تكنولوجيا «إنترنت الأشياء» (Internet of Things) التي يطلق عليها الاسم المختصر (IOT) أو الجيل الجديد من الإنترنت الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها وهو عبارة عن شبكة للأجهزة المادية، مضمنة فيها البرمجيات، وأجهزة الاستشعار، والمحركات، والوصلات التي تمكن هذه الأجهزة والمعدات من الاتصال وتبادل البيانات والتفاعل داخل البنية التحتية الحالية للإنترنت، فضلاً عن عمليات التحكم عن بُعد في عمل كافة الأجهزة وبكل أحجامها وأنواعها.
وبعبارة أخرى فإن إنترنت الأشياء، هي عبارة عن مزيج من أنواع مختلفة من الأجهزة الذكية التي يمكن التواصل فيما بينها، باستخدام عدة تقنيات، منها: «شبكة الاستشعار اللاسلكية (Wireless sensor network WSN)، ومعرف الترددات الراديوية (Radio-frequency identification RFID)»، فضلاً عن البروتوكولات المعروفة مثل: «الواي فاي، والبلوتوث» وغيرها.
هذه الشبكة ترسِل وتستقبل المعلومات فيما بينها، من دون الاعتماد على البشر في إمدادها بهذه المعلومات، بل يتم الحصول عليها من الوسط الخارجي عبر الحواس الاصطناعية أو ما يعرف بـ»المستشعرات الرقمية»، حيث يتم بناء عملية الاتصال عن طريق منصات معدّة باستخدام الحوسبة السحابية، حيث تستقبل المنصات البرمجية طلبات الأجهزة عن طريق الإنترنت وتتعامل معها، ويتم الاعتماد − أيضًا − على البيانات التي يتم جمعها لتسهيل عمليات اتخاذ القرار.
الأشياء مقصود بها مجموعة واسعة من الأنظمة، مثل: «أجهزة تشغيل الأجهزة المنزلية من تلفزيونات، وترفيه منزلي، وغسالات، وثلاجات، ومكيفات، وأدوات تأمين، وتصوير، وكاميرا رصد تحركات الحيوانات البرية والطيور، وأنظمة التحكم في السيارات وغيرها من المتحركات، وأجهزة التشغيل الميدانية التي تساعد رجال الإطفاء في عمليات البحث والإنقاذ وغير ذلك كثير», وتعتمد آلية عمل الشبكات بقيام الأدوات المدمجة في الأجهزة بجمع بيانات التوجيه والإدارة ومن ثم تتدفق البيانات بشكل مستقل بين الأجهزة المختلفة.
وتمكن إنترنت الأشياء الإنسان من التحكّم بشكل فعاّل وسهل بالأشياء عن قرب وعن بُعد, فيستطيع المستخدم مثلاً تشغيل محرّك سيارته والتحكم فيها من بُعد من خلال أجهزته المحمولة، مثل الهاتف الجوال وغيره وبإمكان الأجهزة المتصلة بهذه السيارة التنبيه للأعطال واستدعاء متخصص من ورشة صيانة السيارات والتراسل معه عن بُعد للكشف عن المشكلة من دون حاجة لزيارة الورشة. كما تستطيع ربة المنزل التحكم في معدات المطبخ والتعرّف على محتويات الثلاجة عن بُعد، حيث يمكن لهذه الثلاجة التراسل مع مركز التسوق وشراء المستلزمات وتوصيلها بلا تدخل بشري.
تاريخيًا نوقش مفهوم شبكة الأجهزة الذكية في وقت مبكر منذ عام 1982م، في جامعة «كارنيجي ميلون» الأمريكية (Carnegie Mellon University) بتطوير ثلاجة بيع إحدى مشروبات الصودا المعروفة لتصبح بذلك أول أداة قادرة على الإبلاغ عن مخزونها وما إذا كانت المشروبات المحملة حديثــًا باردة, كذلك أسهمت ورقة «لمارك فايسر» (Mark Weiser) عام 1991م، بعنوان: «الكمبيوتر في القرن 21»، فضلاً عن جهات أكاديمية، مثل: (UbiComp) و(PerCom) في طرح الرؤى المختلفة حول إنترنت الأشياء.
بين أعوام (1993 و1996م) اقترحت العديد من الشركات حلولاً تصب في تطور مفهوم إنترنت الأشياء قبل أن يظهر في شكله الحالي، مثل: ( Microsoft’s at Work أو Novell’s NEST) ومع ذلك، فقط في عام 1999م، بدأ هذا الحقل التكنولوجي الجديد في جذب الزخم إليه, ففي نفس العام طرح عالم الحاسوب الأمريكي «بيل جوي» (Bill Joy) نظام الاتصال من جهاز لجهاز (Device to Device) كجزء من فكرة أطلق عليها (Six Webs) قدمها في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
مع ذلك يتفق كثيرون بأن مصطلح «إنترنت الأشياء» الذي صاغه العالم البريطاني «كيفن أشتون» (Kevin Ashton) أصبح شائعًا في عام 1999م، من خلال «مركز التعريف التلقائي» (Auto-ID Center) في معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، وذلك لوصف نظام يتم فيه اتصال الإنترنت بالعالم المادي عبر مستشعرات موجودة في كل مكان. وكان «اشتون» شارك في تأسيس المركز المشار إليه، وكانت فكرته أن يتم ربط بعض الأجهزة الرقمية التي توجد حولنا كـالأدوات الكهرومنزلية بطريقة تسمح لنا بتعرّف حالاتها ومعلوماتها الدقيقة من دون الحاجة إلى أن نكون بالقرب منها.
في السنوات الأخيرة تطورت الرؤية حول تكنولوجيا إنترنت الأشياء بسبب تقارب التقنيات المتعددة، بما في ذلك الاتصالات اللاسلكية، وتقنيات التحليل الآني، وأجهزة الاستشعار، وتطور الأنظمة المدمجة، وغيرها من مستحدثات تصب في تطوير عمليات التعرف والتواصل بين الأشياء المتقاربة بعضها البعض ومع غيرها، حيث يوجد اليوم عددًا غير محدودة من الأشياء والأجهزة المتصلة بالإنترنت، كل منها يتوقع ويستجيب ويتجاوب مع كل تفاعل ويجمع البيانات لتوفير رؤى قابلة للتنفيذ.
من خلال تطبيقات وتقنيات إنترنت الأشياء يمكن أن تعمل أجهزة التلفزيون مع أنظمة الصوت الذكية، ونظم المحتوى المتعدد (Over-the-top content OTT)، ونظم الإضاءة الذكية، ووحدات التحكم في الألعاب، على سبيل المثال، دخلت شبكة (Syfy TV) الأمريكية التي تملكها «إن بي سي يونفريسال» (NBC Universal) في شراكة مع شركة «فليبس للإلكترونيات» (Philips Elctoronic) لتطوير تقنية للإضاءة التزامنية الذكية, حيث يتيح تطبيق (Syfy Sync) للمستخدمين تنسيق ألوان الإضاءة مع مشاهد الأفلام التي يتابعونها على التلفزيون.
فضلاً عن ذلك، فإن تكنولوجيا إنترنت الأشياء أحدثت ثورة كبيرة في الألعاب الافتراضية وغيرها عبر الإنترنت، وذلك من خلال سد الفجوة المادية بين المنصة التي تنطلق منها الألعاب من جهة واللاعبين من جهة أخرى، فضلاً عن دمج المنصات الافتراضية عبر الإنترنت مع المنصات المادية على الأرض، مثل: أندية الألعاب وغيرها.
وواحدة من أهم استخدامات وسائل الإعلام لإنترنت الأشياء تتركز في عمليات التسويق بدراسة عادات المستهلكين، وذلك من خلال ما يطلق عليه الاستهداف السلوكي، حيث تقوم الأجهزة بجمع المعلومات عن ملايين الأشخاص المستهدفين, وباستخدام ملفات التعريف التي يتم إنشاؤها من خلال عملية الاستهداف يتم عرض الإعلانات بما يتماشى مع العادات المعروفة للمستهلك في الوقت والمكان المناسبين، وذلك لتحقيق أعلى تأثير عليه, كما يتم جمع مزيد من المعلومات عن طريق تتبع كيفية تفاعل المستهلكين مع المحتوى من خلال المتابعة الدقيقة لتصرفاتهم.
وقد بدأت بعض مؤسسات الإعلام بالفعل في تعزيز الرؤي تجاه جمهورها، وهي تعمل على دمج سلوك الاستهلاك والأذواق وردود الفعل مع المحتوى الإعلامي الذي تقدمه, فعلى سبيل المثال تستخدم مختبرات هيئة الإذاعة البريطانية (BBC Worldwide Labs) مع «كراوداموشن» (CrowdEmotion10)، وهي شركة ناشئة مقرها في لندن تقنية مسح الوجه لتتبع التغيرات التي تحدث في تعبيرات وجوه المشاهدين في الوقت الحقيقي, حيث تساعد التقنيات التي باتت متوافرة حاليًا على جمع ردود الفعل العاطفية الواعية واللاواعية، ومن خلال ذلك يقوم قسم الإعلانات في «بي بي سي» باستنتاج رؤى واضحة حول اتجاهات السوق، ليتم وفقًا لها بناء مقاييس الإعلانات وتوجيهه الوجهة الصحيحة.
لقد كانت وسائل كشف مقاييس استهلاك المحتوى المستندة إلى النماذج التقليدية التي تستخدمها المحطات التلفزيونية وشركات الإعلانات لتحديد مستوى المشاهدية (Viewership) لا تكشف إلا من يشاهد البرامج، ومتى تحدث المشاهدة؟ ولكن التطورات من خلال المستشعرات المتقدمة أصبحت تقترب رويدًا من الإجابة عن سؤال مهم، وهو: الكيفية التي بها تتم المشاهدة؟ حيث يمكن لأجهزة الاستشعار المتطورة قياس التفاعلات المختلفة للمشاهد أو المستمع مع أنواع مختلفة من المحتوى والسياق الذي يتم فيه استهلاكه من برامج أو إعلانات أو غيرهما.
على ذلك ذهبت بعض شركات الإعلام إلى أبعد من ذلك وأسست معايير جديدة لاستغلال تحليل بياناتها بغرض تقديم خدمات إعلامية إضافية ومخصصة بناءً عليها, على سبيل المثال، تعمل شركة الترفيه الإعلامي والموسيقي السويدية «سبتوفاي» (Spotify) على تحليل أوجه واتجاهات ومدى استهلاك المحتوى الخاص بها بناءً على مجموعة من المقاييس، مثل: «طول وعمق الاستماع»، وذلك لتحديد المستمعين الذين يمكن أن يكونوا أكثر عرضة بخمس مرات من المستمعين العاديين لإنفاق الأموال على الحفلات الموسيقية, ومع «سبتوفاي» تعمل شركة «نيتفليكس» العملاقة (Netflix) كخيول طروادة لإنترنت الأشياء، فهما تعملان عبر الأجهزة − من أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والقابلة للارتداء.
التوقعات تقول إنه في الشرق الأوسط وحده ستوجد إنترنت الأشياء سوقــًا بقيمة (100) مليار دولار، وتُسهم بنسبة تصل إلى (4%) من إجمالي الناتج المحلي سنوياً، وفقــًا لتقرير حديث أعدته شركة «مايكروماركت مونيتر» الأمريكية، فبحلول عام 2020م، سيكون حجم سوق إنترنت الأشياء أكبر من سوق الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب والأجهزة اللوحية مجتمعين بمقدار الضعفين، وسيستثمر قطاع الأعمال (250) مليار دولار في تقنيات إنترنت الأشياء خلال السنوات الخمس القادمة، وستذهب (90%) منها للاستثمار في الأنظمة والبرمجيات التي تشغل هذه الأجهزة.
هذا التقرير يدعمه آخر من «موبيليتي إريكسون» لمنطقة الشرق الأوسط يؤكد دور تقنيات إنترنت الأشياء في تعزيز عملية التحول الرقمي عبر كافة القطاعات والصناعات وإتاحة الإمكانات الهائلة لمشغلي خدمات الهاتف المتحرك في الشرق الأوسط وإفريقيا لتعزيز مصادر إيراداتها.
فمن المتوقع أن ينمو عدد الاتصالات الخلوية بتقنية إنترنت الأشياء في الشرق الأوسط وإفريقيا من (35) مليون إلى (159) مليون خلال الفترة من (2017 − 2023م) بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي (30%). ما سيمكن المشغلين لاكتشاف فرص رقمية جديدة بما أن العالم بات اكثر اتصالاً، كما تشهد القطاعات المختلفة تحولاً جذريًا باتجاه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك من المتوقع أن تبلغ عائدات قطاع الرقمنة بالارتكاز على تقنية الجيل الخامس في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا حوالي (242) مليار دولار خلال الفترة من (2016 − 2026م)، ما يعني بأن تكنولوجيا المعلومات والاتصال ستؤدي دورًا مهمًا في تبني تقنيات الرقمنة ودمجها في قطاعات محددة لتحقيق المزيد من الإيرادات.
هذه التوقعات تقول − أيضًا − إنه سيكون للتكنولوجيا الرقمية تأثير لا رجعة فيه على الشركات وستؤثر في القدرة التنافسية الإقليمية، حيث من المقرر أن تكون منطقة الخليج في طليعة هذا التغيير, في الإمكانات التي ستوفرها إنترنت الأشياء تشمل توسيع الفرص وتعزيز سلسلة القيمة، حيث ستصبح في نهاية المطاف كل شركة هي في واقع الأمر عبارة عن شركة خدمات.
أخيرًا يجب أن ننبه إلى أن فوائد التعامل مع إنترنت الأشياء لا يجب أن ينسينا مخاطرها، فعملية تبادل البيانات بين الأجهزة الذكية قد تؤثر في خصوصية الأفراد، وكذلك يمكن أن تؤثر في قضايا أخرى حساسة لها علاقة بالأمن والحماية؛ من الناحية التكنولوجية بشكل عام، وبأمن المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية بشكل خاص، ومن هذه القضايا؛ عدم مراقبة الأجهزة التي تحتوي على مستشعرات بالشكل الصحيح، وكذلك عمليات التشويش المتعمَّدة، والتي يقوم بها بعض الأشخاص بهدف تعطيل أنظمة التواصل بين هذه الأجهزة الذكية بطريقة غير قانونية وبدوافع التخريب والعبث، وكذلك دراسة التهديدات التي تتعرض لها إنترنت الأشياء، وكذلك الآليات والتقنيات المتبعة لإحداث خلل والبحث عن الثغرات الموجودة في طبقات إنترنت الأشياء، وكذلك سيتم دراسة البنية التحتية وسجلات الملفات في إنترت الأشياء.