لزمن طويل ساد الإعلام الدولي أسماء إمبراطوريات معروفة، مثل “تايم وارنر واكسل شبرنغر وبرتلزمان وديزني وغيرهم”، الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديد كليًا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل “فايس ميديا وبزفيد وإنسايد إديشن وفوكس وإم أي سي ميديا”، هم عمالقة جدد في الإعلام الدولي وبأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة.
تصف (BuzzFeed) نفسها بأنها “شركة الإعلام الرقمي الأمريكية المستقلة الرائدة
في العالم”، والتي تستفيد من الابتكار
والتطور في نظم البيانات للوصول إلى مئات الملايين
من الناس على مستوى العالم بشبكة متعددة المنصات تضم: منصة (BuzzFeed Originals)، المتخصصة في المقالات والقوائم والمسابقات ومقاطع الفيديو، ومؤسسة
إخبارية عالمية مقرها في نيويورك، وستديو ترفيهي في لوس أنجلوس
(BuzzFeed Studios)، ومكاتب في بلدان حول العالم.
تأسست ((BuzzFeed بواسطة “جونا بريتي” و”جون إس جونسون” وذلك في عام 2006م، وقد بدأ معها “كينيث ليرر”، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة (Huffington Post)، كمساهم ومشارك ثم أصبح رئيسًا تنفيذيـًّا لها، وقد بدأت شركة صغيرة في نيويورك لتوفير “الأخبار العاجلة الأكثر مشاركة، والتقارير الإخبارية، وموضوعات التسلية، ومقاطع الفيديو”، واشتهرت في الأصل بمسابقاتها عبر الإنترنت، وتركيزها على ثقافة البوب، وقوائم المقالات (listicles) التي اشتهرت بها مدونات الإنترنت، ثم نمت لتصبح شركة عالمية للإعلام والتكنولوجيا، توفر تغطية لمجموعة متنوعة من المواضيع، بما في ذلك السياسة.
وقبل تأسيس ((BuzzFeed كان “بريتي” مديرًا للبحوث والتطوير في إحدى المؤسسات في نيويورك، حيث جرب التعامل مع وسائط الإعلام التشاركية، التي تعمل بمبدأ يطلق عليه محتوى الإنترنت سريع الانتشار (Viral content)، والمقصود ذلك النوع من النصوص والصور ومقاطع الفيديو التي تنتشر بسرعة عبر الإنترنت من خلال روابط المواقع والمشاركة الاجتماعية.
وهذا النوع من النشر يتمُّ بواسطة برمجيات جمع الأخبار (News Aggregator) التي تعمل على تسهيل عملية المشاركة في العناوين والأخبار ومختلف محتويات مواقع الإنترنت، وجمعها في مكان واحد فور نشرها، ليتسنى للمتصفح الاطلاع عليها من دون التنقل بين المواقع التي تنشرها.
وتتداخل كثير من الأدوات الجديدة مع نظم تجميع الأخبار، مثل نظم التنبيه إلى المحتوى (News alerts)، وتكنولوجيا دفع المعلومات (Push-technology) التي تعمل بمبدأ مختلف عن التقاليد المعروفة في قراءة الصحف في الإنترنت وخارجها، فبدلاً من البحث عن الخبر مكان الاهتمام ونقله من مكانه (Pull) ينتقل الخبر بمجرد بثـّه في الشبكة إلى القارئ في منصات الإنترنت (Push).
في البداية، لم توظف (BuzzFeed) أي كتـّاب أو محررين، بل ظلّ الموقع يعمل بواسطة خوارزمية لاستكشاف القصص في الإنترنت، والتي كانت تُظهِر انتشارًا ومشاركة واسعة، وقد ظلّ يركز في بداياته وبشكل حصري على هذا النوع من المحتوى، إلا أنه بدأ لاحقـًا في إضافة الأخبار العاجلة والمقالات المتعمقة، وقد أطلق وقتها عميل مراسلة فورية باسم (BuzzBot)، حيث يقوم بإرسال روابط المحتويات الشائعة للمستخدمين، ويتمُّ إرسال الرسائل بناءً على الخوارزميات التي تقوم بعملية تتبع عنكبوتية واسعة في أرجاء الإنترنت للبحث عن روابط الموضوعات من مئات المدونات، ليتمَّ نشرها بسرعة عبر الشبكة.
بعد ذلك حدث نوع من التدخل التحريري، حيث بدأ الموقع بتسليط الضوء على روابط الموضوعات الأكثر شعبية التي عثر عليها “بزبوت”، وذلك بواسطة منسقين للمساعدة في وصف المحتوى الشائع في شبكة الإنترنت، لتتطور عمليات الاستفادة من الجهد البشري من أنحاء مختلفة من دول العالم، حيث أصبح لـ(BuzzFeed) في عام 2016م مراسلين من (12) دولة، مع إصدارات في أستراليا والبرازيل وفرنسا وألمانيا والهند واليابان والمكسيك وأسبانيا والمملكة المتحدة.
وقد بدأ قسم الأخبار (BuzzFeed News) العمل في ديسمبر 2011م بتعيين “بن سميث” كرئيس تحرير، وفي عام 2013م تمَّ تعيين “مارك شوفس” الحائز على جائزة “بوليتزر” من (ProPublica) كمسؤول عن التقارير والتحقيقات المتعمقة والاستقصائية، وهذا الجانب هو أحد مميزات (BuzzFeed) إخباريـًّا، فقد نشرت عددًا من الملفات الاستقصائية البارزة، بما في ذلك ملف ترامب ‒ روسيا، ((Russia dossier.
وتتلقى (BuzzFeed) معظم زياراتها لمحتويات يتمُّ مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم استخدام المقالات والنصوص الإخبارية ومقاطع الفيديو الخاصة به كمدخلات لعملية أتمتة معقدة خاصة به، ليواصل الموقع اختبار وتعقب المحتويات المخصصة بواسطة فريق داخلي من خبراء البيانات، وتستخدم الشبكة تقنية تستطيع من خلالها إبلاغ شركائها بما يتابعه عملاؤهم عبر عدد لا يحصى من منصات النشر الرقمي.
وعلى الرغم من نجاحها في مجال الأخبار، إلا أن الشبكة لم تحقق الكثير في بعض التطبيقات، مثل البودكاست، وتجارب (BuzzFeed) فيه لم تكن ناجحة، فقد بدأت بفريق للإنتاج الداخلي في عام 2015م، تمَّ من خلاله تطوير وإطلاق عدد من القنوات، لكن في سبتمبر 2018م أغلقت قسم البودكاست الخاص بها واستغنت عن الموظفين بسبب نقص إيرادات الإعلانات المطلوبة.
مع ذلك تشتهر الشبكة بمنتجات الفيديو المتنوعة من خلال “بزفيد فيديو” (BuzzFeed Video) التي تعمل في عدة منصات على شبكة الإنترنت، فضلاً عن قناة (BuzzFeed Motion Picture) الرئيسة والتي تعمل على “يوتيوب”، وقد حصلت هذه القناة منذ 2014م على أكثر من (13.8) مليار مشاهدة وأكثر من (17.2) مليون مشترك، وهي تنتج محتوى أصليـًّا يمرُّ عبر فريق الإنتاج في لوس أنجلوس، وقد أنتجت منذ عام 2012م العديد من مسلسلات الفيديو التي لقي بعضها شعبية واضحة.
أما أهم هذه المنتجات فهي ((Tasty التي تعدُّ أكبر شبكة اجتماعية متخصصة في المطبخ والوصفات في العالم، حيث تشتهر بتقديم عروض لآلاف الوصفات السريعة والمتمهلة التي يتم بثـّها في مختلف المنصات، كما تقدم بعضها بواسطة المشاهير الذين يقومون بعمل ومناقشة وصفات الطعام الخاصة بهم، فضلاً عن عروض المنتجات ومستلزمات الطبخ مثل: الملاعق والأطباق؛ لتجتذب ملايين المتابعين.
وعلى سبيل المثال تم عرض برنامج (Night In/ Night Out) الذي قدمه زوجان في تاريخين مختلفين، أحدهما في المنزل يقدم وجبة منزلية باستخدام وصفات (Tasty) والآخر في مطعم في لوس أنجلوس، وتركز كل حلقة على وجبة واحدة معينة، مثل سمك السلمون المخبوز أو الهامبرغر، حيث يقررا في نهايتها ما إذا كانا يفضلان الوجبة المطبوخة في المنزل أم الوجبة التي قدمها المطعم.
كذلك ومنذ عام 2016م، ظلت (Tasty) ترعى برنامجًا باسم (Worth It) يقدمه ثلاثة مذيعين، وفي كل حلقة، يزور الثلاثي ثلاثة أماكن طعام مختلفة مع ثلاثة أسعار مختلفة بشكل كبير في فئة طعام واحدة، ومن هذه السلسلة انطلقت سلسلة أخرى باسم (Worth It – Lifestyle)، وفيها يتمُّ تقديم ثلاثة عناصر أو خبرات من شركات مختلفة، كل منها بسعر مختلف، مثل مقاعد الطائرات وغرف الفنادق وغيرها.
على أن واحدة من أكثر سلاسل فيديو الإنترنت نجاحـًا لـ(BuzzFeed) هي (BuzzFeed Unsolved)، وتركز على بعض الألغاز والروايات الشعبية التاريخية التي لم يتم حلـّها حتى الآن، حيث يتم عرضها مع الحكايات التي تحيط بها بطريقة كوميدية، وفي بعض الحلقات يقوم المقدمون بزيارة الأماكن ذات العلاقة بالحكاية بما في ذلك البحث عن الأشباح وغيرها.
وعلى الرغم من تنوع منتجات الفيديو لـ(BuzzFeed) إلا أن مديرها التنفيذي “جون بيريتي” يقول: إن مستقبل العروض التلفزيونية تحدده شركتا “فيسبوك” و”نتلفيكس” اللتان تتشاركان نفس النهج فيما يتعلق بمحتوى البثّ والفيديو، وهذه الرؤية تعبر عن الواقع الرقمي الذي تحدده إيرادات الإعلانات والاشتراكات، وهو أمر يثير الجدل في صناعة العروض التلفزيونية، فهذه الصناعة تتحول إلى شكل رقمي يبثُّ محتويات عبر الجوال والحواسب والتلفاز الذكي.
وفي السنوات الأخيرة عانت (BuzzFeed)، مع غيرها من مؤسسات الإعلام الرقمي، بخاصة في ظل برود هذا القطاع الذي كان في يوم من الأيام ساخنًا ومثيرًا، وأصبحت الشركات التي تمـَّت الإشادة بها في السابق باعتبارها مستقبل صناعة الأخبار، تستغني الآن عن موظفيها وتخفض التكاليف كي تتجنب الإفلاس. فقد فشلت (BuzzFeed) في بلوغ إيراداتها المستهدفة في عام 2017م، لكنها حققت هدفها المتمثل في تحقيق نحو (300) مليون دولار من المبيعات عام 2018م، أي بزيادة (15%) عن العام السابق، مع ذلك، فإن الشركة التي أسست في عام 2006م، تعدُّ خاسرة، وفي ذلك قال “بيريتي” في مطلع هذا العام: “إن نمو الإيرادات في حد ذاته لا يكفي لتحقيق النجاح على المدى الطويل، وأن عملية إعادة هيكلة الشركة ستقلل من تكاليفنا وتحسن من أنموذج التشغيل الخاص بنا حتى نتمكن من الازدهار والتحكم في مصيرنا، من دون الحاجة إلى زيادة التمويل مرة أخرى”، وأبلغت الشركة جميع الموظفين بأنه سيكون هناك تخفيض قادم بنسبة (15%) في القوى العاملة التي تؤثر في الأقسام الدولية ومحتوى الويب والأخبار.