وسائل التواصل الاجتماعي منصات لنشر ومشاركة الأخبار المضللة والأكاذيب

إذاعة وتلفزيون الخليج –خاص

مقدمو المعلومات المضللة يستغلون مواطن الضعف في المتلقين.

أصبح انتشار المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة ممكنة إلى حد كبير عبر الشبكات والمراسلات الاجتماعية، مما يطرح التساؤلات حول مدى رقابة الدول والرقابة الذاتية للشركات التي تقدم هذه الخدمات.

في هذا الشأن أصدرت اليونسكو دليلاً للتدريس والتدريب في مجال الصحافة بعنوان: “الصحافة والأخبار الزائفة والتضليل” (Journalism, Fake News & Disinformation) كتبه الخبيران “جولي بوسيتي وشيرلين إيريتون “، وقد نُشرت ترجمة الدليل إلى اللغة العربية هذا العام 2020م، في العاصمة الأردنية عمّان بعون من مؤسسة “فريديرش ناومان” الألمانية.

يستجيب الدليل لمشكلة المعلومات المضللة العالمية الناشئة التي تواجه المجتمعات بشكل عام، والصحافة بشكل خاص، وهو يتجنب افتراض أن مصطلح “الأخبار الزائفة” له معنى صريح واضح أو مفهوم يتفق عليه الجميع، وذلك لأن “الأخبار” تعني معلومات يمكن التحقق منها خدمة للمصلحة العامة، وبالتالي فإن المعلومات التي لا تلبي هذه المعايير لا تستحق أن تصنف كأخبار، ومن هذا المنطلق؛ فإن “الأخبار الزائفة” تحمل في طياتها تناقضًا يتمخض عن تقويض لمصداقية المعلومات التي تجتاز فعلاً عتبة التحقق وتخدم المصلحة العامة – أي الأخبار الحقيقية.

وَلـِفـَهم أفضل للحالات التي تنطوي على التلاعب الاستغلالي للغة وقواعد صياغة ونشر الأخبار بمختلف أنواعها، يسمي هذا المنشور أعمال الاحتيال هذه بمسمياتها؛ باعتبارها ضربًا من المعلومات الزائفة التي تندرج ضمن مجموعة متنوعة ومتسعة من المعلومات المضللة.

في كتاب اليونسكو يتم استخدام مصطلح “المعلومات المضللة” (disinformation) عمومًا للإشارة إلى المحاولات المتعمدة (المخطط لها بعناية في كثير من الأحيان) لإرباك الأشخاص أو التلاعب بهم عبر تقديم معلومات كاذبة لهم، وغالبًا ما يقترن ذلك بإستراتيجيات اتصالات متوازية ومتقاطعة ومجموعة من التكتيكات الأخرى مثل القرصنة أو المساس بسمعة الناس ومصالحهم.

ويتمُّ استخدام مصطلح “المعلومات الخاطئة” (misinformation) بشكل عام للإشارة إلى المعلومات المضللة التي يتمُّ إنشاؤها أو نشرها من دون وجود نوايا تلاعب أو خبث، وكلا النوعين يمثلان مشكلة للمجتمع، ولكن المعلومات المضللة من النوع الأول تشكل خطورة؛ لأنها غالبًا ما تكون منظمة وتتوافر لها الموارد وتعززها التكنولوجيا المؤتمتة.

يقول الدليل: “إن مقدمي المعلومات المضللة يستغلون مواطن الضعف في المتلقين أو الانقسامات الممكنة بينهم آملين في استغلالهم لتضخيم الكذبة ونشرها على نطاق أوسع، وهم بهذه الطريقة يسعون لتحفيزنا كي نصبح قنوات لرسائلهم عبر استغلال ميولنا لمشاركة المعلومات على تعدد أسبابنا لفعل ذلك”، وهناك خطر خاص يتمثل في أن “الأخبار الزائفة” بهذا المعنى عادة ما تكون مجانية؛ وهذا يعني أن الأشخاص الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الصحافة الجيدة، أو الذين يفتقرون إلى وسائل الإعلام المستقلة التي تقدم الخدمة العامة، ضعيفو التحصين بشكل خاص أمام المعلومات المضللة أو الخاطئة.

ويوضح الدليل وجود فروق واضحة تكشف اختلاف المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة عن الصحافة (عالية الجودة) التي تتوافق مع المعايير والأخلاقيات المهنية، وفي الوقت نفسه فإنها تختلف – أيضًا – عن الصحافة الهزيلة التي لا تحقق ما تعدّ به.

ويشمل ذلك على سبيل المثال: الأخطاء المستمرة (وغير المصححة) التي تنشأ عن سوء البحث أو ضعف التحقق، وهي تشمل كذلك الإثارة التي تنطوي على مبالغات لغايات التأثير في المتلقي، وعلى انتقائية منحازة للحقائق على حساب العدل والإنصاف.

هذا الأمر انعكس على الصحفيين وهم ليسوا مجرد متفرجين يشاهدون انهيارات جليدية متنامية من التضليل والمغالطة، بل إنهم يجدون أنفسهم في طريق هذا الانهيار معرضين للانجراف أيضًا، وهذا يعني أن الصحافة تواجه خطر الطمس بسبب الأصوات النشاز، كما يواجه الصحفيون خطر التعرض للتلاعب من قبل الجهات الفاعلة التي تخالف أخلاقيات العلاقات العامة عبر محاولة تضليل أو إفساد الصحفيين لنشر معلومات مضللة.

وفي سياق التضليل والمعلومات المغلوطة التي نشهدها اليوم، فإن الخطر الأقصى ليس القيود التنظيمية غير المبررة على الصحافة، إنما هو أن يأتي يوم لا تؤمن الجماهير بكل محتوى إعلامي؛ بما في ذلك ما تنشره الصحافة أو تذيعه.

وفي ظل هذا السيناريو، فإن من المرجح أن يصدق الناس المحتوى الذي تدعمه شبكاتهم الاجتماعية، والذي يتوافق مع مشاعرهم ورغباتهم وليس مع عقولهم والمنطق السليم، ويمكننا أن نرى منذ الآن الآثار السلبية لهذا الأمر على معتقدات العامة حول الصحة والعلوم والتفاهم بين الثقافات والقدرة على تمييز الخبير ممّن يدعي الخبرة.

هذه المخاطر هي السبب الذي يدفعنا لمقاومة تنامي ظاهرة “الأخبار الزائفة” بقوة، وهو ما يجعل تدريس الصحافة والتربية الصحفية أمرًا ضروريـًّا.

وفي الوقت نفسه، تشكل التهديدات – أيضًا – فرصة لمضاعفة الجهود لإبراز أهمية وسائل الإعلام وقيمتها، وهي توفر في أثناء الممارسة المهنية، فرصة للتأكيد على التميـّز في تقديم معلومات قابلة للتحقق، والتعليق المستنير الذي يخدم المصلحة العامة.

لقد حان الوقت لوسائل الإعلام أن تطبق المعايير والأخلاقيات المهنية بشكل أوثق، وتتجنب نشر المعلومات التي لم يتمّْ التحقق منها، والابتعاد عن المعلومات التي قد تهم بعض الجمهور، ولكنها لا تخدم الصالح العام، وبالتالي يعدُّ هذا الكتيب –أيضـًا– تذكيرًا يأتي في وقته، بأنه يجب على جميع المؤسسات الإخبارية والصحفيين، تجنب نشر المعلومات المضللة والخاطئة عن غير قصد ومن دون تمحيص.

ففي كثير من وسائل الإعلام اليوم، أدى إلغاء وظائف العاملين على التحقق الداخلي من الحقائق إلى حد ما إلى نقل هذه المهمة إلى أيدي ما يعرف الآن بـ”السلطة الخامسة” من المدونين وغيرهم من اللاعبين الخارجيين الذين ينتقدون بصوت عال الأخطاء التي يرتكبها الصحفيون، ولكن بعد نشرها.

كذلك لا بد من تحسين قدرة ممارسي العمل الإخباري على تجاوز النقل الأعمى عن المصادر، والتحقيق في صحة المعلومات المقدمة من أولئك الذين تشملهم التغطية الصحفية ومن واجب الصحافة – أيضًا – الكشف بشكل استباقي عن حالات وأشكال جديدة من التضليل وفضحها، وهذه مهمة بالغة الأهمية لوسائل الإعلام.

في حين تعدُّ هذه المهمة ردًا فوريًا على مشكلة أصبحت ذات أثر تدميري، فإنها تكمل وتعزز مزيدًا من إستراتيجيات المعالجة، مثل التربية الإعلامية التي تمكن الجماهير من التمييز بين الأخبار الصادقة والمعلومات المضللة والخاطئة، حيث تعدُّ قضية التضليل قصة ساخنة تستحق تغطية صحفية قوية من شأنها أن تعزز خدمة الصحافة للمجتمع.

هذا الدليل هو دعوة للعمل، وهو يهدف – أيضًا – إلى تشجيع الصحفيين على الانخراط في حوار مجتمعي حول كيفية إصدار الناس أحكامهم عمومًا حول المصداقية، ولماذا يتناقل البعض معلومات لم يتمّْ التحقق منها، وكما هي بالنسبة لوسائل الإعلام، وكذلك لكليات الإعلام وطلابها، إلى جانب المدربين الإعلاميين والمتعلمين؛ فإن هذه فرصة كبيرة لمشاركة مدنية قوية تنخرط فيها الجماهير، فعلى سبيل المثال: يُعدّ “اللجوء للجماهير كمصدر أمرًا ضروريـًّا إذا أرادت وسائل الإعلام الكشف عن معلومات مضللة خفية، مما ينشر كمراسلات على مواقع التواصل أو عبر البريد الإلكتروني والإبلاغ عنها”.

ويوفر هذا المرجع الجديد، الممول من برنامج اليونسكو الدولي لتنمية الاتصال (IPDC)، رؤية شاملة لقضية التضليل، إلى جانب بناء المهارات العملية التي تكمل ما يقدم من معرفة وفهم بغرض تشجيع الأداء الأمثل والرقابة الذاتية من قبل الصحفيين.