محققًا أرقامًا قياسية في نسخته الرابعة
شهدت العاصمة السعودية الرياض خلال الفترة من 9 – 12 فبراير 2025م، أعمال النسخة الرابعة من مؤتمر “ليب 2025″، الذي أقيم في مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات بملهم تحت شعار “نحو آفاق جديدة”، محققًا للمملكة نجاحًا جديدًا كوجهة عالمية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية والحوسبة السحابية.
شهد المؤتمر الذي نظّمته وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز وشركة تحالف، توقيع صفقات وإطلاق استثمارات نوعية مع كبرى الشركات ومديري أصول يتجاوز حجم محافظهم (22) تريليون دولار، كما سجل المؤتمر أكثر من (200) ألف زائر، ومشاركة (1800) جهة دولية ومحلية، وأكثر من (1000) متحدث عالمي، إلى جانب (680) شركة ناشئة.
ريادة إقليمية وعالمية
عزز المؤتمر مكانته كمنصة رئيسية تجمع قادة التقنية والمستثمرين وصناع القرار لاستشراف مستقبل القطاع، في تأكيد واضح لإمكانات المملكة وريادتها الإقليمية والعالمية، حيث يعكس تنظيم المملكة لـ “ليب” الدعم الكبير الذي تحظى به رحلتها التحولية في الانتقال من العصر الرقمي إلى عصر الذكاء الاصطناعي، واستمرارها في قيادة مسار التحول نحو اقتصاد مبتكر ومستدام قائم على مخرجات الثورة الصناعية الرابعة.
وقال معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي المهندس عبد الله بن عامر السواحه: “إن (ليب 2025) يعكس الدعم والتمكين الذي يحظى به القطاع التقني في المملكة من قبل القيادة الرشيدة – حفظها الله –، مما يعزز ريادتها العالمية في الابتكار والتقنيات المتقدمة”، مشيدًا بجهود جميع القطاعات الحكومية والقطاع الخاص الذين أسهموا في نجاح هذا الحراك التقني والابتكاري الذي يعزز جهود المملكة في تحقيق مستهدفات رؤية (2030م)، ويرسخ مكانتها كقائد في عصر الذكاء الاصطناعي”.
من جانبه أشار رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، رئيس مجلس إدارة شركة تحالف فيصل الخميسي، إلى أن المؤتمر لم يقتصر على الاستثمارات الكبرى التي تجاوزت (14.9) مليار دولار، بل شهد داخله حراكًا نشطًا بين الشركات الناشئة والمستثمرين، مما أدى إلى عقد صفقات نوعية ودعم مشاريع ريادية جديدة.
نقاشات حول الرقمنة والاستثمار
سلطت جلسات المؤتمر الضوء على أحدث الابتكارات الرقمية، والاستدامة، والاقتصاد المعرفي، ودور التقنية في إعادة تشكيل القطاعات الحيوية، وشهدت المنصة الرئيسة للمؤتمر جلسة بعنوان: “الحفاظ على التراث وتعزيز السياحة الثقافية بالتقنية”، حيث استعرض الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير بوابة الدرعية، جيري إنزيريلو، ملامح مشروع الدرعية، موضحًا أن الدرعية ليست مجرد موقع تاريخي وإنما تمثل أنموذجًا متكاملًا يجمع بين الحفاظ على التراث والتطوير الحديث عبر توظيف التقنيات الذكية.
وناقشت الجلسة الحوارية “المرأة في قيادة الابتكار التقني” دور المرأة في تطوير المجالات التقنية، حيث أكدت كبير الباحثين في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الدكتورة ابتسام باضريس، على أهمية الفيزياء النووية والجسيمات في دفع عجلة الابتكار، مشيرةً إلى إسهاماتها في مجالات الطب، مثل التصوير الطبي والعلاج الإشعاعي، بالإضافة إلى دورها في تطوير الإنترنت العالمية وتعزيز قدرات الحوسبة.
وأشار المتحدثون إلى أن المشاريع الرائدة، مثل: “نيوم، واستثمارات صندوق الاستثمارات العامة” في التقنيات المتقدمة، تعكس توجه المملكة نحو بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتعزيز الابتكار عبر دمج الأبحاث الأكاديمية بالصناعة، بما يسهم في تطوير حلول ذكية تُحدث نقلة نوعية في مختلف القطاعات.
كما ناقش المشاركون أهمية التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية في تسريع وتيرة التطوير التقني، وإيجاد بيئة خصبة للابتكار، حيث أشار الدكتور بانوس أحد المتحدثين في الجلسة إلى أن نجاح المدن الذكية يعتمد بشكل أساسي على التكامل بين البحوث المتقدمة والتطبيقات العملية، مما يعزز بناء منظومات تقنية متقدمة تواكب التطورات العالمية.
واختتمت الجلسة بتأكيد ضرورة تعزيز البنية التحتية الرقمية والاستثمار في المواهب والكفاءات، لضمان تحقيق مستهدفات رؤية (2030م) في التحول إلى مركز عالمي للتقنيات المتقدمة، مع تأكيد أن المملكة باتت في موقع إستراتيجي يؤهلها لتكون لاعبًا رئيسًا في مستقبل الاقتصاد الرقمي العالمي.
اتفاقيات بقيمة (24.19) مليار دولار
شهد المؤتمر الإعلان عن استثمارات ضخمة وتوقيع اتفاقيات لشركات عالمية بقيمة (24.19) مليار دولار، مع إنفاق كبير من قبل الشركات لدعم البحث والتطوير المحلي، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، والحوسبة السحابية، وتنمية المواهب، كما تم إطلاق مشاريع جديدة لدعم البنية التحتية الرقمية وتحفيز الابتكار، مما يعزز جاذبية المملكة كمركز رئيسي للاستثمارات التقنية على المستوى العالمي.
استثمارات اليوم الأول
شهد اليوم الأول من المؤتمر، انفجارًا في الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث اجتذبت المملكة استثمارات ضخمة بقيمة (14.9) مليار دولار، مما يؤكد ريادتها في هذا المجال الحيوي، وفي صدارة هذه الاستثمارات أعلنت شركتا “جروك، وأرامكو ديجيتال” عن شراكة إستراتيجية ضخمة، حيث ستستثمران (1.5) مليار دولار لتوسيع نطاق الحوسبة السحابية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في المملكة.
كما اتفقت شركتا “آلات، ولونوفو” على استثمار (2) مليار دولار لبناء مركز للتصنيع والتقنية متقدم يعتمد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات في المملكة، كذلك أعلنت شركة “غوغل” عن استثمارات ضخمة لإنشاء بنية تحتية رقمية متطورة تلبي الطلب المتزايد على خدمات الذكاء الاصطناعي على المستوى الإقليمي والعالمي.
كما أعلنت شركة “علي بابا كلاود” عن إطلاق برنامج طموح لتمكين الكفاءات السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع أكاديميتي “طويق، وإس تي سي”، ويهدف هذا البرنامج إلى تدريب المواهب الوطنية على التقنيات المتقدمة، والإسهام في بناء مستقبل رقمي مبتكر ومستدام في المملكة.
صفقات اليوم الثاني
تم الإعلان في اليوم الثاني للمؤتمر عن استثمارات تقنية ضخمة تجاوزت قيمتها (7.5) مليار دولار، تصدرتها اتفاقية شركة “داتا فولت” بالتعاون مع “نيوم” لاستثمار بقيمة (5) مليارات دولار لإنشاء أول مركز بيانات للذكاء الاصطناعي مستدام بالكامل بسعة (1.5) جيجاوات في مدينة أوكساجون، ليصبح وجهة عالمية في مجال الحوسبة المتقدمة ودعم الابتكار.
كما أعلنت شركة “الفنار” عن استثمار بقيمة (1.4) مليار دولار لتطوير أربعة مراكز بيانات بقدرة إجمالية تصل إلى (88) ميجاواط، لدعم نمو الاقتصاد الرقمي، وتطوير حلول الأعمال.
وكشفت شركة “موبايلي” عن استثمار (905) ملايين دولار في مشاريع إستراتيجية لتطوير البنية التحتية الرقمية، تشمل مشاريع في الكوابل البحرية وتطوير مراكز البيانات في المملكة، لتعزيز مكانتها كمحور رئيسي للتقنية عالميًّا.
استثمارات اليوم الثالث
شهد اليوم الثالث من المؤتمر إعلان شركات “تقنية رائدة” عن سلسلة من الاستثمارات الضخمة، بالإضافة إلى جولات لشركات ناشئة، بلغت قيمتها نحو (1.79) مليار دولار، ومن أبرز هذه الاستثمارات إعلان هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية عن إطلاق المجموعة الثالثة (Cohort 3) من البيئة التجريبية التنظيمية للتقنيات الناشئة، ما يتيح للمبتكرين والشركات الناشئة اختبار حلول جديدة في بيئة تنظيمية مرنة وآمنة لتسهيل دخولها إلى السوق، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
كما أعلنت شركة (Equinix)، عن تدشين أكبر مركز بيانات للحوسبة السحابية في المنطقة، باستثمارات تفوق مليار دولار، مما يعزز مكانة المملكة، كمركز عالمي لمزودي الخدمات السحابية، والابتكار التقني.
برنامج ترفيهي ثقافي متنوع
ضم المؤتمر للمرة الأولى برنامجًا متنوعًا من التجارب التعليمية والثقافية والترفيهية في مختلف أنحاء الرياض باسم “ليالي ليب”، بغرض الدمج بين الفرص المهنية والتراث الفريد، ومن أبرز الفعاليات التي أقيمت للزوار، جولات للدرعية، المصنفة من قبل اليونسكو كموقع تراث عالمي، بفضل مكانتها التاريخية والعمرانية، وهندستها المعمارية النجدية، ومنازلها الطينية الفريدة، مع الاستمتاع بالوجبات التقليدية والأطباق السعودية، بالإضافة إلى استكشاف تاريخ الرياض من خلال زيارة قصر المصمك، والمتحف الوطني، وبعض الأسواق الشعبية، وغيرها من المواقع التاريخية والأثرية.
وتضمنت الفعاليات رحلة على طول وادي العمارية، وجولة صحراوية في مناطق الكثبان الرملية، وممارسة بعض الرياضات مثل ركوب الإبل، والتزلج على الرمال، والاستماع للفنون والألوان الشعبية المحلية، كما قدمت لمحبي المغامرات جولة إلى جبل “فهرين” المعروف بصخوره الجيرية الكبيرة والمتناثرة.
جدير بالذكر أن مؤتمر ليب يُعد منصة عالمية تجمع بين الخبراء والمبتكرين لمناقشة أحدث التطورات التقنية واستشراف مستقبل القطاعات الحيوية، ويهدف المؤتمر إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز للتقنية والابتكار، وجذب الاستثمارات الدولية، وتسريع التحول الرقمي من خلال تمكين وتطوير واعتماد أحدث التقنيات وحلول الاتصال.