“إم آي سي” أسسها تلميذان في المرحلة الثانوية .. لتخاطب جيل الألفية

دكتور عباس مصطفى صادق الخبير في الإعلام الرقمي

منصات الإعلام والترفيه الرقمي الجديدة

لزمن طويل سادت الإعلام الدولي أسماء إمبراطوريات معروفة، مثل تايم وارنر واكسل شبرنغر وبرتلزمان وديزني وغيرهم، الآن دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى جديد كليًا ويعرفها جيل الشباب، أسماء مثل: نيتفليكس، فايس ميديا، بزفيد، إنسايد إديشن، فوكس، أمازون برايم فيديو، هولو، وإم آي سي ميديا، هم عمالقة جدد في الإعلام والترفيه الدولي، بأحجام وتأثيرات واتجاهات مختلفة، بعضها حقق نجاحـًا منقطع النظير وبعضها تعرض للفشل.

“إم آي سي” شركة إنترنت وإعلام رقمي أمريكية تقدم خدماتها لجيل الألفية، وكانت تعرف في الأصل باسم (PolicyMic) وَتمَّ تأسيسها في عام 2011م بواسطة “كريس ألتشيك” و”جيك هورويتز”، وهما صديقان في المدرسة الثانوية في نيويورك.

وفي يناير 2014م، تمَّ اختيار المؤسسين ضمن القائمة السنوية لمجلة فوربز لما دون الثلاثين عامًا (Forbes 30 Under 30).  وفي نفس العام أعلنت الشركة أنها ستعيد تسمية نفسها باسم (Mic)، حتى تعكس رؤيتها الجريئة وسط الأجيال الجديدة.  

هذه الشركة الطموحة تعرضت لكثير من العقبات في مرحلة التأسيس، ففي 2014م تمَّ طرد كريس مايلز، مدير تحرير الأخبار، بسبب مزاعم الانتحال، وبعد أن  وصل حجم زوار منصتها في أبريل 2014م إلى (19) مليون زائر شهريـًّا لم يستمر هذا الوضع كثيرًا، ففي فبراير 2015م تم الاستغناء عن مدير الأخبار “جاريد كيلر”، بعد أن وجد أحد مواقع المدونات مستويات مختلفة من الانتحال في (20) مقطعًا مختلفًا من أعماله، وفي سبتمبر 2018م تمَّ فصل المراسل “جاك سميث” بعد أن كشف موقع (Jezebel) عن اتهامات ضده بسوء السلوك.

استمرت معاناة “إم آي سي” حيث قامت في 29 نوفمبر 2018م بتسريح غالبية موظفيها، بعد أن ألغت فيسبوك صفقة معها لنشر سلسلة فيديوهات إخبارية، في ذلك اليوم  قال “ألتشيك” للموظفين خلال اجتماع شامل: إن فيسبوك  فاجأتنا في وقت حرج، لذلك  فإن غالبية الأشخاص، والموارد البشرية، والإنتاج، والفيديو، والتحرير، والتسويق، والإيرادات، والمديرين التنفيذيين سيغادرون فريق الشركة، في نفس اليوم، تمَّ بيع المنصة الشابة لشركة “بستل ميديا قروب” (Bustle Media Group) مقابل أقل من (5) ملايين دولار، وهو جزء بسيط من مئات الملايين التي قال “ألتشيك”: إن الموقع يستحقها في عام 2017م.

لقد تمَّ إرجاع ما حدث إلى حجم التناقض الحاصل في تتبع أعداد المشاهدين مع التغييرات في خوارزميات فيسبوك ومعدلات الإعلان، والتركيز المفرط على القصص النصـّية سهلة البحث كأسباب جزئية، وبسبب ذلك قامت “إم آي سي” بتغيير في نموذج عملها من خلال التركيز على إنتاج محتوى أقل بشكل عام لصالح صحافة الفيديو، وهو تحول شاع بين شركات الوسائط الرقمية خلال تلك الفترة.

ومنذ عام 2018م، أصبحت المنصة تنتج من خلال “بستل ميديا قروب” مواد فيديو تغطي موضوعات العدالة الاجتماعية والقضايا التقدمية، وقد وصفت بأنها “قضايا مهمة للشباب”، حيث يتم توزيعها من خلال الموقع الخاص بها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليتمَّ استكمال هذا المحتوى بمقاطع فيديو دعائية يتمُّ إنتاجها بشكل خاص للعملاء.

وبسبب محتواها الجديد وصف الكاتب “آبي براون”، أسلوبها بأنه مزيج من التحليل الجاد للقضايا والمقالات المهمة، وقام “براون” بوضع المنصة في المقدمة، مع منصات أخرى مثل “ابويرثي” (Upworthy) و”بزفيد” (Buzzfeed) و”بيزنس انسايدر” (BusinessInsider) ليعطيها السبق على وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”.

ومن حين لآخر ظلـّت المنصة تعمل على استقطاب بعض السياسيين والمشاهير في الولايات المتحدة الأمريكية ليكتبوا فيها، من بين هؤلاء: السناتور راند بول، والسناتور كيرستن جيليبراند، ومقدمة البرامج الإذاعية ديزي روزاريو، وغيرهم.

كما عمل البيت الأبيض معها في ديسمبر 2013م في مسابقة باسم (Open Mic) بغرض جعل الرعاية الصحية تعمل لصالح الجيل الجديد.

وتحقق “إم آي سي” إيراداتها من خلال الإعلانات المعروفة باسم “المحتوى ذي العلامة التجارية” (Branded content)، وفي ذلك أشار موقع (Digiday.com) أن بعض العلامات التجارية الكبرى مثل مايكروسفت وكاديلاك وجنرال اليكتريك، قد استغلت جميعها منصة “إم آي سي” على أمل الاستفادة من خبراتها للوصول إلى جمهور الموقع الذي يتكون في أغلبه من الشباب المتعلم ممن هم في سنِّ العشرينيات من العمر.

والمحتوى المرتبط بعلامة تجارية هو محتوى ينتجه المعلن، أو يتمُّ تمويله مِن قبل المعلن، وهو لا يتضمن إعلانات تقليدية، بل يمكن أن يكون في شكل مقالات ومقاطع فيديو وبودكاست،  فهو ليس إعلانـًا بالطريقة التي إعتاد عليها الناس كما هو الحال بالنسبة للإعلانات التجارية في الصحافة والتلفزيون، ولافتات الإعلانات، وإعلانات الوسائط الاجتماعية، إلخ.

حاليًا، وقت كتابة هذا المقال، يصف موقع “بستل ميديا قروب” نهج العمل فيه هكذا: “نحن نعمل مع المبدعين للكشف عن القضايا والقصص المهمة من منظور الأصالة والشمولية، ويتيح لنا هذا المنهج التحدث إلى كثيرين، أو قليلين، حول  هذا العالم المتغير ومكاننا فيه، وذلك من خلال (9) علامات إعلامية رائدة و (84) مليون قارئ و(55) مليون معجب اجتماعي”.

وتضيف “بستل ميديا” بأن منصتها الرئيسية تقدم لكل المتابعات من النساء ما يردن معرفته ورؤيته وقراءته، سواء كن يبحثن عمـّا  يجري في الحياة العامة، أو ما سيتمُّ بثـّه في عطلة نهاية الأسبوع، أو مكان للعثور على الاحتياجات الشخصية وغيرها.  

وضمن هذه المنصة الكبيرة تنشط منصات أخرى تهتم كل واحدة منها بمجال معين، وتشمل منصة (Elite Daily) التي  تقدم  كل ما يحتاج المتابع إلى معرفته ليعيش حياته بشكل أفضل.

أما منصة (Input)، فهي نوع جديد من منشورات التكنولوجيا والثقافة التي تبحث في الأشياء والأفكار والأشخاص والشركات والاتجاهات المستقبلية، لتروي القصص التي تعرض الجديد في العالم، بما في ذلك مستحدثات الواقع الافتراضي.

وفي منصة (Inverse) يتمُّ عرض الابتكارات والأفكار التي تشكل المستقبل، حيث تأخذ المنصة منهجًا علميـًّا لتحليل الثقافة ونهجـًا ثقافيـًّا للحديث عن العلم.

وتأتي منصة (Romper)  كموقع لجيل جديد من الأمهات اللائي يسعين لاكتشاف معنى الأمومة ويتحدثن عنها، حيث يجدن فيه قصصًا وتجارب شخصية لأخريات، ونصائح الخبراء عن الأمومة والموضة والجمال، وأخبار المشاهير وحواراتهم، وتغطيات يومية للقضايا ذات الصلة والاهتمام.

وتعتبر منصة (NYLON) ببساطة موقعـًا للتعرف على وسائل الترفيه والحياة الاجتماعية والموضة، وفي نفس الاتجاه يقدم (The Zoe Report) ما تحتاجه المرأة في مجالات الموضة والتجميل وأسلوب الحياة وكل ما ينتمي إليها.

أخيرًا تعرّف “بستل ميديا” منصة إم آي سي” بأنها مكان لمساعدة الشباب على التعامل مع الحاضر، وذلك ضمن مشهد إخباري مزدحم، حيث تقدم القصص المهمة في السياسة والثقافة، إلى العدالة الاجتماعية وما يجري في وسائل التواصل الاجتماعي لتفحص المنصة تأثيرها في حياة الناس، وهي فوق ذلك كله تعمل على منح الأشخاص المحرومين من التمثيل الظهور في منصتها، وذلك خلال سرد القصص والتقارير الأصلية عنهم وعن قضاياهم.