من خلال قمة افتراضية نظمتها “سدايا”..
بينما تتسارع خطى البشرية نحو المستقبل، يكبر حجم التحديات وتصبح الحاجة أكبر إلى حلول نوعية، وهنا يأتي الذكاء الاصطناعي، ليس فقط باعتباره نتاجًا طبيعيًّا للتقدم التقني وتسهيل حياة الإنسان، بل كذلك كخيار جدي يمكنه الإسهام في مواجهة الأزمات، بما فيها تلك التي قد تحدث من دون سابق إنذار، ويكون لها أثرها الصحي والاقتصادي والاجتماعي، خصوصًا بعد أن عاش العالم هذا الموقف خلال جائحة كورونا المستجد (كوفيد – 19) والتي وضعت الإمكانات العلمية والتكنولوجية في قلب الرهان العالمي من أجل احتواء الأزمة وتخفيف آثارها وتسريع استعادة وتيرة الحياة الطبيعية.
مثلت عناصر هذه المقدمة أسبابًا موضوعية وراء اختيار عبارة “الذكاء الاصطناعي لخير البشرية” عنوانـًا للقمة الافتراضية التي أقامتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) خلال يومي 21 و 22 أكتوبر 2020م برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وذلك في بادرة تهدف إلى أن تجعل من الرياض منطلقـًا للتعاون الدولي في تطوير مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وقد شهدت أحداث القمة العالمية (30) جلسة شارك فيها ما يقارب من (60) متحدثــًا من وزراء، وقادة لكيانات عالمية، وأكاديميين، ومستثمرين، ورواد أعمال من (20) دولة، بحثوا معـًا واقع ومستقبل وقضايا الذكاء الاصطناعي، وسلطوا الضوء على أحدث بحوثه وتقنياته، وعلى دوره في بناء الحياة والمستقبل، بجانب أنه يمثل أحد سـُبل التحول إلى العصر الجديد الذي يتسم بالتغير السريع، كما مثلت القمة منصة تحفيزية للمبدعين في مجال الذكاء الاصطناعي بجوائز تجاوزت قيمتها مليون ريال سعودي.
آفاق العمل لمستقبل الجميع
أكد ولي العهد السعودي أن العام 2020م يعد عامـًا استثنائيـًّا لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي مع بداية ظهور حالة عالمية جديدة تشهد إعادة تعريف لأساليب الحياة والأعمال والتعلـّم، مما يدعو الجميع إلى الاستفادة من هذه التقنية في سبيل الارتقاء بالمجتمع والاقتصاد، وهو التوجه الذي ترجمته المملكة بإطلاق الإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي.
وأشارت كلمة سمو ولي العهد، التي ألقاها نيابة عن سموه رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي، إلى ضرورة ردم الفجوة الرقمية بين دول العالم المتقدم والنامي، كما وجهت الدعوة إلى المبدعين والمستثمرين وقادة الرأي إلى الانضمام إلى المملكة والعمل بروح التعاون في هذا الاستثمار الطموح؛ من أجل بناء تجربة نموذجية ورائدة، تقدم المشاركة على التنافس، وتركز على سـُبل الاستخدام الموثوق والمسؤول للذكاء الاصطناعي، لمساعدة العالم في إطلاق قيمة البيانات ومستقبل الذكاء الاصطناعي لبناء اقتصاديات المعرفة والارتقاء بالأجيال الحاضرة والمستقبلية، بما يخدم البشرية ويحقق مصلحة المجتمعات كافة.
الإستراتيجية الوطنية .. انطلاقة سعودية نحو تنافسية عالمية
في اليوم الأول من القمة تمَّ الإطلاق الرسمي للإستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي “نُسدي”، الهادفة إلى لعب دور محوري في رسم مستقبل البيانات والذكاء الاصطناعي على مستوى المملكة العربية السعودية والعالم، كما ستكون أساسًا رقميًّا لتمكين البرامج والقطاعات الحكومية والخاصة في مختلف المجالات بما يحقق رؤية المملكة 2030م، وذلك من خلال تطوير وتبني تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي، وتوفير بيئة جاذبة، وبنية تحتية عالية المستوى، ومنظومة للاختبارات والتجارب، وحوكمة للبيانات، بالإضافة إلى توفير تطبيقات مبتكرة ومستدامة ومفيدة وأخلاقية خاصة بالبيانات والذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى تحقيق أفضل استفادة ممكنة من أفضل قدرات هذه التقنية المتقدمة.
تمَّ بناء الإستراتيجية اعتمادًا على عدة أبعاد تتمثل في ترسيخ موقع المملكة كمركز مرجعي في تمكين أفضل تقنيات البيانات، وبناء مقومات تنافسية عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتطوير القوى العاملة في المملكة، وبناء البيئة التشريعية المناسبة للشركات والمواهب المتخصصة، وجذب التمويل الفعال والمستقر للفرص الاستثمارية، فضلاً عن تمكين المؤسسات البحثية المتخصصة وتحفيزها، وتصبُّ هذه الأبعاد في تحقيق عدة أهداف بحلول عام 2030م، منها الوصول إلى أعلى (15) دولة في الذكاء الاصطناعي، والوصول إلى أعلى (10) دول في البيانات المفتوحة، وتأهيل أكثر من (20) ألف متخصص وخبير في البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب استثمارات بما يقارب (75) مليار ريال في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، وتحفيز ريادة الأعمال والإسهام في توفير أكثر من (300) شركة ناشئة في هذا المجال.
شراكات دولية تعد سكان مدن ذكية لجودة حياة أعلى
تُعدُّ الشراكة مع الخبرات العالمية مرتكزًا مهمًا في تحقيق إستراتيجية المملكة في الذكاء الاصطناعي، وقد تمَّ الإعلان عن عدد من الشراكات مع الانطلاقة الرسمية للإستراتيجية خلال القمة، شملت مذكرات تفاهم مع شركات تقنية عالمية لقيادة الابتكار وتوظيف البيانات واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل مدن سعودية ذكية في المستقبل، تتمتع بأعلى المواصفات العالمية المبتكرة، بما يلبي احتياجات ورغبات السكان ويرتقي برفاهية وجودة الحياة، فضلاً عن تحقيق معايير اقتصادية واجتماعية وبيئية، وتطوير مجالات الأمن والسلامة والاستدامة، والنقل، والتخطيط الحضري، والطاقة، والتعليم، والصحة، وغيرها.
كما تمَّ التوقيع مع البنك الدولي لتأسيس شراكة إستراتيجية ضمن جهود المملكة الموجهة لتسريع التقدم التقني في هذه البلدان، وقد كانت هذه الشراكات جميعها محل تقدير الجهات الدولية ومسؤولي الشركات الكبرى المشاركة في القمة، حيث أبدوا الجاهزية لتسخير تجاربهم وخبراتهم لدعم هذا التعاون العالمي لخدمة البشرية، كما عبروا عن الاعتزاز بالاستثمار في التحول الرقمي في المملكة، وكان من تصريحاتهم ما قاله “فيليب لوي”، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة “علي بابا” للحوسبة السحابية: “نتطلع إلى إحداث تغييرات إيجابية في حياة السعوديين وتقديم مساهمتنا في تحقيق رؤية 2030م”.
الذكاء الاصطناعي لخدمة النماء وحقوق الإنسان
يُعدُّ تشجيع استخدام التكنولوجيا عبر العالم واحدًا من أبرز أوجه المسؤولية الاجتماعية وأكثرها ملامسة لاحتياج الناس، لهذا شهدت القمة عقد اجتماع المائدة المستديرة الخاص بالهيئة الاستشارية للذكاء الاصطناعي التابعة للأمم المتحدة، بهدف تنسيق القدرات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي ومساعدتها على الاندماج وتوحيد الجهود وتطوير الحلول الرقمية لدعم جاهزية البلدان النامية لتعزيز الذكاء الاصطناعي الموثوق به والآمن والمستدام، وإمكانية توظيفه في دعم حقوق الإنسان وتحقيق السلام والازدهار في المجتمعات الأكثر فقرًا.
إلى جانب ذلك فقد ركزت أعمال القمة على دور الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة التعليمية وتحسين جودة التعلـّم وسهولة الوصول إليه، كما دعا المشاركون إلى زيادة نطاق المشاركة في هذه التقنية التي سيكون لها تأثيرها في الجميع، وهو ما يتطلب إيجاد منظومة معترف بها عالميـًّا تتولى حشد الموارد وتوفير الدعم للجهات الرسمية لتبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واعتمادها لتلبية مختلف متطلباتها الاقتصادية.
أول مسابقة تجمع الإبداع الفني بالذكاء الاصطناعي
شهدت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في المملكة إطلاق مسابقة “آرتاثون الذكاء الاصطناعي للفن”، والتي تُعدُّ المسابقة الأولى التي تجمع بين الإبداع الفني والذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وهي إحدى مبادرات القمة التي تهدف إلى تسليط الضوء على الإمكانات الإبداعية لتقنيات الذكاء الاصطناعي وإيجاد الوعي لفوائده الإيجابية التي تعود على البشرية، وضمت المسابقة (20) فريق عمل شارك عبرها أكثر من (300) مشارك ومشاركة من مختلف أنحاء العالم.
وأكد وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، أن الفنون تشهد وثبة جديدة في أدواتها الإبداعية، مشيرًا إلى دور المسابقة في الاستثمار في الإنسان وتنمية قدراته بوصفه جوهر التنمية، كما أشاد الوزير بالمبادرات النوعية التي شهدتها أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وبالنتائج المرجوة لاهتمام المملكة بالذكاء الاصطناعي كأداة إستراتيجية في بناء المستقبل والتخطيط له، لا سيما في وجود المواهب المبدعة والشراكات الدولية.
قمة العشرين ودور التقنية في التعافي من الجائحة
اعتمدت هذه القمة لتقام بشكل سنوي، وتكون بمثابة المنصة العالمية الأولى لحوارات الذكاء الاصطناعي، كما أقيمت في ذات العام الذي تستضيف فيه المملكة قمة العشرين، حيث قادت السعودية اقتصاديات العالم الكبرى نحو مختلف الفرص ذات العلاقة بتفعيل محركات التنمية الاقتصادية والتي يُعدُّ التحول الرقمي أكثرها تأثيرًا.
كما تزامنت هذه القمة العالمية كذلك مع المواجهة الآنية وطويلة الأمد لجائحة كورونا المستجد (كوفيد – 19)، حيث كان دور التقنية في جهود التعافي من الجائحة جزءًًا حيويًّا من الحوارات الإستراتيجية التي ناقشها المشاركون خلال القمة، بالإضافة إلى الجلسات الوزارية العامة وورش العمل التي استهدفت تأسيس منظومة فعّالة ومؤثرة للذكاء الاصطناعي من خلال أربعة محاور رئيسية؛ هي: نرسم عصرًا جديدًا، والذكاء الاصطناعي والقيادة، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، ومستقبل الذكاء الاصطناعي.