“النميمة” الرياضية تتحدى عالم الترفيه الجديد

عماد عبد المحسن



رؤية جديدة اتسم بها الإعلام الرياضي في عالمنا العربي، وبخاصة كرة القدم، فبعد أن دخلت اللعبة إلى عالم الاحتراف، وأصبحت الفرق الرياضية تستعين بلاعبين من مختلف دول العالم، مما زاد من جذب أنظار المشاهدين والمتابعين، ارتدت البرامج الرياضية الإذاعية والتلفزيونية حللًا جديدة، وصارت تلهث خلف الأخبار التي تكاد تنطق بالجديد بصفة يومية، فهذه الفرقة اشترت اللاعب “الفلاني” من فرقة كذا في أوروبا، وهذا المسؤول يسابق الزمن من أجل الحصول على توقيع لاعب آخر.
لم تتوقف البرامج الرياضية عند التلفزيون والإذاعة فقط، بل أصبح “البودكاست” الرياضي، وسيلة جديدة يشتاق إليها محبو كرة القدم من مختلف أنحاء عالمنا العربي.
لكن.. مع الأسف، فإن عيوبًا كثيرة شابت هذا التطور الإعلامي، بعد أن صارت الشائعات تطارد محترفي اللعبة، وأصبحت بعض البرامج تبحث عن “النميمة الرياضية”، دون الاعتداد بمواثيق الشرف الإعلامي، وتسببت بعض هذه “النمائم” في الوقيعة بين لاعبين ومدربين ومجالس إدارات ونقاد والعديد من عناصر اللعبة المختلفة.
ودخلت وسائل التواصل الاجتماعي على الخط، وأصبحت تستخدم العديد من سبل التحايل لكسب متابعين جدد، فها هي صور فوتوغرافية “مركبة”، وها هي أخبار زائفة، تحظى بأكبر عدد من التعليقات، وتستأثر بالعديد من “مهووسي” كرة القدم.
نحن أمام أمرين أحدهما يحمل مذاقًا طيبًا، والآخر به مرارة العداوة والبغضاء التي تحيط بالرياضة بشكل عام.


إنني أختلف تمامًا مع مقولة إن كرة القدم “ملهاة” الشعوب، فهي وسيلة ترفيه متميزة، ولعبة محببة إلى القلوب ليس في عالمنا العربي وحده، بل في العالم أجمع، والإعلام الرياضي أحد عناصر الترفيه في هذه اللعبة، وله متخصصوه من ذوي الخبرات المتميزة القادرة على التحليل وإجراء الحوارات التي تتميز بالمهنية والاحتراف.
لكن زيادة عدد هذه البرامج تسبب – أيضًا – في تواجد دخلاء على هذه المهنة، لا يدركون قدر الإعلام بشكل عام وأهميته وأهدافه.
لقد ازدادت أهمية دراسة إيجابيات وسلبيات الإعلام الرياضي في وقتنا الحالي، بعد المنعطف الذي قادته الفرق الرياضية في المملكة العربية السعودية، التي تمكنت من الاستئثار بكوكبة من أهم لاعبي العالم، وهو ما جعل الدوري السعودي محط أنظار المتابعين من شتى الدول، والدليل على هذا الحراك الرياضي الذي نشهده في المملكة هو تتويج فريق أهلي جدة ببطولة آسيا للنخبة، إضافة إلى استضافة العديد من مباريات كرة القدم بين أهم الفرق العالمية، وهو الاستثمار الحقيقي في كرة القدم، والخروج بها من دائرة النمطية، إلى آفاق أكثر رحابة.
وها هي العديد من الفرق بالدول العربية الأخرى تحذو هذا الحذو، الذي أعلى من قيم الاحتراف، بدلًا من الاستغراق في المحلية التي لم تعد متلائمة مع هذا العصر على كافة الأصعدة سواء كانت رياضية أم غير ذلك.
ومن هذا المنطلق، فإنني أدعو إلى عقد مؤتمر عربي تشارك فيه قنوات الإعلام الرياضي العربية، والمتخصصون في هذا المجال، لوضع ميثاق شرف موحد، يلتزم به الجميع، لحماية هذا الرافد الإعلامي المهم، بل وتطويره بما يتناسب مع التطوير الذي أصاب اللعبة على المستوى العربي، بل إنني أدعو إلى بث برامج بلغات أخرى غير العربية، مثل اللغة الإنجليزية، وبخاصة في الدول التي تتميز بوجود لاعبين محترفين من ذوي الشهرة عالميًّا، وهو ما يشكل خطوة جديدة في مجال الإعلام الرياضي العربي.
إن الإعلام في ثوبه الجديد، هو قيمٌ ومهنية واحتراف، لا يتعارضون مع الفكر الاستثماري، بل يمكن أن تكون كرة القدم أحد وسائل الاستثمار المهمة، من خلال عقد برامج تحليلية تستضيف أهم المحللين في العالم، إضافة إلى برامج تحاور لاعبين دوليين، خاصةً وأن هذه الرياضة تأتي في بؤرة اهتمام مختلف الأعمار، والبرامج التلفزيونية الرياضية تحظى باهتمام ومتابعة كبيرين.
لذا فإن الصغائر التي تتحكم في بعض الأحيان في العديد من البرامج الرياضية، والانحدار إلى تراشق ليس في محله، هو خطأ جسيم لا يتماشى مع روح العصر الذي تتنافس فيه القنوات العالمية على ابتكار أفكار برامجية جديدة، تتصارع على الاستئثار بالمشاهدين، ونحن أصبحت لدينا “المادة الخام” لموضوعات عديدة مهمة يمكن الخوض فيها، ومناقشتها بشكل جاذب يمتع المشاهد، ويرفه عنه، فالمتعة والترفيه، هما لب العمل الرياضي بشكل عام.