مؤسسات الإعلام الرقمي الجديدة (NETFLIX) من تأجير أقراص الـ(DVD) إلى أكبر منصة للبثِّ الرقمي

د. عباس مصطفى صادق

لزمن طويل سادت الإعلام الدولي أسماء إمبراطوريات معروفة، مثل: (تايم وارنر، وإكسل شبرنغر، وبرتلزمان، وديزني) وغيرهم، الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديد كليًّا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل: (نيتفليكس، وفايس ميديا وبزفيد، وإنسايد إديشن، وفوكس، وإم أي سي ميديا)، هم عمالقة جدد في الإعلام الدولي وبأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة.

(نيتفليكس Netflix) هي شركة أمريكية متخصصة في توفير الخدمات الإعلامية وشركة إنتاج مقرها في (لوس غاتوسLos Gatos  )، كاليفورنيا، تأسست سنة 1997م، من قبل “ريد هاستينغز ومارك راندولف” في سكوتس فالي، كاليفورنيا.

يتمثل نشاط الشركة الأساسي في خدمة البث المباشر القائمة على الاشتراك لمكتبة من الأفلام والبرامج التلفزيونية، بما في ذلك البرامج المنتجة داخليًا، واعتبارًا من أبريل 2019م، كان لديها ما يزيد على (148) مليون اشتراك مدفوع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك (60) مليون اشتراك في الولايات المتحدة الأمريكية، قدمت لهم عروضًا مثل: (ناركوس، وأوزارك، وهاوس أوف كاردز، وماستر أوف نون)، وغيرها كثير، جنبًا إلى جنب مع عدد كبير من الأفلام الوثائقية، والأعمال الكوميدية والأعمال التي يتم الإعلان عنها كل شهر.

تضمن نموذج الأعمال الأولي لـ(نيتفليكس) مبيعات وتأجير أقراص الـ(DVD) عبر البريد، لكن “ريد هاستينغز”، المؤسس المشارك ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة، تخلى عن نظام المبيعات بعد حوالي عام من تأسيس الشركة للتركيز على تأجير أقراص الـ(DVD).

قدمت الشركة خدمة فريدة هي إيصال أقراص الـ(DVD) عبر البريد عن طريق عرضها لخاصية الاشتراك الشهري على العملاء بدلاً من دفعهم لتكاليف كل عملية شحن على حدة، فأصبحت تكلفة توصيل قرص الـ(DVD) لمرة واحدة هي ذاتها لعشر توصيلات أو مئة توصيل أو العدد الذي تريده، وأدى ذلك إلى تراجع سريع للمحلات التجارية أو الشركات العاملة وفق الطريقة التقليدية، وفي سنة 2005م أصبح لدى شركة (نتفليكس) قاعدة بيانات تضم أكثر من (4.2) مليون مشترك بخدمة (DVD by mail).

في سنة 2007م، أعلنت الشركة أنه بالإضافة لخدمة توصيل أقراص الـ(DVD)  عبر البريد، سوف توفر للمشتركين خدمة بث البرامج التلفزيونية والأفلام مباشرة إلى حواسيبهم أي عبر الإنترنت، وفي سنة 2010م وسعت أعمالها من خلال تقديم وسائط البث مع الاحتفاظ بأعمال تأجير أقراص الـ(DVD) و(Blu ray) وفي نفس العام توسعت الشركة دوليًّا في كندا ثم أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

دخلت (نيتفليكس) في عملية إنتاج المحتوى سنة 2012م، حيث ظهر لها ولأول مرة مسلسل (Lily hammer) الذي يحكي قصة “فرانك تاجليانو”، رجل العصابات السابق في نيويورك، والذي يشهد ضد رئيسه في المافيا، وعندما تصبح الأمور سيئة بالنسبة له، يغادر إلى ليلهامر، النرويج، لحماية نفسه وقد استمر هذا المسلسل حتى آخر حلقاته في 17 ديسمبر 2014م، بعدها يصبح لـ(نيتفليكس) دورًا نشطًا كمنتج وموزع لكل من المسلسلات السينمائية والتلفزيونية، ولهذا الغرض، صارت تقدم مجموعة متنوعة من محتوى (Netflix Original) من خلال مكتبتها الضخمة على الإنترنت، وبحلول يناير 2016م، وصلت خدمات (نيتفليكس) إلى أكثر من (190) دولة، وأصدرت حوالي (126) سلسلة وأفلام أصلية، أكثر من أي شبكة أو قناة كابل أخرى.

تمول (نيتفليكس) برامجها الأصلية بشكل مختلف عن شبكات التلفزيون الأخرى، فعندما يوقعون على مشروع ما، يقدمون التمويل مقدمًا ويطلبون على الفور موسمين من حلقات المسلسلات، وفي مارس 2011م بدأت (نيتفليكس) في الحصول على أوائل المحتويات الأصلية لمكتبتها، بدءًا من مسلسل (هاوس أوف كاردز House of Cards)، والذي ظهر لأول مرة في فبراير 2013م.

بعد ذلك توسعت في الإنتاج بغزارة فوصلت لإنتاج خمسة مسلسلات مكتوبة خصيصًا لها في سنة 2013م، ثم في العام 2014م وصلت لعرض (25) مادة، منها ثمانية مسلسلات من إنتاجها وهو رقم ضخم حتى لشركة متخصصة في الإنتاج، ثم في سنة 2015م عرضت (59) مسلسلاً أصليًّا وفيلمًا وأفلام وثائقية، منها (19) مسلسلاً من إنتاج (نيتفليكس) حتى وصلت في سنة 2016م لعرض ما يقرب من (126) مسلسلاً وفيلمًا منها (29) مسلسلاً من إنتاجها.

في سنة 2015م، أنتجت الشركة أول فيلم روائي طويل لها وكان بعنوان: (Beasts of No Nation)، لتغير بذلك طريقة إنتاج الأفلام وتحدث ثورة في طريقة مشاهدتها ‒ أيضًا ‒ قصته ترسم الواقع عندما تمزق الحرب الأهلية عائلته، يضطر صبي من غرب إفريقيا إلى الانضمام إلى وحدة من المقاتلين المرتزقة ويتحول إلى طفل مجند.

في تلك المرحلة قدمت (نيتفليكس) (ناركوس Narcos) وهو مسلسل جريمة أمريكي تم إنتاجه من قبل “كريس برانكاتو، وكارلو برنار، ودوغ ميرو”، الموسم الأول يحتوي على (10) حلقات بثت لأول مرة في 28 أغسطس 2015م، حصريًا على (نتفليكس)، أحداث القصة حقيقية وتدور حول قصة تاجر المخدرات المشهور “بابلو إسكوبار” الذي أصبح ملياردير بسبب إنتاج الكوكايين وتصديرها لخارج كولومبيا، ومحاولة القبض عليه من قبل مكافحة المخدرات الأمريكية، وتقع أحداث القصة في كولومبيا، وفي 3 سبتمبر 2015م تم الإعلان عن موسم ثان للمسلسل، وبُثَ الموسم الثاني على الهواء في عام 2016م، تم تجديد المسلسل بشكل رسمي في 6 سبتمبر 2016م إلى موسم ثالث ورابع.

واصلت (نتفليكس) توسيع محتواها الأصلي بشكل كبير في سنة 2016م، حيث تم عرض فيلم الخيال العلمي (Stranger Things) للمرة الأولى في يوليو 2016م، والدراما التي تعتمد على الموسيقى (The Get Down) في أغسطس، والدراما التاريخية (The Crown) في نوفمبر، وتضمن العرض الأول للعام في الكوميديا، ​​مثل ( Love ، Flaked)، في هذا العام استثمرت ‒ أيضًا ‒ في توزيع العروض الكوميدية الحصرية الخاصة من الكوميديين البارزين، مثل: (ديف شابل، ولويس سي كي، وكريس روك) وغيرهما.

في أكتوبر 2017م، حددت “نتفليكس” هدفـًا يتمثل في جعل نصف مكتبتها تتكون من المحتوى الأصلي بحلول سنة 2019م، معلنة خطة لاستثمار (8) مليارات دولار على المحتوى الأصلي في سنة 2018م بالتركيز على الأفلام والأنيمي من خلال هذا الاستثمار، مع خطط لإنتاج (80) فيلمًا خاصًا و(30) مسلسل أنيمي.

في 2019م، أعلنت (نتفليكس) زيادة بالملايين في عدد مشتركيها خلال أربعة أشهر فقط، حيث سجل الربع الثالث من العام زيادة بمقدار (6.77) مليون مشترك، الجزء الأكبر منها جاء من الأسواق الخارجية، وتعود هذه الزيادة الضخمة في عدد المشتركين إلى عرض الموسم الجديد لمجموعة من أشهر الأعمال التلفزيونية مثل مسلسل الخيال العلمي (أشياء غريبة) الذي شاهده (64) مليون مشترك خلال أول أربعة أسابيع فقط من عرضه، ليصبح بذلك الموسم الأعلى مشاهدة بين البرامج التي أنتجتها (نتفليكس)، وفقًا لما ذكرته وكالة (بلومبيرغ) الأمريكية، وكان هذا المسلسل بدأ موسمه الأول في سنة 2016م.

في نهاية سنة 2019م، عرضت الشركة فيلمها الضخم (الرجل الأيرلندي The Irishman) وهو مأخوذ عن كتاب للمحقق الأمريكي “تشارلز براندت” اسمه (I Heard You Paint Houses ) وهو من إخراج المخرج الشهير “مارتن سكورسيزي” وبطولة النجوم (روبرت دي نيرو، وآل باتيشنو، وجو بيشي).

عُرض هذا الفيلم لأول مرة في الدورة (56) لمهرجان “نيويورك السينمائي” بتاريخ 27 سبتمبر 2019م، وحظي بعرض محدود في دور العرض في 1 نوفمبر 2019م قبل أن يصدر على (نتفليكس) في 27 من الشهر نفسه، وخلال (5) أيام من عرضه على الشبكة الأمريكية، حصد الإيرلندي (17.1) مليون مشاهدة.

أخيرًا هذه فرصة لقراءة كتاب (That Will Never Work) من تأليف مارك راندولف، الذي نقله إلى اللغة العربية المترجم ربيع هندى، كتاب يحكي القصة الكاملة لنجاح شركة نتفليكس، يقول المؤلف:  “في سنة 1997م، خطرت ببالي فكرة بسيطة لكنها تعزز كثيرًا فكرة أن يتم تأجير الأفلام عن طريق الإنترنت، وقتها اعتبرت أحد أسوأ الاقتراحات على الإطلاق، إلى حد أنني عملت على حث شريكي هاستينغز للقبول  بالفكرة الذي اهتم بها، فأسسنا الشركة المأمولة.

لقد كانت بداية القرن الواحد والعشرين أكثر بداية متعثرة ومدمرة مع وجود القليل من المؤمنين بنجاح المشروع والمصائب والنكبات التى تنتظر عند كل منعطف جديد تتجاوزه الشركة، من هذه الصعوبات أنني طلبت من والدتي أن  تكون من أوائل المستثمرين، إلى استخدام غرفة صغيرة مخصصة للاجتماعات كمكتب رئيس، إلى تعطل الخوادم في يوم إطلاق الشركة، وكان كل ذلك مثالاً عن وجوب امتلاك المرء للجرأة، والحدس، والتصميم لكي يستطيع تغيير العالم للأفضل من خلال فكرة رأى كثيرون أنها لن تنجح”.