“جوهرة المملكة” .. تضيء طريق الفورمولا العالمية بأول سباق ليلي في تاريخها

الرياض – هيثم السيد

الحدث الرياضي الكبير يجمع القيمة التاريخية بمكتسبات ثقافية وسياحية

في حدث رياضي عالمي أقيم في الدرعية التاريخية للمرة الثالثة على التوالي، شهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع  في المملكة العربية السعودية، منافسات الجولة الثانية من سباق ” فورمولا إي الدرعية 2021″، وذلك يومي (26-27) فبراير، ضمن الموسم السابع لبطولة العالم “إي بي بي فيا فورمولا إي”.

تابع ولي العهد السعودي من المنصة الرئيسية فعاليات السباق الذي نظمته وزارة الرياضة السعودية، بالتعاون مع الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية.

 

من “سنتياغو” إلى “الطريف”

في رحلته العالمية، انطلق هذا السباق في 16 و17 يناير من هذا العام من مدينة سانتياغو في تشيلي قبل أن يصل إلى مدينة الدرعية التاريخية حيث يوجد حي الطريف الذي يضم أكبر مدينة طينية في العالم والمسجل في مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتأتي المملكة العربية السعودية من بين 20 دولة في العالم نظمت سباق الفورمولا إي الذي انطلقت منافساته الأولى عام 2014 في مدينة بيجينغ بالصين.

وتعد هذه الجولة هي الثانية من الموسم السابع لسباقات “فورمولا إي”، التي تتضمن 14 جولة تحتضنها العديد من مدن العالم عبر القارات، وقد شارك في هذا السباق 24 متسابقاً يمثلون 12 فريقاً عالمياً من سبع دول تنتمي إلى قارات أمريكا، آسيا، أوروبا، تنافسوا على مدى يومين على حلبة الدرعية التي يبلغ طولها 2,83 كم وقد نجح المتسابق الهولندي “نيك دي فريز” من فريق مرسيدس بنز إي كيو، في تحقيق الفوز بالمركز الأوّل من السباق، بعد منافسة قوية من السويسري “إدواردو مونتارا” من فريق روكيت فنتوري ريسينغ، الذي جاء في المركز الثاني، فيما حلَّ النيوزيلندي ميتش إيفانز من فريق جاكوار ريسينغ في المركز الثالث.

وقد نُظمت هذه الجولة مع الالتزام بجميع الإجراءات والتدابير الوقائية الخاصة بجائحة كورونا، بما يضمن الحد من انتشار الفيروس وحماية جميع المشاركين والضيوف والحضور، حيث نجحت اللجان التنظيمية بتنفيذ جميع التعليمات الصحية، والتي تضمنت إجراء فحص إلكتروني لكشف فيروس كورونا داخل مساحات مخصصة لذلك، وسجلت أعلى درجات القدرة على التكيف والمرونة في الفحوصات مع تقليل الاعتماد على مرافق اختبار PCR المحلية وضمان معايير متسقة وعالية لتسريع تسليم النتائج، بما يضمن سرعة التعامل وتقديم الرعاية المطلوبة.

محركات الإعلام تدور

حظيت هذه المناسبة الرياضية العالمية بتغطية إعلامية كبيرة على المستويين المحلي والعالمي، حيث قامت وزارة الرياضة والقنوات السعودية الرياضية “الناقل الرسمي للسباق” بمواكبة الحدث عبر حساباتها الرسمية في منصة التواصل الاجتماعي “تويتر”  كما أطلقت وكالة الأنباء السعودية أيقونة خاصة بتغطية السباق، لتضم المواد الإعلامية التي تنتجها “واس” عن البطولة من خلال: الخبر، والتقرير، والصورة، والفيديو، مع إبراز الحدث بكل أبعاده الرياضية والثقافية والفكرية، وترجمة ذلك باللغتين الإنجليزية، والفرنسية، ليكون هذا المحتوى متاحاً لوسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية وذلك لتعزيز انتشار أخبار البطولة على نطاق واسع.

في جانب آخر، تم تخصيص مركز إعلامي لتغطية السباق، كما شارك أكثر من 130 إعلاميًّا من المملكة ومختلف دول العالم، مثلوا 10 قنوات تلفزيونية و60 وسيلة إعلامية مطبوعة وإلكترونية، في المؤتمر الصحفي الختامي، حيث تحدّث الفائزون الثلاثة خلال المؤتمر، معبرين عن مدى سعادتهم بالنتائج التي حققوها، وأشاروا إلى احترافية التنظيم والاستقبال الحار الذي وجدوه من المنظمين في المملكة.

وقد أكد المشاركون والإعلاميون الرياضيون على أن هذا السباق بنجاح انعقاده المتوالي في الدرعية التاريخية، يعدّ دليلاً على قدرة المملكة على استضافة وتنظيم أحداث وفعاليات رياضية عالمية تعكس ما يشهده القطاع الرياضي السعودي من قفزات نوعية وكبيرة حظيت بدعم واهتمام من سمو ولي العهد السعودي، الذي ظل يحرص على زيارة مواقع الفعاليات والمتابعة الشخصية لها.

 

المضمار المفضل للسائقين

هذا الانطباع الإيجابي لم يكن حصراً على الإعلاميين فقط، وإنما عبر عنه كذلك الرئيس التنفيذي لبطولة فورمولا إي 2021 جيمي ريغل، الذي أشاد خلال حديث له مع وكالة الأنباء السعودية بقوة شراكة فورمولا مع المملكة وأشار إلى أن السائقين باتوا يصفون حلبة السباق في الدرعية بأنها “مضمارهم المفضل”، متفائلاً بنجاح البطولة في ظل ما تجده من دعم كبير من الحكومة السعودية وما حققته من نجاح سابق في مثل هذه البطولات، ومشيداً بالتميز التنظيمي الذي استطاع العمل في ظروف جائحة كورونا واضعاً سلامة وصحة المشاركين قبل كل شيء.

ريغل نوّه بالقيمة التاريخية والثقافية للدرعية بوصفها أحد المواقع المسجلة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كما لفت النظر إلى أن الفورمولا إي هي رياضة مختلفة أنشئت خصيصًا لتكون أكبر تجمع بشري لرياضة مثيرة ومشوقة لتجوب دول العالم، خاتماً بالإشادة بالتغطية الإعلامية التي وفرت نقلاً مباشراً للسباق.

 

في قمرة القيادة.. مع سائق

بالكاد نرى سيارات الفورمولا حين تمر أمامنا في أجزاء من الثانية، لكن هذا لا يمنعنا من التوقف لبعض الوقت لتخيل كيف ينظر السائق إلى التجربة من زاويته في تلك القمرة الصغيرة، سائق فريق مرسيدس بنز إي كيو “البلجيكي” توفيل فاندرون كان أحد المشاركين في هذا السباق والذين انتظروا شارة البداية التي حانت في الثامنة مساء، قبل الانطلاق بسرعة هائلة للتنافس مع مجموعة من السيارات في جولة تمتد زمنياً بما يعادل مسافة شوط كرة قدم، 45 دقيقة.

فرضت جائحة كورونا وقت توقف طويل على محركات سيارة فاندرون منذ آخر مشاركة له في سباق أقيم بألمانيا، ولكنه قرر أن يستفيد من هذا الوقت في إضافة تحديثات وتطويرات على سيارته بما يحسّن أداءها على نحو لم يحدث من قبل، وإذا كان التوقف في كرة القدم يتطلب تأهيلاً خاصاً للياقة العضلية لدى اللاعبين، إلا أن الأمر يختلف في رياضة السيارات، لأنه سيتعلق أكثر باللياقة الذهنية، وبالقدرة على التطوير الفني والهندسي لأدق التفاصيل في السيارة.

“أول سباق ليلي في تاريخ فورمولا إي وهو أمر فريد ومميز جدًا، إذ تبدو السيارات في الليل أجمل وأسرع بكثير” هذا ما قاله فاندرون الذي أكد أن القيادة تختلف في الليل بالنسبة للسائقين حيث تعطيهم الرؤية المتاحة انطباعاً بالسرعة الكبيرة، مشيراً إلى أن الإطارات تعمل بصورة أفضل وبسرعة أكبر، في ظل تعرضها لدرجات حرارة أقل خلال السباق الليلي، مقارنة بحرارة الأجواء النهارية.

يشرح فاندرون سبب تفضيله لهذه الحلبة، كاشفاً أحد أهم أسرار الفوز بها: “جولة السعودية محطة خاصة جداً وهي إحدى محطات السباق المفضلة جدًا لدي بسبب طبيعة الحلبة المختلفة فيها، حيث تتميز دائرة الحلبة بوجود ارتفاع كبير نسبيًا في أحد جوانبها و يقع القطاع الأول والثاني على منحدر، وفيها أيضًا مجموعة كبيرة من الزوايا, فإذا لم تُنهي الجزء الأول من السباق بشكلٍ صحيح فسيؤدي ذلك إلى إبعادك تمامًا عن الباقين، لذا تُعد دائرة الحلبة مختلفة جدًا عن الحلبات الأخرى ”

الفوز من حق البيئة أيضاً

بينما تتسابق دول العالم لتحقيق مراكز متقدمة في مضمار حماية البيئة، كان لسباق “فورمولا الدرعية” مشاركته النوعية في هذا الجانب، فأسبقيته التاريخية بكونه أول سباق ليلي كانت مقترنة بتحقيق هدف بيئي يتمثل في لفت النظر إلى ضرورة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، حيث تم تجهيز موقع حلبة السباق في حي الطريف بالدرعية بإضاءة صممت بأحدث تقنيات “إل إي دي” التي توفر استهلاك الطاقة  بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالتقنيات الأخرى، بينما خصصت الطاقة المتبقية اللازمة لتشغيل الإضاءة الكاشفة متجددة بالكامل عبر استخدام زيت نباتي مهدرج منخفضة الكربون وعالية الأداء ومصنوعة من مواد مستدامة.

في هذا الحدث العالمي الكبير، عبّرت المملكة عن إيمانها بدور هذه المبادرات التي تركز على الطاقة المتجددة في تعزيز حماية العالم من مخاطر التأثيرات المناخية، ومواجهة التغير المناخي بما يحقق مستقبلاً افضل للجميع، كما ستعزز هذه التوجهات من جهود منظمي هذا السباق نحو استخدام الوقود المستدام، حيث أتاحت لهم هذه النسخة الليلية الأولى من نوعها، تقدير الاستفادة من الظروف المناخية لفترة الليل ومدى تأثيرها على بطاريات السيارات مقارنة بالوضع النهاري، والتعرف العملي على طرق كفاءة استهلاك الطاقة، بحيث يضاء المكان بالقدر الذي يتم توفيره من وقود السيارات، وبحيث تكتشف مفاهيم جديدة للأداء الرياضي.

 

“جوهرة المملكة” .. بريق متواصل

كانت إقامة (فورمولا إي 2021) في مدينة الدرعية التاريخية، لثلاث مرات ناجحة متوالية، حدثًا مهماً حين أتى بواحدة من أسرع الرياضات نمواً في العالم، مع أحد أكثر الأماكن التاريخية عراقة في العالم، فالمدينة التي توصف بـ”جوهرة المملكة”، والمعروفة بأنها “أرض الملوك” تخطو بثقة كبيرة عاماً بعد عام، لتصبح أكثر بريقاً على تاج المستقبل لمحيطها المحلي والإقليمي وحتى العالمي.

وفقاً لما أكده الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير بوابة الدرعية جيري إنزريلو، فالهيئة تعمل على تطوير الدرعية من خلال تحويلها إلى مقاصد حياتية عالمية مبرزة للثقافة والتراث والضيافة وتجارة التجزئة والتعليم، وإعادة تفعيل هذا الجزء المهم من التاريخ السعودي، وجعلها واحدة من أعظم أماكن التجمع في العالم.

وأضاف الرئيس التنفيذي للهيئة أن الدرعية حققت إنجازًا كبيرًا في مشروع البنية التحتية لتصبح واحدة من أكبر وأكثر البنى التحتية تطورًا في العالم، مضيفاً في السياق “نحن بصدد توقيع تعاقدات جديدة تشمل عمليات التصميم والبناء لمشروعات تطويرية في الدرعية تتكيف مع المعمار النجدي الأصيل”.

 

الرياضة في قلب أهداف الرؤية

أخيراً، لا بد من وقفة مع الإسهام النوعي الذي تقدمه استضافة هذه الأحداث الرياضية العالمية في سبيل تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م، فالقطاع الرياضي السعودي يحظى بدعم كبير من القيادة السعودية وهو ما أثبتته المملكة في قدرتها على استضافة أكبر البطولات الدولية، بما يمثله ذلك من دور ثقافي وسياحي واجتماعي واقتصادي، لصناعة مجتمع حيوي بأعلى معايير جودة الحياة، وهو ما يدعم مكانة المملكة الإقليمية والعالمية رياضياً، وتنويع الخيارات الترفيهية أمام السكان، إضافة إلى تطوير قطاع السياحة ككل، إلى جانب المساهمة في جذب الاستثمارات في قطاعات الفندقة والضيافة وتوفير الوظائف والمساهمة في الناتج المحلي.

وتشهد المملكة العربية السعودية اليوم إقبالاً غير مسبوق على ممارسة وتنظيم وتطوير الرياضات بأنواعها من أجل تحقيق تميزٍ رياضي محلّيا وإقليمًيا ودوليًا، والوصول إلى مراتب عالمية متقدمة في عدد منها، ودخلت الرياضة السعودية مرحلة جديدة من التطور والتميز حيث أصبحت المملكة قبلة لأكبر الأحداث والبطولات العالمية بمختلف الرياضات الأمر الذي أكد استحقاقها في استضافة أكثر من 26 سباقًا وبطولة عالمية في غضون الأعوام الأربعة الماضية فقط.

وينتظر العالم استضافة سباق “فورمولا 1 السعودية” للسيارات بجدة في نوفمبر المقبل 2021 في إطار شراكة تمتد 15 سنة مقبلة مع الفورمولا 1، بالإضافة إلى استضافة فعاليات دورة الألعاب الآسيوية 2034.