وداعًا “صباح الإنسانية” و”أمير الدبلوماسية”

إذاعة وتلفزيون الخليج - الرياض

شيخ الدبلوماسية.. صباح الإنسانية.. أمير السلام.. تعددت الألقاب وتشعبت.. وكلها نابعة من حبٍ كبير وسيرةٍ راسخة بالعطاء والوفاء.. مصبّها تاريخ خلده سمو أمير دولة الكويت الراحل.. الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعطاءاته الإنسانية وجهوده السياسية وإسهاماته التنموية المحلية والعالمية.. وإنجازاته منذ أول مهمة وطنية تولاها في بلاده حتى أعلن الديوان الأميري الكويتي يوم الثلاثاء التاسع والعشرون من سبتمبر 2020م رحيله يرحمه الله.

وقد نعى المجتمع الخليجي وقياداته الأمير صباح الأحمد، الذي ترك خلفه إرثًا كبيرًا من المحبة والإخاء التي يتبادلها أبناء دول مجلس التعاون، وقد غرسها فيهم قادتهم، كما فعل الشيخ صباح طوال مسيرته الزاخرة بالعمل الإنساني ومساعيه السياسية الدبلوماسية في تقريب وجهات النظر على المستوى العالمي والإقليمي.

شغل الأمير الراحل عدة مناصب قبل أن يتولى سدة الحكم في البلاد، وقد أتاح له عمله الطويل في الحكومة منذ 1961، خصوصًا توليه وزارة الإعلام كأول وزير إعلام في تاريخ الكويت، أن يمتلك خبرات إدارية وإعلامية متراكمة، جعلت الكويت منارة إعلامية وثقافية في الخليج والعالم العربي، حيث كانت له إسهامات كبيرة في دعم العمل الإعلامي الخليجي وتوفير إمكاناته الفنية والإدارية ودعمه بالخبرات في بعض دول الخليج.

كما كلف الأمير صباح بمنصب وزير الخارجية، الذي ظل يشغله باقتدار على مدى 40 عاماً (1963-2003)، أضحى أميرًا للدبلوماسية، معززًا دوره بحراكه الذي لم يكن يهدأ، متنقلاً بين الدول، متمسكا ومؤثرًا بمواقف بلاده، ومقدمًا الوساطات لتسوية الخلافات، ومشجعًا الدول الكبرى للقيام بدور أكبر في تحقيق الأمن والنماء، واستقرار الشعوب.

أسهم الشيخ صباح، بصفته رائدًا من رواد تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أُسس في عام 1981 خلال توليه وزارة الخارجية، في وضع الخطوط العريضة للمجلس، واستمر داعمًا ومعززًا لمسيرة مجلس التعاون من خلال المجلس الوزاري بصفته وزيرًا للخارجية، وامتد دعمه بعد توليه الحكم في البلاد مسهمًا في نهضة ومسيرة المجلس نحو أهداف التعاون والإخاء الخليجي، إلى جوار إخوته أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس.

وشهد التاريخ الخليجي تعاظم قدراته الدبلوماسية خلال فترة الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠، حين قام بدور بارز في حشد التأييد لبلاده، مشكلاً جبهة قوية صلبة تواكب الجبهة الميدانية التي أقامتها السعودية وحلفاء الكويت في تلك الفترة.

نشأة الأمير الراحل وتعليمه

ولد الشيخ صباح في مدينة الجهراء عام 1929، وهو الابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح (أحمد الأول)، وتلقى تعليمه في مدرسة المباركية بالكويت قبل أن يوفده والده إلى الخارج للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية وليتعرّف كذلك على طبيعة الأنظمة والعمل والإدارة في عدد من الدول.

كما عاصر الأمير الراحل إدارة وتعاطي والده الشيخ أحمد الجابر الصباح مع الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية، في فترة كان العالم آنذاك حافلًا بأحداث سياسية وعسكرية عظيمة، فكان نبوغه رحمه الله مطلعًا على متغيرات عالمية شكلت فكره السياسي الحكيم.

المسيرة السياسية لأمير الدبلوماسية

  • في عام 1954 عُيّن عضواً في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها تنظيم مصالح الحكومة والدوائر الرسمية.
  • في عام 1955 عُيّن رئيساً لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
  • في عام 1957 أُسندت إليه أيضاً رئاسة دائرة المطبوعات والنشر.
  • اهتم بالقضايا الاجتماعية وعمل على توفير فرص العمل الملائم للمواطنين، كما عمل على تنظيم العمالة الوافدة وخاصة في فترة ما بعد إنتاج النفط في الكويت.
  • تم في عهده إصدار الجريدة الرسمية للكويت تحت اسم “الكويت اليوم” لتسجيل كافة الوقائع الرسمية، وإصدار قانون المطبوعات والنشر الذي شجع الصحافة السياسية وكفل حريتها في حدود القانون.
  • في عام 1961 عند تشكيل الحكومة الكويتية الأولى وتحول الدوائر إلى وزارات عُيّن فيها الأمير صباح -يرحمه الله- وزيراً للإعلام، كما كان عضواً في المجلس التأسيسي الذي كلف بوضع الدستور.
  • في عام 1963 عين وزيراً للخارجية، وظل في هذا المنصب لمدة 40 عاماً.
  • بحكم منصبه الوزاري كوزير للخارجية أصبح عضوًا في مجلس الأمة الكويتي.

مبادرات وعطاءات “قائد الإنسانية”

عرف الأمير الراحل باتباعه السياسة الإصلاحية منذ أن كان رئيسًا لمجلس الوزراء، حيث حصلت المرأة الكويتية على حقوقها السياسية، ثم وزّرت أوّل امرأة في حكومة كويتية برئاسته عام 2005، وتلا ذلك مشاركة المرأة الكويتية في العملية الانتخابية في أوّل انتخابات نيابية بعد توليه إمارة البلاد، ومن ثم تُوجّت سياسته الإصلاحية بدخول المرأة للمرة الأولى عضوًا في مجلس الأمة في ثالث انتخابات نيابية تجرى في عهده، كما سُمح للمرأة بدخول السلك العسكري.

وكانت الأمم المتحدة في 9 سبتمبر 2014 كرمت الشيخ صباح الأحمد، بلقب “قائد العمل الإنساني” وسميت الكويت “مركزًا للعمل الإنساني” تقديرًا من المنظمة الدولية للجهود الذي بذلها الأمير وقدمتها الكويت خدمة للإنسانية.

وجاء حصول الأمير صباح على لقب “قائد الإنسانية” نظير تاريخ عريق في خدمة قضايا شعبه وأمته بإخلاص وتفان غير مسبوقين، إضافةً إلى جهوده الدولية من موقعه كأمير للبلاد وعلى المستوى العالمي رائدًا للتنمية وهادفًا إلى تعزيز التآلف والتعاون والتضامن بين شعوب العالم.

الأثر الخالد لسمو القائد

كانت حياة الأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح نموذجًا للقائد الحكيم، الذي صنع بابتسامته وحنكته ورصانة فكره السياسي، ومبادراته الإنسانية تحولات كبيرة على مستوى الشعب والحكومة في الداخل الكويتي، كما أن لجهوده ومكانته الكبيرة لدى الدول العربية وقادتها لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي الأثر الإيجابي الكبير الذي يرصده متأمل المشهد الخليجي والعربي على كافة الأصعدة، فقد كان -يرحمه الله- رمزًا للحكمة والإخاء والسمو الإنساني، وأيضًا للثقة والثبات والالتزام بقضايا الأمة، والوقوف بقوة للحفاظ على مصالحها ومصالح شعوبها.

الأوسمة والقلادات:

قُلّد الأمير الراحل بالعديد من الأوسمة والقلادات العليا من مختلف دول العالم؛ تقديرًا لجهوده ومنجزاته في الدبلوماسية العالمية والإقليمية وبذله الإنساني، وشملت: 

  • (وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى) من المملكة العربية السعودية في 2 يوليو 2000
  • (شهادة الدكتوراة الفخرية في القانون) من جامعة جورج واشنطن بالولايات الأمريكية المتحدة في 30 يونيو 2005
  • (قلادة الملك عبد العزيز) من المملكة العربية السعودية في 11 مارس 2006
  • (وسام عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الممتازة) من مملكة البحرين في 12 مارس 2006
  • (قلادة الاستقلال) من دولة قطر في 12 مارس 2006
  • (وسام الشيخ زايد) من الإمارات العربية المتحدة في 13 مارس 2006
  • (وسام جوقة الشرف الأكبر) من الجمهورية الفرنسية في 1 ديسمبر 2006
  • (وسام عمان المدني من الدرجة الأولى) من سلطنة عمان في 28 ديسمبر 2009
  • (وسام الاستحقاق الرئاسي) من الجمهورية الإيطالية في 26 أبريل 2010
  • (وسام الاستحقاق الاتحادي) من جمهورية ألمانيا الاتحادية في 27 أبريل 2010
  • (قلادة الحسين بن علي) من المملكة الأردنية الهاشمية في 17 مايو 2010
  • (قلادة المحرر سان مارتين) من جمهورية الأرجنتين في 16 يناير 2011
  • (قلادة كريسا نثموم الإمبراطورية) من اليابان في 21 مارس 2012
  • (الوسام الأعظم من طبقة باث) من المملكة المتحدة في 27 نوفمبر 2012
  • (قائد العمل الإنساني) من الأمم المتحدة في 9 سبتمبر 2014

قالوا عنه

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز

(فقدتُ أخًا عزيزًا وصديقًا كريمًا وقامة كبيرة، له في نفسي مكانة عظيمة وتقدير يستحقه.. وسيخلده التاريخ إذ كرّس حياته لخدمة بلاده وأمتيه العربية والإسلامية)

الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان – رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

(فقدنا زعيماً من أبرز أبناء الأمتين العربية والإسلامية أعطى الكثير لشعبه وأمته ودافع عن قضايا العروبة والإسلام بصدق وإخلاص، وكان من رواد العمل الخليجي المشترك)

الملك حمد بن عيسى آل خليفة – ملك البحرين

(أفنى عمره في العطاء والإنجازات في خدمة شعبه وأمته العربية والإسلامية ونصرة قضاياها وكان رحمه الله قائدًا حكيمًا كرّس حياته في خدمة الإنسانية)

السلطان هيثم بن طارق آل سعيد – سلطان عمان

(كان الفقيد الراحل أحد القادة العرب الذين ساهموا بحنكتهم وبصيرتهم في إرساء منظومة العدل والإنسانية)

الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – أمير دولة قطر

(كان قائدًا عظيمًا وزعيمًا فذًا اتسم بالحكمة والاعتدال وبعد النظر والرأي السديد)

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم – نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

(رحم الله أب الكويت الحاني.. وقلب الخليج النابض.. وأمير الإنسانية النبيل الشيخ صباح)

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان – ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة

(ستظل مواقفه التاريخية المخلصة في خدمة وطنه وأمته والإنسانية، خالدة في ذاكرة الأجيال)

الملك عبدالله الثاني بن الحسين – ملك المملكة الأردنية الهاشمية

(فقدنا أخاً كبيرًا وزعيمًا حكيمًا مُحبًا للأردن)

الرئيس عبدالفتاح السيسي – رئيس جمهورية مصر العربية

(فقدت الأمة العربية والإسلامية قائدًا من أغلى رجالها)

دونالد ترامب – رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

(كان الشيخ صباح صديقًا وشريكًا لا يتزعزع للولايات المتحدة، وكان دبلوماسيًا لا مثيل له، ووساطته الدؤوبة في حل النزاعات في الشرق الأوسط ساعدت في تجسير الانقسامات في ظل أصعب الظروف)

ناريندرا دامودارداس مودي – رئيس الوزراء الهندي

(الكويت والعالم فقدا قائدًا محبوبًا والهند خسرت صديقًا مقربًا)