حكايا مسك (2019م) .. صناعة المشهد السينمائي القادم على يد المبدعين

إذاعة وتلفزيون الخليج – الرياض

-(360) ورشة عمل قدمها خبراء للمبدعين.
-بدت بعض التجارب العملية وكأنها مواقع تصوير أفلام فعلية.
هنيدي: “الأرض محتاجة ضحك”.

يمكننا أن ننظر بتفاؤل إلى المشهد القادم لصناعة الأفلام والإنتاج الفني والإعلامي على المستويين السعودي والخليجي، هذا أول ما يخطر في بال الزائر الذي حظي بفرصة الوجود في (حكايا مسك) في الرياض خلال الفترة من 5 ‒ 11 نوفمبر 2019م، فالفعالية التي نظمها مركز المبادرات في مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية، والتي تدخل عامها الرابع، أصبحت أكثر قدرة على استقطاب الموهوبين في مجالات عدة، وتمكينهم من امتلاك أدوات مهنية تجعلهم في مصاف المحترفين في الصناعة الإعلامية والسينمائية والأعمال الفنية.

هوليود مصغرة في الرياض
الموهبة والشغف والرغبة هي الأركان الثلاثة التي احتاجها المبدعون والزوار بمختلف فئاتهم العمرية قبل أن يدخلوا (360) ورشة عمل وضعتهم وجهًا لوجه أمام عدد من كبار المتخصصين المحليين والعالميين، الذين يمثلون أسماءً بارزة في عالم الإنتاج المرئي، من صناع محتوى وسينمائيين ومنتجين، والذين قدموا تجارب عملية لتفاصيل إنتاج المحتوى المرئي من التحضير حتى الإنتاج، باستخدام ذات المعدات التي تستخدم في الأفلام، حيث بدت بعض المواقع في الفعالية كما لو كانت مواقع تصوير أفلام بالفعل، أو كما وصفها البعض بهوليود مصغرة!.

الرحلة التفاعلية .. جديد هذا العام
بالتزامن مع موسم الرياض، أكبر فعالية ترفيهية متكاملة تشهدها العاصمة السعودية، قدمت “حكايا مسك” فكرة “الرحلة التفاعلية”، والتي حولت الزائر من مجرد مشاهد صامت إلى مشارك متفاعل يستطيع إدراك ما يدور حوله في مجال صناعة الأفلام، وهو ما يجعله يشعر بإحساس الممثلين في أكثر المشاهد السينمائية جذبًا وتشويقًا على المستوى البصري والدرامي.

مشاريع شبابية واعدة
جمعت الفعالية نخبة من المشروعات والتجارب الشبابية الناجحة في مسارات متعددة، شملت التحضير للإنتاج، وما قبل الإنتاج، والإنتاج، وما بعد الإنتاج، والمنتج الصغير، وسوق حكايا، والإنميشن، والكتابة، والرسم، إضافة إلى استضافة عدد من المنصات الإعلامية المعروفة عربيًّا وعالميًّا، وتخصيص جزء لمبدعي التقنية في قسم “حكايا تك”، كما أتاحت للموهوبين اقتناء الأدوات والتقنيات المبتكرة، إلى جانب قسم خاص بالمنتج الصغير، ومساحة لعربات الطعام.

الحقوق الفكرية .. مظلة المحتوى
ظلت إشكالية الحقوق الفكرية هاجسًا يؤرق صناع المحتوى الإعلامي والفني في السعودية، غير أن هذا الواقع تغير تمامًا بعد العام 2018م، حين تمَّ إنشاء هيئة متخصصة في هذا المجال، كان هذا جزء من حديث محمد العمير، مدير عام الشركة السعودية لحقوق الملكية الفكرية، خلال “حكايا مسك” الذي أكد أن انتهاك الملكية الفكرية لا يُعد أمرًا بسيطـًـا، حيث يمسُّ الأمن والصحة والسلامة والاقتصاد، مضيفـًا أن الملكية الفكرية مثلها مثل أي ملكية يمكن شراؤها، وبيعها، وتأجيرها، وترخيصها.

كيف ينجح الإعلان؟
استضافت منصة “حكايا مسك” جلسة حوارية بعنوان: “الإعلان التلفزيوني: القيم والطموح” ناقشت صناعة الإعلان على المستوى المحلي والعالمي.
وشهدت المنصة نقاشــًا حول فن صناعة الإعلان التلفزيوني والمراحل التي يمرُّ بها انطلاقــًا من الفكرة مرورًا بعملية الإنتاج والإخراج, وكيفية المواءمة بين الفكرة الإبداعية وقيم المجتمع.

أفلام سينمائية عن روايات عظيمة
لطالما طرح متابعو السينما أسئلة بشأن الروايات العالمية العظيمة التي يتم تحويلها لأفلام، وما يبعثه ذلك من مقارنات بين نجاح هذه الخطوة في الاحتفاظ بقوة العمل أو الإضافة عليها أو ربما الانتقاص منها أحيانـــًا.
كان هذا أحد محاور النقاش التي أثارها صناع الأفلام في (حكايا مسك) تحليل نقدي للفيلم المقتبس من الرواية الشهيرة (غاتسبي العظيم) للكاتب الأمريكي فيتسجيرالد، وكذلك هو الحال مع فيلم (البؤساء) المأخوذ عن الرواية الشهيرة للكاتب الفرنسي فيكتور هوجو، في حين كان الفيلم الشهير بـ(العرّاب) هو الآخر تحت محك النقد، حيث رأى متخصصون أنه قدم عصابات المافيا بطريقة تحصرها في فئة معينة من البشر.

التقنية تدفع قدمًا بالإبهار
عناصر الإبهار في صناعة المشهد البصري لا تتوقف، فهذه الصناعة في حالة تطور مستمر مع التقدم التقني  المطرد، وقد أتاحت (حكايا مسك) لزوارها فرصة اكتشاف أحد الفنون الحيوية في منطقة ما بعد الإنتاج، وهو علم أو ما يعرف بـ”فن أسلوب دمج المؤثرات البصرية في الأعمال الحيوية”، وهذا الفن قادر على توليد أي بيئة أو تخيل أي شيء داخل المشهد السينمائي وعلى درجة عالية من الواقعية والتأثير، الأمر الذي سيعني الحصول على أعمال مدهشة، فضلاً عن كونها تساعد على إنتاج مشاهد من غير الممكن إنتاجها بوساطة التصوير الحي بسبب الخطورة أو التكلفة العالية أو عدم إمكانية تمثيل المشهد، وعبر ورشة عمل شهدتها الفعالية، سلط المحاضر عبد الهادي عبد الفتاح الضوء على أساليب العمل المتعلق بصناعة المؤثرات البصرية واستخدام هذه التقنية في صناعة السينما والإعلانات والتطرق لخبايا هذا النمط الجديد وكيفية عمله.

الفيلم من الإنتاج إلى الشاشات
خلال “حكايا مسك” قالت المخرجة لمياء الشويعر، التي تعمل كمراقبة محتوى سينمائي في هيئة الإعلام المرئي والمسموع بــــ المملكة العربية السعودية: “إن أهم عناصر صناعة الفيلم وجود طاقم عمل مميز، وسيناريو وقصة جميلة تصل للجمهور”.
وتحدثت الشويعر في جلسة حوارية بعنوان: “الفيلم من الإنتاج إلى شاشات السينما” عن أهم المجالات العملية التي يفتقر إليها سوق صناعة الأفلام في المملكة، مشيرة إلى تركيز كثيرين على مجالات مثل الإخراج والإنتاج، فيما يفتقد السوق إلى المتخصصين في الإضاءة، وهندسة الصوت والمؤثرات، على سبيل المثال.
وفيما يتعلق بالمجالات الإبداعية الفنية في صناعة الأفلام التي لم يتم التركيز عليها، أكدت الشويعر أهمية كتابة المحتوى وتنمية المواهب في هذا المجال عبر المعاهد المتخصصة، موضحة أن مناطق المملكة، تحتوي على عديد من القصص الملهمة لكتابة المحتوى.

الصورة عن ألف عبارة
قدمت “حكايا مسك” لعشاق التصوير وهواة اللقطات الحصرية فرصة الاستفادة من وجود المصورين المحترفين عبر ورش عمل منطقة الإنتاج للاستفادة والتعلـّم ومعرفة مزيد من المهارات أو طرح التساؤل على الخبراء العالميين المتواجدين في حكايا.
واستعرض المصور هشام الصالح خلال إحدى الدورات استخدامات الكاميرا التصويرية، موضحًا قواعد حجم الصورة الصحيحة والجميلة واعتمادها على التناسق والأبعاد، حيث إن كل مسافة فراغ فيها لها مدلولها وتبرهن على الاتجاه والنظرة والحركة.

خطى العرب .. وتحديات الكواليس
يعرف كثيرون منا الدكتور عيد اليحيى، وبرنامجه الشهير على قناة العربية “على خطى العرب” غير أن كثيرًا من التحديات التي يواجهها هذا المقدم أثناء تحضير وتصوير البرنامج تبقى في الكواليس، لذا تحدث اليحيى في “حكايا مسك” بشكل خاص عن الصعوبات التي تواجه فريق العمل وهو يعمل ويقيم في الصحراء لفترات قد تصل إلى ثلاثة أشهر.

شؤون وشجون من المسرح والتلفزيون
شهدت الجلسات الحوارية تجارب مختلفة منها ما يتعلق بالعاملين في القنوات الفضائية وقصصهم خلف الكواليس، وكذلك فقرات مختلفة للحديث عن أبرز الأفلام السينمائية الشهيرة التي حققت مبيعات عالية حول العالم.
وسلط متخصصون الأضواء على مجالات عدة، كاقتصاد السينما وأبرز الصعوبات في الإنتاج، إلى جانب النقاشات التي تجيب عن أسئلة مختلفة حول الأفضلية في تقديم المنتج السينمائي وهل لشاشات التلفاز الأثر الأكبر أم أن المسرح المفتوح هو الأكثر شعبية.
وتحدث مجموعة من مذيعي القنوات الفضائية عن تجربة عملهم في الأماكن الخطرة، كما تناولوا قصصهم مع الضيوف والملفات التي ناقشوها على الهواء وكيف جرى الإعداد لها وما الظروف التي تكتنف البث المباشر للأخبار.

حلمي وهنيدي .. ونصائح لجيل الشباب
شهدت “حكايا مسك” حضور أبرز الأسماء العربية في مجال صناعة الأفلام، شملت عديد من الممثلين والمنتجين وكذلك المخرجين، لمشاركة تجاربهم وخبراتهم المتراكمة مع زوار الفعالية، بأسلوب تفاعلي وحواري يعتمد على تحفيز الإبداع وتمكين الأفكار.
فنان الكوميديا ومنتج الأفلام المصري أحمد حلمي، تحدث عن تجربته السينمائية والفنية، مستعرضًا من خلالها مشاركاته ومشواره الفني في أكثر من (25) فيلمًا، وعدة مسلسلات، داعيًّا إلى استثمار الإمكانات الفنية الضخمة، واستغلال تواجد الشركات العالمية في الإنتاج والإخراج والتصوير.
من جانبه، وصف الفنان محمد هنيدي المسرح بأنه “الرهبة الكبرى” مشيرًا إلى أنه مازال هناك نجوم معروفين يخافون الوقوف على الخشبة، على الرغم من نجاحهم في التلفزيون والسينما، مرجعًا السبب إلى أنهم لم يبدؤوا مسيرتهم الفنية من المسرح، كما تحدث هنيدي عن تجربته في “موسم الرياض” عبر مسرحية (ثلاث أيام في الساحل) والتي أعادته إلى المسرح بعد غياب (16) عامًا، معلقــًا: “أشعر أنني قد عدت إلى بيتي”.
وأضاف هنيدي، أن مواجهة الجمهور هي من أمتع وأصعب اللحظات في الوقت ذاته، مؤكدًا تركيزه على الأعمال الكوميدية التي وصفها بأنها العقد الذي بينه وبين الناس، قبل أن يضيف “الكرة الأرضية محتاجة ضحك!”

حكايا مسك .. نظرة عامة
مع اختتام نسخة هذا العام، تكون “حكايا مسك” قد قدمت (1610) ورش عمل، تنوعت بين الكتابة، الرسم، الإنتاج، والإنيميشن، وذلك ضمن عملها على تمكين الشباب من استلهام الأفكار، بدءًا من التفاصيل الصغيرة والظروف المحيطة، وتعليمهم آليات تحويل الأفكار الملهمة إلى خطوات عملية يمكن تحقيقها واقعيًّا.
ومن الجدير بالذكر أن “حكايا مسك 2019م” تُعدُّ إحدى الفعاليات التي تهدف لتشجيع الشباب السعودي ومساعدتهم على اكتشاف وتمكين قدراتهم في مجالات إبداعية متعددة تشمل الفنون والتقنية والإنتاج، وصولاً إلى بناء مشاريع مبدعة ذات طابع عالمي حديث تُسهم في دعم التوجه التنموي للمملكة القائم على بناء الإنسان في ظل رؤية (2030م).