تاريخ الإعلام الأمني

د. سعيد حسين – الإمارات

مصطلح الإعلام الأمني يعد من أكثر المصطلحات التي سببت إرباكاً للباحثين في مجال الإعلام، ففي الوهلة الأولى قد يشير هذا المفهوم إلى إحدى المجالات التخصصية في الإعلام والمرتبطة بالأجهزة الأمنية، والذي يختص بـ “النشاطات الاتصالية والإعلامية المتخصصة التي توجهها الأجهزة الأمنية من مجلات ونشرات وبرامج لتوعية المواطنين والمقيمين والزوار عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى توجيههم لكيفية المشاركة الإيجابية في تلك الجهود الأمنية لضمان بيئة أكثر أمنا واستقرارا”، ولكن في واقع الأمر فإن مصطلح الإعلام الأمني يشمل محاور واسعة وتخصصية في نفس الوقت وذلك في مجالي الإعلام والأمن.

 

بدايات مصطلح الإعلام الأمني

بالنظر إلى بدايات هذا المصطلح نجد أن جل الدراسات والمراجع المتعلقة بالإعلام الأمني قد كتبت باللغة العربية، ولم أجد أي مرادف لمفهوم الإعلام الأمني باللغة الإنجليزية، ويؤكد ذلك بعض المصادر التي ذكرت بأن الإعلام الأمني كمصطلح قد نشأ لأول مرة في الوطن العربي وذلك في ثمانينيات القرن الماضي.

لقد ظهر مصطلح الإعلام الأمني تبعاً لظهور مصطلح الإعلام الحربي والذي برز بشكل واضح أثناء حرب 1967م، حيث كان يهدف إلى إبراز دور الجيوش وتعزيز معنوية الشعوب ودعم ارتباطها بقواتها المسلحة بالإضافة إلى مجابهة الدعاية الخارجية المناهضة.

ويتشابه مصطلح الإعلام الحربي مع الإعلام الأمني بأنه عربي المنشأ، ولكن يقابله في اللغة الإنجليزية مصطلحات أخرى أشهرها مصطلح “بروباغاندا الحروب” “Propaganda in Wars”، وهي أسبق في الظهور من مصطلحي الإعلام الأمني والحربي وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى.

وبالتالي فإنه من الواضح بأن تلك المفاهيم التخصصية ليست ذات أهمية في الأقاليم الأخرى، فهذا النوع من المصطلحات لا يتم استخدامها إلا في الدول العربية ويعود ذلك إلى تفرد اللغة العربية من ناحية الدقة اللفظية والتعبيرية.

وفي المقابل فإن الإعلام الأمني كممارسات تعد ذات استخدام واسع في معظم الأجهزة الأمنية العالمية.

 

أهداف الإعلام الأمني

تعددت تعريفات الإعلام الأمني بناء على تعدد الأهداف التي وجد من أجلها، ولقد بدأت الأجهزة الأمنية والشرطية في مختلف دول العالم بإنشاء وحدات تنظيمية مختصة بنشر الأخبار المتصلة بها والتي تسعى إلى بث زيادة المعرفة الأمنية لدى المجتمع وتوعيتهم بالمخاطر المتعددة لارتكاب الجرائم والمخالفات، مثل المخالفات المرورية، وهذا ما – كان قد – يعد الهدف الرئيسي لنشأة الإعلام الأمني في الأجهزة الشرطية.

ومن ثم تطور الأمر لإشراك أفراد المجتمع في الإبلاغ عن الظواهر الإجرامية وصولاً للمساعدة في حل بعض القضايا التي تشكل معضلة للأجهزة الأمنية، ما أسهم في ارتباط الناس بالمؤسسات الشرطية بشكل أكبر.

وفي العصر الحديث ساهم الإعلام الأمني في تحقيق عدة أهداف مثل التعريف بالأنشطة التي تقوم بها المؤسسة الأمنية بالإضافة إلى التسويق للخدمات التي يحتاجها المواطنون.

ولقد أظهرت الأحداث في العقد السابق بأن الإعلام الأمني هو سلاح فعال قد تم استخدامه بقصد أو بدون قصد، كما أكدت تلك الأحداث بأن بعض المؤسسات الشرطية تكبدت خسائر عظمى بسبب عدم الالتفات لهذا السلاح الهام المرتبط بالإعلام.

الإعلام الأمني .. وسيلة بناء وهدم

تنبهت بعض الأجهزة الشرطية لأهمية الإعلام الأمني في خلق روابط متينة مع أفراد المجتمع والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى خلق صورة ذهنية إيجابية عن تلك المؤسسات، وأكثر المؤسسات التي نجحت في هذا المجال بدأت بنزع فكرة “البوليسية” المرتبطة برجال الشرطة، مما ساهم في إذابة الجليد بين المواطنين وأفراد الشرطة.

وقد رفضت بعض الأجهزة الشرطية هذه الفكرة كونها قد تؤدي إلى عدم فهم رجال الشرطة لهذا المفهوم والتساهل في التعامل مع المواطنين في المجتمع، وبالتالي قد يعمل ذلك على رسم صورة مهزوزة لرجل الأمن ومن ثم انتشار الفوضى بين الأفراد.

لقد أثبتت بعض الأحداث التي حصلت مؤخراً بأن مصطلح الإعلام الأمني كان مغيباً عن بعض الأجهزة الأمنية مما ساهم في انهيار مؤسسات كاملة بسبب عدم الاستغلال الأمثل للإعلام وخاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. وفيما يلي أمثلة لبعض الأحداث الأمنية التي تأثرت تبعاتها بسبب ارتباطها أو عدم ارتباطها بالمفهوم الذي نتحدث عنه.

 

ثورات الربيع العربي والأجهزة الأمنية

من المعلوم أن ثورات الربيع العربي قد قامت بشكل رئيسي لأسباب اقتصادية تمثلت في تدني المستوى المعيشي لمواطني تلك الدول على مدى سنين طويلة، ولكن كانت الأجهزة الأمنية هي الشرارة التي أشعلت فتيل تلك القنبلة القابلة للانفجار، فقد ساهمت الصورة الوحشية التي رسمتها الأجهزة الأمنية عن نفسها في تلك الدول إلى توجه بوصلة الثوار إلى التركيز على رجال الشرطة والانتقام من المؤسسات الشرطية بكل ما يملكون من قوة، فتم الاعتداء على رجال الشرطة في تونس، والتهجم على المؤسسات الأمنية في مصر وحرق مقارها وممتلكاتها، بالإضافة إلى الهجوم على مراكز الشرطة وتهريب المساجين منها، حتى دخلت تلك الدول في فترة انفلات أمني استمرت لسنوات وبعضها مستمرة حتى الآن.

ولكن نجحت بعض الدول مثل مصر في تغيير هذا المفهوم من خلال قلب صورة رجل الأمن المترسخة في عقل المواطن المصري، حيث قامت الحكومة المصرية بتركيز الضوء على الجوانب المهنية والعاطفية التي يقوم بها رجال الشرطة، من خلال إبراز إنجازات المؤسسة الأمنية على مدى تاريخ الدولة المصرية، وإشراك جميع أطياف المجتمع في الاحتفالات المرتبطة بالمؤسسات الشرطية مثل عيد الشرطة، وقدمت الحكومة المصرية دعماً قوياً لإنتاج مسلسلات ومواد وثائقية تتحدث عن قصص حقيقية تثير عواطف وطنية وإنسانية ساهمت في تغيير وجهة نظر عدد كبير من أفراد المجتمع عن رجل الأمن المصري، ولذلك قامت الجهات المعارضة بمحاولة ضرب الحكومة المصرية الحالية من خلال استغلال الإعلام بنوعيه – التقليدي والجديد – لتشويه صورة منتسبي وزارة الداخلية المصرية.

 

تعامل الأجهزة الأمنية خلال أزمة انتشار مرض كورونا

تسبب فيروس COVID-19 في إصابة ما يقارب 200 مليون انسان ووفاة أكثر من 3 ملايين شخص في العالم منذ ظهور الوباء في نهاية العام 2019، ومنذ ذلك الوقت قامت معظم دول العالم بفرض الحظر الصحي وتشديد القيود بهدف احتواء الأزمة والقضاء على المرض.

إن إجراءات الحظر الصحي ولدت ردود أفعال متباينة لدى أفراد المجتمع وقد اختلفت من مجتمع لآخر، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية خرجت مظاهرات منددة بفشل الحكومات في التعامل مع هذه الأزمة، ولكن ما يهم هنا هو كيفية تقبل المتظاهرين لتلك الأوامر وردود فعلهم التي تركزت ضد رجال الأمن، حيث قام المتظاهرون بالاعتداء على رجال الشرطة وتعمد إهانتهم في عدد من الدول مثل ألمانيا.

وعلى النقيض، ففي الدول العربية – وخاصة دول الخليج – أظهر المواطنون وعياً مجتمعياً استثنائياً من خلال الالتزام بالتعليمات والإجراءات الاحترازية المفروضة من قبل تلك الحكومات، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة تعدى ذلك إلى احتفاء أفراد المجتمع بفرق العمل وخاصة التابعة للأجهزة الأمنية، وحرص المواطنون بتقديم الشكر وإظهار التقدير للمؤسسات الأمنية من خلال نشر صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي مما أثار استغراب العديد من وسائل الإعلام العالمية، التي لم تستطع تخيل مدى الارتباط الإيجابي بين الجهاز الأمني والمجتمع في الإمارات. لقد توطدت هذه العلاقة لسبب رئيسي وهو الاستغلال الصحيح للأجهزة الشرطية في دولة الإمارات لمفهوم الإعلام الأمني.

لقد أظهرت أزمة كورونا صدق ما ذكرناه سابقاً بأن الدول العربية قد اهتمت بمجال الإعلام الأمني على عكس الدول الغربية التي لم تقم حتى بتخصيص مصطلح خاص بهذا النوع من الإعلام.

قضية جورج فلويد

في شهر مايو من العام 2020 قتل مواطن أمريكي من أصل أفريقي في مدينة منيابولس في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أثناء تثبيته على الأرض من قبل ضابط شرطة أراد اعتقاله.

تم تصوير تلك الواقعة من قبل عدد من المواطنين الذين تواجدوا في نفس المكان وانتشر عدد هائل من مقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى قيام مظاهرات غير مسبوقة امتدت لمعظم الولايات الأمريكية قبل أن تنتشر في أكثر من 2000 مدينة حول العالم، حيث بدأت الاحتجاجات بشكل سلمي كرد فعل على مقتل الضحية، وسرعان ما تحولت تلك التجمعات السلمية إلى أعمال شغب واشتباك مع رجال الشرطة وإضرام النار في سيارات تابعة للشرطة.

وختاماً فمن الجدير بالذكر أن أي حدث سلمي يتحول إلى اعتداء على الأجهزة الأمنية يعد دليلاً على طبيعة العلاقة المتوترة بين الجهاز الأمني وأفراد المجتمع، كما يقل تحول الاحتجاجات إلى أعمال اعتداء واشتباك مع رجال الأمن عندما تكون هناك علاقة جيدة بين المؤسسة الأمنية مع مجتمعها المحلي، وأفضل وسيلة لبناء هذا النوع من العلاقات الإيجابية هو العمل الجاد وإبراز نتائجه من خلال جهاز إعلامي أمني قوي ومتطور.