يظل الإعلام بكافة قوالبه هو القادر على إيصال أية رسالة إلى الجمهور، سواء داخل حيز جغرافي معين، أو بإطلالة واسعة على العالم أجمع.
ومن يتابع أنشطة هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، يجد ما تقوم به خير مثال على الاستخدام الأمثل للإعلام في إحداث تغيير جذري في توجهات المملكة فيما يتعلق بالثقافة والفنون.
إذ أن استضافة مشاهير العالم في شتى المجالات الفنية، لتقديم روائعهم الفنية، يجذب أنظار العالم أجمع، خاصة في ظل استخدام أحدث التقنيات التكنولوجية فيما يتعلق بعناصر العمل الفني من “صوت، وديكور، وإضاءة.. إلخ”.
والبث الحي لهذه الفعاليات عبر القنوات المختلفة، يتيح للمشاهدين من مشارب الأرض المختلفة، أن يتابعوا هذه الأحداث التي تجري على أرض المملكة، وهو ما يدل على حسن استخدام الموارد المالية وتحقيق عوائد اقتصادية تفتح بابًا جديدًا للسياحة الثقافية والفنية، وهو فكرٌ مبتكر ومغاير عن المألوف.
كما أن إقامة فعاليات تحتفي برموز الموسيقى والغناء في عالمنا العربي، يستعيد لهذه الأعمال الخالدة رصانتها، ويعمقها في وجدان الأجيال الشابة، وفي كل مرة يكون هناك تكريم لهذه الرموز في دلالة واضحة على أن المملكة تعتد برموز العالم العربي، وتخرج من نطاق المحلية إلى العالمية.
لقد تابعت باهتمام بالغ مثلي مثل الكثيرين، فعاليات (Joy Awards 2025) التي أقيمت على أرض الرياض، ولفت نظري هذا الاهتمام البالغ بالشكل الذي يبعث برسائل إلى العالم مفادها أن عناصر الجذب الفني لا تغيب عن ذهن القائمين على هذا الحدث الدولي المهم، كما أن استضافة مشاهير الفن من شتى أنحاء العالم، منح هذا الحدث بعدًا جديدًا وجعله من الفعاليات الدولية ذات التأثير الإيجابي على المشهد الفني العالمي.
كل هذه الأحداث وحالة الزخم الفني والثقافي كفيلة بالإعلام عن مقدرات المملكة، وتجعلها جديرةً بأن تكون محط أنظار المتابعين والمهتمين في كل دول العالم.
إنه فكرٌ جديدٌ وطريقةٌ مغايرةٌ للاستخدام الأمثل للإعلام بعيدًا عن القوالب التقليدية، والأنشطة المعادة والمكررة التي ملَ منها المشاهدون.
وفي سياق متصل، لا تغيب السينما عن المشهد، فهناك أعمال سينمائية ضخمة يتم إنتاجها، لتكون سفيرًا جديدًا للفن العربي، وما يتميز به فكر القائمين على هيئة الترفيه، هو إنشاء استوديوهات تحفل بأحدث التقنيات الفنية، لتكون المملكة – أيضًا – مستضيفةً للأعمال الفنية التي يجري تصويرها على المستوى الدولي، وتحقق اكتفاءً ذاتيًّا يوفر الكثير من التكاليف الخاصة بالعملية الإنتاجية.
ولا يغفل المسؤولون عن اكتشاف المواهب المبدعة من أبناء المملكة، وإتاحة الفرصة لهم لكي يخوضوا غمار التجارب الفنية الخاصة بهم، وهناك أسماء سعودية لمعت في الآونة الأخيرة في المجالات الفنية المختلفة.
وعلى صعيد آخر فقد حظيت الرياضة بنصيب وافر من الاهتمام في الألعاب المختلفة، وهو منحى آخر يجذب اهتمام فئة أخرى من محبي الرياضة في العالم، ليتوج هذا الاهتمام بالملف الرياضي بفوز المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم 2034م، لتصبح المملكة أول دولة تستضيف هذا الحدث العالمي الكبير بشكل منفرد بمشاركة (48) منتخبًا.
إنه توسع أفقي ورأسي في آن واحد، يدل على أن الهدف الذي يتم التطلع إليه هو أن تكون المملكة مركزًا للأحداث والفعاليات المتنوعة، والتي يغلب عليها طابع الجدية والترفيه في آن واحد، وهو المعنى الأمثل للترفيه، فالفن ترفيه والرياضة ترفيه والثقافة بمعناها الواسع ترفيه – أيضًا – يسري الوجدان ويفتح آفاق الخيال وينقي النفس من أدران الحياة وصعوباتها.
وهذا النشاط الفعال، يجعلنا نتطلع إلى المزيد، خاصةً في مجال الآداب، سواءٌ من خلال أحداث أدبية دولية، تناقش المستجدات الأدبية على مستوى العالم، أو تحتفي بالمبدعين في مجالات الآداب المختلفة، أو تسعى إلى الترجمة للأعمال العربية المهمة إلى لغات مختلفة، فلا زلنا في حاجة إلى أن يتعرف العالم على مبدعينا وأعمالهم المتميزة، ليدرك العالم أجمع أن العالم العربي صاحب التاريخ العريق في المجال الأدبي لا يزال يواصل المسيرة سواء من خلال شيوخ الأدب أو شباب الأدباء الذين أصبحت أقلامهم ذات تأثير واضح في المشهد الثقافي العربي.
ولا ننسى أن أديب نوبل نجيب محفوظ تعرف عليه العالم بعد حصوله على هذه الجائزة المهمة من خلال ترجمة أعماله إلى لغات عديدة، فما بالنا وقد أصبح العالم – كما يقولون – “قرية صغيرة”، لا بد أن نحتل فيها مكانةً لائقةً، وأن يكون لنا رصيدٌ مناسب لحجم العالم العربي وأصالته وعراقته.
إننا بحاجة – أيضًا – إلى تقديم المواهب الشابة من كتّاب ونقاد، لطرح أفكارهم، وتحفيزهم على مواصلة الطريق، وهو ما نتمنى أن تقوم به هيئة الترفيه التي أصبحت نافذةً يطل منها مبدعو العالم العربي على الساحة الدولية.
ولا تزال الآمال المعقودة كثيرة والطموحات تتوالى على الذهن، ونحن على ثقة من أنها – بإذن الله – ستتحقق لتكون المملكة العربية السعودية مظلةً يحتمى بها المبدعون والمفكرون، ويكون الإعلام بمكوناته المختلفة وسيلةً للتعريف بهم.
وأهلًا بالأمل والطموح، ومرحبًا بالفكر المبتكر والجديد بل والجيد أيضًا.