اللغة لها قيمتها في جميع مجالات الحياة، حيث تُعدُّ وسيلة اتصال بين البشر، وأداة تعبير عن مكنونات النفس، والمساعد على استيعاب المواضيع والمفاهيم ومتغيرات العالم وأفكار الآخرين، وهي نمط من السلوك لدى الأفراد والجماعات، بها تتحقق اللُّحمة، ويكتسب المجتمع هويته، وكيانه، وتميّزه عن باقي المجتمعات.
واللغة ليست وسيلة اتصال وحسب، وإنما هي رمز للهوية ووعاء للثقافة ومكون مهم للنسيج الاجتماعي والثقافي لأي مجتمع وأمة، وهي فكرة مهمة تأتي في سياق رفعها إلى مستوى الخيار الحضاري الضروري علّ أبناءها يصلون إلى مستوى المفاخرة بها، إذا تيقنوا أنها ليست وسيلة اتصال مجرد.
ومنذ ظهور الإذاعة ثم التلفزيون، والجدل قائم حول مدى تأثيرهما في المتابعين، ومن ذلك ما يتعلق بالتأثير في لغة الأطفال.
هناك لغتان للإذاعة والتلفزيون: لغة فصحى ولغة عامية، والأفضل استخدام الفصحى في لغة الإذاعة والتلفزيون؛ لأنها هي اللغة الأم، ونحن نخسر كثيرًا بجعل اللهجة العامية هي لغة الحديث في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وفي الحوار بالمسلسلات الإذاعية والتلفزيونية، حيث تنتقل منهم إلى الناشئة الذين يقضون وقتـًا طويلاً في متابعتها، فالأطفال هم الذين سينقلون اللغة إلى مـَن بعدهم، واللغة العربية الفصحى إذا ما اضمحلت من ألسنة الصغار ستضعف في المستقبل من دون شك.
لقد أدت الإذاعة سابقـًا دورًا مؤثرًا في تنمية اللغة لدى الطفل، حيث تميزت برامجها بأسلوب خاص يعتمد على الكلمة المنطوقة، والكلام المنطوق عبارة عن رموز صوتية لها دلالة ومعنى يتعلمها الطفل بادئ ذي بدء بالاتصال المباشر بالأشياء وبالتفاعل الواقعي مع أحداث عالمه.
ومن الإشكاليات الحالية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والتي تشكل خطرًا على لغة الطفل، إهمال الفصحى إهمالاً كاملاً في البرامج المباشرة، وضعف إعداد المذيعين في قنوات الأطفال، بالإضافة إلى تبني بعض قنوات الأطفال العامية لغة للأناشيد، إلى جانب غياب البرامج الإذاعية الموجهة للطفل، بخاصة تلك المهتمة باللغة.
وهنا يجب العمل على مراجعة كل ما يُقدَّمُ لأطفالنا في قنواتهم الخاصة أو القنوات العامة من خلال حُسن اختيار المذيعين القادرين لغويـًّا، وجعل اللغة الفصحى لغة الحوار، وكذلك العمل على أن تكون اللغة العربية الفصحى الميسَّرة هي اللغة الشائعة في برامج الأطفال، وهناك تجارب رائدة في خدمة اللغة العربية لدى الأطفال في عالمنا العربي وهي تجربة برنامج “افتح يا سمسم”، وهو أول برنامج عربي موحد، اعتمد اللغة العربية الميسرة في صيغة متنوعة الفقرات، فيه التجديد والترفيه ما يغري الطفل العربي بمشاهدته كل يوم، وبرنامج “افتح يا سمسم” هو النسخة العربية من برنامج “شارع سيسامي” وهو برنامج أطفال أمريكي أنتجته “ورشة تلفزيون الأطفال” في نيويورك عام 1969م، وتمَّ تكليف مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي ومقرها دولة الكويت بمهمة الإشراف على البرنامج، وكانت المؤسسة قد أقرت بإجماع خبرائها أن تكون لغة البرنامج اللغة العربية الفصحى الميسرة التي يمكن للطفل أن يفهمها بلا عناء من دون أن يكون هناك تخصيص لبعض اللهجات المحلية أو الدارجة في بيئة ما، حتى لا يصعب على الأطفال في البيئات الأخرى فـَهمهما وإدراكها، ومن التجارب المهمة ‒ أيضـًا ‒ تجربة قناة (mbc) للأطفال التي أنتجت برنامجـًا مختصًا بتطوير وتنمية لغة الطفل العربي وهو برنامج “عالم سمسم”، بالشكل الذي نجح في ربط الطفل العربي بالبرنامج، عل الرغم من أن الشخصيات الخيالية التي أعطاها البرنامج أسماء عربية هي في الأصل شخصيات أجنبية، وهنا يجب تعميم مثل هذه البرامج مع ابتكار شخصيات ونماذج لعرائس عربية تمامًا، سواء من قبل منتجي برامج الأطفال أو من قبل الفضائيات المتخصصة للأطفال.
ينبغي على أصحاب القرار في المؤسسات الإعلامية العربية إعادة النظر في جميع البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تقدمها، بخاصة تلك الموجهة للأطفال، والأخذ في الاعتبار تقديمها بلغة عربية صحيحة تراعي قواعد اللغة، وأن تكون مبسطة وسلسة في ذات الوقت.