تلهث وراءها الإعلانات والرغبة في الربح ظاهرة البرامج المستنسخة بين الإبهار وفقر الأفكار

عماد عبد المحسن

-ضرورة إعادة هيكلة مؤسسات الإعلام الوطنية من زاويتي الرسالة الإعلامية الهادفة، وكذلك من زاوية اقتصادية بحتة.
-المشاهد العربى مغلوب على أمره، ومضطر لأن يتعاطى مع ما يقدم له.
-البعض يتصور أن استنساخ برامج أجنبية ناجحة هو الطريق الأسهل لضمان نسب مشاهدة عالية مرتبطة بسوق الإعلان.
-برامج تلفزيون الواقع لم تراع الهوية العربية وعاداتها وتقاليدها.
-في الوقت الذي تمنح فيه البرامج المستنسخة المشاهد حالة من الإبهار، فإن البرامج المحلية إذا قُدمت بشكل متقن فهي غالبًا الأقرب إلى الروح.

على الرغم من أن الآلة الإعلامية صنعت عالمًا افتراضيًّا يعيش فيه كل سكان الأرض في بوتقة واحدة، وأصبح بإمكان أي فرد أن يتابع أي برنامج بغض النظر عن جنسيته، إلا أن الإعلام العربي يبدو أنه لم يكتف بذلك بل راح يستنسخ برامج أجنبية ويعيد صياغتها عربيًّا، من دون النظر إلى مدى ملاءمة البيئة العربية لهذه البرامج، ومن دون الأخذ في الاعتبار قيمة هذه البرامج فنيًّا، ومدى تأثيرها على المشاهد العربي.
انقسمت الآراء حول أهمية هذا الاستنساخ ومدى ضرورته، ففي حين يرى البعض أنها تعطل آلة الابتكار والتجديد في عالمنا العربي، وتدعو إلى اتخاذ المسار الأكثر يسرًا من حيث الأفكار المعلبة الجاهزة، من دون بذل الجهد في ابتكار وسائل إعلامية جاذبة للمشاهد العربي، يرى فريق آخر أنها مواكبة لروح العصر، وإطلالة على ما يجري في الساحة العالمية، وأن صناعة نسخ عربية تتشابه في التقنيات والأسلوب هو جزء من التباهي أمام العالم بأن الإعلام العربي قادر على مواكبة روح العصر.
لكن هناك جانب لا يمكن إغفاله في هذه الصناعة، وهو أن شهرة هذه البرامج عالميًّا تحفز شركات الإعلان على الدخول بقوة لرعاية هذه البرامج، وهو الأمر الذي يحقق عوائد اقتصادية طائلة للشركات المنتجة، والدليل مشاركة نجوم العرب من ممثلين ومطربين وغيرهم في هذه البرامج، نظير أجور باهظة يتقاضونها من عائد الشركات المعلنة والرعاة.
ويبقى المشاهد مسلوب الإرادة، يدور بين فكي الرحى، يستقبل من دون حول له ولا قوة، وتظل الآلة الإعلامية أسيرة الربح المضمون والمأمول، فتتخذ أقصر الطرق لما يحقق لها أهدافها الربحية، وفي بعض الأحايين يكون ذلك بعيدًا عن حسابات القيمة والجدية التي لابد من أن تكون معيارًا أساسيًّا في الإعلام بوجه عام.

جمال الشاعر: “التقليد الأعمى انتشر بقوة في فضائياتنا العربية”.


يرى الإعلامي المصري الكبير جمال الشاعر، أن استنساخ البرامج هو استسهال ناتج عن فقر في الأفكار الإعلامية المبدعة، إلى جانب وجود أهداف تجارية من وراء إنتاج برامج مستنسخة، فعلى سبيل المثال برنامج (مـَن سيربح المليون) تأسست لأجله شركة إنتاج بوصفه مشروع تجاري ضخم.
ويضيف الشاعر: “إن هذه البرامج لا تناسب ثقافتنا واهتماماتنا، وبالتالي فإن تأثيرها الإيجابي في نفوس المشاهدين ضعيف ولا يتناسب مع حجم الإنتاج الضخم، فنحن لا توجد لدينا مراصد لقياس نسب المشاهدة وآرائهم تجاه ما يشاهدونه من برامج، إضافة إلى أن افتتان الضعيف بالقوي يوقعنا دائمًا في فخ التقليد الأعمى وهو الذي انتشر بقوه على الفضائيات العربية”، لافتـًا إلى أنه على الجانب الآخر برامج ذات طبيعة تتعلق بوجداننا ذات تأثير كبير، ولم تقع في فخ الاستنساخ الأعمى، وحققت نجاحًا جماهيريًا عريضًا مثل برنامج (صاحبة السعادة) للفنانة إسعاد يونس.
ويشير الشاعر بأصابع الاتهام لمؤسسات الدولة الإعلامية وتوقفها عن إنتاج البرامج المتميزة التي كانت بمثابة الكفة التي ترجح ميزان المصلحة العامة إعلاميًّا وثقافيًّا، مستشهدًا ببريطانيا التي لا يزال إعلام الدولة صاحب تأثير قوي في المشاهدين، وفي أمريكا نفس الحال من خلال المؤسسات الإعلامية العامة، مؤكدًا أننا بحاجة إلى إعادة هيكلة مؤسسات الإعلام الوطنية من زاويتي الرسالة الإعلامية الهادفة، وكذلك من زاوية اقتصادية بحتة بما لا يتنافى مع قيمنا ومبادئنا، أما أن نجد برامج تتلاعب بأحلام ومشاعر المواطنين، من خلال مسابقات تتعدى جوائزها الملايين فهو أمر مستهجن ومرفوض.

أحمد خالد: “الاستنساخ في البرامج ليس ظاهرة منعزلة عن الاستنساخ من الغرب في كل المناحى”.


الإعلامي أحمد خالد، رئيس تحرير نشرة أخبار قناة “القاهرة والناس” المصرية، يعتبر الاستنساخ في البرامج ليس ظاهرة منعزلة عن الاستنساخ من الغرب في كل المناحى، مشيرًا إلى أن هناك ما كان إيجابيًّا بل ما كان نهضويًا داعيًّا إلى تذكر أن الدعوة للنهضة العربية تأثرت في القرنين الماضيين بالدعوات إلى إحلال العلم وقيم الحرية والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية، وهي قيم إيجابية نقلها مفكرون إلى الساحات العربية ولقيت مكانها في المجتمع.
ويقول: “كان غالبية أو بعض طليعة المفكرين العرب وهم ينقلون القيم الغربية إلى مجتمعاتنا ينقلون المبادئ الحاكمة ومحتواها لا مظهرها وتطبيقاتها، أو هكذا كانوا يحلمون”، لكنه يشير إلى أن من الطليعيين من نقلوا المظهر فقط ولم يركزوا على نقل المبادئ الحاكمة مع تطبيقها بما يناسب اختلاف المجتمعات، مؤكدًا أنه كان من المهم نقل القيم العلمية كطريقة تفكير، ومن ثم حياة تناسب جميع المجتمعات، منتقدًا على سبيل المثال نقل القيم الديموقراطية أو الحريات الاجتماعية كما هي، ساخرًا من الذي يهاجم الغرب وبيده ساعته وعلى فمه ميكروفونه وعلى أذنه هاتفه وفي بيته ثلاجته وتلفازه… إلخ.
وشبّه خالد هذا النموذج بأنه يرفض ما يعيشه أو يعيش ما يرفضه، وبالمثل عاد النقل والتقليد بشكل أو بآخر، ضاربًا المثل  ببعض مدعي التحديث والتطوير الذي يسرق الأفلام بل حتى “أفيش الفيلم” معتبرًا ذلك تطورًا، فهو يسرق أفكار المدربين في كرة القدم مثلاً، ويسمي ذلك مواكبة، وهو نفس
ه الذي يسرق “خلطة كنتاكي” ويصنعها في البيت ويقول: “كنتاكي عربي”، معتبرًا أنه لا أحد من هؤلاء أخذ المبدأ وتطور به. ويضيف خالد: الفضائيات عالم جديد على العرب السارقين، الذين لم يتمكنوا من الأخذ بمعايير الاقتباس، وحدوده المتعارف عليها عالميًّا، لكنهم سرقوا الأمر برمته من دون “فلترة” أو تعديل.
ويلقي خالد تهمة الاستنساخ على المجتمع بأسره، قائلاً: “الحقيقة أن الاستنساخ يكشف مجتمعًا، وليس صناعة الفضائيات فقط، التي أصبحت تخدع المجتمعات، لكن هناك برامج مستنسخة حققت نجاحًا لا لكونها مستنسخة، لكن لأن طبيعة البرامج مثل: “ذى فويس، وقوت تالنت “، هي برامج مصممة أصلاً لتناسب في مرونتها أى مجتمع، لكن لا أحد يستطيع بثــّها من دون شرائها من مصممها الأصلي وبنفس شروطها ولذلك فهى تنجح، إضافة إلى أن طبيعة هذه البرامج مثل “ذى فويس” تقدم لنا المفقود في مجتمعاتنا، حيث إن طبيعة الصراع تذكي حيوية التنافس وفكرة الانتصار، لذلك تنجح وربما يكون هذا هو الاستنساخ الجميل، لكن هذا الجمال يخفي وراءه كارثة .. إنه استثناء.

محـــــــمد بغــــــــدادي: “الطفل العربى هو المتضرر الأكبر من تعاطيه للبرامج المستنسخة التى تغيبه عن عروبته”.


في ذات الصدد يعتقد الكاتب الصحفي ومؤسس إحدى فضائيات الأطفال أن هناك أكثر من دافع لظاهرة استنساخ البرامج التلفزيونية، وهي على التوالى: أولها رغبة شركات الإنتاج في الربح السريع، ويأتي بعد ذلك الاستسهال والإفلاس وعدم الاستعانة بأصحاب الخبرة والمهنيين المحترفين في إنتاج برامج ذات خصوصية عربية في هذا المجال، ثم استبعاد وربما إقصاء خبراء الإعلام المتخصصين في هذا المجال، وأخيرًا غياب الرؤية والبصيرة الثقافية في تحديد العائد الثقافي الذي تهدف إليه هذه البرامج.
وحول مستوى جودة البرامج العربية المستنسخة يرى بغدادي أنه متفاوت، فهناك برامج يتم استنساخها مثل الأصل تمامًا، وربما تستعين شركات الإنتاج بمخرجين وفنيين من نفس الشركة التي أنتجت الأصل، وأحيانـًا تستخدم نفس (الفورمات) والتفاصيل والديكورات، وهذه البرامج ذات جودة عالية، وعادة ما تكون هي نسخة عربية تنتجها نفس الشركة الأم، وتعممها ليس في البلاد العربية فقط، بل تجد نظير لها في عدد كبير من الدول، على سبيل المثال برنامج “ذي فويس” أو أحلى صوت، وهو النسخة العربية من برنامج تلفزيون “الواقع الغنائي الهولندي العالمي The Voice” الذي تعود فكرة ابتكاره إلى “جون دي مول” عام 2010م، وهو من إنتاج “سوني بيكتشرز إنترتينمنت” وشبكة “تالبا الإعلامية”، ويتم تصوير النسخة الناطقة بالعربية للبرنامج في استديوهات “إم بي سي” في منطقة “ذوق مصبح” بالعاصمة اللبنانية بيروت، وهناك برامج مستواها أقل بكثير من مستوى البرنامج الأصل، وهناك ما هو سيئ للغاية مقارنة بالأصل، وكل هذا يتوقف على الإمكانات المادية والتقنية، ومستوى الإنفاق وسخاء الإنتاج أو فقره.
ويشير بغدادي إلى أن فكرة التعامل مع الفوارق الاجتماعية بين الغرب والعرب، تتوقف على شريحة الجمهور المستهدف، الذي تتوجه نحوه أعين الشركات المنتجة، فعندما تكون خطة البرنامج تستهدف تلقي مكالمات هاتفية من الجمهور، وهي المكسب الحقيقي والأرباح الطائلة التي يجنيها البرنامج من المتصلين، حيث تكون الدقيقة الواحدة بخمسة جنيهات ‒ في السوق المصرية ‒ فنحن نتحدث هنا عن ملايين الجنيهات التي تربحها البرامج الكبرى، وهنا لا تسأل عن الفوارق الاجتماعية والفكرية أو أسلوب المعالجة، فالشريحة المستهدفة هنا وهناك قادرة على ذلك، وهنا يتساوى المشاهد الأوروبي مع المشاهد العربي القادر على إجراء مكالمة واثنتين وثلاث…. وهكذا، أما الفوارق الحقيقة فكريًّا واجتماعيًّا فستجدها في الطبقات الفقيرة، والشرائح التى تحت خط الفقر، فهذه البرامج لا تعنيها، وهذه الطبقات ربما لا تمكنها ظروفها ومعاناتها اليومية من مشاهدة هذه البرامج، خاصة وأن معظم البرامج المستنسخة ترفيهية في الأساس الأول، وبالتالي فالشركات المنتجة لا تعنيها الفوارق ولا أسلوب المعالجة، لأن هذه البرامج تنتجها عقول وثقافة ليس على أجندتها هذه الشرائح التي يجب الانحياز لها اجتماعيًّا وفكريًّا.
ويعتبر بغدادي أن الطفل العربي يتعرض لمسخ مشوه من ثقافات أخرى، بوساطة البرامج المدبلجة، مستعينـًا بواقع تجربته الشخصية التي كان طرفًا فيها، ويقول: “منذ سنوات كنت مديرًا لإحدى قنوات الأطفال، وأطلقت قناة جديدة لطفل ما قبل المدرسة، وكانت القناة لديها خطة ثابتة لتقديم ثلاثة أنواع من البرامج: برامج جاهزة تشترى من شركات أجنبية ويتم عمل تعريب لها (الدوبلاج)، وهذه كارثة بكل المقاييس فلا ثقافتها تخصنا كعرب، ولا توجهاتها تعنينا كقناة بل تسيء لأطفالنا وتخرب عقولهم، وبرامج تنتجها شركات أجنبية لحساب القناة بتوجيهات من إدارة القناة، ومعظمها مستنسخ من برامج قنوات أجنبية لا تمت لثقافتنا العربية بصلة، وإن كانت إلى حد ما أقل ضررًا على عقول أطفالنا، أما النوع الثالث فكان ما تنتجه القناة داخليًّا من الألف إلى الياء ‒ من كتابة نصوص وإخراج، وكافة العناصر الفنية الأخرى ‒ وهذه البرامج التي كانت قائمة على رؤية متوازنة تخاطب الطفل العربي بكل فئاته الاجتماعية، وتحرص على تقديم مضمون يحقق الأهداف المرجوة”، ويضيف بغدادي: “لكن بكل أسف كانت هذه النوعية تمثل (20%) من المادة المقدمة على شاشة هذه القناة، و(30%) من البرامج يتم إنتاجها خارج القناة، والـ(50%) الباقية كانت من البرامج سابقة التجهيز وتشترى من شركات أجنبية ويتم ترجمتها إلى العربية”.
مؤكدًا أن الطفل العربي هو المتضرر الأكبر من تعاطيه للبرامج المستنسخة التي تغيبه عن عروبته، وتعيد صياغة وجدانه وفكره وثقافته بعيدًا عن الانتماء والولاء لبلاده ولثقافته ولعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة.
على صعيد آخر، يرى بغدادي أنه لا توجد أزمة حقيقية في النصوص العربية، لكن هناك شركات منتجة تسعى إلى الربح، ويضيف: “لدينا خبراء وكتَّاب متخصصون في هذا المجال لا يتم الاستعانة بهم، بل يتم إقصاؤهم واستبعادهم لحساب أصحاب المصالح، الذين لا يرغبون في أن يزاحمهم أحد في هذه (الوليمة) التي ينفردون بها، ولا أحد يرغب في بذل مجهود حقيقي لإنتاج برامج ذات هوية عربية تخدم أهدافنا القومية، وتعبر عن ثقافاتنا وتؤكد انتمائنا لبلادنا.
أما المشاهد العربي، فيعتبره بغدادي مغلوب على أمره، وهو مضطر لأن يتعاطى مع ما يقدم له، وكل ما يملكه هو أن يضغط على زر القنوات بيده ليختار ما يحلو له من البرامج، ولكن الأثر السيئ والأخطر هو إفساد الذائقة الفنية للمشاهد، وإعادة ترتيب أولوياته، وصياغة وجدانه الثقافي وفقًا لما يقدم له من برامج مستنسخة لا يعتقد أن لها أهدافًا بريئة، بل معظمها يهدف إلى أشياء أخرى ليست بالضرورة واضحة ولكن بمرور الوقت ستكون عواقبها وخيمة.
وبشأن مستقبل البرامج المستنسخة على الشاشات العربية، يؤكد بغدادي أنه في ظل السماوات المفتوحة، أصبح العالم قرية صغيرة، وفي ظل النظام العالمي الجديد ومقتضيات العولمة “نحن جميعًا نحتاج لأن تكون لدينا رغبة أكيدة في الحفاظ على هويتنا العربية، وحريصون على ثقافتنا العربية التي يجب أن نلقنها للأجيال القادمة، وما لم تكن لدينا إرادة سياسية في نبذ هذه النماذج المستنسخة والسيئ منها على وجه الخصوص، فنحن أمة في خطر، ويجب علينا أن ننتبه ونسعى لأن تكون لدينا مؤسسات إعلامية تستوعب هذه الطموحات لتأسيس خطاب ثقافي عربي، ووضع رؤية إعلامية عربية تتمسك بتراثنا الحضاري وهويتنا العربية، حتى لا يأتي مـَن يحتل عقول الأجيال القادمة بثقافة مغايرة تعمل على تغييبنا عن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

ريهام منيب: “العالم يبدع ونحن نحترف استهلاك خيال الآخرين”.


في ذات الصدد تعتبر الإعلامية ريهام منيب، المذيعة بقناة النيل الثقافية المصرية، أن العالم يبدع ونحن نحترف استهلاك خيال الآخرين، وتضيف: “هذا ما اعتدنا عليه خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بصناعة الإعلام بخاصة، فالبعض يتصور أن استنساخ برامج أجنبية حقق نجاحًا مدويًا في الخارج هو الطريق الأسهل لضمان نسب مشاهدة عالية مرتبطة بسوق الإعلان، وهو المتحكم الأول في استمرارية برنامج من عدمه، من دون أي اعتبارات للمحتوى والقيم الإيجابية أو حتى الهدف من طرح هذه البرامج وتأثيرها في المشاهد العربي، فالأهم هو التسابق على الاحتفاظ بالمشاهد مثبتًا (الريموت كنترول) لأطول فترة ممكنة على قناة أو برنامج بعينه”.
وتعتقد منيب أن عددًا قليلاً من البرامج تعاملت مع قضية الاستنساخ باحترافية ولم تقع في فخ التقليد الأعمى لتعيد إنتاج نسخ مشوهة من العمل الأصلي، مستدلة على ذلك ببرامج اكتشاف المواهب المنتشرة الآن في العالم العربي، والتي تستغل أحلام الشباب الموهوب في تحقيق النجاح والشهرة السريعة، فتمنحهم فرص الظهور والنجاح الزائف وما أن تنتهي الحلقات حتى تخفت الأضواء وتتباعد الأحلام مهما كانت الموهبة لافتة، فتتحول إلى فقاعة هواء، ضاربة المثل: مـَن منا يتذكر نجوم المواسم السابقة من برامج (X Factor   أو Arabs Got Talent أو The Voice و Arab Idol) حتى الأصوات التي قدمت بعض الأعمال الناجحة سرعان ما توارت عكس ما يحدث في العالم، حيث أسهمت هذه البرامج في إحداث حراك فني حقيقي وأثرت في تغيير مسار نجوم كثيرين.
وتتهم منيب من قدموا برامج (الفورمات) أو المستنسخة بأنهم لم يلتفتوا لاختلاف المجتمع والعادات والذائقة للجمهور التي تختلف من منطقة لأخرى ومجتمع يحمل سمات تميزه، لذلك من ضمن البرامج التي تعرضت لانتقادات برامج مثل (Star Academy) فالبرنامج هو من برامج تلفزيون الواقع المنتشرة في الغرب والتي تقوم على فكرة المعايشة الكاملة للمشاهد في تفاصيل الحياة اليومية لأبطاله، لكن لم يراع القائمون عليه الهوية العربية والشرقية لمجتمعاتنا، فمن الصعب تقبل فكرة اختلاط الشباب مع الفتيات لشهور طويلة في نفس المنزل ومتابعة أدق التفاصيل ومشاهدة تجاوزات على الشاشة اعتبرها البعض صادمة ولا تتناسب مع العرف والتقاليد، لذلك لم تنجح بشكل عام برامج تلفزيون الواقع على الرغم من أنها في الغرب الأكثر شهرة وجماهيرية، أيضًا لم يتفاعل الجمهور مع بعض حلقات برامج مستنسخة تناولت الجنس أو الدين بشكل فج أو مناقشة قضايا خلافية تمس العقيدة أو الثوابت، فرد الفعل دائمًا ما يكون عكسيًّا.
وفي شأن البرامج المقدمة للمرأة وللطفل، تشير منيب إلى أنه في الوقت الذي تزايدت فيه نسبة برامج المرأة المستنسخة من برامج أجنبية قلت نسبة ما قدم للطفل، إلا إذا اعتبرنا أن كل المادة الموجهة للطفل العربي بالأساس مادة أجنبية سواء رسوم متحركة أو برامج مدبلجة، مما يشكل خطورة كبيرة على الهوية العربية، أما برامج المرأة فقد تحولت لبرامج جلسات نميمة بين أكثر من سيدة وهي موضة سائدة بعد استنساخ برنامج (view) الذي يعتمد على مائدة مستديرة تضم أكثر من امرأة في مجالات مختلفة يتحاورن عن أمور وقضايا آنية، فتم تحويله إلى (الستات ميعرفوش يكدبوا) (ثلاث ستات) (كلام نواعم) وعشرات النماذج الأخرى لتتطور المسألة لمجرد حالة من الثرثرة تتخللها فقرات إعلانية مدفوعة عن الأطباء أو منتجات تجميلية وسلع استهلاكية.
وتضيف منيب: “عندما تتجول بين أروقة أكاديمية الفنون في مصر أو شبيهاتها في العالم العربي، ستتواصل مع شباب مبدع لديه طاقة وأحلام وخيال ممتد قادر على ابتكار عشرات الأفكار وتنفيذ برامج أقرب لمجتمعنا وأكثر متعة وقدرة على الترفيه، ولكن مـَن الذي يمنح الفرص بعد سطوة الإعلان على كل شيء ومن يُسهم في الكشف عن هذه المواهب ويحرك الراكد”، معتقدة أن الحل في يد المؤسسات التابعة للدولة بعيدًا عن سيطرة رجال المال والأعمال.
إلا أن منيب لا تنكر أن بعض البرامج حققت نجاحًا كبيرًا وقت عرضها ونالت استحسان الأسرة العربية، مثل برنامج (مـَن سيربح المليون) الذي شاهده العرب لسنوات وصنع نجومية مذيع معروف هو “جورج قرداحي”، لكن عندما تم إعادة استنساخ نفس التجربة مع برامج المسابقات بأسماء أخرى لم تنجح، مما يؤكد أن الجمهور يتفاعل في البداية ثم يصاب بالملل من إعادة تكرار الفكرة لمرات، كما أن هناك بعض البرامج المستنسخة التي استمرت لسنوات بسبب طبيعتها القائمة على الأحداث الجارية واليومية، مثل (صباح الخير يا مصر) وأيضًا (صباح الخير يا عرب) تلك البرامج المأخوذة عن البرنامج اليومي الشهير (Good Morning America).
أما عن مستقبل هذه النوعية من البرامج، فتعتقد منيب أنها كانت مجرد “هوجة” استمرت لسنوات وبدأت تتراجع، وأبلغ دليل على ذلك حنين المشاهد لمشاهدة قناة (ماسبيرو زمان) على سبيل المثال، أو مشاهدة الإنتاج التلفزيوني في فترات سابقة بقدر كبير من الإعجاب وافتقاد هذا الشكل الذي خاطب ذائقة الجمهور بوعي، فصاحب الفكرة اقتبسها من بيئته وثقافته ومجتمعه ولم يفرضها على المتلقي واجتهد في البحث عن قالب مناسب، ففي الوقت الذي تمنح فيه البرامج المستنسخة المشاهد حالة من الإبهار المعتمد على الصورة، إلا أنها عادة ما تكون عالية التكلفة، لكن البرامج المحلية إذا قدمت بشكل متقن فهي غالبًا الأقرب إلى الروح.

محمد بهجت: “الدراما العربية في مجال الطفل من تضييق وعدم اهتمام”.


أما مدير تحرير جريدة الأهرام الشاعر محمد بهجت، فيعتبر أن من أهم دوافع استنساخ البرامج الأجنبية أن الأعمال الأجنبية، بخاصة التي تقدم للطفل سواء كانت دراما أو برامج، يعتني بها أشد العناية ويخصص لها ميزانيات كبيرة وطاقات فنية ضخمة، تتعاون معًا وتبذل كل خبراتها من أجل إنجاح العمل، ولهذا تصبح تلك الأعمال ذات مستوى فني وتقني ممتاز يغري بتعريبها، بالإضافة إلى ما تعانيه الدراما العربية في مجال الطفل من تضييق وعدم اهتمام، ليس أدل عليهما من توقف إنتاج التلفزيون المصري، وشركة صوت القاهرة، وقلة مادة الطفل عمومـًا في كل القنوات الخاصة.
كما أن انجذاب قطاع كبير من المتلقين، بخاصة الشباب والأطفال، للذائقة الغربية والتباهي باللغات الأجنبية، واللهاث خلف كل صيحات الموضة، وتحول الفنون نفسها إلى موضات، كل ذلك ساعد في جماهيرية البرامج الأجنبية وسعي المنتجين إلى تعريبها وأخذ (الفورمات) الجاهزة بدلاً من البحث عن الإبداع المكلف جدًّا، فضلاً عن المغامرة.
ويشير بهجت إلى أنه في بعض الأحيان تكون البرامج المستنسخة ناجحة جدًّا مثل (أراب جوت تالنت) أو (أراب أيدول) وما إليها، لكنه نجاح خادع لا يحقق تكافؤ الفرص الحقيقي في المسابقات، ولا يرتقي بالذوق العام ولا يؤدي إلى النهوض بالمستوى البرامجي في النهاية، مؤكدًا أن النجاح ينتمي إلى الأصل المقلد، وليس إلى التقليد، وأن البرامج المستنسخة تنجح بقدر الإنفاق والاعتماد على النجوم والشركات المعلنة، لكنها لا تحمل في داخلها قيمة أو فكرة مبتكرة يختبر مدي نجاحها. 
ونوه بهجت بأنه لا يوجد حرص على مراعاة الفوارق الاجتماعية أو الثقافية بين الشعوب، ولهذا تكون بعض البرامج ذات خطر شديد على مجتمع شرقي يحمل تقاليد مختلفة، ففي أحد برامج المسابقات التي كانت تقوم على إقامة المتسابقين من الجنسين معـًا فيما يشبه المعسكر، أثار مزاح الشباب مع الفتيات في غرفهن حملات نقد واسعة، وطالب البعض بمنع عرض مثل هذه البرامج، والحقيقة أنه داخل الوطن العربي الواحد اختلاف في العادات والتقاليد والثقافة، بل تختلف في نفس البلد ما بين الريف والمدن، وما بين المناطق البدوية والمناطق الحضرية.
ويشير بهجت إلى أنه عدم النظر في خصوصية الطفل العربي على الإطلاق، ويُعد دائمًا وعاءً للتلقي وليس عنصرًا مشاركًا في الإبداع والجدل الذي يجب أن يحدثه الفن، وحتى الأطفال الذين يشاركون أحيانـًا في التمثيل يكونون في قوالب ثابتة متمثلة في الطفلة التي تعرف أكثر من سنها، منذ فيروز الصغيرة وحتى اليوم، أو الطفل الشقي مثير المتاعب.
في ذات السياق يرى بهجت أن أزمة النص العربي أدت إلى الانسياق وراء الاستنساخ البرامجي والعكس، فكل منهما أدى إلى الآخر، وكل منهما جذب الحبل من ناحية، حتى انقطع الحبل ما بينهما أو كاد، وبالطبع إهدار قيمة مؤلف النص والتعامل معه على أنه “أرخص” العناصر الإنتاجية، وفي مجال الطفل خصوصًا يحصل على نصف أجر!!
كما يبدي بهجت أسفه للرواج الذي تشهده بعض البرامج المستنسخة، وأنها تُدعم بقوة من شركات الدعاية التي تسيطر على الميديا، ربما استسهالاً أو يأسًا من وجود الأفكار العربية النيرة، وربما –أيضًا- للأسف بسبب سيطرة فئة من أنصاف وأرباع الموهوبين على إدارة وعمل القنوات الخاصة، كل منهم يبحث عن أسرع وسيلة للنجاح من دون تكبد مشقة أو الدخول في مغامرة إنتاجية غير معروفة العواقب، أما عن حجم سوق المستنسخ فهذا يحتاج إلى دقة إحصائية غير متوافرة.
وحول تجربته الشخصية في هذا المضمار يقول بهجت: “الحقيقة أن لي تجربة مع تقديم القصص الديني في دراما جاذبة من خلال الرسوم المتحركة (قصص القرآن الكريم) التي لعب بطولتها الفنان الدكتور يحيى الفخراني، وقدمت (6) مسلسلات كل عمل من (30) حلقة، وحظيت بنجاح هائل فنيًّا وجماهيريًّا وإنتاجيًّا بحمد الله، لكنها في النهاية توقفت ولم تجد دعمًا وتركنا الساحة للأعمال المدبلجة التي غالبًّا لا توافق ثقافتنا، ولا تضيف إلى أطفالنا أي قيمة تربوية أو جمالية”، ويضيف: “لا أريد أن أفقد الأمل وأؤكد على اكتساح الأعمال المستنسخة وتنامي فرصها، ولكن للأمانة يجب أن أشير إلى أنه من دون تدخل المؤسسات الرسمية في الدول العربية لإنقاذ دراما وفنون الطفل وإنقاذ هوية البرامج المقدمة للجمهور فالخطر مستمر والقادم أسوأ”.

إيناس يعقوب: “الإفلاس الإبداعي سبب في تصدر البرامج الأجنبية للمشهد الإعلامي العربي”.


من جهتها أوضحت مخرجة الرسوم المتحركة البحرينية إيناس يعقوب، أن هناك عددًا كبير ًامن الدوافع التي تجبرنا على استنساخ أعمال أجنبية وتعريبها، وذلك بسبب الإفلاس الفكري، كما أنهم يرونها الطريقة الأسهل في عمليه الإنتاج، مشيرة إلى أن هذا القصور جعل المؤسسات الإعلاميه تهمش الأفكار الجديدة، والعمل على عدم تطويرها إلى جانب عدم إعطاء الفرصة للكتَّاب والمعدين  لتقديم أفكار تسعى إلى تطوير منهجية الفكر العربي.
ونوهت يعقوب بأن هذه البرامج لا تناسب مجتمعاتنا العربية لأنها بطبيعة الحال عندما تُعَّرب يكون هناك شروط للتعريب، معتبرة أن النسخ العربية للبرامج الأجنبية لا تقل في جودتها عن البرامج الأصلية، على الرغم من أنها لا تتواءم مع عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا. 
وفي هذا الصدد أكدت يعقوب على وجود فوارق بين المجتمعات العربية والغربية، وأنه لا يمكن دمج هذه المجتمعات بسبب الفوارق الاجتماعية العربية، لذلك يجب الحرص على الهوية الفكرية العربية، مضيفة: لا يجب أن يتم التركيز فقط على جودة الصورة، لكن على المحتوى أيضًا.
وبشأن تأثير البرامج المستنسخة على الطفل العربي، قالت يعقوب: إن الطفل العربي هو المتضرر الأساسي في انتشار هذه  الأعمال المستنسخة، لأنه لا يوجد عليها رقابة جدية، لها طابع تربوي، ولأن المنهجية المتبعة إعلاميًّا أصبحت غربية الهوى، وعلينا تغيير السياسات المتبعة خاصة فيما يتعلق بإعلام الطفل العربي.
واستدركت يعقوب موضحة أنه لا يمكن إغفال وجود منتج عربي متميز، معربة عن أسفها لعدم الاحتفاء بهذه البرامج من قبل الفضائيات، وذلك لسيطرة المحتوى الغربي، واللهاث خلف رغبات المعلنين وشروطهم التي أصبحت لها اليد الطولى في سياسات هذه القنوات، داعية إلى الاهتمام بالتوعية الإعلامية، والتحفيـّز على تسليط الضوء على الإنتاج العربي، بخاصة في مجال الرسوم المتحركة، وترى أنه يجب أن يكون لهذا المجال مساحة أكبر من الاهتمام، وأن يتم تشجيع الكتَّاب والمؤلفين لتقديم أفكار برامجية مبدعة تناسب مستوى وفكر الطفل الذي أصبح منفتحًا على العالم.
وبشان المشهد العربي الذي تسعى جميع الفضائيات إلى إرضائه، قالت يعقوب: إن المشاهد أصبح أكثر وعيًا من خلال انتقاء ما يشاهده، وأضافت أن الاتجاه نحو ضعف متابعة الفضائيات في ظل وجود برامج يمكن متابعتها إلكترونيـًّا عبر “يوتيوب” و”نت فليكس” وغيرها من التطبيقات الإلكترونية، وهو ما يزيد من حجم سوق البرامج المستنسخة.
واعتبرت يعقوب أن البرامج المعربة ليس لها هدف، معلقة “هنا لا أعمم” فأغلب البرامج أخذت الطابع المادي عند عرضها، كما أن المشاهد أصبح قادرًا على التفريق بين البرامج السيئة والبرامج الجيدة، وعلى الرغم من ذلك ما زال أصحاب القنوات يعتمدون في برامجهم على تسطيح عقول الشباب العربي، وهذا في حد ذاته هدم للثقافة العربية التي هي أساس  تطوير الأفكار البرامجية.
وبشأن مستقبل البرامج المستنسخة ترى يعقوب أنها مرحلة نمت في ظلِّ حالة الركود التي يعاني منها الإعلام العربي، بسبب الأحداث السياسية والاقتصادية، وتعتبر أننا في انتظار حالة انفجار فكري إبداعي سيسيطر على الإعلام العربي بفضل جهود الشباب ووعي المنتجين وشركات الإنتاج للتحيـّز للإنتاج العربي.
وفي ختام مشاركتها تمنت يعقوبي من الحكومات والهيئات والمؤسسات والبنوك أن تقوم بدعم الإنتاج العربي، وفتح الباب أمام كافة شركات الإنتاج بعيدًا عن فكرة احتكار السوق السائدة في بعض البلدان العربية، وهو ما سيسهم في تحقيق نهضة كبرى في الاقتصاد، وتحريك عملية التنمية المستدامة في مجال الإعلام بشكل واسع وسريع للنهوض اقتصاديًّا في مواجهة الإعلام الغربي، الذي يعتبر الإعلام مصدرًا للدخل، من خلال ما يدره بيع البرامج والأفلام والمسلسلات التي يتحمل تكلفة إنتاجها كم هائل من المستثمرين المؤثرين في هذا الاقتصاد.