القصص الصحفية، وهي تستخدم حاليًا نظام الأخبار (News Whip) لاستباق القصص الإخبارية التي تنشرها وسائل الإعلام الاجتماعية.
شركة «غوغل» من جانبها تعمل على دفع مشروعها الخاص بصحافة الروبوت إلى الأمام, ففي يونيو 2017م أعلنت وكالة الأنباء الوطنية في المملكة المتحدة «برس أسوسيشين» (Press Association) أنها تلقت مبلغ (706) ألف يورو لمبادرتها التي أطلقت عليها اسم «رادار» (RADAR) (Reporters And Data And Robots) من مبادرة «غوغل للأخبار الرقمية» (DNI) (Google’s Digital News Initiative) حيث ستتولى أجهزة الكمبيوتر مهمة كتابة (30) ألف قصة صحفية شهريًّا لوسائل الإعلام المحلية في إنجلترا وإيرلندا في إطار برامج دعم مشاريع تطوير رقمنة الصحافة في أوروبا.
وتقول «كورينا أندروود» في مقال نشرته بموقع «تكنوايمرجنس» في مطلع هذا العام 2018م: إن موقع «ياهو» العملاق اعتمد في تغطيته لأخبار الرياضة على الصحافة المؤتمتة، لذلك كانت صحافة الروبوتر تركز على أخبار الرياضة والتمويل.
وعلى الرغم من تراجع الشركة خلال العشر سنوات الأخيرة وبيعها لشركة الاتصالات العملاقة «فيريزون» (Verizon)، إلا أن موقع «ياهو» مازال يحظى بمتابعة هائلة، وهو يدعي بأنه من خلال توليد محتوى من المقالات والتقارير ورسائل البريد الإلكتروني مع معلومات عن فرق رياضية معينة أو فرق رياضية خيالية، فإنه قادر على إصابة عصفورين بحجر واحد كما يلي:
أولاً: تجذب «ياهو» القراء للبقاء لوقت أطول مع مادة إعلامية غنية تعتمد على المعلومات الرياضية.
ثانيًا: يبحث المعلنون بفارغ الصبر عن المواد الجاذبة، ويرغبون في إنفاق مزيد من الأموال على الإعلانات التي ستزيد من عدد المشاهدين.
في اليابان تعاونت صحيفة «شينانو ماينيتشي شيمبون» (The Shinano Mainichi Shimbun) مع شركة «فوجيتسو» (Fujitsu)، أكبر شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات في اليابان لتطوير نظام روبوتي ينتج تلقائيًّا مئات الملخصات لمقالات إخبارية، وذلك في وقت وجيز جدًّا لنشرها عبر مجموعة من المنصات الإعلامية، وهي مهمة كانت تستغرق ما يصل إلى خمس دقائق لكل مقالة.
تطبيق آخر تستخدمه هيئة الإذاعة البريطانية منذ عام 2012م، وهو عبارة عن أداة لاستخلاص البيانات باسم (Juicer) تقوم بمراقبة خلاصات الأخبار (RSS) من حوالي (850) منفذ إخباري عالمي ومقتطفات من مقالات إخبارية من الـ»بي بي سي» نفسها, ثم تقوم الأداة بتحديد العلامات الدلالية إلى القصص الإخبارية وتنظمها في واحدة من أربع فئات: «المنظمات، والمواقع، والأشخاص والأشياء», وهي بذلك تساعد الصحفي الذي يبحث عن أحدث القصص، على سبيل المثال عن الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» أو المقالات المرتبطة، بعدها تقوم الأداة الروبوتوية بالبحث السريع في شبكة الإنترنت لتقدم قائمة بالمحتويات ذات الصلة بموضوع البحث.
في عام 2015م، طبقت «نيويورك تايمز» مشروعها التجريبي للذكاء الصناعي المعروف باسم المحرر (Editor) وقد كان الهدف من المشروع تبسيط العمل الصحفي، فعند كتابة مقالة مثلاً: يمكن للصحفي استخدام علامات الدلالية لتمييز عبارة ما، أو عنوان، أو نقاط رئيسية في النص، وبمرور الوقت يمكن للكمبيوتر التعرف على هذه العلامات، وبالتالي تعرّف الأجزاء الأكثر أهمية من أي مقال، وذلك من خلال البحث في البيانات المختلفة واستخراج المعلومات استنادًا إلى الفئات المطلوبة، مثل: «الأحداث والأشخاص والمواقع والتواريخ»، بحيث يمكن للمحرر تسهيل الوصول إلى المعلومات، وتبسيط عملية البحث وتوفير الفحص السريع والدقيق للحقائق.
كذلك استخدمت صحيفة «واشنطن بوست» الروبوت مبكرًا في إنتاج الأخبار وتوزيعها عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في دورة الألعاب الأولمبية في «ريودي جانيرو» عام 2016م، بوساطة نظام «هليوغراف» (Heliograf)، الذي تم تطويره داخليًا، وهو ينتج تلقائيًّا تحديثات قصيرة للأخبار، وقد استمرت الصحيفة في استخدام النظام الروبوتي في صناعة الأخبار في مواضيع مختلفة.
في نفس عام 2016م، عملت «رويترز» مع شركة «غرافيك للتكنولوجيا الدلالية» لتزويد ناشري الأخبار بمجموعة واسعة من بيانات «الإنفوغرافيك» التفاعلية المجانية لمجموعة متنوعة من الموضوعات بما في ذلك الترفيه والرياضة والأخبار، وهذه المواد التفاعلية يتم تحديثها في الوقت الفعلي، حيث يمكن الوصول إليها عبر منصة «رويترز» (Open Media Express).
كذلك أطلقت صحيفة «الغارديان»، في العام 2016م نفسه، برنامجًا روبوتيًّا باسم «شاتبوت» (Chatbot) يعمل من خلال منصات «فيسبوك» لتوفير الوقت للاطلاع على المقالات الإخبارية أو البحث عنها، وهو يسمح للمستخدمين بالاختيار من النسخة الأمريكية والبريطانية والأسترالية لمتابعة الأخبار وعناوين الموضوعات المختلفة في الرياضة والفنون والاقتصاد والتكنولوجيا، حيث يُعدُّ تمثيل البيانات طريقة فعالة لتقديم معلومات معقدة في شكل سريع القراءة وسهل الفهم.
وينظر إلى الصحافة الروبوتية في بعض الأحيان على أنها فرصة لتحرير الصحفيين من عمليات إنتاج التقارير الروتينية، مما يوفر لهم مزيدًا من الوقت للقيام بالمهام المعقدة، كما أنها تخفض التكاليف وبعض الأعباء المالية التي تواجهها العديد من المؤسسات الإخبارية، وبعض هذه المؤسسات كأنه يرسل رسالة للصحفيين يقول لهم فيها: إن أولئك الذين لم يطوروا أنفسهم سوف ينتهون، وسيسحقهم الروبوت، فهو أكثر إنتاجية وأكثر دقة، كما أنه لن يمرض، ولن يطالب بإجازات سنوية، ولن يضيع الوقت في الأكل والشرب والثرثرة مع زملاء العمل.
مع ذلك هناك مَن ينتقد جودة الأخبار التي تنتجها الروبوتات من ناحية الدقة والمصداقية، فعلى سبيل المثال؛ فقد نشرت صحيفة «لوس انجليس تايمز» عام 2014م تقريرًا روبوتيًّا عن زلزال وقع بالقرب من ساحل كاليفورنيا بقوة (6.8) درجة، وكان ذلك ليس دقيقًا تمامًا، فقد سجله الماسح الجيولوجي الأميركي عن طريق الخطأ.
في ذلك أوضح «أليكسيس أوهانيان»، المؤسس المشارك لموقع «ريدت» (Reddit) المتخصص في الأخبار، خلال قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب التي عُقدت في دبي خلال شهر مارس 2015م، أن الروبوت يمكنه كتابة الخبر العادي الذي تكون معلوماته محددة، لكن بالنسبة للموضوعات التي تحتاج إلى استكشاف وتقصي فإن الأمر يتطلب عقلاً بشريًّا ذكيًّا يكون قادرًا على التقاط التفاصيل.
ونظرًا للطبيعة المركبة للأتمتة، فإنه يتم استخدام هذه التكنولوجيا المتقدمة بشكل أساسي في معالجة القصص المبنية على الإحصائيات والأرقام، مثل: «خلاصات الرياضة، وأخبار الطقس، والتقارير المالية، والتحليل العقاري، وأخبار الأسهم وغير ذلك».
أخيرًا، ومع أن صحافة الربوت تحمل في طياتها كثيرًا من التهديد للصحافيين، إلا أنها تحمل − أيضًا − آفاق الأمل للصحفيين محدودي المهارة الذين يعتمدون بشكل كبير على الأجهزة التكنولوجية في إكمال مهامهم الصحفية، حيث سيعمل هؤلاء في مساعدة الروبوتات داخل غرف الأخبار، فيما سيتولى الأكفاء من الصحفيين الأعمال الصحفية الميدانية وغيرها التي تحتاج إلى مهارات وخبرات عالية.