إكس شات.. عصر جديد في عالم الاتصالات الرقمية

خاص – إذاعة وتلفزيون الخليج



في بداية يونيو هذا العام أعلنت شركة “إكس”، التابعة لقطب التكنولوجيا والأعمال إيلون ماسك، إطلاق تطبيق المراسلة الجديد “إكس شات” (XChat)، المصمّم ليكون منافسًا مباشرًا لتطبيقات شهيرة مثل “واتساب، سيغنال، تلغرام، ووي تشات الصيني”.
التطبيق مخصّص لمستخدمي منصة “إكس”، ويركّز على عناصر الأمان، حيث يتميز بتقنيات تشفير مستوحاة من نظام البيتكوين، إلى جانب ميزات مثل الرسائل ذاتية الاختفاء، وقد ذكر ماسك في منشور على منصة “إكس” أن التطبيق مبنيّ باستخدام لغة البرمجة (Rust)، المعروفة بسرعتها وأمانها، مما يُسهم في تقديم تجربة مراسلة آمنة شبيهة بما توفّره تطبيقات التشفير الشامل، مثل “واتساب وتلغرام”.
خطوة نحو تطبيق “كل شيء”
يُعد إطلاق “إكس شات” جزءًا من رؤية ماسك الأوسع لتحويل منصة “إكس” إلى “تطبيق كل شيء” (Everything App)، وهو هدفٌ صاغه قبل استحواذه على “تويتر” في صفقة بقيمة (44) مليار دولار في أكتوبر 2022م، وتستلهم الفكرة من تطبيقات صينية فائقة مثل “وي شات”، التي تُتيح للمستخدمين إجراء المعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وتحميل الألعاب، واستخدام الشبكات الاجتماعية، والتسوق عبر الإنترنت، من بين أنشطة أخرى، وقد وضع ماسك تصورًا شاملًا لمنصة يمكن للمستخدمين من خلالها تخزين الأموال في حسابات “إكس” الخاصة بهم، وإرسال المدفوعات إلى المستخدمين الآخرين، وربما الوصول إلى حسابات سوق المال ذات العائد المرتفع.
وذكرت مجلة “فوربز” أن ماسك قبل أن يقوم بشراء “تويتر” في أكتوبر 2022م، كتب قائلًا: “شراء تويتر يُسرّع إنشاء إكس، تطبيق كل شيء”، وهو ما يعتبره هو والرئيسة التنفيذية لشركته، ليندا ياكارينو، رؤيتهما للمنصة، وفي تصوّر ماسك أن منصة “إكس” تجمع بين وظائف العديد من التطبيقات المختلفة، بما في ذلك الخدمات المالية.
وفي يناير 2025م، صرّح ماسك بأنه أبرم صفقة مع شركة فيزا المالية (Visa)، تُمكّن مستخدمي المنصة من إجراء مدفوعات فيما بينهم بأسلوب مُشابه لتطبيقات تحويل الأموال، مثل (Zelle) أو (Venmo).
علاوة على ذلك دمجت المنصة نموذج “غروك” (Grok)، وهو روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي، ضمن مجموعة ميزاتها المتنامية، وأكدت ياكارينو، طموحات ماسك، واصفةً طرح الأدوات المالية وأدوات المراسلة بأنه محور خارطة طريق الشركة.


مجموعة متكاملة من الوظائف
“إكس شات” مزود بمجموعة متكاملة من الوظائف التي تضعه كمنافس قوي، لعل أبرزها:
1- التشفير من الطرف إلى الطرف: تعد هذه الميزة حجر الزاوية في “إكس شات”، حيث تضمن أن الرسائل والمكالمات لا يمكن لأي طرف ثالث، بما في ذلك شركة “إكس” نفسها، الاطلاع عليها.
2- الرسائل الزائلة: تتيح ميزة الرسائل الزائلة (Ephemeral Messages) للمستخدمين إرسال رسائل تختفي تلقائيًّا بعد فترة زمنية محددة، مما يضيف طبقة إضافية من الخصوصية.
3- إرسال جميع أنواع الملفات: سيتمكن المستخدمون من مشاركة مختلف أنواع الملفات دون قيود، بما في ذلك الوسائط والمستندات، وربما حتى الملفات المشفّرة.
4- مكالمات صوتية ومرئية دون رقم هاتف: يدعم التطبيق إجراء المكالمات الصوتية والمرئية مباشرة عبر المنصة دون الحاجة إلى ربط الحساب برقم هاتف، مما يعزز من خصوصية المستخدمين، ومن المتوقع أن تدعم الميزة المحادثات الفردية والجماعية، وهي ميزة طال انتظارها لتوسيع إمكانيات المشاركة على المنصة.
تشير هذه الإضافات إلى أن منصة “إكس” لا تكتفي باعتماد نظام الرسائل الحالي، بل تؤسس بنية تواصل جديدة بالكامل تستهدف المحادثات اللحظية والمستمرة والخاصة.
الجدير بالذكر – أيضًا – أن هذا الإطلاق يأتي بعد فترة وجيزة من تعليق الشركة النسخة الأولى من ميزة الرسائل المشفّرة، وهي خاصية سبق أن أشاد بها ماسك في جزء أساسي من إستراتيجية الخصوصية في “إكس”، ويبدو أن التحول نحو “إكس شات” يمثل إعادة تفكير شاملة في كيفية تعامل الشركة مع الخصوصية الرقمية في المستقبل.
ترى مجلة “إيكونوميك تايمز”، أن نية ماسك هي تعزيز معايير الخصوصية التي تتجاوز معايير العديد من تطبيقات المراسلة الشائعة، وقد سبق له أن انتقد تطبيق “واتساب” المملوك لشركة “ميتا”، زاعمًا أنه يفتقر إلى الأمان الكافي للمستخدمين، وهو إدعاء نفاه “واتساب” مرارًا وتكرارًا، كما ورد في تقرير لمجلة “فوربس”.
التشفير بأسلوب بيتكوين
لعل أبرز ما أثار الانتباه في الإعلان هو ما وصفه ماسك بأنه: “تشفير بأسلوب بيتكوين”، وعلى الرغم من أن العبارة تستحضر مفاهيم التشفير المتقدم، فإنها أثارت – أيضًا – جدلًا بين الخبراء، فخلافًا لبروتوكولات التشفير الطرفي التقليدية التي تعتمدها تطبيقات المراسلة، يستند نظام بيتكوين إلى معاملات علنية وقابلة للتحقق، لا إلى تبادل خاص للرسائل، وما إذا كانت هذه المقارنة تشير إلى مبادئ البلوكشين أو بنية “عدم الثقة الافتراضية”، أو شيء آخر تمامًا لا يزال غير واضح من جانب “إكس”.
في السياق نشر خبير التشفير والأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، ماثيو غاريت (Matthew Garrett) منشورًا هامًا حول بروتوكول الرسائل الجديد للتشفير الشامل من “إكس”، والذي يُسمى الآن “إكس شات”، جاء فيه: “باختصار، من منظور تشفيري، إكس شات ليس رائعًا بما يكفي”، وفقًا لما يلي:
1- لا تتوفر سرية مسبقة: بخلاف بروتوكول سيغنال، الذي يستخدم مفتاحًا مزدوجًا لتحديث مفاتيح المستخدم السرية باستمرار، يقوم تشفير “إكس شات” بتشفير كل رسالة باستخدام المفتاح العام طويل الأمد للمستلم.
2- مفاتيح المستخدم الخاصة تُخزن في منصة إكس: يخزن “إكس شات” مفاتيح المستخدم الخاصة على خوادمه الخاصة، ولحصول المستخدم على مفاتيحه الخاصة، عليه أولًا تسجيل الدخول إلى نظام تخزين المفاتيح الخاص بـ”إكس” باستخدام كلمة مرور مثل رقم التعريف الشخصي (PIN).

خيار جديد يوسع سوق المنافسة
مع دخول “إكس شات” إلى الحلبة، يواجه المستخدمون خيارًا جديدًا في سوق تهيمن عليه تطبيقات راسخة، وبينما يتمتع “واتساب” بقاعدة مستخدمين ضخمة وانتشار عالمي، يبرز “سيغنال” كمعيار ذهبي في عالم الخصوصية والأمان.
يثير إطلاق “إكس شات” عددًا من التساؤلات الجوهرية؛ هل ستقدّم المنصة تشفيرًا حقيقيًّا من طرف إلى طرف متوافقًا مع أفضل معايير الأمان، وهل يمكنها منافسة أداء واستقرار المنصات الناضجة، وكيف ستتعامل “إكس” مع قضايا الإشراف والانتهاكات وسوء الاستخدام ضمن محادثات خاصة.
علاوة على ذلك، فإن منصات المراسلة لا تُقيَّم فحسب وفق ميزاتها، بل بمدى اندماجها في حياة المستخدم اليومية، فتطبيق “واتساب” متجذّر في التواصل مع جهات الاتصال.
أما “تلغرام” فاشتهر بالقنوات وخيارات التخصيص، وتطبيق “سيغنال” يركّز على الأمان المطلق، وللتميز فإنه على “إكس شات” ألا تكتفي بالتقنيات، بل أن تبني لها مكانة خاصة في أسلوب الناس في التواصل.
عالم التكنولوجيا يراقب عن كثب
قد يُبشر إطلاق “إكس شات” بعصر جديد في عالم الاتصالات الرقمية، خاصةً إذا نجح في التوسع واستقطاب قاعدة مستخدمين عالمية، وبينما يُهيمن “واتساب” حاليًّا على سوق الرسائل بأكثر من ملياري مستخدم نشط، فإن وعد “إكس شات” بتكامل وظائفه، والخصوصية، وقاعدة أساسية لوسائل التواصل الاجتماعي قد يجعله قوةً ثوريةً – إذا نُفذ بفعالية.
ويكمن التحدي الأكبر أمام “إكس شات” في إقناع المستخدمين بالانتقال إليه أو اعتماده كتطبيق مراسلة أساسي، وسيعتمد نجاحه بشكل كبير على سلاسة التجربة، وقوة نظام الأمان، وقدرته على تقديم قيمة مضافة حقيقية تميزه عن منافسيه.