أخلاقيات الإعلام الجديد

نعيش اليوم عصر التكنولوجيا والمعلومات والتواصل الاجتماعي، ويتضح  ذلك من خلال مجتمع المعلومات الذي يعتمد على استثمار التكنولوجيات الحديثة في إنتاج المعلومات الوفيرة لاستخدامها في تقديم الخدمات على نحو سريع وفعال، وتشكل المعلومات أساسًا في التنوير والتطوير، ومـَن يملك المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب فإنه يملك عناصر القوة والسيطرة في عالم متغير يعتمد على العلم في كل شيء بعيدًا عن العشوائية والارتجالية
.صاحب ذلك تطور البث الفضائي والتعددية الإعلامية، مما أدى إلى سهولة إطلاق الفضائيات عند توافر المال والتقنيات اللازمة، وأضحى لوسائل الإعلام دور كبير في التأثير في المجتمعات، بل أصبحت بالفعل السلطة الأولى، قبل سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء، بفعل قدرتها على التأثير والتغيير، ولا يمكن إغفال هذا الدور في تغيير الاتجاهات وترسيخ المفاهيم سواء كانت إيجابية أو سلبية.
من هنا نشأت المطالبة بوجود ميثاق شرف أخلاقي للتعامل مع الإعلام الرقمي – التفاعلي، الذي يشمل الصحافة الإلكترونية “الإعلام الإلكتروني”، التدوين، والتصوير الصحافي الإلكتروني، وصحافة المواطن، والميديا الاجتماعية أو شبكات التواصل الاجتماعي.
وبقدر ما أسهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصال في توسيع حرية التعبير ، بقدر ما فتحت الباب على مصراعيه أمام أنماط جديدة من الانتهاكات الأخلاقية، وبالقدر ذاته يفترض أن تزيد من مسؤولية الصحافي المهني ومعرفة كيفية استخدام هذا الإعلام الجديد للبحث والنشر والبث، وكيفية استخدام النصوص والصور وتوظيفها التوظيف الصحيح في عمله، وكيفية إطلالته إعلاميًّا من المنصات المختلفة لهذا الإعلام الجديد، فالهدف التنظيم لا التعقيد، وليس السيطرة على المواقع والمدونات الإلكترونية، بل الارتقاء بالأداء المعني لهذا النوع من الإعلام، فالممارسات الإعلامية النزيهة أيا كانت مصادرها  الإلكترونية أو الورقية لابد من أن تلتزم لمجتمعها بحقـّين أساسيين أولهما: حق الناس في الاطلاع وثانيهما: حق الجمهور في التعبير.
ومواثيق الشرف الأخلاقية ما هي إلا مجموعة المعايير والقيم المرتبطة بمهنة الإعلام والتي يلتزم بها الصحفيون في تعاملهم مع المادة الإعلامية على الإنترنت، سواء كانت من أجل نشرها في المدونات أو مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال آليات وإلزام والتزام الصحفيين بها، والتي يصيغها الصحفيين أنفسهم في إطار النقابات المهنية أو التي تصيغها المؤسسات الإعلامية.
وهناك نوعان من مواثيق الشرف، منها مواثيق إجبارية إلزامية، وهي التي تحمل بعض أشكال العقاب لـِمن يخالف أو ينتهك ما جاء فيها، وأخرى مواثيق اختيارية، وتعدُّ بمثابة تنظيم ذاتي للعاملين في المهنة الإعلامية للعمل على تنمية قيم المسؤولية الاجتماعية في نشر الأخبار في فضاء الإنترنت الذي ينشطون فيه.
وتتباين المعايير المهنية والأخلاقية الصحافية من دولة إلى أخرى ومن بيئة إلى أخرى، حيث ينبغي أن يتمثل التغيير الجوهري في أخلاقيات الإعلام في ثلاث مجالات: رؤية جديدة لطبيعة أخلاقيات الإعلام، ثم أخلاقيات تطبيقية تحكم الممارسات الإعلامية، وثالثـًا أخلاقيات الإعلام العالمي باعتبار هذا الإعلام عابر للقارات ويتخطى الحدود الجغرافية والدولية، ومما يشير إلى ضرورة التوصل إلى ميثاق شرف للعاملين في الإعلام الإلكتروني العديد من المظاهر التي يمكن رصدها، ومنها: الشك في المصداقية، والأخبار مجهولة المصدر، والتعليقات المنشورة معها، واستخدام لغة غير مهذبة لا تراعي الذوق العام، والإساءة إلى الشخصيات العامة، وازدراء الأديان وغيرها من المظاهر الأخرى، لتبدو مهمة ضبطه “أكثر صعوبة” ونجد أن الحاجة إلى تشريعات وضوابط مهنية وأخلاقية مسألة معقدة وليست بالهيّنة، ولا يمكن الوصول فيها إلى حالة من الضبط التـّام الملزم للجميع، فهذا الإعلام يحلُّ في الفضاء المفتوح وينطلق من منصات إلكترونية لا يمكن حصرها وتحديدها.
إن أهم أهداف العمل على الإنترنت في مجال الإعلام الإلكتروني تتمثل في كسب ثقة الناس، وذلك عبر الالتزام بالمصداقية والموضوعية وإدراك خدمة المصلحة العامة، وحماية المجتمع من التبسيط الزائد للقضايا والأحداث، وتوفير نطاق واسع من المعلومات لتمكين الجمهور من اتخاذ القرارات الصحيحة، بالإضافة إلى السعي من أجل جعل النشاطات التجارية الخاصة والعامة علنية، وهذا يدعم الثقة بين الوسيلة الإعلامية والجمهور.  كما لا بد للصحفي الإلكتروني من تقديم الأخبار الصحيحة بدقة متناهية، وهذا أساس آخر من أساسيات ومبادئ أخلاقيات العمل المهني عبر الإنترنت، وكذلك العدل والإنصاف من خلال عرض الأخبار بحيادية، وإضافة قيمة أساسية على الأخبار ذات العلاقة، ونقل التنوع في الآراء والأفكار، وإعداد تقارير تحليلية قائمة على الفـَهم المهني وليس الانحياز والنمطية، ناهيك عن احترام الحق في محاكمة عادلة، فمن أهم الأخلاقيات الإعلامية مسألة الحيادية التي تعني العدل والتوازن في عرض المحتوى، وألا تكون لدى المشاركين في إعداد هذا المحتوى، أفرادًا كانوا أم مؤسسات، أفكار مسبقة مؤيدة أو معادية لأي جهة معنية يأتي ذكرها في المواد الصحفية حتى تكون أكثر مصداقية.