لا تزال أصداء قفزة التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في الذكاء الاصطناعي، تشغل الرأي العام بكافة مجالاته، ولكن الحديث المثار في دول الخليج العربية وعالمنا العربي بشكل عام، هو كيفية مواجهة تحديات هذه القفزة وتطويعها للاستفادة منها وتجنب أضرارها.
حاورت “مجلة إذاعة وتلفزيون الخليج” الإعلامي البحريني مهند سليمان النعيمي، أستاذ الصحافة والإعلام الرقمي وخبير الذكاء الاصطناعي، لاستطلاع رأيه في هذا الصدد، وإليكم نص الحوار:
عقدت مملكة البحرين عدة لقاءات حول الذكاء الاصطناعي وتحدياته، ما أبرز المحاور التي تمت مناقشتها؟
تولي مملكة البحرين أهمية كبيرة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز مسيرتها في التحول الرقمي، وقد طبقت المملكة هذه التقنية في العديد من مشاريعها، مثل تسريع إجراءات إصدار التأشيرات وتقديم المشورة الضريبية، مما أسهم في تحسين اتخاذ القرارات وتقديم خدمات مبتكرة للمواطنين، لتعزيز هذا التوجه، أنشأت البحرين إدارة الابتكار والتقنيات المتطورة تحت إشراف هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية، بهدف تسهيل تبني التقنيات الحديثة وتكاملها في منظومة التحول الرقمي.
كما تدرك البحرين أن بناء القدرات التقنية هو أساس النجاح في المجال الرقمي. لذلك، أطلقت مبادرات تعليمية مثل أكاديمية الذكاء الاصطناعي، التي تُعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وتعمل الأكاديمية بدعم من صندوق العمل “تمكين” وبالشراكة مع بوليتكنك البحرين وشركة مايكروسوفت، على تدريب الطلاب والمعلمين على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق لجيل من المبدعين الرقميين.
وتعمل البحرين على ترسيخ الابتكار كعنصر أساسي في بيئتها الحكومية والمجتمعية، وتسعى إلى تحفيز الكوادر الوطنية على استكشاف التقنيات الحديثة وابتكار طرق جديدة لتحسين الخدمات الحكومية، مما يعزز كفاءة الأداء ويرفع مستوى رضا المواطنين.
في ظل التحول الرقمي المتسارع، استثمرت البحرين بشكل كبير في تطوير منظومة الأمن السيبراني، وتضمنت هذه الجهود إنشاء بنية تحتية متطورة تشمل جدران الحماية، أنظمة كشف الاختراقات، وبرامج توعية تدريبية تستهدف الموظفين، لضمان حماية البيانات والمعلومات الوطنية من التهديدات السيبرانية.
كما تبذل البحرين جهودًا لتحسين استخدام البيانات وتسهيل تكاملها بين الجهات الحكومية، مما يدعم تقديم خدمات أكثر كفاءة ويسهل عمليات اتخاذ القرار المبني على البيانات.
ما التوصيات التي نتجت عن هذه اللقاءات؟
من وجهة نظر شخصية، فإن رؤى تلك اللقاءات أو البرامج التدريبية التي تنتج عنها تركز دائمًا على بناء الكفاءات الوطنية عبر تدريب المتخصصين وتأهيلهم لفهم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوير تطبيقاتها، والتعاون مع الدول والشركات الرائدة في الذكاء الاصطناعي لنقل المعرفة والتكنولوجيا، إضافة إلى توسيع شبكات الاتصال وتطوير مراكز البيانات لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتشجيع الجامعات ومراكز البحث على العمل على تقنيات محلية، والتأكد من مواكبة القوانين والتشريعات لحماية المستخدمين من انتهاكات الخصوصية وسوء استخدام البيانات.
هل هناك خطوات اتخذتها دول الخليج لمواجهة الذكاء الاصطناعي؟
تبنت دول الخليج مجموعة من الخطوات الإستراتيجية لمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تم إطلاق إستراتيجيات وطنية تهدف إلى دمج هذه التقنية في القطاعات المختلفة وتعزيز دورها في تحسين الكفاءة وتطوير الخدمات، كما أنشأت مراكز متخصصة للبحث والتطوير لدعم الابتكار، وابتكار حلول تقنية متقدمة.
وفي مجال التعليم، تم إطلاق مبادرات وبرامج تدريبية لتأهيل الكفاءات الوطنية وتزويدها بالمعرفة اللازمة في هذا المجال المتنامي، بالإضافة إلى ذلك، عملت دول الخليج على تحديث القوانين والتشريعات لتواكب التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مع التركيز على ضمان الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لهذه التقنية.
كما تم تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات ووضع معايير مشتركة، إلى جانب تحفيز القطاع الخاص ودعم الابتكار من خلال حاضنات الأعمال والمسرعات التقنية، وتهدف هذه الخطوات إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التحول الرقمي بما يسهم في بناء مستقبل تقني آمن ومتطور.
كيف يمكن حماية حقوق الملكية الفكرية للإعلام العربي بشتى مجالاته في ظل تقنية الذكاء الاصطناعي؟
لحماية حقوق الملكية الفكرية للإعلام العربي في ظل تقنية الذكاء الاصطناعي، يجب اعتماد نهج شامل يبدأ بتحديث التشريعات القانونية لتشمل تحديات الذكاء الاصطناعي وتحديد ملكية المحتوى الناتج عنه، مع تعزيز آليات الرقابة والمراقبة الرقمية باستخدام تقنيات مثل التوقيعات الرقمية والعلامات المائية الذكية لتتبع المحتوى ومنع نسخه أو استخدامه دون إذن.
كما أن التعاون الإقليمي والدولي يعد ضرورة لتوحيد الجهود وتنسيق السياسات لحماية حقوق الملكية الفكرية عربيًّا وعالميًّا، بالإضافة إلى رفع الوعي بين العاملين في القطاع الإعلامي حول حقوقهم الفكرية وكيفية الحفاظ عليها باستخدام الأدوات القانونية والتقنية، إلى جانب ذلك، يمكن تعزيز الابتكار المحلي من خلال دعم منصات وتقنيات عربية تضمن حماية المحتوى الإعلامي وتعزز من تنافسيته، مع تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية تركز على إدارة حقوق الملكية الفكرية وتطبيق التقنيات الحديثة.
هذه الجهود مجتمعة تضمن حماية الإنتاج الإعلامي العربي من الانتهاكات وتعزز استدامة الابتكار في هذا القطاع الحيوي.
عناصر العمل التلفزيوني عديدة، هل يمكن السيطرة على حمايتها في ظل هذه التقنية؟
عناصر العمل التلفزيوني، مثل النصوص، الإخراج، التصوير، الموسيقى التصويرية، والتصاميم الجرافيكية، تواجه تحديات متزايدة في الحماية مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يمكن السيطرة على حمايتها من خلال تبني أدوات وتقنيات متقدمة، ويمكن استخدام التوقيعات الرقمية والعلامات المائية لحماية المحتوى من النسخ غير المصرح به، بالإضافة إلى تطبيق تقنيات التشفير لضمان أمان الملفات الرقمية.
كما يُعد تسجيل حقوق الملكية الفكرية لكل عنصر من عناصر العمل التلفزيوني إجراءً أساسيًّا لحمايتها قانونيًّا، كما يجب تطوير أنظمة مراقبة ورصد رقمي لرصد أي انتهاكات محتملة، مع تعزيز التشريعات التي تضمن حقوق صناع المحتوى وتعاقب المخالفين.
إلى جانب ذلك، يمكن إنشاء قواعد بيانات مركزية للمحتوى الإعلامي المرخص، مما يسهل تتبع استخدامه وضمان الحفاظ على الحقوق، من خلال هذه الإجراءات المتكاملة، يمكن حماية عناصر العمل التلفزيوني بفعالية على الرغم من التحديات التقنية المتزايدة.
هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل إضافة للأدوات الإعلامية؟
نعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل إضافة كبيرة للأدوات الإعلامية، حيث يسهم في تحسين الكفاءة وتطوير الإنتاج الإعلامي بطرق مبتكرة، ويمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة وفهم تفضيلات الجمهور بشكل أعمق، مما يساعد على تقديم محتوى مخصص يتماشى مع اهتمامات المستهلكين.
كما تتيح هذه التقنيات أتمتة العديد من العمليات الإعلامية، مثل تحرير الفيديو، وتحليل النصوص، وإنتاج ملخصات للأخبار بسرعة ودقة، ويمكن أن تسهم في تحسين جودة الصور والصوت، وحتى في إنشاء محتوى إعلامي يعتمد على الذكاء الاصطناعي بالكامل، مثل النصوص أو الفيديوهات التوليدية.
إضافة إلى ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرات الترجمة الفورية وتحليل الخطاب، مما يوسع من نطاق التغطية الإعلامية إلى جمهور عالمي. هذه الميزات تجعل الذكاء الاصطناعي أداة قوية تسهم في تطوير الإعلام ودفعه نحو مستويات جديدة من الابتكار والتأثير.
ولنا في وزارة الإعلام البحرينية تجربة رائدة في هذا المجال، حيث أتشرف برئاسة فريق الذكاء الاصطناعي، وأطلقنا مجموعة مبادرات، وتمكنا الآن من توظيف الذكاء الاصطناعي في الإذاعة والتلفزيون، والأخبار، ووكالة الأنباء، والإدارات الفنية، بما يخدم تطلعات المشاهدين والمتابعين لقنوات البث الإعلامية في مختلف المنصات.
أي المجالات الإعلامية التي ستتأثر بشكل أكبر؟
من المتوقع أن تتأثر جميع المجالات الإعلامية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن بدرجات متفاوتة، فالصحافة المكتوبة قد تشهد التحول الأكبر، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة كتابة المقالات والتقارير وإنتاج المحتوى بسرعة ودقة، مما يقلل من المهام التحريرية التقليدية. أما التلفزيون، فسيستفيد بشكل كبير من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات الإنتاج واستخدام الواقع المعزز والمؤثرات البصرية، بالإضافة إلى تحليل بيانات الجمهور لتقديم محتوى مخصص، في حين أن الإذاعة ستتأثر من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص والصوت، مما يسهم في تقديم برامج مبتكرة وتجارب مخصصة للمستمعين.
بشكل عام، يُتوقع أن تشهد الصحافة المكتوبة والتلفزيون التأثير الأكبر، نظرًا لاعتمادهما الكبير على المحتوى الإبداعي والبصري الذي يمكن تحسينه وأتمتته باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
بشكل شخصي هل أنت مع أم ضد الذكاء الاصطناعي؟ ولماذا؟
أنا أؤمن بقوة بأن الذكاء الاصطناعي يمثل واحدة من أعظم القفزات التكنولوجية في عصرنا، وهو أداة غير مسبوقة لتمكين الإنسان من تحقيق إنجازات لم تكن ممكنة من قبل.
أرى في الذكاء الاصطناعي وسيلة لتطوير الإعلام، تحسين جودة الحياة، وتحقيق كفاءة غير مسبوقة في مختلف القطاعات، ومع ذلك، فإن حماسي لهذه التقنية لا يخلو من الحرص والحذر؛ لأن أي تقدم تقني يحمل معه تحديات ومسؤوليات.
يجب أن نكون واعين للمخاطر التي قد تنشأ، مثل انتهاك الخصوصية، الاستخدام غير الأخلاقي، أو تهديد حقوق الملكية الفكرية. لهذا السبب، أنا مع الذكاء الاصطناعي وبقوة، ولكن بشرط أن يكون هناك إطار واضح وتنظيمي لاستخدامه بشكل مسؤول، يضمن تحقيق الفوائد القصوى منه دون المساس بالقيم الإنسانية أو الحقوق الفردية، فالذكاء الاصطناعي في نظري ليس بديلاً للإنسان، بل شريكاً قويًّا يعزز من قدراته ويوسع آفاقه.
ما القوانين التي نحتاج إلى سنها؟
لحماية المجتمع وضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، نحتاج إلى سن مجموعة من القوانين الشاملة التي تغطي عدة جوانب أساسية، أهمها:
أولاً، يجب وضع تشريعات لحماية حقوق الملكية الفكرية، تضمن ملكية المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي، وتحمي الأعمال الإبداعية من التعدي أو الاستغلال غير المصرح به.
ثانيًا، من الضروري سن قوانين تركز على حماية البيانات والخصوصية، تفرض معايير صارمة لجمع البيانات واستخدامها بما يحفظ حقوق الأفراد.
ثالثًا، يجب تطوير إطار قانوني ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، يحدد المسؤولية القانونية في حال وقوع أخطاء أو أضرار ناتجة عن تطبيقاته، بالإضافة إلى ذلك، يمكن إصدار قوانين لدعم الشفافية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، بحيث تضمن أن تكون قرارات هذه الأنظمة قابلة للفهم والتتبع.
وأخيرًا، تشريعات تشجع البحث والابتكار مع وضع ضوابط تحمي المجتمعات من الاستخدامات الضارة أو المسيئة لهذه التقنيات، مما يضمن تحقيق التوازن بين الاستفادة من إمكانياتها الهائلة والحماية من مخاطرها المحتملة.
هل يمكن تشكيل تكتل عربي موحد؟
نعم، يمكن تشكيل تكتل عربي موحد لحماية حقوق الملكية الفكرية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق تدعم الإبداع والتطور المستدام في المنطقة. هذا التكتل يمكن أن يقوم على رؤية مستقبلية تسعى لتوحيد الجهود بين الدول العربية، من خلال إنشاء منصة إقليمية تُعنى بحماية المحتوى الرقمي والإبداعي، وتعمل على تطوير سياسات موحدة تُعزز من تنافسية الإعلام العربي في الساحة العالمية، كما يمكن أن يُسهم هذا التكتل في بناء منظومة قانونية وتقنية متكاملة لحماية حقوق الملكية الفكرية، مع تشجيع التعاون بين المؤسسات البحثية والتقنية العربية لتطوير تقنيات مبتكرة محلية.
من خلال هذا التكتل، يمكن للدول العربية تبادل الخبرات والموارد، وتأسيس بنية تحتية رقمية مشتركة تدعم تطوير محتوى إعلامي وإبداعي عالي الجودة. رؤية التكتل العربي الموحد تُبنى على فكرة أن توحيد الجهود الإقليمية يتيح فرصًا أكبر للابتكار، ويعزز من قدرة الإعلام العربي على مواكبة التحديات العالمية، مع الحفاظ على هوية المنطقة الثقافية والفكرية.
ما مخاطر الذكاء الاصطناعي التي تخشون منها؟ وما إيجابياته؟
الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا هائلة، ولكنه يرافقه مجموعة من المخاطر التي تستدعي التعامل بحذر، ومن أبرز المخاطر التي تثير القلق: فقدان الخصوصية نتيجة جمع وتحليل البيانات بشكل مفرط، واحتمال استغلاله لنشر الأخبار الزائفة أو تعزيز الانحياز في القرارات الآلية، كما أن الاعتماد المفرط عليه قد يؤدي إلى تقليل فرص العمل التقليدية وزيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية.
من جهة أخرى، إيجابيات الذكاء الاصطناعي لا يمكن إنكارها، فهو يسهم في تحسين الكفاءة، وتسريع الابتكار، وتوفير حلول ذكية للمشكلات المعقدة في مجالات مثل الصحة، والتعليم، والإعلام.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متوازن ومسؤول يضمن تحقيق أقصى استفادة من إيجابياته مع تقليل تأثير المخاطر المحتملة.
هل يمكن أن يؤدي إلى اختلاط الحابل بالنابل؟
نعم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى اختلاط الحابل بالنابل إذا لم يتم استخدامه بشكل منظم ومسؤول، على سبيل المثال، تقنيات التزييف العميق (Deepfake) يمكن أن تُستخدم لإنشاء محتوى مضلل يصعب التمييز بينه وبين المحتوى الحقيقي، مما يهدد مصداقية الأخبار ويعزز انتشار الشائعات، كما أن قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج كميات هائلة من النصوص والصور بشكل سريع قد تجعل من الصعب التحقق من مصادر المحتوى وموثوقيته.
مع ذلك، يمكن الحد من هذا التحدي من خلال وضع تشريعات صارمة، وتطوير أدوات تقنية قادرة على كشف المحتوى المزيف، وتعزيز الوعي العام بين المستخدمين، فالذكاء الاصطناعي أداة قوية، ولكن تأثيرها يعتمد على كيفية استخدامها وتوجيهها بما يخدم المصلحة العامة.
هل نحن مستعدون لهذه المخاطر؟
الاستعداد لمخاطر الذكاء الاصطناعي في العالم العربي بشكل عام لا يزال في مراحله الأولى، وهناك دول قطعت شوطًا كبيرًا ومتقدمًا – أيضًا – في توظيف الذكاء الاصطناعي، ولكن على الرغم من وجود جهود ملحوظة، مثل تطوير إستراتيجيات وطنية وتشريعات محدثة، إلا أن هناك فجوات تتطلب التركيز. نحتاج إلى بنية تحتية تقنية أقوى، وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التقنية، إلى جانب الاستثمار في تدريب الكفاءات القادرة على التعامل مع هذه التحديات.
الاستعداد الحقيقي يتطلب مزيجًا من الجهود التشريعية، التقنية، والتعليمية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومستدام، مما يساعد على تقليل المخاطر مع الاستفادة من الفرص التي يقدمها.
ما الخطوات التنفيذية المقترحة؟
لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي، يجب اتخاذ خطوات تنفيذية تشمل تطوير تشريعات وقوانين حديثة تحمي الخصوصية وحقوق الملكية الفكرية، وتعزيز البنية التحتية الرقمية لضمان أمن البيانات، كما ينبغي توعية المجتمع بمخاطر وإمكانيات الذكاء الاصطناعي، وتطوير الكفاءات الوطنية من خلال برامج تدريبية متخصصة.
إضافة إلى ذلك، يُعد إنشاء مراكز بحثية وتقنية لمراقبة تطبيقات الذكاء الاصطناعي أمرًا ضروريًا، مع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات ووضع معايير موحدة، وتشجيع الابتكار المحلي – أيضًا – عامل رئيسي لبناء حلول تقنية تتناسب مع احتياجات المنطقة، مما يضمن استخدامًا آمنًا ومستدامًا لهذه التقنية.
هل يمكن تدريب الإعلاميين؟
نعم، تدريب الإعلاميين على استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتهم ومواكبة التطورات التقنية في المجال الإعلامي أصبح ضرورة قصوى ولا تحتمل التأجيل، على المستوى الشخصي قمت بتدريب اكثر من (400) موظف حكومي وإعلامي خلال عام 2024م، وركزت على توظيف مجالات الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى الإعلامي بالصوت والصورة والنص، وتقديم العروض المرئية والتعامل مع مختلف المنصات الاجتماعية، في مملكة البحرين وخارجها.
بشكل عام يمكن أن يشمل التدريب عدة مجالات رئيسية، منها: تحليل البيانات لفهم تفضيلات الجمهور وتخصيص المحتوى بشكل أكثر دقة، وأتمتة العمليات التحريرية باستخدام تقنيات توليد النصوص، مثل كتابة الأخبار أو تلخيص التقارير بسرعة وكفاءة.
كما يمكن تدريب الإعلاميين على استخدام أدوات تحرير الفيديو والصوت التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الإنتاج وتقليل الوقت اللازم لإنجاز المشاريع، كما يشمل التدريب – أيضًا – تقنيات كشف الأخبار المزيفة والتزييف العميق (Deepfake) لضمان المصداقية والشفافية، بالإضافة إلى التعرف على أدوات الترجمة الفورية التي تسهم في الوصول إلى جمهور عالمي متنوع، وفي مجال الصحافة الاستقصائية، يمكن استخدام تقنيات تحليل النصوص الضخمة والبحث الآلي عن المعلومات لتسريع الوصول إلى البيانات الدقيقة.
ماذا تتوقعون مستقبلاً؟
أتوقع أن يشهد المستقبل قفزات نوعية في مجال الإعلام بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث ستتحول الصناعة الإعلامية إلى نموذج أكثر تفاعلاً وابتكارًا. سيكون هناك اعتماد متزايد على تقنيات تحليل البيانات لفهم أعمق لتفضيلات الجمهور، مما يسمح بإنتاج محتوى مخصص يلبي احتياجات الأفراد بشكل دقيق، ستتم أتمتة العديد من العمليات الإعلامية، مثل التحرير، والإنتاج، وإدارة المحتوى، مما يتيح للإعلاميين التركيز على الإبداع والتخطيط الإستراتيجي.
كما ستتطور أدوات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتقديم تجارب إعلامية غير مسبوقة، تجعل المستهلك جزءًا من القصة بدلاً من متلقٍ فقط، وعلى صعيد التحديات، ستظهر قضايا جديدة تتعلق بالمصداقية والأخلاقيات، ولكن مع وضع قوانين وإطار تنظيمي قوي، يمكن تجاوزها، فالمستقبل الإعلامي سيجمع بين الإبداع البشري وقوة التكنولوجيا، مما يفتح آفاقًا واسعة لتحسين جودة المحتوى وزيادة التأثير.