يأخذ موقع شبكة “تويتر” النصيب الأوفر من الحديث عن التلفزيون الاجتماعي أو التلفزيون التشاركي مثلما يسميه الناطقون باللغة الفرنسيّة.
السبب في ذلك لا يعود للمصداقية التي يتمتع بها هذا الموقع في أوساط الصحفيين وممتهني الإعلام وميلهم إلى اعتماده كمصدر إعلامي فحسب، بل لكونه ‒ أيضًا ‒ من أنشط مواقع التواصل الاجتماعي التي منحت للتلفزيون بـُعده التشاركي، وأثرت تجربة المشاهدين التلفزيونيّة.
لقد بدأت القنوات التلفزيونية تستعين بالتغريدات في برامجها التلفزيونية بدءًا من عام 2012م، والسبب في ذلك لا يعود إلى تزايد عدد مستخدمي هذا الموقع، فموقع “الفيسبوك”، على سبيل المثال؛ يتفوق عليه في عدد المستخدمين، بل لأن نصيب التلفزيون من المضامين التي تتداولها التغريدات يتزايد.
لقد قدر بعض المختصين أن (50%) من التغريدات التي أرسلها مستخدمو موقع شبكة “تويتر” الفرنسيون في السنة المذكورة أعلاه كانت ذات صلة ببرنامج من برامج التلفزيون: “موضوعه، مذيعيه وضيوفه”، وقدّر المركز الفرنسي لقياس المشاهدة التلفزيونيّة أن عدد التغريدات التي أرسلت إلى البرامج التي بثـّها التلفزيون الفرنسي في عام 2015م بلغ (70) مليون تغريدة! رقم رهيب.. أليس كذلك؟
التنافس
لقد مكنّت هذه التغريدات التلفزيون الفرنسي من تحقيق أمنيته الغالية والمتمثلة في الالتحاق بركب القنوات التلفزيونيّة الأمريكيّة، فالبرنامج المسمى بــ(لي برول أي لي زاكت)،”الأقوال والأفعال”، الذي كانت تبثه قناته الثانية خلال الفترة الممتدة من 23 يونيو 2011م إلى 26 مايو 2016م، تلقى حوالى (40.063) تغريدة في إحدى حلقاته حسب مؤسسة “ميزاغراف” (Mesagraph)، شريكة التلفزيون الفرنسي في مجال قياس استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
إن البرنامج التلفزيوني المذكور سياسي بامتياز، يستضيف شخصية سياسية بارزة في حوار يدوم ساعتين ونصف الساعة، يشارك فيه صحفيون من مختلف وسائل الإعلام الفرنسية ونشطاء في المجتمع المدني وإخصائيين في مجالات مختلفة: “الاقتصاد، والتجارة، والزراعة، والسكن، والصحة، والعمل والتشغيل، والهجرة، والطاقة” وغيرها من المجالات.
إن عدد التغريدات التي ترسل إلى حسابه في “فيسبوك” أسبوعيًّا جعلت هذا البرنامج يقترب من البرامج السياسية الكبرى التي يبثـّها التلفزيون الأمريكي، مثل البرنامج الشهير (Meet the press) “في لقاء الصحافة” الذي شرعت قناة “أن بي سي” (NBC) في بثـّه في عام 1947م، والذي يتلقى (109.717) تغريدة، وبرنامج (Fox News Sunday) “أخبار الأحد في فوكس نيوز” الذي شرعت في بثـّه في عام 1996م، والذي يتلقى (51.940) تغريدة، وبرنامج (Al Punto) أي “في آنه” الذي تبثه قناة “أي بي سي” (ABC) للمشاهدين المنحدرين من جنوب القارة الأمريكية، والذي يحظى بـ(41.336) تغريدة.
لقد كانت القنوات التلفزيونية تتنافس على كسب أكبر عدد من المشاهدين، وها هي رقعة المنافسة تتسع اليوم لتشمل عدد التغريدات التي تحصل عليها برامجها!
قد يلاحظ القارئ الكريم أن هذه البرامج المذكورة كلها سياسية، وقد بدأت تنافس برامج الرياضة وبرنامج تلفزيون الواقع، مثل: “ستار أكاديمي” في عدد التغريدات! حيث لم يتجاوز عدد التغريدات في أي من هذين البرنامجين (20) مليون تغريدة طيلة السنة!
تعدّد الشاشات
يشترط التلفزيون الاجتماعي من المغرد أن يمتلك شاشتين على الأقل، شاشة التلفزيون التي يتابع عبرها البرنامج التلفزيوني وشاشة أخرى: “لوح إلكتروني أو هاتف ذكي” ليرسل عبر أحداهما تغريداته في شكل نص، لا يزيد على (280) علامة بعد أن كان يقتصر على (140) علامة، أو صور أو فيديوهات أو روابط إلكترونية، فتظهر التغريدة في أسفل شاشة التلفزيون لبرهة لا تزيد على اثنى عشرة ثانية، ويمكن لأي مغرد أن يضع (hashtag) “هاشتاغ”، أي الوسم الذي يعمل على توحيد التغريدات في محور أو في عبارة واحدة، ويعتبر هذا الوسم ككلمة مفتاحية ذات صلة بعنوان البرنامج التلفزيوني أو الموضوع الذي يطرحه للنقاش، مما يسمح للمغردين بمتابعة الحوار على موقع شبكة “تويتر” والتعليق على ما جاء في البرنامج.
من المنطقي، بل من الضروري ألا ينشر أي برنامج تلفزيوني كل التغريدات التي تصله حتّى وإن كان في استطاعته فعل ذلك، فإن فعل فإنه يُدفن في سيل التغريدات ويُطمس، فالبرنامج التلفزيوني الفرنسي المذكور لا يبثّ سوى حوالي (60) تغريدة من بين ملايين التغريدات التي تصله عبر هاشتاغ “وسمه”، حسب الباحث حسان عطيفي من جامعة التكنولوجيا بـمدينة ” تروا” (Troyes) الفرنسية، حيث يتولى سبعة أشخاص مهمة انتقاء التغريدات التي تعتبر مهمة لعرضها على رئيسي التحرير للنظر في إمكانية بثـّها عبر الشاشة عندما يتطرق البرنامج التلفزيوني إلى المحور الذي تثيره.
وقد تساءل الكاتب ذاته عن معايير انتقاء التغريدات ملمحًا إلى أنها تبطل الحديث عن موت حارس البوابة الإعلامية الذي راج بعد تزايد استخدام شبكة الإنترنت وتدفق الأخبار في شرايينها، إنه الحديث الذي لم يأخذ في الحساب عملية تملّك وسائل الإعلام التقليدية لمنصات التواصل الاجتماعي.
انتقاء
لقد استنتج الباحث حسان عطيفي جملة من القواعد التي يسترشد بها رئيس تحرير البرنامج المذكور في عملية اختيار التغريدة التي تظهر على شاشة التلفزيون، منها على وجه التحديد اختيار عينة تمثيلية من التغريدات مع الحفاظ على التوازن في اتجاهاتها، أي عدم نشر التغريدات التي تعارض فقط الضيف أو تخالف رأيه، والامتناع عن نشر التغريدات التي تقدح أو تسبّ الضيف أو أحد المشاركين في الحوار، وكذا التغريدات التي تكون عبارة عن وصلات إلكترونية لصفحات ومواقع في شبكة الإنترنت أو اقتباس لما قاله الضيف في البرنامج، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار الإكراهات التقنية، أي نشر التغريدات وفق فاصل زمني محدد، وعدم إبراز التغريدة في الشاشة بطريقة تغطي وجه ضيف البرنامج.
أحدث إقحام التغريدات في متن البرامج التلفزيونيّة تغييرًا في طريقة عمل التلفزيون وفي عقد الاتصال الضمني الذي يجمع مذيع البرنامج التلفزيوني وجمهوره وضيفه، فالتغريدات التي تظهر على شاشة التلفزيون يشاهدها مذيع البرنامج ويتابعها المشاهدون ولا يطلع عليها المشاركون في الحوار ولا الضيف على الرغم من أنها موجهة إلى هذا الأخير! ويكتفي المذيع بقراءتها ويطلب من ضيفه التعليق عليها أو الرد على أصحابها.
إن هذه الطريقة المتبعة في نشر التغريدات تنتج شكلاً من التواصل غير المتكافئ إن صح التعبير، فالمغردون يعرفون الضيف الذي قدمه المذيع في بداية بث البرنامج ويطلعون على مساره المهني وربما الاجتماعي، وفي المقابل لا يعرف هذا الضيف أي شيء عن هوية الذين تنشر تغريداتهم، وهذا خلافـًا للاتصال الهاتفي في البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي كان التواصل فيها مع الجمهور يتم عبر الهاتف، حيث يطلب المذيع من المتصل ذكر اسمه، والمنطقة التي يتصل منها، ومهنته في بعض الأحيان، وحتى سنه إن اقتضت الضرورة.
إن حرمان الضيف والمشاركين من متابعة التغريدات التي تبثّ عبر الشاشة يضعف مبدأ التفاعلية التي هلّل لها الكثيرون منذ عقدين من الزمن، وذلك لأنها تظل محصورة بين مستخدمي موقع شبكة “تويتر”، ولا تسجل حضورًا قويًّا في الشاشة، لذا لم يتردّد الباحث حسن عطيفي في وصفها بالتفاعلية المخادعة! إذًا ما الجدوى من نشر التغريدات في برامج التلفزيون؟!
الإجابة
تختلف الإجابة عن هذا السؤال باختلاف مسارات المجيبين، فمدير قسم التلفزيون في مؤسسة قياس المشاهدة “ميديا متري” (Médiamétrie)، “جوليان روسفالون” يرى أن القنوات التلفزيونيّة مهتمة برفع عدد مشاهديها، لذا تشجعهم على الانخراط في الحديث الرقمي عن البرامج التلفزيونية، ويرى نائب مدير الطباعات الإلكترونية في مؤسسة التلفزيون الفرنسي من جهته أن التغريد عبر شاشة التلفزيون يُعدّ وسيلة من أجل تعويد الجمهور للحفاظ على صلته بالبرنامج التلفزيوني قبل بثــّه، وفي أثناء بثــّه، وبعد نهاية إرساله، فالتغريدة التي تبثّ عبر شاشة التلفزيون تولد جملة من التعليقات والتعقيبات بين مستخدمي شبكة الإنترنت.
إن التغريدات التي تبثُّ في البرامج التلفزيونيّة تؤكد على التناغم والتكامل بين خطاب البرنامج التلفزيوني وخطاب جزء من مشاهديه، وتدعو إلى التفكير في المنطق الذي يجعل “الخطاب الخاص”، الذي تتضمنه تغريدات بعض المغردين، ينفذ إلى شاشة التلفزيون وينتشر في الفضاء العمومي.
يعتقد كثير من الباحثين أن توظيف القنوات التلفزيونية لمواقع التواصل الاجتماعي، وشبكة “تويتر” تحديدًا يندرج ضمن المسار الذي سلكه التلفزيون منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، والذي دُشن ببرامج الحوار الاستعراضي (Talk show) وتلفزيون الواقع الذي أعطى الحق في الكلام للأشخاص العاديين والمغمورين، أي من عامة الناس الذين يأتون إلى الأستوديو لتقديم شهاداتهم العفوية على واقعهم المعاش.
ويعتقد البعض أن “التغريد في مملكة التلفزيون” يندرج ضمن التحول العام الذي يشهده قطاع الإعلام والثقافة والتعليم، والذي يستند إلى فكرة التشارك في الإنتاج، وتقاسم المنتج، وتطبيق الذكاء الاجتماعي، كما هو مجسد في موسوعة “وكيبيديا” على سبيل المثال؛ وفي هذا التحول تغيرت مكانة الجمهور في المعادلة الإعلامية أنتقل من الجمهور المستهلك إلى الجمهور المواطن، ومع تملك وسائل الإعلام التقليدية لمواقع التواصل الاجتماعي ظهر الجمهور الشاهد، والمناضل، والقاضي والمحلل.