بعد إعادة تصور السيمفونية العاشرة غير المكتملة لبيتهوفن

إذاعة وتلفزيون الخليج

الحديث مجددًا حول إنجاز الأعمال الفنية بالذكاء الاصطناعي

نجاح أوركسترا نيكزس السويسرية مع خبراء الذكاء الاصطناعي في إعادة  تصور السيمفونية العاشرة غير المكتملة للموسيقار الألماني “لودفيج فان بيتهوفن” يفتح الباب أمام إكمال بعض الأعمال الفنية من لوحات ومواد مصورة وإذاعية وغيره، ويعيد التذكير بأعمال تم إنجازها فعلاً وعرضت على الجمهور.

وكانت الملاحظات البسيطة التي دونها بيتهوفن في دفتره الخاص هي كل ما تركه من سيمفونيته العاشرة قبل وفاته عام 1827م، وخلال السنوات الماضية ظل علماء الموسيقى والمبرمجين يتسابقون لاستكمال نسخة من المقطوعة باستخدام الذكاء الصناعي.

هذا العام عزفت أوركسترا نيكزس مقتطفًا مدته أربع دقائق بقيادة الموسيقار جيوم بيرني، وأشرف فلوريان كولومبو، عالم الكومبيوتر في معهد لوزان الاتحادي للفنون التطبيقية، على عملية تطوير خوارزميات باستخدام تقنية التعلم العميق، وهي مجموعة فرعية من الذكاء الاصطناعي تهدف إلى تعليم أجهزة الكمبيوتر “التفكير” من خلال هياكل على غرار الدماغ البشري، حيث قام كولومبو أولاً بتغذية الشبكة العصبية بجميع الرباعيات الوترية الستة عشر الخاصة ببيتهوفن، ثم طلب منها كتابة نوتة اعتمادًا على إحدى الأجزاء الموجودة في ملاحظات بيتهوفن المتفرقة، التي يعتقد علماء الموسيقى أنها ربما كانت لسيمفونية جديدة.

وقال الموسيقار بيرني لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يلتقط الصفحات الأولى الخارجة من الطابعة: “إن الأمر أشبه بمشاهدة عملية ولادة”، فيما قال كولومبو: “إن استخدام جهاز كمبيوتر لإعادة إنشاء شيء بدأه أحد أعظم عباقرة الموسيقى في العالم، هو أمر لا يتعدى على الإبداع البشري”، مضيفًا أنه رأى الخوارزمية الخاصة به كأداة جديدة لجعل التأليف الموسيقي أكثر سهولة ولتوسيع الإبداع البشري.

وعدا عن سيمفونية بيتهوفن يعتقد إيلون ماسك المؤسس المساعد لمصانع تيسلا موتورز ومديرها التنفيذي أن الذكاء الاصطناعي يعمل بكفاءة في كل المجالات تقريبًا وسيتفوق في كل شيء بحلول عام 2030م، وبعد أن كان الفن دائمًا وفق النظرة التقليدية حكرًا على البشر، تغيرّ ذلك الآن.

ففي 2018 تخطى سعر لوحة من تصميم الذكاء الاصطناعي كل التوقعات، وبيعت في مزاد دار كريستي في نيويورك (بورتريه إدموند بيلامي) بسعر (432) ألف دولار، وهي تصور رجلاً بدينا يرتدي معطفًا داكنًا بياقة بيضاء، وتم طمس معالم وجه صاحب البورتريه المبتكر، وتحمل في أسفلها معادلة رياضية بدل توقيع الفنان الذي يكون عادة مرافقا للوحة، وقد صمم الشبكة العصبية التي أنتجتها  فريق من فرنسا يدعى (Obvious).

وتحت عنوان “هل يستطيع الإنسان الآلي أن يكتب رواية؟”، نشرت الكاتبة  “هيفزيباه أندرسون” مقالا في “بي بي سي” جاء فيه: “قد يبدو لنا الأمر مجرد خيال علمي عندما نعلم أن الباحثين يعملون على استخدام الذكاء الاصطناعي لتأليف روايات وقصص قصيرة، لكن هل ستكون هذه الروايات على مستوى من الجودة يدفعنا لقراءتها؟ وتعيد الكاتبة  تنبؤ “راي كيرزويل”، مدير قسم الهندسة بشركة “غوغل” الأمريكية، الذي يرى بأن أجهزة الكمبيوتر ستكون أكثر ذكاء من أي إنسان بحلول عام 2029م”.

ويرى كيفين واريك، أستاذ علم المستقبليات، أن أجهزة الكمبيوتر ستكون قادرة على ذلك قريبًا، وعلى المشككين في ذلك أن يتذكروا أن واريك تنبأ بظهور الطائرات من دون طيار، وبالفعل، هناك أنظمة برمجية قادرة على إلقاء النكات والمداعبة، كما يمكنها أن تؤلف قطعًا موسيقية وابتكار قطع فنية، ونجحت بعض هذه البرامج في كتابة قطع شِعرية وذلك منذ عام 1983م، عندما ألّف برنامج يدعى “راكتر” كتابًا تجريبيًّا باسم “لحية الشرطي نصف نامية”، ويمكن لبعض الأجهزة أن تكتب روايات كاملة.

ومع التطور الجاري تم في نوفمبر عام 2019م، عرض أكثر من (120) عملاً يجمع بين الفن والعلوم والتكنولوجيا الحديثة، وذلك في المعرض الدولي الخامس للأعمال الفنية والعلمية، الذي أقيم تحت عنوان: “تكامل الفن والعلوم في عصر الذكاء الاصطناعي”، وذلك في المتحف الوطني الصيني في بكين، أبدع تلك الأعمال نحو مائتي فنان من أكثر من عشرين دولة ومنطقة، وأبرزت هذه الأعمال استكشافات الفنانين المتعددة في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك موضوعات مثل حدود الإدراك البشري والنموذج الفني للابتكار التكنولوجي والابتكار التعاوني للتكنولوجيا والفن، وأظهرت جاذبية عصر “الفن والعلوم”.

وقد اشتملت المعروضات على أعمال فن وسائل الإعلام الجديدة والتصميم الصناعي والتصميم المعماري والبيئي وتصميم الاتصالات المرئية وتصميم المنسوجات والأزياء والتصميم الخزفي وغيرها من الأعمال المبتكرة ذات الخصائص المميزة التي تعكس تكامل الفن والعلوم، وقام العلماء والفنانون من جميع أنحاء العالم بدمج التغييرات التكنولوجية لإدخال إلهام مستمر في الأعمال الفنية وتفسير المنطق الأساسي وفلسفة التصميم في العلوم والفن وأظهروا التفاعل المتعمق بين العلم والفن.

إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الكتابة والرسم والتأليف الموسيقي، والتطبيق العملي لتكنولوجيا سلسلة الكتل في مجال الفن، واستكشاف التصميم في مجال الهندسة الصحية، وإمكانية تطبيق تكنولوجيا الواقع الافتراضي في الصناعات الطبية وصناعة المعدات، وتطبيق الذكاء الحسابي في توسيع عالم الفن.

كل هذه التطبيقات والاكتشافات المتعددة التخصصات للفن والتكنولوجيا أثارت، بحسب موقع الصين اليوم، مناقشات ساخنة وتأملات حول ثورة ابتكار الفن والاقتصاد الذكي للعلوم والتكنولوجيا، وتعرض للناس إمكانيات متعددة لإنشاء أعمال فنية تفاعلية من خلال الحياة الذكية والذكاء الاصطناعي، وتوفر طرق فعالة متعددة لحل المشاكل الاجتماعية من خلال دمج الطبيعة والفن والتصميم والتكنولوجيا.

وليس كل المبتكرات في هذا الجانب بعيدة عن منطقتنا العربية، فالمهتمون يعرفون “آرتاثون الذكاء الاصطناعي”، وهو أحد مبادرات القمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي تنظمها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي وشراكة إستراتيجية مع وزارة الثقافة والاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة.

وكانت مسابقات هذا الآرتاثون انطلقت في الرياض، بمشاركة (300) من خبراء علماء البيانات والذكاء الاصطناعي في العالم واستمرت لمدة ثلاثة أيام، وقد وصلت قيمة جوائز المسابقة إلى (500) ألف ريال سعودي، وتم التنافس على ابتكار أفضل أعمال الفنون المرئية.

وقد امتدت الفعاليات على أربع مراحل، شملت: مسابقة الآرتاثون التي أقيمت خلال الفترة من 23 – 25 يناير 2020م، وتأهل منها (20) فريقًا، تلتها مرحلة البرنامج التدريبي التي أقيمت خلال الفترة من 26 يناير – 30 مارس، حيث حصل المتأهِّلون على أكثر من (140) ساعة تدريب من قبل مدربين وخبراء عالميين في صناعة الفن القائم على الذكاء الاصطناعي، وجاءت المرحلة الثالثة عبر الاحتفال الافتراضي الخاص بالإعلان عن الأعمال الفنية العشرة المتأهلة من أصل عشرين عملاً لتُعرض في المرحلة الأخيرة خلال المعرض الفني المصاحب للقمة العالمية للذكاء الاصطناعي وتكريم أصحاب المراكز الأولى.

لقد حظي الآرتاثون السعودي بدعم فريق من استشاري عالمي، من ضمنهم: لورين ماكارثي، مستشارة فنون قائمة على التقنيات من الولايات المتحدة الأمريكية، وكريستيان لوكلير، مستشار فنون رقمية ومؤسس شركة فنون قائمة على الذكاء الاصطناعي بألمانيا، ولوبا إليوت، مستشارة فن قائم على الذكاء الاصطناعي بالمملكة المتحدة.