غرفة حوار مقروءة عن صعود المنصات الصوتية في الفضاء الرقمي

إذاعة وتلفزيون الخليج – الرياض

بين “كلوب هاوس” و”مساحة تويتر”.. إرضاء المتلقي غاية ” لا تُترك”!

  • تعدد الغرف الحوارية وتنوع موضوعاتها يعزز محتوى الإعلام ويضاعف خيارات الجمهور
  • شغف التجارب الجديدة يخدم التطبيقات الناشئة ومخاوف الخصوصية قد تخرجها من السوق
  • منصات تفاعلية تمنح الصحفيين فرص الحوار المباشر مع المختصين وإنتاج مواد صحفية ثرية
  • تكامل ثورة التقنية وتطور الإعلام.. بيئة واعدة بالأنماط الجديدة، ولعبة مثيرة بلا قواعد ثابتة!

على غرار ما يعرف بالغرف الحوارية أو “الرومات” كما تعارف عليها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، سنتناول في هذه المساحة واقعاً جديداً يشهده المهتمون بالإعلام في الوقت الراهن، وهو صعود منصات الحوار الصوتي التفاعلية ولعل أبرزها تطبيق “كلوب هاوس” والذي أعقبه بعام واحد إطلاق تجربة مشابهة هي “مساحات تويتر”، وكيف يمكن للتنافس بين هذه الوسائل الجديدة أن يفيد المحتوى الإعلامي والجمهور معاً، بقدر ما يقدم نماذج ذكية في مواكبتها لأسلوب الحياة الحديثة، وقادرة على تحقيق الإثراء المطلوب، بأسهل الطرق.

جولة في “تايم لاين” التحولات

إذا كانت بداية التسعينات قد شهدت البداية الفعلية لعصر الإنترنت، لتنشأ بعدها من التحولات الجذرية التي طبعت تفاصيل حياة الناس وأخذت واقعهم نحو مراحل لا عودة منها، فلا شك أن بداية الألفية الجديدة قد جاءت بالتحولات داخل الإنترنت نفسه، وذلك بنشوء أنماط جديدة من استخدامات هذا الفضاء اللا نهائي من الأفكار والمعلومات، والتفاعل اللحظي – حرفياً-مع أكبر عدد متاح من البشر عبر قارات العالم، يعيش كل منهم التجربة التواصلية ذاتها.

وإن كانت لهذه الثورة التقنية والاتصالية دورها الخاص في التأثير على كل مجال بعينه، فقد كان الإعلام في مقدمة المجالات التي أعيدت صياغتها وبلورتها كلياً وفقاً لقواعد الواقع الرقمي، فلم تكد تظهر مفاهيم كالإعلام الجديد حتى استجد عليها إعلام أحدث، ولم تكد تقف وسائل كالصحف الإلكترونية في وجه وسائل تقليدية كالصحف الورقية، حتى ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي لتضعهما معاً أمام حقائق جديدة، يكون فيها المستهدف قارئ ما بعد عصر السرعة، الذي يسأل عن الخبر في جزء من الثانية، وينتظر الإجابة قبل أن يرتد إليه حرفه.

خلال عقدين فقط، استبدل الهاشتاق المانشيت، وحل التايم لاين مكان التنقل بين الصفحات، وبات على حروف الإعلام العتيقة أن تستجيب لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتتسق سريعاً مع شروط المعادلة الراهنة، لأن البديل لم يكن فقط فقدان القدرة على المنافسة بل الذهاب أبعد من ذلك إلى مواجهة أسئلة كبرى في كل مرحلة حول ضرورة بقاء وسيلة إعلامية معينة أو الجدوى من استمرار أخرى، بدا الأمر شبيهاً بلعبة الكراسي التي تدور من وقت لآخر بحيث يتحتم على أحد أن يخسر في كل مرة، ولأسباب لا تتعلق بنوعية المحتوى بقدر ما تتصل مباشرة بتغير نمط حياة الطرف الأهم للوسيلة الإعلامية، وهو المتلقي.

لعبة الكراسي.. ومباراة المنصات

وفي الوقت الذي أصبحت فيه تطبيقات مثل “فيس بوك” و”تويتر” و”يوتيوب” و”سناب شات” هي المنصات المرجعية للطرح الإعلامي، فضلاً عن كونها منصات للعلاقات العامة والإعلان، بالإضافة إلى ظهور وسائط تتجاوب مع أسلوب الحياة الحديث كالبودكاست، أو مواقع مثل “تيك توك” تدور في ذات الفلك التفاعلي السريع، ظلت أرقام مستخدميها في حالة مستمرة من الارتفاع، وهو ما يوحي بأن هذه المنصات لن تكون مضطرة، في المدى المنظور على الأقل، للدخول في لعبة كراسي لاستبعاد بعضها، ولعل أحد أهم مصادر قوتها هو أنها تمثل أنماط إعلامية أكثر منها وسائل إعلام، بل إنها حولت مليارات المتلقين، إلى مرسلين، وقدمت نفسها بما يتجاوز مجرد اعتبارها صحف ومجلات وقنوات ذات طابع جديد.

في المباراة الراهنة على ملعب وسائل التواصل والمنصات الاجتماعية، يفوز الإعلام لأن خطته الجديدة باتت تحقق الأهداف للجميع، لكل لاعب جمهوره، وكل الفرق تساعد بعضها، في أغلب مواقع الإنترنت التي تزورها أو المنتجات التي تحصل عليها، ستجد أيقونات الحسابات الاجتماعية وهي تصطف بجانب بعضها تحمل الاسم نفسه تقريباً، كما لو كانت تؤكد لك أنها لن تقبل فكرة أن يكون وجود أحدها على حساب الآخر، ولكنها ستتيح لكل مستخدم أن يختار ما يناسبه من أنماطها الإعلامية المختلفة، والتي يتسم كل منها بهويته التحريرية والبصرية وبنوعية الجمهور الذي يتفاعل معها، ولكنك لن تجد أياً منها أبداً بلا جمهور.

تطبيق وليد ينتقي جمهوره!

مباراة الإعلام لا تعترف بالتبديل، لكنها لن تمانع غالباً في انضمام لاعبين جدد، على شرط أن يمتلكوا لياقة المنافسة التي امتلكها الآخرون، ليس بسبب قدرتهم على الركض وإنما بطريقتهم فيه، أو ما وصفناه بامتلاك النمط الخاص، بهذه المقاربة البسيطة يمكننا قراءة الطريقة التي انضم فيها تطبيق “كلوب هاوس” إلى المنصات الإعلامية الحديثة الأكثر تفاعلاً، كمنصة مخصصة للحوارات الصوتية، ليصبح الحديث عنه اليوم بنفس البداهة التي يتحدث بها شخص عن “تويتر” أو “فيس بوك”، ليكون المقر المعتاد، والوحيد تقريباً، لإقامة ندوات صوتية بين رواد وناشطي مواقع التواصل، وبهذه الطريقة نجح التطبيق الذي لم يكن موجوداً قبل أبريل 2020 في دخول مباراة التنافس بقوة، دون أن يكون خصماً لأحد.

استهل “كلوب هاوس” رحلته تلك ببدايات بسيطة، تمثلت في دعوات خاصة يرسلها بعض المشاهير والمؤثرين إلى أصدقائهم، أو يتحدثون عن بعض ما يدور في تلك الغرف الحوارية أمام الغالبية العظمى من الذين لم ينضموا إلى التطبيق الوليد الذي قرر أن يحصر نفسه في البدء بمستخدمي نظام (IOS) مضحياً بكامل إرادته، وعلى مدى عام كامل، بحصة جماهيرية تزيد عن ثلاثة مليارات جهاز تستخدم النظام الآخر “اندرويد”، وهو العدد الذي تضاعف ثلاثة مرات في ظرف ست سنوات وفقاً لما نشرته صحيفة الاقتصادية في مايو 2021، الشهر الذي أصبح بإمكان الجميع فيه الانضمام إلى “كلوب هاوس” بما فيهم مستخدمو “اندرويد” الذين شكل دخولهم دفعة قوية لانتشار التطبيق الذي كان قد عرف على نطاق واسع.

تطبيقات تتنفس برئة الجائحة

حينما ظهر هذا التطبيق في غمرة أزمة كورونا المستجد ( كوفيد-19) لم يخفِ الكثير من مستخدمي الشبكات الاجتماعية تشكيكهم في نجاحه، لم يرى فيه البعض سوى مجرد إعادة إنتاج لغرف الدردشة الصوتية التي اشتهرت في التسعينات مثل “البالتوك”، بينما وصفه البعض بأنه مجرد “هبّة” جديدة سرعان ما ستختفي كما اختفى غيرها من المواقع أو التطبيقات التي يتم الترويج لها بأنها منصة التواصل المهمة القادمة، ولكنه احتاج وقتاً أقل من المتوقع ليصبح محل مقارنات جدية مع الشبكات الأخرى، لاسيما حين بدأ يأخذ المزيد من وقت مستخدميها، فخلال شهور قليلة كانت الجائحة بمثابة السانحة لمؤسسي “كلوب هاوس” حين انضم الآلاف ممن تحولوا كلياً نحو استخدام البدائل الافتراضية بسبب ظروف الإغلاق وتقييد السفر والتنقل والتوقف تقريباً عن عقد اجتماعات ولقاءات واقعية للأسباب الاحترازية، هذه النجومية المفاجئة تحققت من قبل لتطبيق محادثات الفيديو “زووم” الذي مثل منصة الندوات المرئية، فيما جاء “كلوب هاوس” ليقدم نفسه، بالمنطق نفسه، كمنصة سمعية.

الصوت والصيت .. بلغة الملايين

أن تكون قادراً من مكانك، وبمجرد استخدام هاتفك النقال، على حضور ندوة متخصصة في المجال الذي تريد، في الوقت الذي تريد، في قاعات افتراضية يمكنها احتمال 5000 شخص من كل أنحاء العالم، بل وتشارك فيها بطريقة تشبه طلب المداخلة في الندوات الفعلية، فهذه جوانب مهمة قدمها “كلوب هاوس” للمستخدمين الذين وصل عددهم في فبراير الماضي إلى أكثر من 10 مليون مستخدم نشط أسبوعياً وفقاً لما نشرته وكالة بلومبيرغ، وإذا نظرنا إلى أن العدد قد تضاعف خمس مرات عن ما كان عليه في يناير 2021م، وهو العدد الذي يحتمل أن يكون قد حقق زيادة ملموسة خلال الشهور التالية وصولاً إلى يومنا الحالي، في حين نقلت مواقع تقنية في مايو الماضي تقارير عن شبكة CNBC ذكرت فيه أن عدد الغرف الحوارية التي يتم إنشاؤها يومياً في التطبيق الصوتي يتجاوز 300 ألف غرفة.

التجربة تتطور.. والنخبوية تكسب!

مع نهاية أغسطس الماضي، أعلن “كلوب هاوس” عن إضافة خواص تزيد من واقعية المشاركات الصوتية، بما يعزز من شعور المستخدم بأنه يتحاور مع أشخاص يشاركونه ذات المكان، جاء هذا بعد خمسة أشهر من تقدير قيمته السوقية بأربعة مليارات دولار وفقاً لرويترز، بدأت الأسئلة تتحول من تخمين إمكانية نجاح التطبيق إلى تحليل أسباب نجاحه، البعض عزاها إلى مستوى الطرح النخبوي الجاد والقيمة المعرفية والفكرية التي ارتبطت بصورته الذهنية لدى المستخدمين، وهي صورة تشكلت منذ بدايات التطبيق واقتصارها على دعوة أشخاص بعينهم، الأمر الذي يبدو مسؤولاً عن رسم الطابع العام لمحتوى النقاشات على يد قاعدة موثوقة من المتحدثين، يعرف الجمهور اليوم أن “كلوب هاوس” مصنوع من مادة مختلفة تماماً عن “تيك توك” مثلا، كما يمكن اليوم دعوة الأكاديميين والمفكرين إليه بنفس انطباع الموثوقية المقترن بدعوة الاستضافة في ندوة جامعية أو حلقة تلفزيونية، لم يكن هذا الانطباع ليحدث غالباً في حال أتيحت أتاح الفرصة للجميع منذ اليوم الأول.

ما بعد الراديو والبودكاست معاً

كل هذه العوامل التقت في “كلوب هاوس” لتصنع منه أحدث جيل من وسائل الإعلام المسموعة، متميزاً على الإذاعة بأن الجمهور لم يعد متلقياً فقط وإنما هو المعد والمقدم الذي يعمل على مدار الساعة لمناقشة موضوعات تهم الجميع تقريباً، كما تميز هذا النمط على برامج البودكاست بوجود عنصر التفاعل المباشر بين المتحدثين، فيما وجد فيه الصحفيون والإعلاميون منصة نقاشية تتسم بسقف أعلى من حرية الطرح، وبيئة جاذبة لاكتشاف الأفكار ومناقشتها والحصول على مواد صحفية ثرية، وعلى الرغم من أن طبيعة الغرف الحوارية لا تسمح بالاحتفاظ بتسجيل للحوار، إلا أن قيمة ما يتم تناوله وأهمية الضيوف دفعت بعض منظمي هذه الندوات إلى تسجيلها بأنفسهم وإعادة بثها عبر منصات كاليوتيوب، وذلك بالتنسيق مع المشاركين، الأمر الذي ساهم في إثراء المحتوى الثقافي والإعلامي والفكري والمعرفي بشكل كبير، بل إن بعض حسابات تويتر باتت تخصص تغطية يومية لندوات “كلوب هاوس”.

تحقيق الشعبية لا يعني بقاءها

رغم أن جزءاً من شعبية هذا التطبيق يتعلق بطبيعته، إلا أننا لا نستبعد كذلك ميل الجمهور الفطري لتجربة ما هو جديد، ولو على سبيل مواكبة العصر، كما أن أحداً لا يستطيع منع المستخدم من عقد المقارنات بين تطبيق وآخر، حتى في ظل الاختلاف النوعي بينهما، وعلى الأرجح فقد كان للعناصر السابقة دورها في لفت انتباه موقع مثل “تويتر” قد يكون لديه تخوف مشروع من فقدان جاذبيته لدى الجمهور بعد قرابة 15 عاماً على انطلاقه، وهذا لا علاقة له بالضرورة بالمثالين الأشهر في عالم “من لا يواكب التطور سيخسر السوق” وهما “كوداك” و”نوكيا”، ولكن له علاقة غالباً بفهم طبيعة الإنترنت والتحولات السريعة في الفضاء الرقمي وعلى مستوى الثورة التقنية المنطلقة بسرعة غير مسبوقة لتمنح المستخدمين أسلوب حياة أذكى، ولتقدم لهم فائدة أكبر في وقت أقل، لا يمكننا استبعاد أن يأتي يوم يكون فيه وقت كتابة التغريدة أطول مما يجب بالنسبة للمستخدمين، فضلاً عن النقاش حولها، والدخول في كل وسم والتعليق عليه، في وقت تتحدث فيه الطروحات عن ضرورة استعادة وقت وتركيز الإنسان من التشتت الناتج عن وسائل التواصل الاجتماعي.

التغريد بالصوت” قبل أن يفوت الفوت”!

مع صعود نجم “تويتر” كان الاختصار هو بطل هذه القصة، أن تكتب عبارة موجزة عن موضوع ما، أو تقرأ خبراً موجزاً عن موضوع آخر، هذه الميزة بدأت تتراجع حينما أتاح التطبيق للمغردين حروفاً أكثر للكتابة، المغردون أنفسهم ابتكروا فيما بعد سلسلة التغريدات المتواصلة المعروفة بـ “ثريد”، بل إنهم درجوا على أن يرفقوها بالجملة الشهيرة “إذا ماكنت فاضي.. فضلها وارجع لها بعدين”، وهي الجملة التي تكشف على بساطتها المأزق الذي دخل فيه التطبيق الشهير وهو أنه أصبح يستغرق وقتاً أطول مما يجب بالنسبة للمستخدمين، فضلاً عن أن قراءة المحتوى المطول هي ليست أفضل ما يمكن للكثيرين فعله ونحن نتحدث عن عصر السرعة.

يحدث هذا التراجع في “تويتر” مع صعود تطبيق “كلوب هاوس” كمنصة تستهلك جهداً أقل من المستخدم، فهو لن يكون مضطراً للقراءة أو الكتابة، ولكنه سيستمع فقط في أغلب الأحوال، وسيكون هذا الاستماع متسقاً مع أدائه للرياضة أو ممارسته لحياته اليومية، كما أن المستخدم نفسه يستطيع أن ينشئ غرفة يتحدث فيها عن ما يشاء للمهتمين، فيستطيع بذلك تقديم قدر أكبر من المحتوى مقارنة بما كان سيكتبه، ودون أن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً كوقت الكتابة، بل أنه يستطيع النقاش الفوري مع الأشخاص المعنيين، هذه المزايا جميعها جعلت “تويتر” يتحرك في مارس 2021 ليعلن عن إطلاق تجربة مطابقة للحوارات الصوتية في “كلوب هاوس” ولكن تمت تسميتها “مساحات”، بعد ذلك بشهر فقط تحدثت بلومبيرج عن أن تويتر قد خاض محادثات مع مطوري “كلوب هاوس” لشراء التطبيق، ولكنها فشلت.

الرمال المتحركة في الفضاء الرقمي

حتى لو نجحت هذه المفاوضات فهي لن تغير حقيقة واضحة هي أنه “لا قواعد ثابتة في عصر الإعلام الرقمي”، فبجولة سريعة يمكننا أن نتأكد أن الواقع الافتراضي لا يوفر الأرضية الصلبة دائماً حتى حين يتعلق الأمر بأقدام الشركات العملاقة، فشركة غوغل نفسها لم تنجح في إعادة إنتاج تجربة فيس بوك عبر تطبيقها “غوغل بلس”، في حين لم يكن مارك زوكربيرغ وفريقه يتوقعون أن النمط الاختزالي الذي قدمه تويتر سيتسبب في هجرة الملايين من مستخدمي منصة “فيس بوك”، ولا تتوقف الأمثلة عند حد معين، فنجومية “زووم” مثلاً خلال جائحة كورونا دفعت ب “فيس بوك” و”غوغل” لابتكار نماذج مشابهة، تماماً كما فعل “تويتر” حين استلهم تجربة “كلوب هاوس”، بل إن صحف عالمية تحدثت عن أن “زووم” نفسه دخل في مأزق تراجع الإقبال عليه نتيجة لتعافي العالم من الجائحة والعودة للحياة الطبيعية.

هذه التجارب، لا تستثني أحداً، بما في ذلك “كلوب هاوس” نفسه، فقد مر التطبيق خلال أسابيع قليلة من بدايته بأزمة حقيقية كانت كفيلة بتغيير مساره كلياً، تمثلت في انتشار أخبار عن مشكلات تتعلق بحفاظه على خصوصية المستخدمين، وقد عاودت هذه الجدلية الظهور أكثر من مرة، كان من أبرزها ما نشرته مواقع إخبارية في أبريل الماضي نقلاً عن تقرير ورد في موقع “سايبر نيوز” المختص بالتقنية، والذي أكد تسريب بيانات قرابة 1.3 مليون مستخدم للتطبيق في مواقع لقراصنة الإنترنت، كما أن هذه الإشكالية مثلت سبباً كافياً للبعض لتجنب الدخول إلى “كلوب هاوس” فيما مثلت كذلك جزءاً مهماً من مسوغات كونه تطبيقاً لا يمكن استخدامه حتى يومنا هذا في دول مثل سلطنة عمان والأردن والصين، ومشكلة كهذه قد لا تعيق استمرارية “كلوب هاوس” واتساع جماهيريته على الأرجح، ولكن يمكن أن تكون بمثابة عنصر تفوق لمنافسي التطبيق الذين سيقدمون ضمانات الخصوصية اللازمة وفي مقدمتهم “تويتر” الذي يمكنه كذلك الاعتماد على تطوير التجربة الصوتية التي يقدمها لقاعدة مستخدميه التي تزيد على 300 مليون مستخدم نشط حول العالم.

في جانب آخر، لم يكن تسرب البيانات المشكلة الوحيدة بالنسبة لمستخدمي “كلوب هاوس” الذين عبّر الكثير منهم عبر وسائل التواصل عن امتعاضهم من إساءة استخدام حرية الطرح خلال الحوارات الصوتية، وذلك بعد أن تكررت عدة حالات من التجاوز غير المقبول نتيجة اعتقاد المشاركين بأن المنصة توفر حرية مطلقة على مستوى الموضوعات وأسلوب مناقشتها، في حين أعلن مستخدمون توقفهم عن استخدام “كلوب هاوس” وطالب آخرون بحجبه في حال عدم التزام مستخدميه بأي ضوابط أخلاقية أو مواثيق إعلامية، أو حتى بقواعد منع الإساءة التي تطبقها منصات أخرى على مستخدميها بل وتربطها باستمراريتهم في التطبيق، والتي أسهمت في الحد من المخالفات والتجاوزات تجاه الآخرين أو تجاه قيمهم ومعتقداتهم.

المفاجآت في خدمة المتلقي

أخيراً، لو كان هذا التقرير يتحدث عن شيء اسمه “كلوب هاوس” قبل عامين فقط فربما سيكون للأمر علاقة بأندية كرة القدم أو نصائح حول بناء المنازل وليس بتطبيق رقمي جديد يتحدث فيه الملايين في مئات الآلاف من الغرف في هذه اللحظة، وهذه المفارقة تحديداً هي ما تجعلنا نستشعر عنصر المفاجأة في لعبة الإعلام ونلمس أن اتصالها المباشر بثورة التقنية والمعلومات لا يثري المحتوى فقط بل ينوّع أدوات طرح هذا المحتوى، فالساحة تتسع دائماً للاعبين جدد بمهارات نوعية قادرة على جذب الانتباه، والرابح الأكبر دائماً، هو المشاهد والقارئ والمستمع.